اشتعلت التوترات بين أفغانستان وباكستان الأيام الماضية إثر اندلاع اشتباكات على طول الحدود بين البلدين، أودت بحياة العشرات وأسفرت عن مئات الجرحى، فى أعنف تصعيد بين الدولتين الجارتين منذ سيطرة حركة «طالبان» على السلطة فى كابول عام 2021. وعلى الرغم من اتفاق الجانبين على وقف إطلاق نار فورى بعد إجراء محادثات فى الدوحة، فإن الهجمات الأخيرة تعكس تدهورا كبيرا فى العلاقات الأفغانية - الباكستانية، وتثير مخاوف من اتساع نطاق عدم الاستقرار الإقليمى.
فتحت القوات الأفغانية النار على مواقع للجيش الباكستانى على طول الحدود الشمالية الغربية، بعد أن اتهم نظام طالبان فى أفغانستان باكستان بشن غارات جوية على الأراضى الأفغانية، وقصف العاصمة «كابول» مما أدى إلى انطلاق معارك برية ضارية بين الحليفين السابقين وغارات جوية باكستانية عبر حدودهما المتنازع عليها.
وصرح الجناح الإعلامى للجيش الباكستانى، فى بيان، بأن 23 جنديًا قُتلوا وأُصيب 29 آخرون فى الهجمات. كما أعلن مقتل 200 «من طالبان والتابعين لها» من الجانب الأفغانى فى ضرباتهم الانتقامية، وتفكيك معسكرات تدريبهم أو كما وصفهم بالإرهابيين. بينما قال المتحدث باسم حركة طالبان الأفغانية، ذبيح الله مجاهد، إن قوات طالبان قتلت 58 جنديًا باكستانيًا فى الهجمات، فيما قُتل تسعة جنود فقط من جانب طالبان.
وتزامنت الاشتباكات الأخيرة مع زيارة وزير الخارجية الأفغانى، أمير خان متقى إلى نيودلهى؛ لبحث تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين. فالتقارب بين أفغانستان والهند أثار حفيظة إسلام آباد. فعلى الرغم من عدم إعلان إسلام آباد رسميًا مسئوليتها عن قصف كابول، لكنها لطالما اتهمت أفغانستان بإيواء حركة طالبان الباكستانية المسلحة، المعروفة باسم TTP، حيث تسمح لهم باستخدام أراضيها كقاعدة للتدريب والتخطيط لهجمات ضد الدولة الباكستانية. كما تزعم أن غريمتها الهند تقوم بتمويلهم ودعمهم، ما يؤدى إلى زيادة «الهجمات الإرهابية» داخل إقليم خيبر بختونخوا، والمنطقة الحدودية مع أفغانستان.
بدورها، نفت «طالبان أفغانستان» الاتهامات بتوفير ملاذ آمن للمسلحين لمهاجمة باكستان، واتهمت الجيش الباكستانى بنشر معلومات مضللة.
ويشار إلى أن باكستان كانت من أبرز الداعمين لحركة طالبان بعد الإطاحة بها من قِبل قوات الناتو فى عام 2001، وخلال تمردها اللاحق ضد الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة. لكن مع عودتها إلى السلطة 2021، تصاعدت أعمال العنف المسلح ضد باكستان. التوتر بين باكستان وأفغانستان لم يبدأ مؤخرًا، بل ترجع المشاكل الحدودية إلى عام 1893 عندما رسم البريطانيون خد الحدود «خط دوراند» البالغ طوله 2600 كيلومتر، بين أفغانستان والهند البريطانية. وقد تسبب الخط فى تقسيم قبائل البشتون، حيث بقى جزء منها فى أفغانستان والآخر فى الجانب الهندى. وبعد استقلال الهند عن بريطانيا عام 1947 وانقسامها إلى دولتين هما الهند وباكستان، اعتبرت إسلام آباد هذا الخط حدودها الغربية، لكن كابول رفضت الاعتراف بالتقسيم الحدودى الذى وضعه الاستعمار البريطانى باعتباره فُرض قسرًا.
وعلى الرغم من توصل الطرفين بعد تصاعد حدة الاشتباكات الدموية الأخيرة إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مؤقتًا، فإنه سرعان ما تبادلا الاتهامات بشأن اختراقات فى الهدنة. ومن أجل استقرار الأمن الإقليمى، وإيجاد حلول لمعالجة الإرهاب عبر الحدود.
واحتضنت العاصمة القطرية، الدوحة، مباحثات سلام بين باكستان وأفغانستان. ووفقًا لبيان وزارة الخارجية القطرية، اتفقت باكستان وأفغانستان على وقف «فوري» لإطلاق النار، وإنشاء آليات تُعنى بترسيخ السلام والاستقرار الدائمين بين البلدين. ومن جانبه، أكد وزير الدفاع الباكستانى أن بلاده وأفغانستان ستحترمان اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بالدوحة، مشيرًا إلى أن وفد بلاده سيجتمع مع الوفد الأفغانى مجددًا فى 25 أكتوبر الجارى بإسطنبول.

ومن باكستان، أوضح حذيفة فريد، الكاتب والباحث السياسى، أن الاشتباكات الباكستانية - الأفغانية ليست جديدة كما يتصور البعض، بل هذا هو حالها من سبعينيات القرن الماضى، ولن تتطور لتصبح حربًا، لكن إقليميًا يمكن لها التأثير، حيث ترغب الهند فى رد الصاع إلى باكستان عبر أفغانستان، وكذلك سيشكل التوتر فى أفغانستان مشكلة لآسيا الوسطى.
بالنسبة لمفاوضات الدوحة، يرى «فريد» أنه من العجلة أن توضع الآمال على حل خلاف حدودى منذ إنشاء باكستان فى ظرف أيام، وكذلك أن تتخلى «طالبان أفغانستان» عن حليفتها «طالبان باكستان» بهذه السهولة. بالنسبة لباكستان، فشروطها واضحة تمامًا، وهى ألا تكون أفغانستان منصة لانطلاق العمليات ضد باكستان، والتعامل مع «طالبان باكستان»، إما بمنعها من شنّ الهجمات على باكستان أو تسليمها إلى باكستان، وكذلك حل وضع اللاجئين الأفغان وعودتهم إلى أفغانستان. أما بالنسبة لأفغانستان، فهى بحاجة إلى الوصول إلى الموانئ البحرية كونها دولة حبيسة، وكذلك بحاجة إلى مساعدات اقتصادية واعتراف دولى.
وعن مدى التزام الطرفين بالهدنة، أشار «فريد» إلى «طالبان أفغانستان»، حيث لم تلتزم ببنود اتفاقية السلام مع الولايات المتحدة، لذا يبرز سؤال: هل ستلتزم مع باكستان؟

من جانبه، أشار المحلل السياسى، جاويد حافظ، من إسلام آباد، إلى المباحثات التى تقودها الدولة القطرية ونجاحها إلى حد كبير فى التخفيف من حدة التصعيد؛ لتمتعها بعلاقات جيدة مع كلا البلدين. لكنه كذلك لا يستبعد حدوث اختراقات فى المستقبل بسبب حركة طالبان الباكستانية، التى تؤويها أفغانستان، مؤكدًا أن باكستان دولة قوية، جيشها خامس أقوى جيش بالعالم، بينما أفغانستان دولة ضعيفة، وهى تدرك ذلك، وخسائرها فى الاشتباكات الأخيرة كانت كبيرة، لذلك لن تدخل فى حرب مع باكستان.
