يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو قد فقد عقله، وهو يهدد بعدم تصدير الغاز الإسرائيلى إلى مصر، بزعم أنها تخالف معاهدة السلام.
وما يؤكد أنه فقد عقله لأنه يعرف بقوة أنه لا يستطيع وقف تصدير الغاز الإسرائيلى إلى مصر فورًا، خشية أن تقوم مصر برفع قضايا تحكيم ضد الشركات الإسرائيلية، ولا سيما لا توجد أدنى أسباب للقوى القهرية التى تمنع تصدير الغاز الإسرائيلى إلى مصر، والذى يتم تصديره وفقا لاتفاقات تجارية بين شركات.
بين الجانبين اتفاقيات وعقود، تحكمها قوانين دولية، ليس من بينها تصريحات ومناورات لرئيس الوزراء الإسرائيلى يخاطب فيها الرأى العام الإسرائيلى المنقلب عليه، كما يحاول استثارة الرأى العام المصرى، الذى يدرك أن تلك تصريحات وتهديدات فشنك، لا تسمن ولا تغنى من جوع.
كما أن الرأى العام المصرى يدرك أن تصريحات نتنياهو بمنع تصدير الغاز إلى مصر ليست إلا وسيلة ضغط على مصر، لا يبالى بها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى إطار الضغط لتهجير أهالى غزة.
والمثير فى تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلى الفشنك، أنه يتحدث عن وقف تصدير الغاز الإسرائيلي، ليس فى الاتفاقية السارية الآن من عام 2019، وإنما يتحدث عن رفض الزيادات التى سوف تبدأ من 2035، وفقا للتعديلات التى تمت مؤخرًا فى الملحق الذى تم توقيعه منذ عدة أسابيع مع الشركاء فى حقل ليفثيان من شركات إسرائيلية وشركات أمريكية.
يتحدث نتنياهو بغباء، عن قرارات فى عام 2035، وعن ملحق الاتفاقية، وليس إلغاء الاتفاقية التى يجرى تنفيذها الآن من عام 2019، الأمر الذى يؤكد غباء نتنياهو؛ لأنه لن يوجد فى هذا التوقيت فى رئاسة وزراء إسرائيل.
وهذا يعنى أن هذا التصريح الفشنك ليس إلا مناورة فاشلة، لأنه لو كان يملك وجادًا فى تهديده، لأوقف ضخ الغاز الإسرائيلى إلى مصر الآن، لكنه لا يستطيع الآن، ولا حتى فى عام 2035.
وعندما نقول إن نتنياهو لا يستطيع الآن أو غدًا وقف تصدير الغاز الإسرائيلى الذى يتم وفقا لعقود دولية بين شركات إسرائيلية وأمريكية وشركات مصرية، وذلك للأسباب التالية التى سوف تكون بمثابة ضربة قاضية لصناعة الغاز فى إسرائيل.
أول تلك الأسباب: أن تصدير الغاز الإسرائيلى إلى مصر يتم وفقا لقوانين وعقود دولية، ومن ثم فإن أى طرف يخالف ما جاء فى هذه العقود تكون مرجعيته إلى المحاكم الدولية التى تم الاتفاق عليه فى هذه العقود.
وما يهدد به نتنياهو لا يمت إلى عوامل القوة القهرية، التى قبلتها مصر أثناء حرب غزة، وحرب إسرائيل وإيران أو لعوامل الصيانة الدورية، الذى تخطر به الشركات المسئولة عن تشغيل حقل ليفثيان الشركات المصرية قبلها بعدة أسابيع أو أشهر.
ولأن هذا اتفاق تجارى بين شركات وليس اتفاقا سياسيا بين دول، فإن الشركات الإسرائيلية والأمريكية المالكة لحقل ليفثيان هى التى سوف تتحمل غرامات قضايا التحكيم التى سوف تقوم برفعها الشركات المصرية وليس الحكومة الإسرائيلية، كما سبق أن حدث عندما أوقفت مصر تصدير الغاز المصرى لإسرائيل عقب ثورة 25 يناير لعوامل القوة القهرية، ومع ذلك فازت الشركات الإسرائيلية فى قضايا التحكيم التى رفعتها ضد الشركات المصرية.
وحتى لو افترضنا نظريا أن نتنياهو أصيب بالجنون وأوقف تصدير الغاز الإسرائيلى إلى مصر، وخالف بنود العقود، فإن الشركات الإسرائيلية والأمريكية المالكة لحقل ليفثيان، سوف تتحمل المليارات من قضايا التحكيم، وسوف ترفض تنفيذ تهديدات نتنياهو، وخاصة أنها شركات مسجلة فى البورصات العالمية، وسبق أن أعلنت عن التعديل الذى تم لزيادة صادرات الغاز الإسرائيلى إلى مصر بقيمة 35 مليار دولار.
