رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الحمار يحلم؟!


12-9-2025 | 15:30

.

طباعة
بقلـم: سحر رشيد

لافاهمون فوق ثغر الأيام بأحلام تُعذبنا.. شاخصو الأبصار متعلقون بحاجاتنا.. آمال مسكوبة مقطوعة.. ثم ماذا ينقصنا؟!. لقاء وموعد.. نختار يوما يأتى ونغادر دون طاقة الاستمتاع.. اجتمعنا فى الأحلام دون إفصاح.. حاصرنا الأمل بالخيبات.. وهمٌ ونزعات وصراخ ولا أحد يشاركنا ولا يحمل همنا!.. خلفنا.. أمامنا لا نرى ولا يرانا أحد!.. أمل وخيبة.. برد ودموع.. أمن وخوف.. حزن وفرح.. تحدٍّ دون التحدى!.. جدال وهدوء ووجع وتعنت وذل وتكبر.. كلٌّ متوفر وبالمجان!.. بالمناورة بين الذات والواقع نركض!.. نختبئ ثم نركض!.. ونختبئ إلى أن تنهد قوانا!.. ويصبح الحلم حيرة وتوجسا ولا مبالاة قابعا فى الذاكرة.. سجن للأشغال الشاقة!.. حمار مجنون لا يذكر ما يحمل!.. مترنح بين ناهض من نوم أو ماضٍ إليه!.. يمزقه الليل بالأشباح ويصفعه النهار؟!.

نُغمض أعيننا هروبا من أيام مجدبة.. نستأذن فى الغياب.. فى النوم فى التأمل والشرود والأحلام.. نحيا بمنتهى اليقظة فى أحلامنا حتى أجهدت عقولنا ووهنت أجسادنا.. قيد الانتظار نهجر معه الخيال ونهبط بسلام.. مرهقين من العيش فى كواليس الحياة وهوامشها.. نتعلق بالصبر ونكتم أوجاعا تعجز النفس عن تفجيرها!.

ثم ماذا يتم فى السبات العميق؟!.. نذهب ونعود ونؤمن ونكفر!.. وللأسف ما نفعله بمنتهى الهمة واليقظة يبقى معلقا!.. ربما كان رعبا.. ربما كان رومانسيا.. لكنه غالبا رواية حياتك فى نسختها الأخيرة أو الجديدة!

فى يقظتنا نحتار ونلف وندور وننكر الجميل ونجحد ونتسامح ونغدر ونهلع!.. لكننا لا نحقق شيئا!.. وغالبا لا أحد يحقق أشياء إذا ما لزم طريق المنطق.. فلا منطق متسق مع نتائج!.. نحيا مرتعدى الفرائص.. فيطاردنا الخوف والقلق فى أحلامنا.. يفسد علينا منامنا.. فى هشاشة وعجز نستسلم رغم محاولة إصلاح ما أفسدته اليقظة.. لكننا نخسر اليقظة والمنام!.. فى غرابة ننهار محاولين المرور أو الثبات ونقع!.. ومن كثرة الوقوع نعتاده فى حروب مفروضة علينا!.. يتملكنا الأرق ونتمنى النوم ولو بالمهدئات وغالبا ما نفشل!.

فِصام بين الحلم والواقع يدفعنا لرغبة فى نوم عميق لا نعرف معه كيف نستيقظ؟!.. كم أصابتنا الحماقة والجنون والأمراض المزمنة!. فى جدلية الألم والهروب المستعصى!.. معاناة تشتد أوزارها فى أحلامنا ونستيقظ عابثين باحثين فى كتب تفسير الأحلام.. باستحضار صور وهيئات وجمل لفك شفرة المستقبل القريب أو البعيد.. تائهين فى عزلة وضياع وتذكر.. فى قسوة تذكر برغبة منا وإرادة وكأننا تحالفنا على أنفسنا بكل الرغبات المتوحشة والأشواق الماجنة!.. فنفشل فى التخلى عن آلامنا، وبمعنى آخر ما يؤلمنا!.. تتكثف وتنتشر جاثمة فوق صدورنا.. تمتلك عقولنا وتدفعنا للهذيان.. وبدلا من أن نستيقظ من منامنا منعمين بالراحة تجدنا فى أشد الأسى والغضب!

