رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

ملحمة السويس


24-10-2025 | 12:32

.

طباعة
بقلـم: صلاح البيلى

فى مثل هذا اليوم، قبل 52 عامًا، عاشت مدينة السويس الباسلة عيدًا بقهرها دبابات العدو الإسرائيلى الذى حاول اقتحام مدينة السويس وتطويقها، تمهيدًا للسيطرة عليها، وإعلانه احتلالها أمام وسائل الإعلام العالمية، وبذلك تعلن إسرائيل نجاحها فى عبور الضفة الغربية لقناة السويس، وفصلها بين الجيشين الثانى والثالث، تمهيدا للزحف إلى القاهرة، وإعلان انتصارها فى الحرب.

كان السيناريو الإسرائيلى معدًا سلفًا، ووسائل الإعلام العالمية جاهزة لنقل الحدث العالمى، وسوف يتم تتويج أرئيل شارون ملكًا لإسرائيل بنجاحه فى العبور وعمل الثغرة، ثم تطويق الجيش الثالث الميدانى، واقتحام مدينة السويس واحتلالها، ليصبح بينه وبين القاهرة نحو مائة كيلومتر، وتتباهى إسرائيل بانتصارها.

كانت المقاومة الشعبية فى المدينة الباسلة على أهبة الاستعداد، وبالتنسيق مع القوات المسلحة والإدارة المدنية نجحت فى رد العدو خاسرا على أعقابه وتكبيده عددًا لا يُستهان به من الدبابات والمدرعات، وفشل العدو فى اقتحام السويس وتراجعه مهزومًا، وعلت تكبيرات مَن بقى فى المدينة بصيحة (الله أكبر)، مع تكبيرات عيد الفطر المبارك، الذى واكب نجاح المدينة الباسلة فى رد العدوان، فأصبح هذا اليوم، الرابع والعشرون من أكتوبر من كل عام، عيدا قوميا للسويس الباسلة.

وهذا الأمر يجعلنا نرجع للخلف ست سنوات لنرى ماذا تم بعد 5 يونيو سنة 1967م حيث تضاربت القرارات السياسية، ودفعت قواتنا المسلحة الثمن الغالى، حيث التصقت بها هزيمة ليست سببا فيها، لأنها لم تحارب أصلا، ولكن لتضارب القرارات بين (ناصر وعامر)، ومجموعة كل منهما أدت لهذا اليوم الثقيل.

وسرعان ما استرد الجيش عافيته، وتجميع قواته غرب القناة، واحتفظ بنقطة بورفؤاد شرق القناة، ونجحت قواتنا الجوية فى تحقيق عدة انتصارات متتالية عقب الهزيمة بأسبوعين، ثم توالت هجمات الإغارة من قوات الصاعقة على تمركزات العدو شرق القناة، وتوالت خمس عمليات حربية ناجحة ضد ميناء إيلات للعدو، وضد سفنه الموجودة به، بواسطة الضفادع البشرية التابعة للقوات البحرية المصرية، فما كان من العدو الصهيونى إلا أن استخدم أفظع وسائل التدمير والإغارة على أهلنا فى مدن بورسعيد والإسماعيلية والسويس، ووقعت خسائر كبيرة بين المدنيين.

وهنا اتخذ الرئيس جمال عبدالناصر القرار الصعب، والذى لا مفر منه، بتهجير سكان مدن القناة الثلاث، وهو تهجير قسرى مؤلم، كان لا بد منه، حتى يفقد العدو ميزة الإغارة على المدنيين العزل، وتصبح المعركة بين جيشين، وتحييد الأهداف المدنية.

كانت صواريخ الدفاع الجوى المصرية التى تعاقدت عليها مصر مع الاتحاد السوفييتى لم تأتِ بعد، وكان العمق المصرى مستباحًا أمام العدو، فضرب مدرسة بحر البقر، وقتل أكثر من ثلاثين تلميذا بوحشية، ووصل طيرانه لضاحية حلوان جنوب القاهرة.

ونشطت قواتنا المسلحة وبدأت حربًا شرسة لمدة ثلاث سنوات، سُميت بحرب الاستنزاف، وكانت هى التمهيد الطبيعى لانتصارات أكتوبر، وكانت الدرس العملى لقواتنا فى معرفة العدو، والاشتباك معه وجهًا لوجه، وتكبيده خسائر فادحة فى الأفراد والمعدات، لدرجة أن عجوز تل أبيب (جولدا مائير) استغاثت بالإدارة الأمريكية، وطلبت تدخلها عبر مجلس الأمن لإقرار وقف إطلاق النار.

