رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«وحدة الصف».. حصن منيع ضد الحروب النفسية


24-10-2025 | 12:30

.

طباعة
تقرير: محمد زيدان

فى ظل ما تشهده المنطقة من تحديات متلاحقة وتحولات سياسية وأمنية عميقة، يبقى تماسك الجبهة الداخلية الركيزة الأساسية لضمان استقرار الأوطان وصون مقدراتها فى مواجهة محاولات التشكيك وبث الفوضى.

فالمعركة اليوم لم تعد تدار فقط بالسلاح أو عبر الحدود، بل انتقلت إلى ميدان الوعى والعقول، حيث يسعى أهل الشر عبر الشائعات والحروب النفسية والإعلامية إلى تفكيك الثقة بين المواطن والدولة، وزرع بذور الإحباط والانقسام داخل المجتمعات المستقرة.

فى هذا السياق، يؤكد الدكتور حسام النحاس، أستاذ الإعلام وخبير الإعلام الرقمي، أن الدولة المصرية تتعرض لمؤامرات وحروب نفسية ممنهجة فى إطار ما يعرف بـ«حروب الجيل الرابع والخامس»، موضحًا أن هناك مخططات مستمرة تستهدف نشر الفوضى وإثارة الشكوك، وبناء جدار عزل بين المواطن والحكومة والقيادة السياسية، من خلال التشكيك فى الإنجازات والتركيز على الأزمات والتحديات التى تواجهها الدولة والمنطقة.

ويضيف أن هذه المخططات تستغل بعض القضايا والنزاعات الإقليمية بهدف تأجيج الرأى العام وصناعة وعى زائف لدى المواطن المصرى وزرع صورة مشوهة عن الواقع.

ويشير النحاس إلى أن هناك قنوات فضائية تبث من الخارج تستهدف الدولة المصرية بشكل مباشر، وتعتمد على نشر الشائعات والأكاذيب والتضليل وفق أجندات محددة.

ويوضح أن هذه القنوات لا تعمل بمعزل، بل يساندها عدد كبير من الصفحات الموجهة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتى تضخ يوميًا سيلًا من الأخبار المضللة بهدف صناعة رأى عام إلكترونى زائف لا يمتّ للحقيقة بصلة ولا يعكس الواقع بأى شكل من الأشكال.

السلاح الحقيقى فى مواجهة الشائعات والأكاذيب - فى رأى النحاس- هو وعى المواطن المصري، فهو الصخرة التى تتحطم عليها كل محاولات التضليل.

ويوضح أنه إذا نجحت وسائل الإعلام ومؤسسات الدولة الرسمية فى تزويد المواطن بالمعلومات الدقيقة أولًا بأول، وتفنيد الشائعات بشفافية، ونقل الحقائق بمبدأ الفعل لا رد الفعل، فسيصبح المواطن شريكًا حقيقيًا فى فهم وصناعة القرار.

كما أن تمكين المواطن من الإلمام بكل التفاصيل حول القضايا الداخلية والخارجية يسهم فى بناء وعى وطنى واعٍ يمثل حائط الصد الأول أمام محاولات بث الأكاذيب وزعزعة الثقة بين الشعب والدولة.

الأحزاب السياسية.. جسور تواصل

كما يدعو أستاذ الإعلام وخبير الإعلام الرقمى إلى فتح قنوات اتصال رسمية ومباشرة بين الدولة والأحزاب السياسية، بما فى ذلك قيادات الأحزاب وشبابها وتنسيقية شباب الأحزاب التى تضم تيارات متعددة، فضلًا عن الشخصيات المستقلة.

ويوضح أن هذه الخطوة تمثل دعوة مزدوجة، أولًا للأحزاب كى تمارس دورها الحقيقى فى التوعية والمشاركة السياسية، وثانيًا للدولة لتعزيز التواصل المباشر مع هذه القوى السياسية، بما يسهم فى توحيد الصف الوطنى ودعم تماسك الجبهة الداخلية. ويشير النحاس إلى أن الرئيس سبق أن دعا إلى وضع خارطة طريق شاملة لتطوير الإعلام المصرى تقوم على الانفتاح وتعدد الآراء وعدم استبعاد أى وجهة نظر، مؤكدًا أن الدعوة تضمنت أهمية الاستعانة بالكفاءات الشبابية فى المنظومة الإعلامية، وترسيخ مبادئ حرية الرأى والتعبير وحرية تداول المعلومات باعتبارها أركانًا أساسية لبناء إعلام وطنى قوى وواعٍ يعكس صوت المجتمع بمصداقية وموضوعية.

ويرى أن بناء الوعى الحقيقى يبدأ من الاقتراب المباشر من المواطن فى القرى والنجوع والكفور، والوصول إليه على أرض الواقع، وليس من خلف الشاشات أو عبر البيانات الرسمية فقط.

