لعل هذه أولى الثمار التى بدأت بالفعل مع وقف الحرب فى غزة، منذ الخميس الماضى، وبدء زيادة السفن التى دخلت مضيق باب المندب من 30 إلى 80 سفينة يوميًا مع الأيام الأولى لوقف إطلاق النار، لتعبر بعد ذلك من قناة السويس إلى الأسواق الأوروبية.
وفى جميع الأحوال، فإن عودة الملاحة إلى البحر الأحمر وقناة السويس تعنى انتهاء المخاطر على حركة التجارة، ونقل البضائع فى الاتجاهين، وانتظام سلاسل توريد مختلف السلع، دون أعباء فى زيادة تكاليف النقل، بسبب الاتجاه إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
وكانت هذه الأعباء، وارتفاع مصروفات التأمين على السفن والبضائع، تزيد من تكاليف هذه السلع، وبشكل أدى بالفعل إلى حدوث كساد فى التجارة العالمية، وانخفاض طاقات التشغيل فى مصانع الدول الصناعية الكبرى، مثل الصين، الأمر الذى أدى إلى عدم زيادة استهلاك الطاقة.
ومن ثم، فإن عودة الملاحة إلى البحر الأحمر وقناة السويس، وانتظام سلاسل التوريد دون أى مخاطر، سوف يعيدان الاقتصاد العالمى إلى وضعه الطبيعى خاصة مع انخفاض النقل، وتنتعش حركة الصادرات والواردات، ولا سيما فى المكونات والمنتجات الوسيطة سوف يدفع إلى زيادة الإنتاج لدى الدول الصناعية الكبرى، الأمر الذى سوف يؤدى إلى استهلاك الطاقة، وزيادة الطلب على البترول والغاز الطبيعى، وكذلك على المنتجات البترولية، الأمر الذى قد يؤدى إلى ارتفاع أسعار البترول فى الأسواق العالمية، إلا إذا تدخلت السعودية وغيرها من الدول المنتجة إلى زيادة المعروض من الزيت الخام.
وإذا كنا قد أشرنا إلى أن عودة الملاحة والتجارة الدولية إلى البحر الأحمر وقناة السويس، وتوقعات تأثيرها على خفض التكلفة، فسوف ينعكس بشكل كبير على خفض أسعار المكونات والسلع الوسيطة، الأمر الذى يعنى أن دولة مثل مصر سوف تكون من أول المستفيدين من ذلك، وعلى خفض الأسعار فى السوق المصرية، سواء عبر الواردات للسلع التامة التى تأتى من الصين والعديد من دول جنوب شرق آسيا، أو عبر المكونات والسلع الوسيطة التى يتم استيرادها من الصين للعديد من المصانع المصرية، خاصة فى صناعة السيارات والسلع الكهربائية.
هذا حتمًا سوف يؤدى إلى انخفاض أسعارها بمعدلات كبيرة نسبيًا، مع اتجاه الدولار إلى انخفاض أسعاره وسوف يساعد ذلك على عودة التدفقات الدولارية لمصر بعد زيادة عوائد قناة السويس، والتى تصل إلى نحو 7 مليارات دولار فى العام.
كما أن عودة الملاحة إلى البحر الأحمر سوف تزيد من جذب الاستثمارات وإقامة المشروعات الصناعية فى المنطقة الاقتصادية بقناة السويس، خاصة من جانب الصين بهدف التصدير للأسواق الأوروبية والأسواق الإفريقية؛ خاصة أن تلك الاستثمارات سوف تستفيد بشكل كبير من انخفاض تكلفة النقل لكافة الأسواق.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن عودة الأمان للبحر الأحمر سوف تدفع الكثير من شركات البترول العالمية إلى العودة لعمليات البحث والاستكشاف عن البترول والغاز الطبيعى، وتكثيف عمليات الحفر، سواء فى المياه الاقتصادية المصرية، أو المياه الاقتصادية السعودية.
وهناك احتمالات كبيرة بتحقيق اكتشافات بترولية كبيرة فى البحر الأحمر، سواء الجانب المصرى أو الجانب السعودى.
كما أن عودة الأمان للبحر الأحمر، وانتظام حركة الملاحة الدولية به، سوف يؤديان إلى جذب العديد من الشركات العالمية للاستثمار فى المشروعات التعدينية بكافة الدول التى تقع على البحر الأحمر، فضلًا عن نشاط الصيد، هذا بخلاف تنشيط الاستثمار السياحى أيضًا على البحر الأحمر.
كل هذا يعنى أن وقف الحرب فى غزة، وعودة الملاحة إلى البحر الأحمر، سوف يؤديان إلى انتعاش التجارة الدولية وزيادة حركة الإنتاج وارتفاع الطلب على الطاقة، وتلك مؤشرات إيجابية للاقتصاد العالمى.
ولا تقف آثار وقف الحرب فى غزة على البحر الأحمر وقناة السويس وانتعاش التجارة الدولية، بل سوف تكون لها آثار إيجابية مباشرة على قضية الطاقة فى البحر المتوسط.
وأعنى تحديدًا، أن وقف الحرب فى غزة سوف يجعل منطقة شرق البحر المتوسط، أكثر أمنًا أمام الشركات العالمية للبترول، خاصة فى المياه الاقتصادية الإسرائيلية.
