رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الدرامـــــا الوطنية.. تجسد البطولات وتفضح المؤامرات


24-10-2025 | 12:34

.

طباعة
تقرير: سما الشافعى

منذ بداياتها الأولى، لم تكن الدراما مجرد فن يروى الحكايات للتسلية أو الترفيه، بل كانت ولا تزال سلاحًا شديد التأثير فى معركة لا تقل خطورة عن معارك السياسة والإعلام المباشر، وهى معركة الوعى، فعبر الشاشة الصغيرة أو الكبيرة، يمكن للعمل الدرامى أن يُعيد تشكيل صورة المجتمع فى عقول أفراده، ويعيد صياغة مفاهيم الوطنية والهوية والانتماء، أو على النقيض أن يشوهها ويتركها عُرضة للضياع.

وفى زمن ثورة المنصات الرقمية التى غيّرت خريطة المشاهدة، باتت الدراما أكثر تأثيرًا من أى وقت مضى، تتجاوز حدود الفن إلى ميادين الفكر والسياسة والثقافة.

أحمد عز: الدراما مسئولية وليست ترفيهًا

فى السنوات الأخيرة، لم تعد الدراما مجرد وسيلة للترفيه أو التسلية، بل تحولت إلى أداة خطيرة فى تشكيل الوعى الجمعي، وتوجيه الرأى العام، وترسيخ القيم، وبينما تتسارع الأحداث السياسية والاجتماعية فى المنطقة، يزداد دور الفنانين الكبار فى تحديد مسار هذا الوعي.

يقول الفنان أحمد عز: «الدراما ليست مجرد صناعة ترفيهية، بل هى مرآة حقيقية للمجتمع، تعكس مشاكله وطموحاته وآماله، وأنا مؤمن أن الدراما لابد أن تبقى حقيقية وملتصقة بالجمهور، ولأن الجمهور لا يحتاج أن يرى حياة بعيدة عنه، فإننا نقدم له حياته ونفسه على الشاشة، وأرى أن الدراما سلاح خطير، من الممكن أن ترفع وعى الناس وتفتح أعينهم على قضايا مهمة، وممكن فى نفس الوقت أن تضللهم أو تقدم لهم نماذج مشوهة».

ويوضح أن هذا الوعى انعكس فى اختياراته، حيث رفض كثيرًا من الأعمال التى لم يجد فيها رسالة واضحة، أو التى تفتقد إلى الصدق الفنى بالنسبة له، وأن المصداقية هى المفتاح، فهى التى تجعل العمل الدرامى قادرًا على الوصول إلى وجدان الناس، لا مجرد أعينهم، وأنه حريص على تقديم أعمال ذات قيمة، تتحدث دائمًا عن الدراما بوصفها «معركة وعي» لا تقل فى أهميتها عن أى معركة أخرى، لأن الجمهور يتأثر بما يراه على الشاشة، وأن قوة الصورة قد تكون أبلغ من أى خطاب سياسى أو تربوي.

ويضيف عز قائلا: «الجمهور المصرى والعربى أذكى مما يعتقد البعض، فهو يميز بين العمل الصادق والعمل المصنوع بغرض تجارى بحت، وعلى الفنان مسئولية أن يقدّم ما يليق بمستوى وعى جمهوره، لأن الدراما تستطيع أن تكون قوة تنويرية هائلة إذا ما استُخدمت بالشكل الصحيح، فالعمل الدرامى الجيد يستطيع أن يزرع فى عقول المشاهدين قيمًا لا تُمحى بسهولة، وخطورة الدراما تكمن فى قدرتها على التأثير طويل المدى، حيث إن مشهدا واحدا قد يبقى فى ذاكرة المشاهد سنوات، ويؤثر فى قراراته الحياتية، بينما خطاب كامل قد يزول أثره بمجرد انتهائه».

