تحريك تسعير المواد البترولية من شأنه رفع أسعار السلع، ولكن وفقًا لآراء القيادات الحكومية والاقتصادية، فإنها ستكون زيادات محدودة تتراوح بين 3 إلى 6 فى المائة، ولضمان عدم استغلال بعض منعدمى الضمير لارتفاع سعر المحروقات كـ«شماعة» للمبالغة فى رفع الأسعار، تسعى الجهات الرقابية لمضاعفة حملات متابعة الأسواق مع التوسع فى أسواق اليوم الواحد وطرح السلع المخفضة بالمنافذ الحكومية، ثم يأتى الوعى الجماهيرى كسلاح أخير لمحاربة أى استغلال، من خلال الامتناع عن الشراء من المحتكرين أو الإبلاغ عنهم للجهات الرقابية المختلفة.
ضبط الأسواق مسؤولية تقع على عاتق وزارة التموين، التى بدأت فورًا بتعزيز قدراتها الرقابية ومضاعفة الحملات على الأسواق بالتنسيق مع كافة الجهات الرقابية الأخرى، لضمان عدم المغالاة، مع امتصاص زيادة التكلفة على السلع التموينية، وخاصة الخبز، لتُعلن على الفور تحملها لكافة التكاليف الإضافية خلال عمليات إنتاج الخبز، حتى يستمر بيعه للمواطنين بسعر 20 قرشًا للرغيف دون أى زيادة، كما كشف وزير التموين عن جهود مشتركة مع التجار للتوسع، فى أسواق اليوم الواحد وأسواق المزارعين لتقديم السلع بأسعار مخفضة لضمان تحقيق التنافس مع السوق الحر، حيث نجحت مبادرات اتحاد الغرف التجارية، وبالتنسيق مع المحافظين، فى إقامة 300 سوق «يوم واحد»، كما تم الاتفاق على التوسع فى أسواق للمزارعين خلال الأشهر الثلاثة القادمة.
وفى هذا الصدد، اجتمع الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، مع مجلس إدارة الهيئة العامة للسلع التموينية لمناقشة سبل تعزيز الاحتياطى الاستراتيجى من السلع الأساسية، كما أكد أن سعر رغيف الخبز المدعم سيظل ثابتًا عند 20 قرشًا للرغيف، رغم تحريك أسعار السولار، حيث تستمر الدولة فى تحمل فرق تكلفة الإنتاج وسدادها لأصحاب المخابز دون أعباء إضافية على المواطنين.
وعن أسعار الخبز فى السوق الحر، أوضح محمد عبد الجواد، سكرتير شعبة المخابز باتحاد الغرف التجارية، أن السوق عرض وطلب، وبالفعل ارتفاع المحروقات سيؤثر على التكلفة، ولكن لم تظهر حتى الآن تحركات بالرفع من أصحاب المخابز السياحية، لكننا نتوقع عدم زيادة السعر للخبز الأفرنجى، لأن أغلبهم رفعوا أسعارهم بالفعل مع بداية الموسم الدراسى لزيادة الطلب لديهم، وبالتالى الأهم فى الفترة القادمة هو تفعيل الرقابة لضمان استقرار الأسواق.
متابعة الأسواق وتشديد الرقابة عليها دفع وزارة التموين لتشكيل غرفة عمليات مركزية بديوان عام الوزارة لاستعراض التقارير الميدانية من المديريات بجميع المحافظات، والاطمئنان على توافر السلع والمنتجات والتعامل الفورى مع شكاوى المواطنين. وحسبما قال حسام الجراحى، مساعد وزير التموين لشؤون الرقابة: فإن «الأجهزة الرقابية متواجدة ميدانيًا منذ الرابعة فجرًا خلال أول يوم لتطبيق الأسعار الجديدة للبنزين، وهناك تنسيق مستمر بين غرفة العمليات الرئيسية والغرف الفرعية بالمديريات للتعامل الفورى مع البلاغات، ولكن كافة التقارير الميدانية تشير إلى استقرار السلع بكميات كافية دون رصد أى زيادات غير مبررة فى الأسعار، كما أن الرقابة فى الأيام الأولى كانت ترتكز بقوة على محطات البنزين، ثم تم التوسع إلى كافة أسواق السلع، وخاصة الغذائية».
وأوضح «الجراحى» أن زيادة البنزين كان لها تأثير بالطبع على وزارة التموين، وبخاصة على رغيف الخبز المدعم، معلقًا: «نحن نعتمد على وسائل النقل، وهناك مخابز تعمل بالسولار»، وبالتالى كافة الجهات التابعة لهيئة السلع التموينية بدأت فى إعادة احتساب التكلفة الخاصة برغيف الخبز على المخابز، وسيتم عرض هذه الأرقام على وزير التموين تمهيدًا لمخاطبة وزارة المالية لتوفير الاعتمادات، والمتوسط للزيادة الجديدة يتراوح بين 1.65 قرش إلى 1.84 قرش زيادة فى تكلفة الرغيف، وذلك وفقًا لنوع المخبز، «هل يستخدم غازًا أو سولارًا؟ وأيضًا نوع الخبز: ماوٍ أو ملدن»، مشيرًا إلى وجود زيادة فى التكلفة على المطاحن، ويجرى حاليًا دراسة الزيادة فى التكلفة وإبلاغ وزارة المالية بتلك الارتفاعات.
