رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

مصداقية الأمم المتحدة على المحك


12-9-2025 | 15:22

.

طباعة
بقلم: محمد الشافعى

بدأت (الثلاثاء الماضى التاسع من سبتمبر) فعاليات الدورة الجديدة.. من دورات انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة.. وتحمل هذه الدورة أهمية خاصة.. حيث يحتفل العالم بالذكرى الثمانين لتأسيس أكبر وأهم المؤسسات الدولية.. ومن المتوقع حضور عدد كبير من رؤساء وملوك دول العالم.. فى تكرار للدورة التى انعقدت فى عام 1960 وأُطلق عليها (دورة الزعماء).

وأعلنت المنظمة الدولية.. كما أعلنت العديد من العواصم حول العالم.. أن زعماء العالم سيجتمعون فى نيويورك لمواجهة التحديات العالمية المعقدة.. والعمل على تفكيك أسبابها.. لتحقيق التوافق والأمن والسلم.

ومن المؤكد أن القضية الفلسطينية تأتى فى مقدمة التحديات الملحّة والخطيرة.. التى يجب أن تحظى بالاهتمام الأكبر من كل دول العالم.. أولًا للعمل على وقف ذلك العدوان البربرى.. الذى يقوم به الكيان المحتل.. على مدى عامين كاملين.. ممارسًا أبشع أنواع الإبادة الجماعية والتطهير العرقى ضد الأطفال والنساء والشيوخ فى قطاع غزة.. مستخدمًا الكثير من الأسلحة والذخائر المحرمة دوليًا.. مستهينًا بكل الشرائع والقوانين الدولية محتميًا بالحماية الأمريكية.. التى تمنع عنه أى إدانة من مجلس الأمن.. رغم موافقة أربع عشرة دولة من الأعضاء.. على كثير من القرارات التى تدين أو على الأقل (تفرمل) البربرية الصهيونية.. ولكن الفيتو الأمريكى يقف سدًا منيعًا أمام أى محاولات لإدانة تصرفات الكيان المحتل.. أو على الأقل وقف هذه التصرفات الهمجية.. التى تسحق كل مبادئ حقوق الإنسان المنصوص عليها فى ميثاق الأمم المتحدة.. وأمام كل هذه المعطيات، فإن مصداقية المنظمة الدولية الأهم والأكبر فى العالم أصبحت على المحك.. فإما أن تثبت قدرتها على تنفيذ قراراتها.. وإما أن تتحول إلى قاعة (طق حنك) على رأى إخوتنا الشوام.. وإثبات القدرة على تنفيذ القرارات يستلزم وجود آلية قوية مثل الآلية الموجودة لدى مجلس الأمن.. والمتمثلة فى (البند السابع).. الذى يعنى استخدام القوة لتنفيذ الإرادة الدولية.. تلك الإرادة التى تحاصرها كل القيود والعقبات.. إذا فكرت مجرد تفكير فى إدانة تجاوزات واعتداءات الكيان المحتل.. وفى المقابل فإن تلك الإرادة منطلقة وحرة إذا كانت العقوبات على أى دولة أخرى.

ومن المؤسف أن العصابات الصهيونية استطاعت استخدام الأمم المتحدة.. وكأنها مجرد (سلم) يتم استخدامه مرة واحدة.. أو حسب احتياج هذه العصابات فقط.. فقد استخدمت الأمم المتحدة لصالح اليهود عندما أصدرت قرار التقسيم 181 فى نوفمبر 1947.. والذى يعمل على تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية.. ورغم أن القرار صدر بأغلبية أقل من أربعين دولة.. وافق بعضها إما بالرشوة وإما بالتخويف الأمريكى البريطانى للدول الصغيرة.. ولم تستطِع قرارات الأمم المتحدة أن توقف تغول اليهود على قرار التقسيم.. رغم أن هذا القرار هو الشرعية الوحيدة –من وجهة نظر اليهود والغرب– التى تبرر وجود اليهود فى فلسطين.. وتقول الحكمة القديمة (منْ يمنح يمنع).. بما يعنى أن الأمم المتحدة تستطيع سحب قرارها بتقسيم فلسطين.. ولن يكون ذلك السابقة الأولى.. حيث سحبت الأمم المتحدة قرارها بمساواة الصهيونية مع العنصرية.. أى أن اليهود أعادوا سلم الأمم المتحدة للاستخدام عندما احتاجوه.. وخلال دورة الانعقاد الحالية للأمم المتحدة.. تستطيع أى دولة من دول العالم أن تتقدم بمشروع قانون.. إما سحب قرار التقسيم الصادر عام 1947.. لتعود العصابات الصهيونية مجرد عصابات خارجة على القانون.. وإما وجود دولة فلسطينية واضحة المعالم والحدود تمارس دورها الطبيعى مثل أى دولة فى العالم.. خاصة أن أكثر من مائة وخمسين دولة من دول العالم تعترف بدولة فلسطين.. وقد أعلنت فرنسا، ومعها أكثر من عشر دول، أنها ستعترف بالدولة الفلسطينية.. خلال اجتماعات الدورة الحالية للأمم المتحدة هذا الشهر.. وهناك احتمال بأن تنضم بريطانيا إلى هذه الدول.. لتظل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض أتباعها من الدول الصغيرة.. هى الداعم الأول وهى الشريك الحقيقى فى أى عدوان يقوم به الكيان المحتل.. تلك الشراكة التى تجعل الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الغاصب وجهين لعملة واحدة.