شريف عرفة: الدراما تحرك المياه الراكدة

يؤكد المخرج شريف عرفة، أن الدراما ليست مرآة فحسب، بل أداة لإعادة تشكيل الوعي، موضحاً أن الأعمال الفنية الكبرى لا تكتفى برصد الظاهرة الاجتماعية، بل تسهم فى تفسيرها أو حتى تغييرها، وأن المجتمع قد يرى فى الشاشة صورة مبالغ فيها عن نفسه، فيبدأ فى تعديل سلوكه إما رفضًا أو قبولًا، وأنه فى الواقع تتجاوز الدراما حدود الانعكاس البسيط، فهى قد تصنع بطلاً من شخصية عادية، أو تخلق حالة تعاطف واسعة مع قضية مهمشة، أو حتى تغيّر صورة مؤسسة كاملة فى عيون الناس، ويكفى أن نذكر كيف غيّرت بعض المسلسلات صورة الضابط والجندي، أو أعادت الاعتبار لحقبة تاريخية كانت مهملة فى كتب المدرسة.

ويلفت إلى أنه خلال السنوات الأخيرة، ظهرت أعمال درامية استطاعت أن تحجز مكانها فى وجدان الناس كأعمال وطنية وتنويرية، من أبرزها مسلسل «الاختيار» الذى وثّق بطولات الجيش والشرطة فى مواجهة الإرهاب، ولم يكن العمل مجرد عرض لمعارك عسكرية، بل قدم سردًا إنسانيًا لشخصيات ضحّت بحياتها، وأعاد تعريف معنى البطولة فى وعى الناس، والأمر نفسه ينطبق على الأعمال التاريخية مثل «الملك فاروق»، أو الدراما الاجتماعية التى تناقش قضايا حساسة مثل العنف الأسرى أو حقوق المرأة، لذلك فإن الدراما الاجتماعية الصادقة أيضاً تحرك المياه الراكدة، بل أحيانًا يبدأ النقاش البرلمانى أو الإعلامى من عمل درامى قام بطرح القضية قبل أن يُقبل البرلمان على طرحها».

أمير كرارة: تغير قناعات أجيال كاملة

النجم أمير كرارة، الذى أصبح «وجه الدراما الوطنية» بامتياز، يوضح أنه لم يكتفِ بالنجاح التجارى أو الجماهيري، بل حرص على التأكيد أن الفن بالنسبة له ليس مهنة عادية فحسب، وإنما هو مسئولية ورسالة، وأن العمل الدرامى قد يرسّخ قيمًا فى وجدان المشاهد أكثر مما تفعل الخطب والشعارات، وأن صورة واحدة صادقة على الشاشة قادرة على أن تغيّر قناعات أجيال كاملة.

ويؤكد أن الدراما تمثل جبهة ثانية لا تقل أهمية عن ميادين القتال، خصوصًا حين يتعلق الأمر بتوثيق بطولات رجال الجيش والشرطة، وما فعله الأبطال فى أرض المعركة كان لابد أن يصل إلى الناس، موضحا أن دور الدراما دائما أن تنقل هذه البطولات وأن تجعل الجمهور يشعر بها، فالأعمال الوطنية تعيد ترسيخ قيم الانتماء فى وجدان الشباب، وهى بمثابة جسر يربط الأجيال الجديدة ببطولات لم تعشها، وأنا شخصيًا تأثرت بما قرأته فى سيناريو «الاختيار» قبل أن أمثّله، بل كنت أشعر أننا مدينون لهؤلاء الأبطال بأن نُعرّف الناس بقصصهم».

ويشير كرارة إلى أن الدراما تستطيع أن تثبّت الأحداث فى ذاكرة المشاهدين بشكل لا يستطيع الإعلام التقليدى أن يفعله، لأن المشهد الصادق يبقى حاضرًا فى وجدان الناس، ويشكل جزءًا من وعيهم الجمعي، وفى ظل انتشار الأفكار الهدامة، يعتبر كرارة أن الدراما أداة فعّالة لمواجهتها، لأنها تقدم القصة والصورة بطريقة تصل إلى قلوب الناس وعقولهم فى آن واحد.

