رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الشيخوخة تهاجم التنين الصينى


24-10-2025 | 19:11

.

طباعة
تقرير: أمانى عاطف

تشهد الصين انخفاضاً سكانياً على نطاق وسرعة لم يشهدهما العالم من قبل، فهى تواجه أزمة ديموغرافية وشيكة، وذلك سيعيق الصين عن نموها الاقتصادى وطموحها فى منافسة الولايات المتحدة فى أن تصبح قوة عالمية أو تحل محلها. إن السياسة التى عززت صعود الصين قد تُهدد مستقبلها الآن، ومن المحتمل أن يؤثر النقص الهائل فى العمالة على سلاسل توريد المنتجات.

 

تسير الصين الآن على مسار يُنذر بالخطر وتتوقع الأمم المتحدة أنه فى 2050 سيتقلص عدد سكان الصين بأكثر من 150 مليون نسمة وبمقدار مذهل يصل إلى 750 مليون نسمة بحلول نهاية القرن. وهذا يعادل فقدان جميع سكان المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبى وروسيا مجتمعين - وهو انهيار غير مسبوق فى التاريخ الحديث. لكن الأمر لا يقتصر على انخفاض عدد السكان فحسب، بل يتعلق أيضًا بكبار السن. حيث يشكل كبار السن الذين تزيد أعمارهم على 65 عامًا حاليًا 14 فى المائة من السكان، ولكن بحلول عام 2050، من المتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 30 فى المائة وهى من بين أعلى النسب فى العالم. والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 80 عامًا سيتضاعف ثلاث مرات - من 37 مليونًا اليوم إلى 132 مليونًا. ومن المُحتمل أن يؤثر النقص الهائل فى العمالة على سلاسل توريد المنتجات، بما فى ذلك دمى باربى والأحذية والهواتف المحمولة والسيارات الكهربائية.

أدت هاتان القوتان – انخفاض معدلات المواليد وارتفاع متوسط العمر المتوقع - إلى إعادة تشكيل الهرم الديموغرافى الصينى بشكل جذري. فقاعدته تتقلص مع انخفاض معدلات المواليد، بينما تتسع قمته مع ازدياد أعمار الناس بشكل غير مسبوق، يُشكّل هذا المزيج القوى من الشيخوخة وتراجع عدد السكان تحدياتٍ جسيمة، ليس فقط للاقتصاد والمجتمع الصيني، بل أيضًا للجغرافيا السياسية العالمية.

العواقب وخيمة فقد كان النمو الاقتصادى السريع للصين مدفوعًا بقوة عاملة هائلة ومنخفضة التكلفة. أما الآن، فإن عدد السكان فى سن العمل آخذ فى التقلص، مما يؤدى إلى انخفاض عدد العمال لدفع عجلة الإنتاج، وانخفاض عدد المستهلكين الذين يدعمون الطلب. وكانت الصين قد تمتعت لعقود بدور «مصنع العالم»، مستفيدة من قوتها العاملة الهائلة لتصنيع السلع بأسعار رخيصة وبسرعة. ومع الانخفاض الحاد بعدد الأشخاص فى سن العمل فى الصين، فقد تكون تلك الحقبة على وشك الانتهاء الآن. وقد تتجه بكين نحو ركود طويل الأمد، على غرار اليابان. فقد ساهم انخفاض معدلات الخصوبة ونقص الشباب فى انهيار سوق العقارات فى اليابان فى أوائل التسعينيات، مما أدى إلى «عقد ضائع» من النمو الاقتصادي. ولكن الأزمة التى تلوح فى الأفق فى الصين أشد وطأة من تلك التى واجهتها اليابان لأن فقاعة العقارات فى الصين أكبر بكثير، ومعدل الخصوبة فيها أقل بكثير.

تشير البيانات إلى أن تعداد السكان فى الصين بدأ فعليًا فى الانكماش، ما يثير مخاوف اقتصادية حقيقية تتعلق بانكماش سوق العمل، وتباطؤ الإنتاجية، وزيادة أعباء الرعاية الاجتماعية مع شيخوخة السكان. وتُدرك الحكومة الصينية جيدًا الانهيار الديموغرافى الوشيك والعواقب الوخيمة التى قد تترتب عليه، لذلك تُنفق الحكومة الآن أموالاً طائلة فى محاولة لتغيير مسار معدل المواليد، وتسعى إلى إقناع الجيل الجديد الذى يزداد تشككاً بالزواج.

