رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

قراءة فى ملف التعليم المصرى (1) وهل يُصلح نظام البكالوريا ما أفسد الدهر؟!


12-9-2025 | 15:40

.

طباعة
بقلم: حمدى رزق

وهل يُصلح العطار ما أفسد الدهر، والمقصود من بيت الأعرابى (أعلاه) أن الشباب إذا ولى لن يعود مهما فعلنا، فلكل أجل كتاب، وأنَّ سنوات العمر التى يقضيها الإنسان فى الدَّهْرِ والزَّمَن غالبة على سلاحَ العَطَّار لا محالةَ؛ وإنَّ العُمْرَ إذا مضى لَنْ يعود أدرَاجهُ إلى الوَراءِ.

وبالمثل هل يُصلح نظام البكالوريا الجديد ما أفسده دهر كامل من التخبط التعليمى، بات عصيا على الإصلاح، ولكن كما يقولون، أن تأتى متأخرا خير من ألا تأتى أبدا، والإصلاح التعليمى ليس ببعيد طالما توافرت الإرادة السياسية، والرؤية الوطنية للعملية التعليمية، والإلحاح على تجديد الخطاب التعليمى.

 

لا تُفارق ذاكرتى صورة طيب الذكر المرحوم الدكتور محمد سيد طنطاوى، شيخ الأزهر، منفعلا، وهو يُعنف طالبة منتقبة، ويجبرها على خلع نقابها، أثناء جولته التفقدية لمعاهد الأزهر (أكتوبر 2009) معلناً عزمه إصدار قرار رسمى بمنع دخول المنتقبات معاهد الأزهر.

نقف مليا على التفاصيل، فوجئ الدكتور طنطاوى أثناء جولته التفقدية فى معهد فتيات «أحمد الليبى» بمدينة نصر، بإحدى الطالبات فى الصف الثانى الإعدادى ترتدى النقاب داخل الفصل، فانفعل بشدة وطالبها بضرورة خلع نقابها قائلاً: «النقاب مجرد عادة لا علاقة له بالدين الإسلامى من قريب أو بعيد، وبعدين إنت قاعدة مع زميلاتك البنات فى الفصل لابسة النقاب ليه؟».

ولم تجد الطالبة أمامها وسيلة أخرى فى مواجهة إصرار شيخ الأزهر على خلع النقاب سوى تنفيذ الأمر بخلعه وكشف وجهها..

واشتعلت الأرض من تحت أقدام الإمام الأكبر، وتجسد أمام ناظرينا مخطط اختطاف ممنهج للعملية التعليمية فى مصر من قبل جماعات خارج رحم الدولة، وتشهيلها لصالح تيارات متطرفة فى عملية استلاب ممنهجة لا تزال تعوق مدنية التعليم، بقيمه فى تحرير العقل لإدراك قيم الحق والعدل والمساواة، استشرافا للكرامة الإنسانية.

اختطاف العقلية المصرية فى مراحل التكوين الأساسية (فى مراحل التعليم الأساسية) كانت هدفا أصاب قلب العملية التعليمية بسهم مسموم، حرفت العملية التعليمية عن أهدافها التربوية التى تعنى بتشرب قيم الحرية الفكرية، وحجبت العملية التعليمية عن أهدافها، لهم فيها مآرب أخرى، لنقل قمعتها عن ثورة فى المعلومات، وتغير مفاهيم الزمان والمكان.

ثورة الإمام الأكبر طنطاوى كانت فى سياق التعليم الأزهرى، وهو متدين بطبعه وفق المنهج الأشعرى، ما بالك بمخطط الاختطاف فى التعليم العام (الحكومى)، والاستلاب لـ(الهوية) فى التعليم الخاص (الأجنبي).

فى مصر هناك تعليم أزهري.. وتعليم حكومى، والتعليم الحكومى ينشطر نصفين غير متساويين فى الإمكانات؛ تعليم حكومى عام (مجانى)، وتعليم خاص (مدفوع ماليا)، والخاص ينشطر إلى عادى ولغات.. وهكذا دواليك.