وبصفة عامة، فإنه من المتوقع أن تتنافس الشركات العالمية للبترول على منطقة شرق المتوسط بصفة عامة، وذلك فى المياه الاقتصادية لكافة الدول التى تقع على منطقة شرق المتوسط، وبالتالى هناك إمكانات أن تتحقق العديد من الاكتشافات الغازية فى منطقة شرق المتوسط.
ولا ننكر أن الحرب الإسرائيلية فى غزة، وقبلها مع حزب الله، قد جعلت المياه الاقتصادية الإسرائيلية غير آمنة أمام الشركات العالمية للبترول، خاصة مع التهديدات المستمرة بضرب حقول الغاز الإسرائيلية.
ومن ثم، فإن وقف الحرب فى غزة سوف يدفع إسرائيل إلى دعوة العديد من شركات البترول العالمية للعمل على تحقيق اكتشافات تجارية جديدة فى المياه الاقتصادية الإسرائيلية.
وإذا ما حدث ذلك، فإن تحقيق أى اكتشافات غازية جديدة فى المياه الاقتصادية الإسرائيلية سوف يصب فى زيادة صادرات الغاز الإسرائيلى عبر مشروعات الإسالة المصرية فى دمياط وإدكو، ولكن باتفاقات جديدة سوف تسعى إليها إسرائيل.
وبالنسبة للمياه الاقتصادية السورية فى شرق المتوسط، فإن العمل بها يتوقف على مدى تحقيق الاستقرار الأمنى والسياسى فى سوريا، بغض النظر عن وقف الحرب فى غزة.
وبالنسبة للمياه الاقتصادية فى شرق المتوسط اللبنانى، فقد سبق أن تم حفر ثلاث آبار ولكنها كانت جافة، لكن هذا لا يمنع أن يواصل لبنان على دعوة الشركات العالمية لتحقيق اكتشافات غازية فى المياه الاقتصادية اللبنانية.
أما بالنسبة لمصر، فهناك خطط مستمرة للعمل فى شرق المتوسط بغض النظر عن الحرب فى غزة، لكن هذا لا يمنع أن يكون لدى المهندس كريم بدوى وزير البترول والثروة المعدنية، خطط أكثر مرونة لجذب المزيد من الشركات العالمية للعمل فى المياه الاقتصادية المصرية ارتباطا بالتطورات التى سوف تشهدها منطقة شرق المتوسط بعد وقف الحرب فى غزة، لأنها سوف تكون منطقة أكثر استقرارا، وتسعى إليها الشركات العالمية بعيدًا عن أية صراعات محتملة بين تركيا وغيرها من الدول فى شرق المتوسط.
ومع توقف الحرب فى غزة، شريطة اكتمال بقية مراحل خطة الرئيس ترامب، فمن المنتظر أن يعاود منتدى دول غاز شرق المتوسط أعماله على المستويين الوزارى والسياسى، خاصة أن أعماله الفنية لم تتوقف.
وفى حالة عودته للعمل بشكل وزارى وسياسى، فإن منطقة شرق المتوسط سوف تشهد الكثير من خطط التعاون فى العديد من المجالات.
وبعيدًا عن ذلك، فإننا نطالب المهندس كريم بدوى، وزير البترول والثروة المعدنية، بإعداد تصور لكيفية توفير إمدادات الطاقة لعملية إعمار غزة.
هل ستقوم معامل التكرير المصرية بتوفير كافة المنتجات من بنزين وسولار لإعمار غزة، بداية من توفير الوقود لمحطات الكهرباء فى غزة وتشغيل مولدات المستشفيات؟
وإذا كان ذلك سوف يحدث، فهل سيتم ذلك بالتعاون مع أطراف عربية أخرى، سوف توفر خامات أو منتجات، سوف يتم إدخالها إلى غزة عبر المنافذ المصرية؟
نطالب المهندس كريم بدوى وزير البترول والثروة المعدنية بذلك؛ لأنه لا إعمار فى غزة دون توفير الطاقة أولا، لأن هناك مَن يتحدث فى الكواليس عن أن معامل التكرير الإسرائيلية سوف تقوم بذلك.
لكن واقع الحال يشير إلى أن الرؤية المصرية فى إعادة إعمار غزة سوف تحتم على مصر توفير الوقود اللازم لعملية الإعمار بالاتفاق مع بعض الدول الخليجية التى يمكن أن ترسل جزءا من الخامات أو المنتجات لتكريرها فى معامل التكرير المصرية.
وهذا ليس جديدا على مصر، فقد سبق أن وفرت مختلف أنواع الوقود لغزة من قبل العدوان الإسرائيلى.
وأيًّا كانت تداعيات وقف الحرب فى غزة على الاقتصاد العالمى من آثار إيجابية، فإنه سوف تكون هناك آثار إيجابية أيضا على سوق الطاقة، شريطة أن يكون ذلك بعيدا عن التكتلات التى تشهدها الأسواق العالمية للبترول فى تحديد الأسعار.
ومع تعدد الآثار الإيجابية لوقف الحرب فى غزة، خاصة على سوق الطاقة، فإننا إزاء فرصة ذهبية، لكى يقطع المهندس كريم بدوى وزير البترول والثروة المعدنية، الكثير من الخطوات العاجلة لتسريع أن تكون مصر مركزا إقليميا لسوق الطاقة والغاز الطبيعى