فى ذلك الوقت، كان هناك تحرك إسرائيلى خبيث لضمّ شبه جزيرة سيناء، وإعلان سيطرة إسرائيل عليها للأبد، وفصلها عن مصر، فقامت عجوز تل أبيب جولدا مائير بعمل مؤتمر صحفى عالمى وسط سيناء، جمعت فيه كل شيوخ قبائل سيناء، وكل مندوبى وسائل الإعلام العالمية، ووقفت تتباهى بأن سيناء أصبحت جزءًا من إسرائيل، وأنها تعلن ضمها من الآن، وتعلن انفصالها عن مصر، فوقف لها الشيخ سالم الهرش، أحد مشايخ شمال سيناء، وأعلن أمام الملأ أن مشايخ قبائل سيناء لا يعترفون بما تقرره إسرائيل، لأن سيناء مصرية، وسوف تظل مصرية، وأنهم جزء من الشعب المصرى، وأن القوات الإسرائيلية قوات احتلال عسكرى.

وانفضّ المؤتمر، وفشل فى حينه، وسقط فى يد جولدا مائير، واعتقلت الشيخ سالم الهرش، ولكن انتصرت مصر برجالها، عسكريين ومدنيين.

وهنا لا بد من الإشارة لدور المخابرات العسكرية آنذاك فى تأسيس (منظمة سيناء) من بدو سيناء، ومن شباب مدن القناة، ونجح رجال المنظمة فى القيام بأدوار كثيرة لخدمة قواتنا المسلحة، من تنفيذ عمليات فى عمق سيناء، وفى نقل الأخبار عن كل ما يجرى على الضفة الشرقية للقناة، وفى مساعدة رجال الاستطلاع فى مهامهم فى كشف ورصد مواقع وتحصينات وتخزينات العدو، وفى إعداد الكمائن الليلية والنهارية، وأشهر كمين لقواتنا المسلحة أثناء حرب الاستنزاف كان الكمين الذى نجحت فيه قواتنا فى أسر جندى إسرائيلى، كانت مهمته توزيع السجائر وزجاجات البيرة والأغذية المحفوظة والمعلبات على نقاط خط بارليف الحصينة، ومن خلال هذا الصيد الثمين عرفت قواتنا عدد نقاط خط بارليف الحصينة، وعدد الأفراد فى كل نقطة، وتسليحهم، ومواقع خدمتهم، وخلافه.

وهنا لا بد من الإشارة لدور الأدب والفن فى المعركة، حيث قام (كابتن غزالى) وفرقة (أولاد الأرض) بدور عظيم فى شحذ همم الأفراد والمقاومة الشعبية بأغانى السمسمية المعروفة، حيث اختلط أفراد الفرقة بأفراد المقاومة، وغنوا معا (عضم ولادنا نلمه نلمه، ونعمل منه مدافع، وندافع)، ولا بد أن نذكر عبدالرحمن الأبنودى الذى عاش بالسويس سنوات الاستنزاف، وسجل لنا مشاعره فى ديوانه (وجوه على الشط)، ونتذكر الشاعر سمير عبدالباقى الذى نجح مع (كابتن غزالى) فى إعداد عروض مسرحية للجنود على الجبهة لرفع الروح المعنوية.

ونتذكر المراسلين العسكريين مثل حمدى الكنيسى، وعبده مباشر، وجمال الغيطانى، والأخير عيّنه محمود أمين العالم فى (أخبار اليوم) وأرسله إلى الجبهة، فقدم لنا عدة كتب، منها (حكايات الغريب)، والذى تحولت نفس القصة إلى فيلم من إخراج إنعام محمد على وبطولة محمود الجندى ومحمد منير، ثم قدم لنا بعد ذلك الغيطانى أكثر من يوميات عن انتصارات أكتوبر، وتولى تحرير سلسلة أدب الحرب فى هيئة الكتاب.

ولا نغفل أخيرا دور علماء الأزهر، فقد ذهب مشايخ الأزهر الكبار للجبهة، وبالتنسيق مع الشيخ حافظ سلامة ابن السويس، زار د. عبد الحليم محمود، والشيخ محمد الغزالى، والقارئ عبد الباسط عبد الصمد، ومن قبلهم الشيخ عبد الرحمن تاج، والشيخ الفحام، والشيخ مأمون، كلهم زاروا الجبهة، والتقوا بالجنود، وكان لهم دور فى رفع الروح المعنوية، وبث روح الشهادة أو النصر بين الأفراد.

وأخيرا، دور المرأة، فنانة مثل نادية لطفى وأم كلثوم، وسيدات جمعية الهلال الأحمر، والمرأة السيناوية البدوية، والمرأة العادية فى مدن القناة، كلهن كن مقاتلات بدون خوذة، فجاء النصر المبين شهادة على التحام كل المصريين وقت الحرب، وفشلت خطة شارون لاقتحام السويس، وأصبحت قواته معزولة ومحاصرة فى (الثغرة)، واستعد السادات لتصفيتها بالنيران، ولكن (كسنجر) عجوز السياسية الخارجية الأمريكية، طلب منه ألا يفعلها، وأن العدو سوف يعود من حيث أتى، وبدأت مفاوضات الهدنة وفض الاشتباك، وتحولت الثغرة من فرحة للعدو إلى كابوس ثقيل خوفا على قواته ومعداته.

 

الاكثر قراءة