رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

هذا الرجل يستحق أن نتذكره


10-10-2025 | 11:37

.

طباعة
بقلـم: أشرف غريب

كان المنتج السينمائى الراحل رمسيس نجيب (8 يونيو 1921  4 فبراير 1977) من أشد السينمائيين حماسًا لتخليد وقائع الانتصار العظيم الذى حققه الجيش المصرى فى أكتوبر 1973، فقد كان لديه مشروع طموح لتقديم سلسلة من الأفلام عن الحدث العظيم رغم ما عاناه من خسائر مادية بل وصحية فى سبيل إنجاز فيلميه المهمين عن حرب أكتوبر، وهما «الرصاصة لا تزال فى جيبى» عام 1974 من إخراج حسام الدين مصطفى، و«حتى آخر العمر» فى العام التالى مباشرة إخراج أشرف فهمى، وكان الرجل ينوى إخراج فيلم ثالث عام 1976 لولا العقبات والعراقيل التى وُضعت فى طريق مشروعه الكبير، الأمر الذى دعاه للجهر بصرخته إلى رأس الدولة فى ذلك الوقت.

ففى الثالث والعشرين من سبتمبر 1976، قبل أقل من ستة أشهر على رحيله، بعث رمسيس نجيب برسالة مطولة إلى الرئيس السادات (انفردت بنشرها كاملة فى كتابى رمسيس نجيب الأوراق الخاصة الصادر قبل أربع سنوات) تحدث فيها عن معاناته فى إنتاج الفيلمين والعراقيل التى صادفته من جانب الموزع الأجنبى وبعض العاملين فى المجال السينمائى منتقدا آثار سياسة الانفتاح الاقتصادى على العملية السينمائية، وواعدًا الرئيس -فى الوقت ذاته- بتقديم أفلام أخرى عن النصر العظيم، مهما كلفه ذلك من مشقة وعناء.

ولو كانت هذه المساحة تسمح بنشر تلك الرسالة المطولة التى بعث بها رمسيس نجيب للرئيس السادات لما تأخرت، لكننى بعد أن قرأتها خرجت بمجموعة من الملحوظات، أهمها:

أولا: جاءت هذه الرسالة المطولة إلى الرئيس السادات كاشفة عن واقع الحياة السينمائية فى مصر خلال فترة السبعينيات، وهى شهادة رجل عايش كل دقائق هذه الصناعة وخبر أزماتها على مدى ما يقرب من أربعين عاما، ووضع يده على الداء وكان ينتظر العلاج من أعلى سلطة فى الدولة، ومات قبل أن يتلقى الرد لا بريديا ولا عمليا، ولا نحن عرفناه حتى اليوم، وبقيت أزمات السينما المصرية على حالها، حتى وإن اختلفت التفاصيل.

ثانيا: من خلال تلك المرارة والحسرة التى شعرت بها وأنا أقرأ سطور رسالة رمسيس نجيب يمكن إدراك مدى المعاناة التى تحملها الرجل من صحته ووقته وماله كى ينتج أهم فيلمين عن حرب أكتوبر، وكم المعوقات والصعوبات التى واجهها من قوانين وأفراد وممارسات كانت كفيلة بأن تصيبه بالإحباط وتجلسه فى بيته، لكنه على العكس كان حتى أنفاسه الأخيرة يعد لفيلم ثالث وربما رابع عن هذه الحرب المجيدة.

ثالثا: كان رمسيس نجيب جريئًا وهو يخاطب الرئيس السادات منتقدا سياسة الانفتاح التى تبناها السادات نفسه، فقد كان همه إنقاذ صناعة السينما، تلك المعشوقة التى أعطاها عمره كله منذ أن كان صبيا صغيرا، مجرد عامل بسيط باستوديو ناصبيان، ولم يكن سعيدا وهو يراها فى أيدى مَن لا يقدرون قيمتها ويحترمون دورها الثقافى والفنى.

رابعا: لم ينكر رمسيس نجيب وهو ينتقد السياسات والقوانين والأشخاص التى كانت تتحكم فى صناعة السينما فضل مَن ساعدوه فى إنجاز فيلميه، وخاصة وزير الثقافة آنذاك السيد يوسف السباعى الذى كان لا يذكره أحيانا بالاسم -ربما حرجًا- لأن السباعى كان صاحب قصة أحد فيلميه وهو «حتى آخر العمر»، كما وجه الشكر فى صدر الصفحة الأولى من المذكرة المطولة إلى الفريق أول –حينها- محمد عبد الغنى الجمسى على كل المساعدات التى قدمتها له القوات المسلحة المصرية من أجل ظهور الفيلمين على تلك الصورة المشرفة.

وعلى أية حال، فقد خرج رمسيس نجيب من تجربته فى الفيلمين المذكورين وهو معتل الصحة والنفس رغم أنه كان فى منتصف الخمسينيات من العمر؛ إذ داهمته أمراض السكر والضغط، ودخل فى أكثر من أزمة صحية كبرى، ومع ذلك لم يتوقف عن التفكير فيما يقدمه للسينما، وحينما زاره صديقه الكاتب الكبير يوسف السباعى فى مستشفى الشبراويشى قبل أن ينتقل إلى مستشفى المعادى لاستكمال علاجه سأله السباعى عن صحته، فسأله هو عن موعد تسلمه القصة الجديدة عن حرب أكتوبر بعد أن اتفق مع المنتج الإيطالى الشهير «بانشوتى» على تقديم فيلم عالمى عن حرب أكتوبر، ومع تسارع التطورات الصحية تقرر سفره لمتابعة العلاج فى الولايات المتحدة الأمريكية، لكن الظروف التى كانت تمر بها مصر فى أعقاب أحداث الثامن عشر والتاسع عشر من يناير 1977 لم تكن تسمح باستكمال إجراءات السفر، فضلا عن أن جرحًا فى ظهره تسبب له فى آلام مبرحة ساهم فى إرجاء رحلته إلى أمريكا ليلقى ربه فى الرابع من فبراير 1977 وهو يضع على صدره ملف مشروع فيلمه المنتظر عن حرب أكتوبر، وكأن القدر أراد له أن يموت على تراب وطنه الذى عشقه وأعطى له الكثير.

وبالنهاية، فإن رمسيس نجيب هو أحد رجال مصر المخلصين الذين ساهموا فى تخليد ذلك الانتصار العظيم فى أكتوبر 1973، فلولا فيلميه المذكورين لفقدت المكتبة السينمائية والذاكرة البصرية المصرية مجموعة من المشاهد الحية التى التقطها فريقه مع الأيام الأولى للحرب، وكذلك تلك المشاهد التى أعادت القوات المسلحة تنفيذها خصيصا من أجل تصوير الفيلمين فى مواقعها الحقيقية، وهو دعم مشكور قدمته القوات المسلحة للسينما المصرية نستعيده دائما طوال أكثر من خمسين عاما مع كل مرة نحتفل فيها بنصر أكتوبر المجيد، فتحية خاصة وواجبة لاسم المنتج الراحل رمسيس نجيب صاحب الأيادى البيضاء الكثيرة على صناعة السينما فى مصر.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة