رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«بابا عريس».. أول فيلم مصرى ملون


13-9-2025 | 11:53

.

طباعة
بقلـم: أشرف غريب

قبل خمسة وسبعين عاما، وبالتحديد فى سبتمبر 1950 شهد جمهور السينما فى مصر أول فيلم روائى مصرى ملون، وهو فيلم «بابا عريس» من إنتاج نحاس فيلم وإخراج حسين فوزى، بطولة نعيمة عاكف وشكرى سرحان وكاميليا، وقد تعمدت تقديم الإنتاج على الإخراج على غير المعتاد أو المألوف - لأنها كانت خطوة إنتاجية جبارة لا تخلو من الجرأة أن تقدم جهة إنتاجية على تقديم فيلم كامل بالألوان الطبيعية، لا سيما وأن الفنان محمد فوزى كانت له فى التوقيت ذاته تجربة متعثرة فى تقديم الفيلم الملون حيث احترقت نسخة فيلم «الحب فى خطر» أثناء تحميضها فى باريس ما كبده خسائر قدرت بمائة ألف جنيه سنة 1950، وحينما ظهر فيلم محمد فوزى بعد فيلم «بابا عريس» بعدة أشهر كانت ألوانه باهتة أقرب إلى محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أموال الموسيقار الكبير.

 

المدهش أن تحميض فيلم بابا عريس كان داخل معامل ستوديو الأهرام فى مصر، أما الطباعة فهى التى كانت فى فرنسا، ومع ذلك جاءت النتائج أفضل حالا من تجربة الفيلم الآخر، لتبقى ريادة الفيلم الملون فى مصر معقودة لشركة نحاس فيلم، ويبقى معها «بابا عريس» هو أول فيلم عربى كامل شاهده المصريون بالألوان الطبيعية.

صحيح أنها لم تكن المحاولة الأولى لتقديم الفيلم الملون فى مصر، فقد قدم الفنان يوسف وهبى فى أول ظهور له على شاشة السينما محاولة مبكرة جدا لبعض مشاهد ملونة ضمن أحداث فيلم «أولاد الذوات» المعروض فى الرابع عشر من مارس 1932، وهو بالمناسبة أيضا أول فيلم روائى ناطق فى تاريخ السينما المصرية، كما قدم الموسيقار محمد عبد الوهاب من إنتاجه وبطولته فصلا ملونا داخل فيلم «لست ملاكا» الذى تم عرضه سنة 1946، لكن «بابا عريس» كان بأكمله بالألوان الطبيعية بحسب ما جاء فى مقدمة الفيلم وفى الكتيب الدعائى المصاحب لعرضه، وقد نجحت فى الحصول على نسخة نادرة من هذا الكتيب (بريس بوك) لدى أحد جامعى الأرشيفات (دفعت فيها دم قلبى) تظهر مدى الرغبة فى الوصول إلى الإبهار حتى من قبل مشاهدة الفيلم على الشاشة، وهى وثيقة نادرة تكشف عن هوية العناصر المشاركة فى تقديم هذه التجربة الرائدة، وأعتقد أنه من الإنصاف وللتاريخ أيضا ذكر أسماء العناصر الفنية التى شاركت فى الفيلم من واقع هذا الكتيب الدعائى، وهم: الممثلون نعيمة عاكف، شكرى سرحان، كاميليا، حسن فايق، فؤاد شفيق، مارى منيب، مختار حسين، حسن كامل، نوال بغدادى، أما الفنيون فهم: قصة وسيناريو وإخراج حسين فوزى، حوار وأغانى حسن توفيق، مهندس الديكور ولى الدين سامح، مهندس الصوت كريكور، مونتاج ألبير نجيب، مدير التصوير، ويلى فيكتور، مدير الإنتاج رمسيس نجيب، إلى جانب بقية العناصر الأخرى، مع الحرص على التأكيد أن المناظر قد أخذت داخل ستوديو نحاس والطباعة فى باريس، ولم يغفل الكتيب الدعائى نصوص الأغانى والاستعراضات التى ضمها الفيلم، وكانت بطلتها الأولى بطبيعة الحال هى نعيمة عاكف التى لم يكن قد مضى على ظهورها سينمائيا سوى عام واحد فقط.

ولا يعنى أنه بظهور هذا الفيلم الملون اختفت تماما أفلام الأبيض والأسود من على شاشاتنا، فقد استمر السينمائيون يقدمون أفلامهم باللونين فقط مع بعض المحاولات العابرة لتقديم الفيلم الملون، والتى كانت تجارب متأرجحة النجاح والجودة من حيث التقنية الفنية فيما استغلها منتجوها فى الدعاية لأفلامهم باعتبار الفيلم الملون هو الاستثناء وليس القاعدة، واستمرت الحال كذلك حتى عام 1973 حين خرج من معامل السينما فى مصر آخر فيلم تم تصويره بالأبيض والأسود، وهو فيلم «ليل وقضبان» من بطولة محمود ياسين وسميرة أحمد ومحمود مرسى وإخراج أشرف فهمى، لكنه – ويا للمصادفة – لم يكن الفيلم الأخير الذى يشاهده المصريون بالأبيض والأسود، فقد أدت أزمة دور العرض التى عرفتها مصر فى منتصف السبعينيات، والتى خلقت ظاهرة عُرفت فى حينها بـ«أفلام العلب» إلى تأخر عرض فيلم «التلاقى» من إخراج صبحى شفيق حتى التاسع من مايو سنة 1977 ليصبح آخر فيلم مصرى تم عرضه بالأبيض والأسود، صحيح أن المخرج محمد فاضل قدم عام 1996 فيلم «ناصر 56» بالأبيض والأسود، لكن ذلك كان لأسباب درامية مقصودة من أجل التعبير عن واقعة تاريخية محددة من عمر مصر، وهى الأيام المائة التى تلت تأميم شركة قناة السويس فى السادس والعشرين من يوليو 1956 وصولا إلى العدوان الثلاثى على مصر الذى انتهى فى ديسمبر من العام نفسه.

ورغم أن عرض فيلم «بابا عريس» بالألوان فى ذلك الوقت (الرابع من سبتمبر 1950) كان كافيا لزيادة الإقبال الجماهيرى على مشاهدته، إلا أن المصادفات القدرية قد أضافت له أسبابا أخرى للدعاية له، فقد جاء عرض الفيلم بعد أربعة أيام فقط من سقوط الطائرة «نجمة ماريلاند» فى رحلتها رقم 903 فى الساعة الخامسة تقريبا من فجر الحادى والثلاثين من أغسطس قرب الدلنجات بمحافظة البحيرة وعلى متنها ثمانية وأربعون راكبا بخلاف طاقم الطائرة كانت من بينهم فاتنة السينما المصرية كاميليا إحدى بطلات «بابا عريس»، فكان ذلك سببا آخر كى يقبل الناس على مشاهدة آخر أفلام الممثلة المنكوبة التى راحت ضحية هذا الحادث الذى لا يزال غامضا حتى اليوم، صحيح أن الفيلم الأخير الذى ظهرت فيه كاميليا على الشاشة كان «آخر كدبة» المعروض فى الثانى عشر من نوفمبر 1950 من بطولة الثنائى فريد الأطرش وسامية جمال، لكن الجمهور كان فى تلك اللحظة بالذات يتعامل مع فيلم «بابا عريس» على أنه آخر أفلام الممثلة الفاتنة التى راحت ضحية هذا الحادث المفاجئ وهى فى قمة شبابها ونضارتها.