رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

عمان ... أرض خصبة للفرص الاستثمارية في مختلف المجالات


5-8-2025 | 12:26

.

طباعة
بقلم/أحمد تركي .. خبير الشؤون العربية

ما زالت سلطنة عُمان تحتفظ بمكانتها كأرض خصبة للفرص الاستثمارية في مختلف مجالات الاقتصاد الوطني. وإذا كان قطاع الطاقة الخضراء يمضي بخطى واثقة نحو ترسيخ حضوره كمجال واعد، فإن قطاع السياحة يشكل مجالا لا يقل أهمية من حيث الإمكانيات والعوائد، خصوصا في ظل ما تزخر به البلاد من تنوع جغرافي وثقافي يمتد على خارطة المحافظات جميعها.

وفي الأيام الأخيرة، برزت مؤشرات جديدة على هذا المسار من خلال التوقيع على عدد من المشاريع الاستثمارية السياحية، بدءا بمحافظة ظفار التي ما زالت تتصدر المشهد السياحي بما تمثله من مزيج طبيعي وتراثي لا نظير له، وصولا إلى محافظة الداخلية، التي بدأت تدخل بقوة إلى هذا المضمار عبر استثمارات نوعية يقودها القطاع الخاص المحلي، مستفيدا من إعادة تأهيل الحارات القديمة وتقديمها في صورة تراثية متكاملة تستحضر الذاكرة العمانية الجمعية وتستقطب في الآن ذاته السائح الأجنبي الباحث عن «سحر الشرق» في عمقه الأصيل لا في صوره الاستهلاكية المعلبة.

وقد شهد الجبل الأخضر، خلال الفترة الماضية، الإعلان عن مجموعة من المشاريع السياحية الجديدة تشمل متنزهات ومراكز ترفيهية وفنادق، تنضم إلى مشاريع قائمة وأخرى قيد التنفيذ، في مشهد يعزز مكانة الجبل كأحد أعمدة السياحة العمانية. ولا تقف هذه الحركة عند محافظة بعينها؛ فالمنافسة باتت عنوانا واضحا بين المحافظات، حيث تسعى كل واحدة منها إلى تحويل معطياتها الجغرافية والبيئية والثقافية إلى فرص استثمارية ذات بعد اقتصادي واجتماعي.

وما يمنح عُمان ميزة إضافية هو هذا التنوع الجغرافي الفريد، لكنه - رغم أهميته - لا يكفي وحده لصناعة سياحة مستدامة.. فالسياحة اليوم تحولت إلى صناعة حقيقية تتطلب بنية تحتية متطورة، ومراكز ترفيه، وفنادق بمستويات مختلفة، إلى جانب مراكز تجارية ومقاه تعبّر عن روح المكان، وتقدم التجربة السياحية متكاملة. ورغم ما يُثار من جدل حول تحول السياحة إلى سلوك استهلاكي قد يهدد الجوهر التأملي والروحي للتجربة، إلا أن توازن المعادلة يقتضي بناء مراكز حديثة بنفس الاهتمام الذي يُمنح للمتاحف والمواقع التاريخية، لتكتمل الصورة أمام الزائر من الداخل والخارج.

الفرصة الآن سانحة أكثر من أي وقت مضى لتطوير هذه الصناعة، خاصة في ظل التوجهات المحلية والإقليمية الرامية إلى تنشيط السياحة على مدار العام، لا في فصل الصيف وحده. كما أن التكامل بين الجهات الحكومية والمستثمرين المحليين والأهالي يمكن أن يخلق نموذجا عمانيا فريدا للسياحة المرتكزة على الأصالة والمعاصرة، وعلى الاستثمار المنتج لا الاستهلاك السريع.

إذ تبرز محافظات سلطنة عُمان كقوى اقتصادية واعدة لما تمتلكه من مقومات بشرية وطبيعية واستثمارية تؤهلها لقيادة النمو الاقتصادي المستدام، ومع تنامي التوجه نحو التنويع الاقتصادي باتت التساؤلات المطروحة هي كيف يمكن تحويل هذه المحافظات إلى مناطق اقتصادية مزدهرة تُسهم بفعالية في دعم الاقتصاد الوطني وتفعيل أهداف "رؤية عُمان 2040"؟

وفي هذا الاتجاه، ثمة متطلبات محورية تتمثل في: أهمية بناء استراتيجيات متكاملة تستند إلى التنوع الجغرافي والاقتصادي، وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، وتمكين رواد الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بما يُسهم في إيجاد بيئات اقتصادية محلية قوية ومترابطة تقود عجلة النمو الاقتصادي.

فإذا كانت محافظة الداخلية مثلاً تتميز بوجود ثلاثة مشروعات استثمارية كبرى تفوق قيمتها 26 مليون ريال عُماني، تتوزع بين أنشطة سياحية وثقافية وتجارية وزراعية، فإن المحافظة تولي أهمية خاصة لتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص في تنفيذ مشاريع البنية الأساسية، إذ يجري حاليًا تنفيذ 3 حدائق ومتنزهات عامة، بالإضافة إلى مشروعات أخرى قيد الدراسة.