خارطة التعليم المصرى شديدة الارتباك والتعقيد، صحيح هناك منهج رسمى ملتزمون جميعا به شكليا أمام السلطات التعليمية ممثلة فى وزارة التربية والتعليم، ولكن المناهج الخفية، المستبطنة فى حجرات الدرس، والحفظ والتلقين، فلكل فريق مناهجه الخاصة، وأفكاره الخاصة، ومعتقداته التى تتسرب من بعض المعلمين (المنتسبين إلى هذه الجماعات) إلى الطلاب.

¿ ¿ ¿

المؤسسات التربوية مسئولة عن إعداد وتهيئة جيل له القدرة على استيعاب تحديات العصر وتطوراته وكيفية التعامل معها. وقيادة التغيير نحو التقدم والنماء، وتمكين أمتنا من أخذ دورها فى عالم القرن الحادى والعشرين. ويُقاس تقدم الشعوب والأمم بمدى تقدم ومستوى التعليم فى هذا الوطن.

والحقيقة التى لا يمكن إنكارها أن التعليم فى معظم مدارسنا يعانى سواء كان ذلك فى إمكانيات التعليم أو مناهجه أو سياساته، وربما فى جميع هذه العناصر مجتمعة.

مثلا، تُعَدّ المواطنة بمثابة الوجه الديمقراطى للانتماء الوطني، بحيث لا يتحوّل إلى انتماء شوفينى يدفع بالوطن إلى مواجهات مدمرة أو إلى انتماء طائفي. فجوهر المواطنة هو أن يكون المواطنون متساوين أمام القانون.

مستوجبٌ تعليم أبنائنا الانتماء ثم نعلمهم المواطنة، فلا أحد يولد منتمياً ومؤمناً بقيم العدل والمساواة، بل يكتسب كل ذلك من خلال التنشئة الاجتماعية، ومن هنا تأتى أهمية المؤسسة التعليمية التى يمكن من خلالها أن نشكل وجدان الطلاب، من خلال تدريبهم على المواثيق التى تتضمن حقوق الإنسان، وتنمية وعيهم لحقوقهم فى الحياة والحرية وعدم التمييز بين البشر على أساس اللون أو العرق أو النوع أو العقيدة الدينية أو المذهب السياسي.

الواقع التعليمى داخل المؤسسات التربوية يشى بحكى فى الاتجاه المعاكس تماما، هناك صراع خفىّ للسيطرة على المؤسسات التعليمية بين الإدارة الحكومية وهذه الجماعات التى تلقن الطلاب أفكارًا شيفونية، ولا ترعوى لعلم ولا تقف احتراما أثناء عزف النشيد الوطنى.

وإذا كان الأزهر فى الحالة المصرية يبدو ظاهريا مهيمنا على معاهده وجامعاته، فإن الاختراقات التى حدثت للمؤسسة الأزهرية التربوية (معاهد وجامعات) خلال العقود الأخيرة من قبل تيارات إخوانية وسلفية خلخلت القبضة الأزهرية، فصارت بعضا من كل، بعض الفصول فى المعاهد والجامعات الأزهرية تنطق بالسلفية وتخاصم المدنية، رغم المجهودات فى السنوات الأخيرة من قبل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر للخلاص من ربقة هذه التيارات التى تناهض المواطنة قيما وسلوكا.

التعليم الحكومى نسقه وبنيوته التنظيمية فى معيّة المؤسسة التعليمية التى تسوغ نمطا تعليما تربويا سيطر طويلا وربما إلى الآن، قائما على الحفظ والتلقين وما يستتبعه من قيم الطاعة والإذعان والخضوع.

السعى إلى تحرير المدارس والتلاميذ من هيمنة النظام الاجتماعى، والتأكيد على حرية الطلاب فى اختيار المواد الدراسية والأنشطة، وتنظيم قدراتهم بأنفسهم، وفتح قنوات بين المدارس والمجتمع، وإدخال مفاهيم وأنشطة ترتبط بالديمقراطية وحقوق الإنسان والتربية المدنية جد مستوجب..

(نُكمل الأسبوع المقبل)

أخبار الساعة