ثانى هذه الأسباب التى تدعو إلى رفض تهديدات بوقف صادرات الغاز الإسرائيلى إلى مصر، أنه لن توجد أسواق بديلة عاجلة لاستيعاب صادرات الغاز الإسرائيلى، بديلا عن تصديرها لمصر.
وقد حاولت إسرائيل من قبل إحياء تصدير الغاز الإسرائيلى عبر خط بحرى إلى أوروبا، ولم تستطِع تنفيذ ذلك، بسبب عدم الجدوى الاقتصادية.
وحتى لو فكرت إسرائيل فى الاستعانة بمركب لتسييل الغاز الإسرائيلى وتصديره غازًا مسالًا، فسوف يكون هذا مكلفًا وغير اقتصادى، قياسًا بتصدير الغاز الإسرائيلى عبر الأنبوب الممتد بين مصر وإسرائيل.
كما أن عدم تصدير الغاز الإسرائيلى إلى مصر سواء لاستهلاكه محليا أو لإعادة تصديره سوف يرفع من تكلفته، وتكون النتيجة ألا توجد أسواق اقتصادية لتصديره واستيعابه بأسعار منافسة مما يؤخر برامج تنمية حقل ليفثيان وكذلك حقل تمارا، ويصيب صناعة الغاز فى إسرائيل بالكساد وعدم تحقيق أرباح، مما يجعل الشركات الأمريكية مثل «شيفرون» تحجم الاستثمار فى حقول الغاز الإسرائيلية والبحث عن اكتشافات جديدة، والبحث عن مناطق بديلة أكثر ربحية.
ثالث الأسباب التى تؤكد عدم قدرة نتنياهو على تنفيذ تهديداته بوقف تصدير الغاز الإسرائيلى أنه عندما تحجم الشركات الأمريكية عن الاستثمار فى تنمية حقول الغاز الإسرائيلية، سوف تتأثر إمدادات الغاز الطبيعى للاستهلاك المحلى فى إسرائيل، لأنها لن تكون كميات اقتصادية، إذ لا تتجاوز حتى الآن نحو مليارى قدم مكعب يوميًا، وهذه ليست كميات اقتصادية، تدعو الشركات الأمريكية إلى زيادة استثماراتها لإنتاج الغاز فى إسرائيل، إلا إذا كانت هناك كميات إنتاج اقتصادية، وهذه لن تتحقق إلا بإنتاج كميات اقتصادية، أساسها تصدير الغاز الإسرائيلى الذى يزيد الآن على مليار قدم مكعب يوميًا إلى مصر، تزيد إلى 1.8 مليار قدم مكعب بداية من عام 2035، وفقًا للتعديل الأخير الذى تم فى الاتفاقية الأساسية لتصدير الغاز المصرى لإسرائيل والذى يهدد نتنياهو بوقفه.
رابع هذه الأسباب التى تدعو إلى عدم تنفيذ نتنياهو لتهديداته، أن الشركات الإسرائيلية والأمريكية المالكة لحقلى ليفثيان وتمارا سوف تفقد مصدرا مهما من بيع الغاز الإسرائيلى إلى مصر بقيمة تتجاوز نحو 3 مليارات دولار فى العام الآن، تزيد فى السنوات القادمة مع زيادات صادرات الغاز الإسرائيلى إلى مصر، وفقًا للتعديل الأخير فى الاتفاقية.
لكل هذه الأسباب، فإن إسرائيل هى الخاسر الوحيد من تنفيذ تهديدات نتنياهو بوقف تصدير الغاز الإسرائيلى إلى مصر، ومن المستحيل أن يفعل ذلك نتنياهو على أرض الواقع، ولا سيما أن مصر لن تمتثل لأية تهديدات له بشأن تهجير أهالى غزة.
والسؤال: هل سنتأثر إذا ما توقف تصدير الغاز الإسرائيلى إليها الآن أو غدًا؟
بالأرقام سوف نتكلم، ليعرف نتنياهو أنه إذا ما توقف تصدير الغاز الإسرائيلى إلى مصر، لن يؤثر ذلك على وفرة الطاقة فى مصر، وذلك للأسباب التالية:
أول هذه الأسباب، أن صادرات الغاز الإسرائيلى إلى مصر الآن لا تتجاوز مليار قدم مكعب، وسبق أن توقفت لعوامل قوة قهرية بسبب الحرب مع إيران، وقبلتها مصر، ولم تلجأ الحكومة إلى تخفيف الأحمال.