وفى أواخر يوليو أعلنت الحكومة الصينية عن تحول جذرى فى سياستها؛ حيث سيحصل الآباء الآن على دفعات سنوية قدرها 3600 يوان (حوالى 500 دولار أمريكى) للسنوات الثلاث الأولى من حياة الطفل بالنسبة لدولة فرضت سياسة الطفل الواحد الصارمة بقبضة حديدية.

التداعيات الجيوسياسية لا تقل أهمية، فقد ساهم تعداد الصين السكانى الهائل ونموها الاقتصادى المستدام فى صعودها كثانى قوة عظمى فى العالم، وهى الدولة الوحيدة القادرة حاليًا على منافسة الولايات المتحدة. وعلى مدار العقد الماضي، سعت الصين إلى توسيع نفوذها فى المنطقة، رافعةً مطالبها فى بحر الصين الجنوبي، ومكثفةً الضغط على تايوان، ولكن مع انخفاض عدد سكانها وتقدم أعمار سكانها، قد تبدأ قوتها الاقتصادية والدبلوماسية فى التراجع أيضًا. تُمثل الصين اليوم 17 فى المائة من سكان العالم. وبحلول عام 2050، ستنخفض هذه النسبة إلى 13فى المائة، وبحلول عام 2100، إلى 6.5 فى المائة فقط.

وتكمن جذور الأزمة الديموغرافية فى الصين فى تاريخها من الرقابة السكانية الصارمة. ففى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، شجّع الحزب الشيوعى الأسر الكبيرة، معتقدًا أن زيادة عدد الأطفال ستُحفّز النمو الوطني. وقد نجحت هذه السياسة - بل وأثبتت نجاحها. وبحلول سبعينيات القرن الماضي، خشيت الحكومة من أن يصبح النمو السكانى غير مستدام، مما يُهدد التنمية الاقتصادية طويلة الأجل. فقد أدت حملة حكومية لتأخير الزواج وإنجاب عدد أقل من الأطفال، وزيادة الفجوات بين الولادات، إلى انخفاض حاد فى معدل المواليد فى أوائل السبعينيات. وأدى هذا النهج القاسى إلى نجاح سياسة الطفل الواحد. وانخفضت معدلات المواليد بشكل حاد، ما أجبر السلطات على تخفيف السياسة فى عام 2015، والسماح للوالدين بإنجاب طفلين فى عام 2016، ثم ثلاثة أطفال فى عام 2021، لكن معدلات المواليد لم تنتعش، وشهدت انخفاضاً طفيفاً بعد الجائحة فى عام 2024. وفى الواقع، ومع رفع تدابير تحديد النسل، انخفض معدل المواليد بشكل أكبر، من 1.77 طفل لكل امرأة فى عام 2016، إلى 1.12 فى عام 2021. وانخفض معدل الخصوبة فى الصين بشكل حاد فى السنوات الأخيرة.

وأوضح الكاتب والمحلل السياسى الصينى نادر رونج روهان أن مشكلة الشيخوخة لن تحدث أزمة فى نقص العمال، فالصين لديها ارتفاع فى مستوى التعليم، ويوجد التطور الكبير فى الذكاء الاصطناعى. حاليا الصين تملك أكبر عدد من العمال الماهرين الذين يحملون الشهادات العليا وماهرون فى إنجاز الأعمال وهذه نقطة مهمة جدا ميزة لا مثيل لها فى العالم، وهى التى تجذب الشركات العابرة للقارات للاستثمار وإنشاء مصانع فى الصين.

وأضاف: الأمر الثانى هو أن الصين أنشأت نظاما متكاملا لمواجهة مشكلة الشيخوخة وكذلك قدمت دعما لرفع الحياة للمسنين، ومع تطور الذكاء الاصطناعى الكثير من الأعمال يمكن أن تنجز وتقدم من خلال الروبوتات. كذلك تشجع الصين الأشخاص على الإنجاب لدفع النمو المستقر والسليم للسكان، وكذلك يساهم أيضا فى النمو الاقتصادى العالمى. وذكر «روهان» أن الصين تقدم الكثير من الإجراءات لتشجيع الإنجاب مثل العلاوة المالية وتعزيز خدمات الولادة ورعاية الأطفال وزيادة تدابير الدعم للتعليم والإسكان والتوظيف.

الاكثر قراءة