رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«الـنصر المجيد» فى الرواية العربية


10-10-2025 | 11:39

.

طباعة
بقلـم: د. عطيات أبو العينين

ترى ماذا تحمل الذاكرة من حرب أكتوبر وبطولاته؟ وهل انطفأت الذاكرة؟

لم تكن حرب أكتوبر 1973 مجرد حدث عسكرى غيّر موازين القوى فى المنطقة، بل كانت أيضًا منعطفًا حضاريًا وثقافيًا ترك بصماته على الوجدان الجمعى العربى، وإذا كانت المعارك قد دارت على الجبهة بالرصاص والدبابات، فإن الجبهة الأخرى لم تقل أهمية: جبهة الأدب والفن، حيث تحولت الحرب إلى مادة سردية غنية حاول الروائيون من خلالها استعادة النصر وتثبيته فى الذاكرة، أو مساءلته من زوايا مختلفة.

وهنا.. الأدب بين الهزيمة والنصر وقبل حرب أكتوبر، عاش الأدب المصرى والعربى صدمة نكسة 1967 التى انعكست فى أعمال متشائمة، سادت فيها نبرة الانكسار والخذلان، جاءت أكتوبر لتكسر هذا المزاج الثقيل، وتفتح بابًا للأمل وإعادة الثقة بالنفس. الرواية، تحديدًا، تحولت إلى مساحة لإعادة كتابة الحكاية الوطنية، حيث استعاد الأدب صورة الجندى العربى، ليس كضحية، بل كبطل قادر على التضحية والانتصار.

«الرصاصة لا تزال فى جيبى»: رمز الانتظار والتحقق

من أبرز الأعمال التى تناولت الحرب رواية إحسان عبد القدوس الرصاصة لا تزال فى جيبى هنا تتحول الرصاصة إلى رمز مزدوج: رصاصة الغضب المخزون منذ 1967، ورصاصة الأمل التى لم تطلق إلا فى معركة العبور، الرواية لا تكتفى بوصف الحرب كواقعة عسكرية، بل تتناول انعكاسها على حياة الأفراد، على الحب والعاطفة، وعلى علاقة المواطن بالوطن. لذلك ظلّت هذه الرواية علامة بارزة فى الأدب المصرى، بل وحُوّلت إلى فيلم سينمائى جسّد البعد الشعبى للنصر.

جمال الغيطانى و«الرفاعى»: البطولة فى بعدها الإنسانى

جمال الغيطانى، الذى عمل مراسلًا حربيًا، نقل تفاصيل الحرب بلغة قريبة من الأرض. فى روايته الرفاعى، يعيد بناء صورة القائد إبراهيم الرفاعى، لكنه لا يقدّمه فقط كبطل أسطورى، بل كإنسان له مشاعره وتناقضاته. الغيطانى ركّز على التفاصيل الدقيقة فى حياة المقاتلين، على لحظات الانتظار، الخوف، والانفعال، مما جعل نصه قريبًا من الواقعية التسجيلية، وفى الوقت ذاته مشبعًا بالرمزية الوطنية.

الجبهة السورية وصوت حنا مينه

لم تكن الرواية المصرية وحدها التى وثّقت أكتوبر، بل نجد فى الأدب السورى أيضًا أعمالًا مهمة مثل رواية المرصد لحنا مينه، هنا يتناول الكاتب معركة جبل الشيخ على الجبهة السورية، كاشفًا عن قسوة الحرب وتضحيات الجنود، الرواية تقدّم الحرب من منظور مختلف، حيث التركيز على المقاومة الفردية، والتصادم مع آلة الاحتلال. وبذلك تسهم فى تقديم صورة أكثر شمولًا للحرب باعتبارها ملحمة عربية مشتركة.