وهذا الرقم الذى يتم استيراده من إسرائيل، وهو لا يتجاوز مليار قدم مكعب فى اليوم، وأحيانًا ينخفض إلى 800 مليون قدم مكعب فى اليوم خلال ذروة الاستهلاك فى إسرائيل خلال الصيف، وهذا الرقم الذى نستورده من إسرائيل يكاد يكون أقل من 15 فى المائة من استهلاك مصر، الذى يصل إلى حوالى 6.5 مليار قدم مكعب فى اليوم إذا أضفنا إلى ذلك زيادة المعروض من الغاز المسال المستورد.
ثانى هذه الأسباب التى تؤكد ضآلة واردات الغاز من إسرائيل خلال الفترة القادمة أن مصر أصبح لديها نحو 4 مراكب تغييز قادرة على استيراد أكثر من 3 مليارات قدم مكعب فى اليوم، ومع إضافة الإنتاج المحلى من الغاز الطبيعى الذى يصل الآن إلى حوالى 4 مليارات قدم مكعب فى اليوم، سوف تتزايد فى الفترات القادمة، يعنى أن مصر سوف يكون متاحًا لديها نحو 7 مليارات قدم مكعب يوميًا من الغاز الطبيعي، دون الحاجة إلى صادرات الغاز الإسرائيلي، فى حال استخدامها ورقة ضغط على مصر.
بل ويمكن لمصر أن تزيد واردات الغاز الطبيعى المسال، وزيادة عدد مراكب التغييز لأكثر من 4 مراكب تغييز، وبالفعل هناك اتجاه للتعاقد على مركب تغييز خامس فى دمياط، ليكون المتاح لدينا من الغاز الطبيعى المسال عبر مراكب التغييز نحو 4 مليارات قدم مكعب فى اليوم، بخلاف إنتاج محلى من الغاز الطبيعى سوف يزيد خلال الفترات القادمة على 4 مليارات قدم مكعب فى اليوم، ليكون المتاح نحو 8 مليارات قدم مكعب فى اليوم، وبما يزيد على حاجة الاستهلاك المحلي، الذى لن يتجاوز فى ذروة فصل صيف 2026 عن 7 مليارات قدم مكعب فى اليوم، وذلك دون الحاجة إلى واردات الغاز الإسرائيلى فى حالة استخدامها ورقة ضغط على مصر.
وكما قلنا إنه يمكن زيادة عدد مراكب التغييز فى مصر إلى أى عدد، لكن المشكلة سوف تكون فى ارتفاع تكلفة الاستيراد فقط، لكن هذا لن يكون مهمًا فى مواجهة أية ضغوط على مصر لقبول تهجير أهالى غزة، مهما كانت التكلفة لتوفير الغاز الطبيعى فى مصر دون الحاجة إلى الغاز الطبيعى الإسرائيلي.
وفى جميع الأحوال، لقد آن الأوان لكى يتحرك المهندس كريم بدوى وزير البترول والثروة المعدنية ليبحث الأسباب التى تؤدى إلى عدم قيام الشركاء الأجانب بتنمية كشف النرجس الذى تصل احتياطاته إلى نحو 3 تريليونات قدم مكعب وعدد آخر من الحقول منذ عهد المهندس سامح فهمى وزير البترول الأسبق لم تتم تنميتها حتى الآن.
ولعل ما تم ذكره من حقائق يؤكد أن إسرائيل هى الخاسر الوحيد من تهديدات نتنياهو الفشنك، بالتلويح بورقة صادرات الغاز الإسرائيلى إلى مصر.
ونقول له افعل لكنه لن يفعل، وإن مركز مصر فى توفير الغاز الطبيعى الآن مقارنة بما كان، أصبح فى مركز القوة دون الحاجة إلى صادرات الغاز الإسرائيلي، بل إن مصر مهيأة لأن تكون مركزًا دوليًا لتجارة الغاز الطبيعى دون الحاجة إلى الغاز الإسرائيلى، إذا ما تم استخدامه ورقة ضغط سياسى على مصر، وقام نتنياهو بخلط الأوراق بين أغراضه السياسية والاتفاقات التجارية الدولية.
ولعل تصريحات نتنياهو كانت بمثابة فرصة لتأكيد أن مصر استطاعت تحقيق الأمن القومى للطاقة بقوة دون الاعتماد على الغاز الإسرائيلي، ولا سيما أنها على أبواب انطلاقة كبيرة فى مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية.
ولعل صيف 2025 كان بمثابة شهادة قوية على ما نؤكده بقوة سوق الطاقة فى مصر، دون الحاجة إلى الغاز الإسرائيلى فى حالة خلط الأوراق التى يصرّ عليها نتنياهو، بالضغط الفاشل على مصر.