نراوغ أنفسنا وكأننا نجهلها ولكنها تتمكن منا كالشياطين!.. نحمل الرءوس المشتعلة.. فنقول أشياء ونفعل غيرها فى عجب غير مبرر!. واعين فى المرتين بما نقوله وما نفعله!.. مصابين بفوبيا العجز فنواصل الحيرة!.

نتألم وننتظر المعجزة فى أحلامنا ونسعى لتفسيرها على هوانا متمنين تحقيقها.. كل أحلامنا تصب فى طريق واحد غالبا ما نحتاج لمعجزات لتحقيقها مهما كانت القضية ومهما كنا المستحقين.. فالجميع يرى فى نفسه الاستحقاق والمظلومية.. فنحمل مقدمات لا علاقة لها بأمانينا.. تتهادى على أنفسنا وتدفع عقولنا بقوة لتصديقها.. تضيق بنا ولا تجد متسعا.. نزعج بها أنفسنا ونخاف من تجارب الآخرين.. فتصير الشوكة فى الحلق والدوخة فى الدماغ.. فنحيا بين الاحتباس والخوف من رفض الواقع.. باذلين مجهودات أشدها فى نومنا.. فيختل توازننا رغم المحاولات الفاشلة فى الاستغناء.. لكننا ما زلنا رافضين ترك الساحة التى أفنينا فيها حياتنا.. حاملين تلك اللهفة التى تمنحنا الحياة بتحول المقادير.. ونتعلق ونترقب ونصدق مخاوفنا.. ويزداد عند الأيام والوجع والغياب.

ويصير الحلم مشروعا للجميع؛ حتى الحمار يحلم أن يصير ملك الغابة!.. وإن كانت خصائص حلمه مختلفة بعض الشىء.. فرغم التشابه والانخراط فى الحياة.. لكن لدى لكل منا مخزون الحياة داخله.. سر وجوده الذى يسعى لتحقيقه.. ورغم التشابه فإننا نحمل التناقض لندفع بعضنا بعضا وتستمر الحياة.. كلمات وصور وأشياء وأوجه وأفواه تفتح وتغلق حول نفس الموضوعات فنزداد ارتباكا.. بنظرية توافقية يجمعنا الأمل وتدفعنا الخيبات.

وكلما امتلكت خصائص الحمار فى منامك.. فإنك تلغى الحدود الزمنية المعتادة.. يتلاشى الفرق بين ما يطمع إليه وبين الواقع.. نموذج مختلف فى طريقة التحقيق وإن كنا نختلف فى مطالبنا.. ولأنه حمار فالأفق يتفتح أمامه دون التقيد بمراسيم الأحلام.. فى الحركة والغاية والوسيلة، وإن كان فى غالب الأمر يعدم الوسيلة!.. وقد يحلم من أجل الحلم فقط!.. يفكك اللحظة ويوسعها دون أى دلالة سببية واضحة مع فضاء مفتوح لا يعترف بالسبب أو المسبب!.. دون الشعور بالدهشة فهو يرى فى نفسه الجدارة.. ينتظر من الواقع تحقيق الشكل الزمنى والمكانى.. ورغم رغبته العجولة فى الوصول لكنه يمتلك صبرا ممزوجا بغباء فريد من نوعه!.. بطىء الحركة يحمل أذنا كبيرة، لكنه لا يسمع بها فهى معطلة!.. وكأن علينا أن نغمض أعيننا فى غياب العقل!.. نستوعب ونجتهد للوصول للخطوة الأخيرة.. نفقد الوعى حتى تحقيق الغرض!.

محاولين تعويض نقائصنا.. وإن كان سخطا.. نقمة.. سرابا لكننا نجد اللذة معه وقودا للحياة.. نركض وراءه ظنا أننا سنتجاوزه.. أمام حلم لا يفرق بين هدف حقيقى أو وهمى.. ولا تهم مرات محاولاتنا الفاشلة.. كل يعلم أنه فاشل حتى يحققها.. لكنه يعزز من طاقته بتكرار المحاولات البائسة فى الخيال.. مجرد سعى نحو شىء ما!.. أى شىء!.. مرعوبا أن يفقد المقدرة التى يحياها فى الخفاء.. خوفا من إعلان فشله بلسان حال مهما يكون ربما سيكون؟!.