يُمثل القطاع السياحي ركيزة أساسية ضمن أولويات التنمية في محافظة الداخلية، مستفيدًا من التنوع الجغرافي والطبيعي والثراء الثقافي الذي تزخر به، وأن هناك استراتيجية مشتركة يتم إعدادها بالتعاون مع جامعة نزوى وشركة استشارية متخصصة في التخطيط الحضري، لوضع إطار متكامل لاستثمار المواقع التراثية، ومن المتوقع الانتهاء منها بنهاية العام الجاري، كما تستفيد المحافظة من نتائج الاستراتيجية الإقليمية، وعلى وجه الخصوص المخطط الهيكلي لنزوى الكبرى.

أما محافظة جنوب الباطنة، فتمتلك مقومات اقتصادية قوية في قطاعات متعددة تشمل السياحة، والصناعة، والزراعة، والثروة السمكية، والخدمات اللوجستية، والقطاع البلدي؛ ففي القطاع السياحي، يبرز تنوع بيئاتها الطبيعية من شواطئ وجبال وأودية، إلى جانب المعالم التاريخية مثل القلاع والأسواق التقليدية، وتُستثمر هذه الميزات من خلال مشروعات بنية أساسية سياحية، وفنادق، ومهرجانات ترويجية، أما في القطاع الصناعي، فيتم دعمه عبر مناطق صناعية مجهزة وبنية أساسية متطورة، مع تقديم حوافز وتسهيلات لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مع التركيز على الصناعات التحويلية المعتمدة على الموارد المحلية.

وثمة جهود كبيرة لتعزيز القطاع السياحي والاستفادة من مواقعها الطبيعية والتاريخية، وتتركز هذه الجهود على عدة محاور رئيسية تشمل تطوير البنية الأساسية، وتنشيط السياحة البيئية والتراثية، وتعزيز الاستثمار السياحي، والترويج للمعالم الفريدة التي تزخر بها محافظة جنوب الباطنة.

كما تولي محافظة جنوب الباطنة، اهتمامًا كبيرًا بتمكين رواد الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، من خلال توفير تسهيلات مالية وإدارية، وبيئة محفزة للنمو، وتشجيع التكامل مع المشروعات الكبرى، تشمل هذه الجهود توفير برامج تدريبية وحلقات عمل متخصصة في ريادة الأعمال، والإدارة، والتسويق، والتكنولوجيا، إضافة إلى إنشاء حاضنات أعمال ومناطق اقتصادية بتكاليف منخفضة.

لا شك أن استراتيجية تنمية المحافظات العُمانية، ترتكز على وجود خطة واضحة ومتكاملة لكل محافظة يسمح بمنحها صلاحيات مالية أوسع، وهو ما ينعكس إيجابًا على سرعة تنفيذ المشروعات وتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع.

فبعض المحافظات قد تكون مهيأة أكثر من غيرها للنمو، بينما هناك محافظات تحتاج إلى وقت أطول للبناء والتطوير؛ لذا، فإن تركيز الكثافة السكانية في الحواضر الرئيسية للمحافظات من خلال التخطيط العمراني المدروس، يُسهم في خلق بيئة حيوية قادرة على جذب الشركات الصغيرة، والتي بدورها تفتح المجال أمام استثمارات أكبر، وتستقطب قوى عاملة ماهرة، سواء من المواطنين أو المقيمين.

المؤكد أن سلطنة عُمان قادرة على الاستفادة من التجارب الدولية وتكييفها بما يتناسب مع احتياجاتها التنموية والاقتصادية، ولعل من أبرز السبل لتحقيق ذلك هو تطوير المناطق الاقتصادية الخاصة، مثل منطقة الدقم، مع توفير حوافز ضريبية وتسهيلات للمستثمرين، لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.

فضلاً عن أهمية الاستثمار في التعليم والبحث العلمي، من خلال تعزيز الشراكة بين الجامعات والشركات لخلق بيئة محفزة للابتكار واستقطاب الشركات التكنولوجية، لأن هذا التوجه يُسهم في رفع تنافسية الاقتصاد الوطني.

والحقيقة، يشكل موسم الخريف فرصة سياحية مهمة بسبب الطبيعة الخلابة والطقس المعتدل، إلى جانب إمكانات كبيرة في زراعة النخيل والفواكه والخضروات لتعزيز الأمن الغذائي، فضلًا عن الثروة السمكية التي تُمثل قطاعًا واعدًا بفضل قرب المحافظة من بحر العرب، ما يجعلها مركزًا مهمًا لصيد الأسماك.

وفي هذا السياق أطلقت محافظة ظفار في 5 أغسطس الجاري، أعمال معرض «تمكين وسمو» الذي تنظمه غرفة تجارة وصناعة عُمان، ممثلة في لجنة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بمشاركة أكثر من 75 مؤسسة صغيرة ومتوسطة ويستمر حتى 20 من شهر أغسطس الجاري. يهدف المعرض إلى الترويج لمنتجات هذه المؤسسات وتعزيز تنافسيتها في الأسواق المحلية، إلى جانب إتاحة فرص بناء علاقات تجارية مع مؤسسات القطاع الخاص.

يُعد المعرض منصة مهمة لتعزيز ريادة الأعمال في سلطنة عُمان، وتحفيز الابتكار والتنوع الاقتصادي في مختلف المحافظات في إطار توجه سعي لجنة المؤسسات الصغيرة والمتوسـطة بغرفة تجارة وصناعة عُمان لدعم القطاع الخاص وتمكين روّاد الأعمال العُمانيين.

الاكثر قراءة