إعادة تقديم التاريخ

يشير الناقد الفني، محمد عبد الرحمن، إلى أن الأعمال التاريخية أو الوطنية التى أُنتجت فى السنوات الأخيرة لعبت دورًا محوريًا فى إعادة تقديم التاريخ للشباب، خاصة المسلسلات والأفلام التى أبرزت بطولات الجيش والشرطة، حيث إن هذه الأعمال لا تعيد الماضى فقط، لكنها تزرع فى الأجيال الجديدة إحساسًا بالانتماء، وأرى أن الفن مسئول عن تقديم «قدوة»، سواء كان ذلك فى صورة بطل يحارب الفساد، أو شخصية عادية تناضل من أجل لقمة العيش بكرامة، وأن الدراما بدون قدوة، تفقد جزءا كبيرا من رسالتها».

ويوضح أن من أهم مزايا الدراما أنها تفتح أبواب الحوار حول قضايا مسكوت عنها، فعندما تتناول الدراما قضية حول الإدمان أو العنف الأسرى أو التطرف، فإنه يضعها على طاولة النقاش العام، وهذا فى حد ذاته خطوة نحو التغيير، ولكن على الجانب الآخر، يجب ألا نغفل عن سلبيات الدراما حين تُستخدم بشكل خاطئ.

يضيف عبد الرحمن: «من أبرز هذه السلبيات؛ الاستسهال والإسفاف، مثل الأعمال التى تقدم محتوى «خفيفًا» إلى حد التفاهة، أو تلك التى تعتمد على مشاهد صاخبة دون مضمون، فأنا ضد أن يكون الفن تجاريا فقط، لابد أن يقدم رسالة، خاصة أنه عندما يكون العمل لأجل الربح فقط، يخسر قيمته ويفقد احترام الناس، وأيضا من السلبيات التى أحذر منها أن تُظهر الدراما واقعًا غير حقيقي، أو أن تقدم حياة وردية بعيدة تمامًا عن مشاكل المجتمع، بل هذا يُفقد الدراما وظيفتها الأساسية كمرايا عاكسة للحقيقة».

دراما المنصات الرقمية.. فرصة أم تهديد؟

لم يغفل الناقد محمد عبد الرحمن، الحديث عن الدراما على المنصات الرقمية، التى باتت تنافس التلفزيون بقوة، بل يرى أن هذه المنصات سلاح ذو حدين، فهى توفر حرية أكبر فى الطرح، لكن فى الوقت نفسه قد تسمح بمرور أعمال «غير منضبطة» قد تضر بالوعى والمجتمع.

ويضيف: «أنا لست ضد المنصات، بالعكس أرى أنها فرصة عظيمة لو تم استخدامها بشكل صحيح، لكن الخطر يكمن فى أنها تقدم محتوى بعيدا عن قيم مجتمعنا، وهذا يؤثر بشكل مباشر على شبابنا، ولابد لصناع الفن أن يدركوا خطورة الدراما كمعركة وعي، لأن الفنان الحقيقى هو الذى يشارك فى هذه المعركة بإيجابية، من خلال تقديم أعمال صادقة، تُلهم وتُثرى وعى الجمهور، لا أن تضلله».

ويبقى السؤال الأهم الذى يواجه صناع الدراما: كيف نحقق التوازن بين دور الدراما التثقيفى ورسالتها المجتمعية، وبين متطلبات الترفيه والإقبال الجماهيري؟

تقول الناقدة ماجدة خير الله، إن الدراما التى تتحول إلى درس مباشر تفقد جمهورها، كما أن الدراما التى تغرق فى التسلية تفقد قيمتها، بل إن السر فى المزج بين العمق والمتعة، موضحة أن الجمهور لا يرفض التثقيف، لكنه يريد أن يتلقاه فى إطار درامى ممتع ومقنع.

 
 
 
 
 

الاكثر قراءة