رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الأزهر للفتوى: ترك الوالدين دون رعاية عقوق وكبيرة من كبائر المحرمات

1-10-2025 | 12:28

الأزهر للفتوى

طباعة
فاطمة الحسيني

أكد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية عبر صفحتها الرسمية على موقع  التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، أن هجر الوالدين في كبرهما وتركهما دون رعاية حتى يصابا بأذى: عقوق وكبيرة من كبائر المحرمات.

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله ﷺ، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعد؛ فإن الشريعة الإسلامية قد أولت الوالدين في مرحلة الكِبَر عناية خاصة، لما يكونان فيه من ضعف وحاجة إلى الرعاية المادية والمعنوية؛ فبعد أن أمر الحق سبحانه ببر الوالدين في جميع الأحوال، خص كبرهما بوصية مستقلة، فقال سبحانه: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23]؛ آمرًا بالإحسان، ولين القول، والصبر على ما قد يظهر منهما من ضعف أو عجز، وجعل ذلك من أعظم القُرُبات.

كما جعل الله سبحانه أجر بر الوالدين والإحسان إليهما أو أحدهما -سيما في الكبر- كأجر الحج والعمرة والجهاد في سبيله، فقد أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: إِنِّي أَشْتَهِي الْجِهَادَ، وَإِنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ وَالِدَيْكَ؟» قَالَ: أُمِّي، قَالَ: «فَاتَّقِ اللهَ فِيهَا، فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَأَنْتَ حَاجٌّ وَمُعْتَمِرٌ، وَمُجَاهِدٌ، فَإِذَا دَعَتْكَ أُمُّكَ فَاتَّقِ اللهَ وَبِرَّهَا». [أخرجه البيهقي في شُعب الإيمان]

وجعل سيدنا رسول الله ﷺ السعي على حاجاتهما وطلب رضاهما جهاد في سبيل الله؛ فقد جاء رجل إلى النبي ﷺ يستأذنه في الجهاد فقال ﷺ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟»، قال: نعم، قال: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ». [أخرجه مسلم]

ومع هذا البيان الشرعي الواضح، فقد ظهرت في واقعنا المعاصر صور مؤلمة من هجر الوالدين بالكلية، وتركهما في منزلهما بلا متابعة ولا نفقة ولا رعاية، حتى يُصيب أحدهما الأذى، وربما مات بعضهم مرضًا أو قهرًا أو جوعًا أو وحدةً دون أن يعلم أبناؤهم إلا بعد أيام، وهو عقوق لهما، وتنكر لفضلهما، وانصراف عن برهما في وقت هم فيه أحوج ما يكونان إلى البر، ومهما كثرت المسئوليات، وأعمال الحياة؛ فليس هناك ما يبرر إهمال الوالدين مطلقًا، يقول سيدنا رسول الله ﷺ: « أَلا أُخْبِرُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبائِرِ؟» قالوا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: «الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ». [متفق عليه]

كما أنه لا يرفع إثم العقوق اكتفاء الأولاد بالإنفاق على الوالدين دون سؤال ولا عناية ولا مؤانسة، حتى إنه لتمر الأعوام تلو الأعوام، دون أن يرى الوالدان أولادهم ولا أحفادهم، فللوالدين حق أسري نفسي إلى جوار حقهم المادي؛ ردًّا لإحسانهم بالإحسان، وبرًا بهم بعد أن بذلوا زهرة شبابهم وأموالهم وأقواتهم وأوقاتهم، وكما أن إدخال السرور على الوالدين إحسان مبرور، كذلك إحزانهما نفسيًّا من العقوق؛ يقول ابن عمر رضي الله عنهما: «بكاء الوالدين من العقوق». [الأدب المفرد]

فإن البر بهما لا يقف عند حدود النفقة فحسب، بل يشمل حسن السؤال عنهما، ومجالستهما، وتطييب خاطرهما، ومؤانستهما في وحدتهما، وإدخال السرور عليهما؛ فإن في ذلك قربة عظيمة لا يعدلها كثير من أعمال البر والطاعات.

فيا أيها الأبناء؛ اجعلوا برَّ والديكم زادًا لكم إلى الجنة، وسببًا لرضا الله عنكم، وتوفيقه لكم في كل شئون حياتكم؛ فقد قال سيدنا رسول الله ﷺ: «رِضا اللهِ في رِضا الوالدِ، وسَخَطُ اللهِ في سَخَطِ الوالدِ» [أخرجه الترمذي].

وتذكروا أن ما تزرعونه اليوم في حياة والديكم ستحصدونه غدًا في أولادكم، وأن دعوة الوالدين الصادقة لا ترد، فكم من عمل صالح رُفِع، وكم من بلاء دُفِع ببركة دعوة صالحة، من أب أو أم؛ يقول سيدنا رسول الله ﷺ: «الوالِدُ أوسطُ أبوابِ الجنَّةِ، فإنْ شِئتَ فأضِعْ ذلك البابَ أو احفَظْه». [أخرجه الترمذي]

نسأل الله تعالى أن يرزقنا بر والدينا أحياءً وأمواتًا، وأن يجعل برهما سببًا لرضاه والجنة.