إلى جانب هذه الأعمال، ظهرت روايات عديدة مثل شجر الصبار لمعصوم مرزوق، رجال وشظايا لسمير الفيل، سنوات الحب والموت لبهاء الدين عوض، والخريف الدامى لمحمد النحاس. كل منها حاول أن يمسك بجانب من التجربة: من الجندى البسيط الذى يترك قريته ليواجه الموت، إلى الانعكاسات العاطفية والاجتماعية للنصر والهزيمة. هذا التعدد يكشف أن حرب أكتوبر لم تكن مجرد حدث عسكرى، بل تجربة إنسانية عميقة انغرست فى تفاصيل الحياة اليومية.

وبين التوثيق والرمزية: ثمة ملاحظة نقدية مهمة هى أن بعض الروايات اقتربت من التوثيق المباشر، كأنها تسجّل يوميات حرب، بينما اختارت أخرى مسار الرمزية والتأمل فى معنى الحرب. فهناك نصوص وظّفت الحرب كخلفية لسرد أسئلة كبرى عن الهوية، والحرية، والمصير.

وهكذا تحولت الرواية إلى وسيط مزدوج وثيقة تاريخية من ناحية، وتأمل فلسفى من ناحية أخرى. أما عن:

التحديات والانتقادات: رغم كثرة الأعمال، أشار بعض النقاد إلى أن أدب حرب أكتوبر لم يبلغ ما كان متوقعًا منه من حيث العمق والشمول، كثير من النصوص بقيت أسيرة البطولة المباشرة أو المشاهد القتالية، دون الغوص فى طبقات أعمق: مثل تأثير الحرب على المجتمع المدنى، على النساء، على الأسر، أو على الوعى السياسى فى العقود اللاحقة. هذه الثغرات تجعل الحاجة ماسة إلى روايات جديدة تعيد قراءة أكتوبر من منظور الجيل الحالى.

الذاكرة التى لا تنطفئ: اليوم، بعد مرور أكثر من نصف قرن على الحرب، تظل روايات أكتوبر حاضرة باعتبارها أرشيفًا وجدانيًا للأمة. فهى لم تحكِ فقط عن عبور قناة السويس واقتحام خط بارليف، بل جسّدت أيضًا عبورًا آخر: من الهزيمة إلى الثقة، من الانكسار إلى الأمل. الأدب، إذن، كان ولا يزال جزءًا من الذاكرة الوطنية التى تُبقى النصر حيًا، لا كذكرى عابرة، بل كقيمة تستدعيها الأجيال فى كل مواجهة جديدة.

بين «الرصاصة» التى انتظرت لحظة الانطلاق، والذاكرة التى ما زالت تنسج خيوطها عبر السرد، نجد أن الرواية العربية قدّمت انعكاسات متعددة لحرب أكتوبر. بعضها وثّق، وبعضها رمز، وبعضها طرح أسئلة لا تزال مفتوحة.

غير أن القاسم المشترك بينها جميعًا أنها لم تسمح للنصر أن يُختزل فى تقرير عسكرى، بل جعلته مادة فنية وإنسانية، تستعيد الإنسان العربى فى لحظة شجاعته وكرامته. وهذا يفتح بابًا واسعًا للاستطراد فالأدب حين يتناول الحرب لا يُعنى فقط بتسجيل أحداثها، بل يمنحها بعدًا آخر، فالنصر فى صفحات الكتب لا يظل حدثًا من الماضى، بل يتحوّل إلى رمز قادر على استدعاء طاقات جديدة كلما تكررت الأزمات.

ولعل سرّ قوة هذه النصوص أنها أعادت الاعتبار للإنسان البسيط الجندى المجهول، الأم التى تنتظر، الفتاة التى ترتبط مصائرها بموعد العودة، والمجتمع الذى يحلم بالتغيير. وحلم فلسطين حرة .. هم مَن يجعلون النصر ممتدًا فى الزمن.

وهكذا، يظل الأدب شاهدًا على أن الرصاصة التى انطلقت فى أكتوبر، لم تُطلق فى السماء وحدها، بل فى وجدان أمة بأكملها. وها نحن نرى العالم بأسره يسير نحو قضية برغم أن الحق جلي للعيان، لكن المتحكمين فى السيطرة على العالم يقلبون الحقائق ويشككون العالم فيما يرى ويسمع!.

 
 
 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة