رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«نسور هيمنت جوًا.. وأسود تسيدت برًا».. «بين السما والأرض».. مشاهد من «معارك التحرير» بعيون أبطالها


10-10-2025 | 11:59

.

طباعة
تحقيق: منار عصام

وذكر فإن ذكرى «نصر 73» يخشاها الأعداء، ولكننا نذكر بها العالم أجمع، ولمَ لا وهى حرب الخالدين، واحدة من أربع حروب بين إسرائيل والعرب، تفوق فيها جيش المصريين، عبرنا قناة السويس رغم أنف الحاقدين، حققنا نصراً جريئًا وعبقريًا أذهل الإسرائيليين، أذبنا سواتر رملية قالوا عنها إنها لا تلين، ولكننا دمرناها بخراطيم مياه رجال المهندسين، وأقمنا عليها الجسور العائمة تدفق عليها عباد رب العالمين.

 

يمر الزمان، وتتوالى العقود، وتتعدد الروايات، ومازالت بعض الأسرار حبيسة الوثائق، ورغم هذا أو تلك أو ذاك، تثبت الحقائق، وتُعلن عن نفسها، حتى يعلمها القاصى والداني، هكذا هو الحال مع التاريخ، وما علينا إلا أن نذكرهم فى كل عيد نحتفل فيه مع أبطال القوات المسلحة المصرية.

لنعلم ونفهم ونأخذ العبرة للحاضر والمستقبل، وما أنصع من استحضار روح حرب أكتوبر لنأخذ منها العبرة والمثل، حتى نتقدم للأمام لبناء جمهوريتنا الجديدة، وهو ما تناولته «المصور» فى هذا التحقيق، لنسرد – قليلاً من كثير، عن أمجاد وبطولات الجيش المصري، الذى قهر المستحيل، و«قزم» أسطورة جيش تل أبيب الذى لا يقهر، ورغم ذلك يريد إحياء فكرته المزعومة «إمبراطورية عظمى» أو دولة كبرى، وها نحن نعقر عليهم كذبتهم، ونذكرهم بحرب عيد «لا غفران» لهم فيه، بدأت من رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك «جولدا مائير» حتى ما يدعى بنيامين نتنياهو...

لا يخفى على أحد الدور الذى قامت به قوات الصاعقة المصرية خلال حرب أكتوبر 1973، فقد كانوا يفاجئون العدو بعمق سيناء، عبر الكمائن والإغارات التى وصفها الإسرائيليون أنفسهم بالجحيم، فلم يكن المستحيل فى قاموسهم، ودائماً مستعدون للتضحية بأرواحهم فى سبيل تنفيذ المهام المكلفين بها.. وقد كان اللواء نبيل أبوالنجا أحد ضباط الصاعقة خلال الحرب المجيدة، نموذجاً وطنياً حياً شاهدا على فترة من أهم فصول التاريخ المصري، قاتل بشراسة ضد العدو، كان سببا رفقة زملائه فى تحقيق النصر وحماية القوات القائمة بالعبور من بطش دبابات الاحتلال.

يروى «أبوالنجا» أنه تشرف بالمشاركة فى نصر 1973 كضابط ضمن صفوف الصاعقة المصرية، تلك القوات التى جسد أبطالها بأرواحهم وأجسادهم أعظم معانى التضحية والفداء، فقد انضم إلى صفوف القوات الخاصة عقب تخرجه فى الكلية الحربية عام 1967 متأثرا بظروف النكسة التى مرت بها البلاد بعد احتلال إسرائيل لسيناء، فيقول «كنت أنتظر اليوم الذى سيمنحنى الله فرصة المشاركة فى القتال ضدهم ونسترد الأرض منهم» .

إلى أن حانت تلك اللحظة، ومعها كلف «أبو النجا» بالمهمة الأولى له.. فمنذ اليوم الأول للحرب، كانت مهمة خاصة، لا تقتصر فقط على عبور القناة وتدمير القوات الإسرائيلية المتواجدة شرق القناة، بل مهمة محفوفة بالمخاطر، فيقول: «كلفنا من القيادة العامة للقوات المسلحة بالتحرك إلى عمق سيناء حيث تتمركز احتياطات العدو وخاصة المدرعة منها»، وكان الهدف من تلك المهمة هو أن تقوم قوات الصاعقة بعمل كمائن لقوات العدو المدرعة التى ستتحرك عقب اقتحام القوات المصرية لمانع قناة السويس، وتعطيلها من الوصول لأهدافها.

مهمة صعبة جدا.. فكيف ستنجح تلك القوات فى الوصول لعمق سيناء فى ذلك التوقيت، إلى أن تبدأ القوات المصرية فى العبور وإشعال فتيل المعركة، الأمر الذى سيجعل هناك حالة تأهب لدى العدو عالية جدا، ولكنهم رجال الصاعقة لا يعيقهم عائق، وهذا شعارهم «الاستشهاد أو النصر»، لا بديل ولا سبيل عن سحق العدو، حتى وإن كانت أرواحهم الطاهرة هى الثمن.