خلف أحلامنا نتجاهل خيباتنا.. علَّ الراحة تحل علينا؟!.. أغبياء نسخر من أغبياء مثلنا!.. ننكر غباءنا وننعت غيرنا بالغباء والجنون!.. رافضين الفهم والتفهم باحثين عن غير موجودات!.. عن وضوح الرؤية وسلامة القلوب.. ونصر على البحث لأننا أغبياء!.. ونعاود الكرّة لأننا ليس لدينا سلاح سواه.

ألف حلم وحلم فى عمر يتخطانا ونظن أننا منْ نفلح فى لقائه!.. لكنه يراوغنا ويعاندنا ويتجاهلنا مهما حاولنا التقاطه!.. حاملين سلوك المتعبين الفاشلين!. غاية لقضاء ساعات فى مداعبته!.. ربما يحمل غدا معه يقين أن كل الأحلام ممكنة!.. رغم أن ليست كل الأحلام تحمل عقولا واعية!.. وليست كل الأحلام سوى اضطراب قد يدفع للجنون!.

تجربة موت وحياة بأحلام لن تموت.. تجعلك حاملا أسرار عاجز برداء الصمت.. بألوان لا تكذب بغرض التداوى.. بوهم ترى فى الأحلام رجاء يرنو موعده.. مخبأ فى الغيوم لا تستطيع إدراكه.. كان وانتهى محل رمزية، وطلب تفسيرا بإجابات ممنوحة لمن يفكر دون أن يرد أحد على سؤال؟!.. تاركا الفوضى فى العقول!.

كل شىء صار يقذف الرعب فى قلوبنا.. تحركنا الأحلام فى دهشة.. يتملكنا الأمل بأوجاع وأفراح.. بأسئلة عبثية لماذا لم تحقق الرؤى الصالحة؟!.. لماذا تحرقنا الكوابيس؟!.. لماذا لم يكن الأمر بأيدينا؟!.

تُسرق أعمارنا ونسرق الزمن فى نومنا.. نطير محلقين عسى أن نترنح بأجنحة.. رغم التناقض والمفارقة نتزن به ومعه لبعض الوقت!.. فى طريق معاكس نلتمس الكمال فى أخدود الحلم!.. ونسقط ونحلم أن ننجو!.. يمنحنا الحلم عمرا وزمانا ومكانا.. حياة رائعة تلامس الأفق حتى ولو فى غفوة.. فى ارتياح ورضا أو تعذيب.. من مستحيل تحقيق فى انكسار نحدو لانتصار.. يشعرنا بالوجود لصناعة سر الحياة.

عالم مختل أصاب عقولنا الظاهرة والباطنة بالحيرة وكل من يريد عليه أن يسير هكذا!.. بين مقاومة وقتل فى أحلامه!.. مهزوما كما الكل يهزم فى أحلامه.. حتى تصير واقعا ونبقى خاوين من كل شىء.. أو ربما نصير شيئا ما ذات يوم؟!.

وتتساءل إذا ما فارقت الحياة فى نومك ماذا سيبقى؟!.. وإذا ما واصلت الحياة بعد فواق فماذا ستترك؟!.. لا شىء سيبقى!.. غادرْ أو إبقَ فى سلام وهدوء ووحدة وعزلة فى حكايا الأحلام.. تتعذب تناجى أمنيات دون احتمال.. تضاجِعها دون إنجاب.. فلم تكن يوما الزوج الأفضل.. عاقر دون التجربة كان!.. سكن وبنى دارا وأتى ولم يأتِ المكان الأسلم!.. ولا الساعة المؤذنة!.. فمات الحلم على ظهر الجبين.. وبعثت جثة صاحبه حكاية لكل شبح يأتى كابوسا مفزعا!.

عمر بلا أحلام.. دون أوراق اعتماد.. نستيقظ وننكص على أعقابنا.. وهكذا التكرار يسلم لتكرار.. نحترف الصمت.. نسكن كهوف أنفسنا فى محراب بحلم بوحى.. نردد ما نبتغيه من حب ومعنى.. نعتاد حريقها وندمن مرارتها التى صرنا معها نلعن كل شىء عاندنا.. نضعها بجانب أسِرتنا إلى حيث رجعة.. ونسأم الأشباح والأوغاد والكر والفر وزمان يقاسمنا حياتنا.. وننتهى وتطوى أحلامنا كطىّ السجل لسنين أعمارنا.

 

    كلمات البحث
  • ثغر
  • الأيام
  • آمال
  • مسكوبة
  • مقطوعة

أخبار الساعة