ويشدد النحاس على أهمية ما تنفذه الدولة من مشروعات قومية كبرى مثل مبادرة «حياة كريمة» ومشروع تطوير الريف المصرى، لما لها من أثر مباشر فى تحسين حياة المواطنين وتوفير الخدمات الأساسية من صرف صحى وغاز طبيعى وتعليم وصحة وسكن وفرص عمل للشباب، إلى جانب الاهتمام بالتعليم الفنى وتأهيل الكوادر الشابة وتدريبها.

ويختتم النحاس حديثه مؤكدًا أن بناء الوعى الجمعى المصرى هو استراتيجية متكاملة تهدف إلى تشكيل شخصية متوازنة، وتعزيز وحدة الصف، وترسيخ تماسك الجبهة الداخلية فى مواجهة كل محاولات زعزعة الاستقرار.

إعلاء المصلحة الوطنية

فى هذا السياق، يقول اللواء الدكتور رضا فرحات، نائب رئيس حزب المؤتمر وأستاذ العلوم السياسية، إن تماسك الجبهة الداخلية يمثل الضمانة الحقيقية والأكيدة لحماية الوطن من أى محاولات تستهدف النيل من أمنه أو زعزعة استقراره، حيث إن قوة الدولة لا تقاس فقط بقدراتها العسكرية أو الاقتصادية، بل بمدى ترابط أبنائها والتفافهم حول قيادتهم فى مواجهة الأزمات والتحديات.

ويضيف أن وحدة الصف الداخلى وإعلاء المصلحة الوطنية فوق أى اعتبارات سياسية أو فئوية هى السلاح الأقوى لمواجهة الحروب غير التقليدية التى تشن ضد الدولة، سواء عبر الشائعات أو محاولات بث الإحباط بين المواطنين، حيث إن وعى المواطن وإدراكه لحجم التحديات المحيطة بمصر يعد حجر الزاوية فى تحصين الجبهة الداخلية وضمان استمرار مسيرة التنمية والاستقرار.

ويعتبر فرحات أن تماسك الجبهة الداخلية وتوحيد الصف الوطنى يمثلان الحصن المنيع والضمانة الأكيدة لحماية الوطن من أى محاولات تستهدف زعزعة استقراره، حيث إن وحدة الشعب وتكاتفه خلف قيادته السياسية هما الأساس الحقيقى لصمود الدولة فى مواجهة التحديات، حيث إن القوى المعادية تراهن دائمًا على بث الفرقة وإضعاف الروح الوطنية لضرب استقرار الدول من الداخل، كما أن إدراك المواطن لحجم هذه المخططات ووعيه بدوره فى حماية وطنه، يمثلان عنصر الحسم فى مواجهة الحروب غير التقليدية لهدم الثقة بين الشعب ومؤسسات الدولة.

ويؤكد أن الوحدة الوطنية تمثل خط الدفاع الأول والأخير فى مواجهة أى مخططات خارجية تستهدف النيل من مقومات الدولة المصرية وهدم استقرارها، حيث إن قوة الوطن تكمن فى تماسك نسيجه الاجتماعى وتلاحم فئاته، مهما اختلفت توجهاتهم أو انتماءاتهم، كما أن الحفاظ على الوحدة الوطنية مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع، وأن تعزيز الوعى والانتماء لدى المواطنين هو السبيل الحقيقى لإفشال تلك المحاولات، حيث أثبت التاريخ أن مصر كانت ولا تزال قادرة على تجاوز الأزمات بفضل وحدة شعبها وصلابة جبهتها الداخلية.

حروب الجيل الرابع

يضيف اللواء الدكتور رضا فرحات، أن حروب الجيل الرابع تمثل أخطر أدوات استهداف الدول الحديثة، إذ تعتمد بشكل أساسى على بث الشائعات، وإثارة النزاعات الداخلية، وتضخيم الخلافات لإضعاف تماسك المجتمعات من الداخل، إذ إن مواجهة هذه الحروب لا تكون بالقوة العسكرية فقط، بل بالوعى المجتمعى، والوحدة الوطنية، والاصطفاف خلف القيادة السياسية.

ويشدد على أهمية توحيد الصفوف وتركيز الجهود الوطنية للحفاظ على مكتسبات الدولة والبناء عليها، مؤكدًا أن المرحلة الراهنة تتطلب من جميع فئات المجتمع تحمل مسؤولياتهم الوطنية بجدية ووعي، لأن تماسك الجبهة الداخلية فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الأمة هو السبيل الوحيد لعبور التحديات وصون مستقبل الوطن.

ويوضح فرحات أن مستقبل الأجيال القادمة واستمرار مسيرة تطور الوطن يرتبطان ارتباطا وثيقا بقدرتنا اليوم على الحفاظ على وحدة الوطن، مشيرًا إلى أن التجارب التاريخية أثبتت أن الشعوب التى تتوحد خلف هدف وطنى مشترك وتتمسك بنسيجها المجتمعى هى التى تنجح فى تجاوز الأزمات وتخرج منها أكثر قوة وصلابة.

ويضيف أن العدو الحقيقى لأى أمة لا يتمثل فقط فى من يواجهها بالسلاح، بل فيمن يحاول بث بذور الفرقة والشك والانقسام بين أبنائها، لأن هذه المخططات تستهدف تقويض النسيج الوطنى وإضعاف روح الانتماء والولاء.

مستقبل مصر وأمنها

ويختتم حديثه، بالتأكيد أن مستقبل مصر وأمنها واستقرارها أمانة فى أعناق الجميع، وأن الحفاظ عليها لن يتحقق إلا من خلال وعى وطنى صادق، وإرادة موحدة، وصف داخلى متماسك يقف سدا منيعا أمام كل محاولات النيل من الدولة المصرية.

الصحة النفسية للمواطن

من جانبه، يقول الدكتور خالد العربى، أستاذ علم النفس، بجامعة عين شمس، إن الحرب التى تشن على الدولة المصرية هى حرب نفسية فى المقام الأول، تستهدف التأثير على الحالة المزاجية للمواطن، وبث مشاعر الإحباط وفقدان الثقة فى المؤسسات، حيث إن الهدف من هذه الحرب هو خلق بيئة من القلق والتوتر العام تجعل المجتمع أكثر قابلية للانقسام والاضطراب الداخلى، كما أن الشائعات الممنهجة والمحتوى السلبى المتكرر على مواقع التواصل الاجتماعى من أخطر أدوات هذه الحرب.

ويؤكد أن تماسك الجبهة الداخلية يبدأ من الصحة النفسية للمواطن، فحين يشعر الفرد بالأمان والانتماء ويجد فى دولته دعما حقيقيا، يكون أكثر قدرة على مقاومة محاولات التلاعب بعقله ومشاعره، حيث إن الإحباط المستمر أو غياب الثقة يمكن أن يدفع بعض الأفراد إلى السلبية أو الغضب أو حتى التعاطف مع الخطابات العدائية للدولة، وهو ما تسعى إليه القوى المعادية.

ويشدد «أستاذ علم النفس»، على أهمية دور الإعلام فى بث الطاقة الإيجابية وتعزيز الثقة المجتمعية، وعلى ضرورة أن تكون الرسائل الصادرة من مؤسسات الدولة واضحة وصادقة وتفاعلية مع الناس، لأن الشفافية تولد الاطمئنان وتغلق الباب أمام الشائعات، كما دعا إلى توسيع برامج الدعم النفسى والاجتماعى، خاصة بين الشباب، وتنمية مهارات التفكير النقدى لديهم، حتى لا يكونوا ضحايا سهلة لحروب المعلومات والتضليل الإعلامى.

ويختتم حديثه، بالتأكيد أن الوعى النفسى الجمعى هو درع الحماية الأولى للمجتمع، وأن بناء هذا الوعى يتطلب تعاونا متكاملا بين الدولة والمجتمع والإعلام والأسرة والمدرسة، لأن حماية الاستقرار الوطنى تبدأ من حماية العقول والقلوب قبل حماية الحدود.

الاستقرار المجتمعى

على جانب آخر، تقول الدكتورة سحر ماهر، أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة القاهرة، إن الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية أصبح ضرورة وجودية فى ظل ما تشهده المنطقة من اضطرابات ومحاولات مستمرة لزعزعة استقرار الدول من الداخل، حيث إن المجتمع المصرى يمتلك رصيدا تاريخيا من الوعى والقدرة على التكاتف وقت الأزمات، لكن هذا الوعى يحتاج إلى تجديد دائم عبر التواصل المستمر بين الدولة والمواطنين، وتعزيز قيم الانتماء والمسؤولية الجماعية.

وتضيف أن المخططات التى تستهدف ضرب استقرار الدولة لا تعتمد على القوة العسكرية فحسب، بل على «تفكيك النسيج الاجتماعى» من خلال نشر الشائعات، وتأجيج الخلافات الطبقية والدينية والسياسية، وتحويل الاختلاف الطبيعى إلى صراع دائم، حيث إن القوى المعادية تراهن على خلق فجوة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وهو ما يتطلب جهود منظمة لردم هذه الفجوة وبناء جسور الثقة.

وتؤكد أستاذ علم الاجتماع السياسى أن الأسرة والمدرسة والإعلام والمجتمع المدنى هى أركان أساسية فى تشكيل الوعى الجمعى، حيث إن كل مؤسسة لها دور فى بناء شخصية المواطن القادر على التمييز بين الحقيقة والتضليل، وعلى المشاركة الإيجابية فى الشأن العام، كما أن التماسك الاجتماعى لا يتحقق بالشعارات، بل بالممارسات الواقعية التى يشعر بها المواطن فى حياته اليومية، مثل العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وتحسين الخدمات وتقدير الجهد والعمل.

الاكثر قراءة