أدرك «أبوالنجا» فى ذلك الوقت أن المهمة ليست فقط صعبة ولكنها أيضا ضرورية، ويعتمد على نجاحها خطة القوات المسلحة فى العبور وتمسك الفرق المصرية بالأرض على الضفة الشرقية للقناة، وتوفير الوقت اللازم (8:6) ساعات، حتى تنضم قواتنا المدرعة إلى الشاطئ الشرقى للقناة رفقة قوات المشاة التى عبرت بالفعل فى الثانية ظهر يوم السادس من أكتوبر..

ويوضح اللواء أبوالنجا أنه بعد أن أعد القادة قراراتهم لتنفيذ تلك المهمة واطلع الضباط، من ضمنهم «بطلنا»، على أسلوب التنفيذ، اشتعل الحماس بداخلهم، فكانوا ينتظرون لحظة التنفيذ بفارغ الصبر حيث ستطأ أقدامهم سيناء مجدداً، بعد أن احتلت غدراً من جيش الاحتلال.. ويصف البطل تلك اللحظة قائلاً: «كنت أردد فى داخلى الله أكبر.. سنحارب»، ذلك الشعور كان متأصلا فى نفوس ووجدان كل جندى مصرى.

وعندما حانت اللحظة بدأ نبيل أبوالنجا فى التركيز لمراجعة دوره ومهمته لمرة أخيرة قبيل التحرك، ولا يغيب عن باله إلى يومنا هذا النظرة التى كانت تعتلى وجوه كل من كان متواجدا فى تلك المهمة، فهى نظرة امتزج فيها الحماس بالترقب بالإصرار والرغبة فى الانتقام.

«المهمة لم تكن بهذه السهولة»، هكذا علق البطل أبوالنجا، مقارنة بمقدار الصعوبة التى كانت تحاوط تنفيذ تلك المهمة، ويكفى أن المجموعة المصرية المقاتلة، حاولت 5 مرات (مرتان بالهليكوبتر ومرة بالقوارب السريعة ومثلها بالمركبات البرمائية ومرة أخرى بالطائرات المروحية والشراعية) من أجل الوصول إلى عمق سيناء بسرعة، ودون أن يشعر بهم العدو الإسرائيلي، إلا أن النجاح لم يكن حليفهم حينها.. وهنا أشار نبيل أبوالنجا إلى أنهم لم يسمحوا باليأس أن يتسلل لنفوس القوات، فقد كان الإصرار والتحدي، هما الحافز الأبرز للإبداع القتالى لأبناء جيشنا العظيم.

تمكن الأبطال من الوصول إلى هدفهم داخل سيناء - «بجنود سخرها الله لهم»، هكذا وصفهم أبوالنجا، حيث إن المهمة لم تتم سوى عبر الاعتماد على «قافلة جمال» تتألف من 50 ناقة، لتنفيذ تلك المهمة الانتحارية، وهنا محور القصة، حيث نجح 5 رجال (3 رجال من هجانة حرس الحدود وهم الرقيب أول السنوسى أمين الذى كان فى عمر 54 عاما وقت الحرب، والعريف المتطوع أحمد صالح صاحب الـ 27 سنة، والعريف متطوع محمد فراج 26 سنة، وعم موسى مندوب بدوى من قبائل الترابين وكان فى عمر 84 عاما، والنقيب نبيل أبو النجا - آنذاك)، فى التحرك بعمق سيناء بين مواقع العدو الإسرائيلي، إلى إن تمكنوا من الوصول إلى المضيق بمنطقة بئر أبو جرادة، وتقرر القيام بالعملية الانتحارية لتحقيق الاتصال بعناصر القوة التى تتواجد بمضيق رأس سدر، من أجل إمدادهم بالمؤن والأسلحة والذخائر.

بالفعل، كانت مهمة محفوفة بالعديد من المخاطر، إلا أن قوات الصاعقة تحدت تلك التحديات، ووصلوا إلى منطقة رأس سدر لتحقيق المهمة، من خلال الإصرار على تنفيذها مهما كانت الخسائر، وعاد الرجال الخمسة (3 أبطال يحملون اثنين مصابين) من خلال السير عبر الجبال لمسافة 180 كيلو مترا، بعيدًا عن عيون العدو، وهى لحظات يرويها نبيل أبو النجا: «كانت الفرحة تغمرنا بنجاح مهمتنا فى تعطيل دبابات العدو عبر الاشتباك معها وتكبيدها خسائر فادحة وتحققت المهمة بفضل الله ونسينا حينها كم الألم والإصابات» .

 
 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة