رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

هل تصبح شنغهاى «ناتو» الشرق؟


13-9-2025 | 11:51

.

طباعة
تقرير: أمانى عاطف

واقع جديد يتشكل مركزه فى الصين وليس الولايات المتحدة الأمريكية، لمناقشة مستقبل العالم اجتمع فيه قادة أبرز الدول، وهو ما جعلنا نطرح نقاشًا بشأن أبرز الأسئلة الملحة: هل يمكن اعتبار منظمة شنغهاى منافسًا سياسيًا لمواجهة الهيمنة الأمريكية وحلف الناتو والنفوذ الغربى؟

 

تُعد قمة شنغهاى منصة استراتيجية تُبرز التحولات الجيوسياسية فى القرن الحادى والعشرين، حيث تجمع عدد من الدول المؤثرة التى تسعى إلى إعادة تشكيل النظام الدولى على أسس التعددية والتوازن بين القوى العالمية، فهى تجمع الثالوث النووى «روسيا، الصين، والهند»، مشتركين ضد سياسات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، بسبب التعريفات الجمركية التى أطلقها، وأشعل من خلالها حربًا عالمية تجارية.

الرئيس الصينى شى جين بينج استقبل زعماء أكثر من 20 دولة على البساط الأحمر، من بينهم الرئيسان الروسى فلاديمير بوتين، والإيرانى مسعود بيزشكيان، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودى، ورئيس الوزراء المصرى مصطفى مدبولى نيابة عن الرئيس عبدالفتاح السيسى وكذلك الرئيس التركى رجب طيب أردوغان والزعيم الكورى كيم جونج أون الذى غاب عن القمة وحضر العرض العسكرى الذى تلى القمة.

تجمعت الدول فى الصين لأهداف اقتصادية وتجارية ضد قرارات وعقوبات البيت الأبيض، فى قمة منظمة شنغهاى للتعاون (SCO) فى تيانجين، تلاها عرض عسكرى فى ميدان تيانانمن، وذلك إحياء للذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية.

صُمم العرض لإبراز قوة الصين العسكرية ونفوذها الدبلوماسى، فهذا الاستعراض لا يقتصر على الاحتفال التاريخى فقط، بل يحمل رسائل سياسية وعسكرية واضحة وموجهة بشكل مباشر إلى الولايات المتحدة وتايوان، كما أنه يأتى فى الوقت الذى تتسبب فيه الرسوم الجمركية التى فرضها الرئيس ترامب وسياساته المتقلبة فى توتر علاقات واشنطن مع الحلفاء والخصوم، على حد سواء.

الكاتب والمحلل السياسى، عمرو حسين أوضح أن قمة شنغهاى جاءت بمثابة رسالة صينية قوية إلى واشنطن وحلفائها الغربيين، حيث عكست بوضوح ملامح التوجه نحو نظام عالمى متعدد الأقطاب يقوم على الشراكات الاستراتيجية والتوازنات الجديدة، بعيدًا عن الأحادية الأمريكية.

وأضاف لـ«المصوّر»، أن تصريحات الرئيس الصينى التى حملت عنوان «إما السلام أو الحرب» ليست مجرد خطاب دبلوماسى، وإنما تعكس رؤية استراتيجية صينية ترى أن استمرار السياسات الأمريكية فى الهيمنة وفرض العقوبات واستخدام أدوات الضغط الاقتصادى والسياسى لم يعد مقبولًا، وأن العالم يتجه بقوة إلى بدائل سياسية واقتصادية وأمنية تُمكّن الدول من التحرر من النفوذ الغربى التقليدى.

وأكد أن منظمة شنغهاى، التى تضم قوى إقليمية ودولية مؤثرة مثل الصين وروسيا والهند وباكستان وإيران ودول آسيا الوسطى، أصبحت اليوم أكبر تكتل إقليمى فى العالم من حيث المساحة والسكان، وتمثل منصة متكاملة للتنسيق الأمنى والتعاون الاقتصادى وبناء الثقة المتبادلة بين أعضائها، وهو ما يمنحها وزنًا متزايدًا على الساحة الدولية، ويجعلها طرفًا أساسيًا فى صياغة مستقبل العلاقات الدولية.

وأوضح «حسين» أن المقارنة بين شنغهاى والناتو قد تبدو مطروحة فى الإعلام الغربى، لكن من المهم التفرقة بين طبيعة كل كيان، فـ«الأطلسي» حلف عسكرى تقليدى قائم على الردع واستخدام القوة لفرض المصالح الغربية، بينما منظمة شنغهاى نشأت كإطار «أمنى - سياسى - اقتصادي»، يسعى إلى تسوية النزاعات، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز التجارة، وبناء شراكات استراتيجية، ومع ذلك، فإن اتساع نطاق التعاون العسكرى بين أعضائها وإجراء مناورات مشتركة يعكس أنها قد تتحول تدريجيًا إلى قوة موازنة للهيمنة الغربية.