أما الشق الثانى، الأسوأ، لزيادة البنزين، فهو ارتفاع أسعار وسائل النقل، وبالفعل تم ضبطها، وهناك أيضًا السلع الحرة، ومنها سلع مسعّرة مثل السجائر وغيرها، وهنا نقوم بحملاتنا للتأكد من عدم رفع أسعارها. أما السلع الحرة فنتركها لآليات العرض والطلب، ولكن دورنا الرقابى يهتم بقوة بمراجعة الفواتير والتزام التجار بأسعار البيع المسجلة بها، فالجهات الرقابية موجودة فى الشارع ولدينا حملات مكبرة تستهدف محافظات بالكامل، بخلاف الحملات اليومية الدورية العادية لمنع المخالفين من التلاعب. كما لم نعتمد على الخطة المكتوبة عن الحملات الرقابية المستهدفة منعًا لتسريبها، وتم التركيز على الجولات المفاجئة لضمان جدية الحملات، خاصة أن هناك عمليات تلاعب اكتُشفت قبل زيادات البنزين، وخاصة فى السكر، حيث تقوم شركات التعبئة بطباعة وإصدار فواتير بأسعار أعلى بكثير من القيمة الحقيقية، والبيع يتم بسعر أقل من الفاتورة لترك مساحة للتلاعب فى أى وقت، وبالتالى الأزمة ليست فى النقل، ولكن أساليب التحايل متعددة ونحن نحاربها دائمًا.
استكمالًا لطرف الحديث، أكد هشام الدجوى، رئيس شعبة المواد الغذائية بغرفة الجيزة التجارية، أن توافر السلع الغذائية فى الأسواق يُعد إنجازًا هامًا، كما أن هناك تحركات من وزير التموين واجتماعات مستمرة مع تجار الغرف التجارية لتقديم تخفيضات سعرية، وبالفعل كان هناك لقاء موسع قبل زيادة البنزين بيومين مع السلاسل التجارية وصناع الزيوت وكافة السلع الغذائية، وتم الاتفاق على تخفيض الأسعار، ولكن لم تُعلن الشركات المنتجة قوائمها الجديدة حتى الآن، فقد يتجه بعضهم بالفعل للتخفيض أو حتى تثبيت الأسعار، ولكن التوقع الأكبر أنهم لن يتجهوا للزيادة، خاصة فى الزيوت.
وأضاف الدجوى أن منافذ «Carry on» الحكومية والممثلة فى نحو 40 ألف منفذ تموينى، سيتم تطويرها خلال الفترة القادمة، وسيكون لها دور كبير فى ضبط الأسواق وتحقيق الأمن الغذائي. أيضًا، المجمعات الاستهلاكية هى سلاح الحكومة حاليًا لضمان ضبط الأسواق، فخلال الأسابيع الماضية تم الإعلان عن تخفيضات بها تصل إلى 15 فى المائة، وستستمر لتحقيق منافسة مع السوق الحر لضبط الأسواق.
من جانبه، طالب المهندس متى بشاى، رئيس لجنة التجارة الداخلية بشعبة المستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية، بالتفرقة بين تخوف المواطنين من استغلال زيادة تكلفة البنزين على الأسعار، وبين التأقلم على المردود الحقيقى لتكاليف النقل على الأسعار، فهل النولون والشحن تنعكس زيادة قيمته على كافة السلع والتجار والمنتجين بنفس المعدل؟ الإجابة المنطقية أن لكل سلعة طبيعتها الخاصة، لذا فالزيادات مختلفة؛ فالنقل عبر «تريلا» تحمل عشرات الأطنان يختلف عن سيارة نقل صغيرة، وبالتالى السلع الأكثر ارتباطًا بسعر المحروقات، والتى سترتفع بنسب محدودة، أهمها الخبز الحر ومنتجات المخبوزات والخضر والفاكهة وأغلب السلع الغذائية. أما بقية السلع، ومنها مثلًا الكهربائية وغيرها، فتكلفة النقل بها هامشية، وبالتالى لا توجد أزمة بها، أما السلع المستوردة، فرغم وجود تكاليف نقل لها، فإن الانخفاض فى قيمة سعر صرف الدولار يجب أن يكون له تأثير إيجابى على الأسعار، وبالتالى ليس من المنطقى حاليًا رفع أسعار أى سلعة مستوردة بسبب النقل.
واختتم متى بشاى قائلًا إن هناك اجتماعات مستمرة داخل الغرف التجارية للتواصل مع الأعضاء من تجار ومستوردين فى أغلب القطاعات، وتمت مطالبتهم بدراسة حجم التكاليف الإضافية، ومن يجد أنه فى حاجة حقيقية لزيادة منطقية بسبب المحروقات فعليه رفع أسعاره بمنطق العدل والحكمة، ومن لا يجد داعيًا للزيادة فعليه تثبيت أسعاره، واصفًا الأمر: «لا داعى لسياسة القطيع فى رفع الأسعار».
وبالفعل، أكدت شعبة النقل بالغرف التجارية أن التكلفة الجديدة اضطرتهم لرفع التكاليف بنسبة 7 فى المائة، وهذا حقهم، أما بقية قطاعات السلع الغذائية، فالزيادة العادلة لديهم من 3 إلى 6 فى المائة، وأى ارتفاع عن ذلك يُعد جشعًا واستغلالًا، خاصة أن ظروف السوق لا تسمح بمغالاة التسعير، فنحن نعانى من ركود فى المبيعات، وأيضًا حالة المنافسة ستحرم المغالين من الزبائن، حيث تظهر أهمية وعى المواطنين بالامتناع عن التاجر الذى يرفع سعره بشكل مبالغ فيه، وبالتالى سيبحث دائمًا عن الأرخص.