وأمام هذا النظام الأحادى الظالم.. فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة.. وهى تحتفل بالذكرى الثمانين لإنشائها.. تجد نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما.. إما أن نقول إنها قد شاخت وهرمت.. وعلى العالم أن يبحث عن آلية جديدة.. لتحقيق الأمن والسلم العالميين.. آلية تستطيع أن تضرب بيد من حديد على كل مَن يعتدى على الشرائع والقوانين.. وإما أن نقول إن تلك المنظمة الدولية العريقة قد نضجت وازدادت حكمة وبصيرة وقدرة على تحقيق الأهداف التى أُنشئت من أجلها.. ولن نتعجل فى اختيار أى واحد من الخيارين.. فعلينا أن ننتظر انتهاء أعمال الدورة الحالية.. من اجتماعات المنظمة الدولية.. والتى ستنتهى يوم 28 سبتمبر الحالي.. والانتظار لاختيار أحد الخيارين.. مرهون بما ستفعله الدول المشاركة فى الأمم المتحدة (أكثر من 190 دولة).. حيال القضية الفلسطينية.. خاصة أن ما يحدث فى فلسطين هو آخر احتلال عسكرى فى الكون.. وعلى كل الدول التى عانت من فظائع الاحتلال العسكرى –غالبية دول إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية– أن تنتفض لرفع هذا العار عن كاهل العالم الحر.. فأى حرية تلك، ونحن نشاهد على مدار الساعة شعبًا يُباد بكل القسوة والبربرية.. وتُمارس ضده كلّ أشكال التطهير العرقى والإبادة والنفى والتشريد.. وإذا كان ساسة العالم غير قادرين على إلزام هذا الكيان المحتل بالامتثال لقرارات الشرعية الدولية.. فإن الحل الوحيد هو دعم المظلوم.. حتى يستطيع أن يأخذ حقه.. ذلك الحق المنصوص عليه فى عشرات القرارات والقوانين الدولية.. وعلى الأمم المتحدة بكل ما تمثله من دول وهيئات ومؤسسات أن تثبت لنفسها قبل أن تثبت لكل البشر.. أنها حقًا مؤسسة لكل دول العالم وليست مجرد مؤسسة تخضع للضغوط الأمريكية.. لكى تحقق المصالح اليهودية.. تلك المصالح التى تنطلق من رؤية ضيقة.. تحاول الصهيونية العالمية أن تفرضها على العالم.

ومن المؤكد أن الدول العربية (22 دولة).. والدول الإسلامية (57 دولة).. ودول إفريقيا وآسيا (102 دولة).. ومعها دول أمريكا اللاتينية.. ومعها أيضًا الكثير من دول أوروبا.. وفى مقدمتها إسبانيا.. تستطيع أن تخلق رأيًا عامًا دوليًا ينتصر للمبادئ والقيم التى قامت من أجلها منظمة الأمم المتحدة.. تلك المبادئ والقيم التى تحرص على نشر العدالة والمساواة.. ومنع الاعتداء ومناهضة العنصرية والإبادة والتطهير العرقي.. بما يعنى أن الدور الأساسى والحقيقى للأمم المتحدة يكمن فى إيقاف الكيان المحتل عن تغوله المجنون.. واعتداءاته اللاإنسانية.. والأهم عقابه عقابًا حقيقيًا على تلك الجرائم ضدّ الإنسانية.. تلك الجرائم التى لا تسقط بالتقادم.. والتى ستظل نقطة سوداء فى جبين المؤسسة الدولية.. تلك المؤسسة التى لو أرادت أن تستمر وتعيش.. فلا بدّ لها من الخروج من تحت العباءة الأمريكية.. ولا بد لها من أن ترفض الابتزاز الصهيوني.. بل عليها القيام بفضح وتجريس كل جرائم الكيان المحتل.. والإصرار على أن يلقى ما يستحقه من عقاب وعقوبات.

 

 

أخبار الساعة