وأشار إلى أن التحالف «الروسى – الصينى – الكورى الشمالي»، وما يرتبط به من دعم إيرانى وتعاون مع دول آسيوية أخرى، يطرح تساؤلات جدية أمام الولايات المتحدة حول قدرتها على الاستمرار فى فرض نموذجها الأحادى، لافتًا إلى أن المنظومة الغربية بقيادة واشنطن تواجه اليوم تآكلًا فى النفوذ، سواء بسبب حرب أوكرانيا، أو بسبب التحديات الاقتصادية العالمية التى قلّصت من قدرة الغرب على التحكم فى الأسواق.

وقال «حسين» إن هذه التحولات لا تعنى بالضرورة أن منظمة شنغهاى ستصبح «ناتو شرقيًا»، لكنها بالتأكيد تؤكد أننا أمام توازنات جديدة فى العلاقات الدولية، فالعالم لم يعد يتقبل الانفراد الأمريكى بالقرار الدولى، بل يسعى إلى توزيع مراكز القوة بين الشرق والغرب، وهو ما يمكن وصفه ببداية تعددية الأقطاب التى ستعيد صياغة النظام العالمى، مضيفًا أن الولايات المتحدة وحلفاءها ينظرون إلى منظمة شنغهاى بقلق متزايد، ليس فقط لأنها تجمع قوى نووية كبرى، بل لأنها أيضًا تمثل أسواقًا هائلة للطاقة والتكنولوجيا والبنية التحتية، ما يمنحها قدرة على صياغة بدائل حقيقية للنظام الاقتصادى الغربى، الذى ظل مسيطرًا لعقود.

وأتم الخبير السياسى قوله، بأن قمة شنغهاى الأخيرة لم تكن مجرد اجتماع إقليمى تقليدى، بل كانت رسالة سياسية واضحة، مفادها أن العالم يتغير بسرعة، وأن التحالفات الجديدة تقودنا نحو مرحلة انتقالية تاريخية ستحدد شكل النظام الدولى لعقود مقبلة -وقتها، لن تكون واشنطن وحدها صاحبة القرار، بل ستجد نفسها مضطرة للتعامل مع قوى صاعدة وشراكات متشابكة قادرة على حماية مصالحها ومواجهة الضغوط الغربية.

وفى الإطار ذاته، استكملت «المصوّر» الحديث مع خبير العلاقات الدولية، طارق البرديسى، الذى أكد أن قمة شنغهاى رسالة صينية قوية إلى واشنطن والغرب، تؤكد أن العالم يسير نحو نظام متعدد الأقطاب، وأن منظمة شنغهاى مرشحة لأن تكون منافسا قويا للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسى (الناتو) فى النفوذ الاقتصادى والاستراتيجى والسياسى، موضحًا أن المنظمة لديها مفردات ومقومات ذلك الترشح والتنافس، ولكنها لم تصبح حتى وقتنا هذا منافسا قويا بل مرشحة فقط، ورأى «البرديسى» أن كلام ترامب فيه ضعف، عندما قال «أرجو منكم إبلاغ أطيب تحياتى لفلاديمير بوتين وكيم جونج أون بينما تتآمرون ضد الولايات المتّحدة»، فيما جاء رد بوتين ساخرًا خلال مؤتمره الصحفى فى ختام زيارته إلى الصين، حيث علّق قائلًا: «الرئيس الأمريكى لا يخلو من روح الدعابة، ما هو وجه التآمر ضد الولايات المتحدة؟!»

واتفق معه فى القول، المحلل السياسى الصينى، نادر رونج روهان، حيث أكد أن قمة شنغهاى ساهمت فى وحدة التضامن بين دول الجنوب، كما تم الإعلان عن سلسلة من الاجتماعات لدعم التنمية عالية الجودة لأعضاء المنظمة، وأصدرت بيانات مشتركة متعلقة بالدفاع والنظام التجارى متعدد الأطراف، مضيفًا أن المنظمة تعد الأكبر دوليًا من حيث عدد سكانها أو مساحتها، وتشكل ربع إجمالى التجارة العالمية وتقريبا 40 فى المائة من حجم الاقتصاد الدولى، منوهًا بطرح بكين مبادرة «الحوكمة العالمية» من أجل بناء نظام عالمى متعدد الأطراف، وكذلك دفع النظام القائم نحو عدالة وإنصاف أكثر مما هو عليه الآن.

واختتم «روهان» بالإشارة إلى أنه لا يمكن اعتبار منظمة شنغهاى منافسا سياسيا لواشنطن أو الناتو، كون مفاهيمها تجاوزت المفاهيم الغربية التقليدية، مضيفًا أن إنشاء المنظمة ليس من أجل المنافسة أو مواجهة التحالفات أو الكتل السياسية أو العسكرية، بل من أجل تقديم الخيارات والحلول لمواجهة التحديات المشتركة للعالم، مشددًا على ضرورة قيام الدول بزيادة الوحدة والتضامن والتعاون الفعلى من أجل مواجهة الإشكاليات المشتركة، وكذلك من أجل التقدم والتنمية، حتى تعم الاستفادة على البشرية فى شتى بلدان العالم.