فى بداية نوفمبر 2023، وأثناء إجرائى حديثًا عبر الإنترنت مع الدكتور محمود رمضان سعد الدين، أخصائى التخدير والرعاية بمجمع الشفاء الطبى بغزة، عن الوضع الصحى داخل القطاع، وحال الفرق الطبية، وطبيعة الإصابات جراء القصف الإسرائيلى، وبعد إجابته عن بعض الأسئلة التى طرحتها عليه، أرسل برسالة قصيرة مفادها أنه سيتوقف عن الرد بعض الوقت بسبب وصول حالات لمصابين كثر، وبعد فترة قرابة الساعتين، عاود الرد على بقية أسئلة الحديث، لكنه كان متأثرا بشدة، فالحالات التى حضرت كان من بينها أطفال، ومن المصابين طفل، وُصفت إصابته بإصابة فى البطن والطحال والكبد وإصابة بالغة فى الرجل اليسرى فقد تحتاج إلى بتر، وأرسل لى بصورته وهو يرقد على سريره فى حالة مؤلمة، والدماء تغطى ساقه.
المفارقة، وبعد عدة أيام، وجدت صورة الطفل منتشرة على السوشيال ميديا، والصحف المصرية أثناء تلقيه العلاج فى مصر، أرسلت بصورته لـ«د. محمود» وسألته: هل هذا الطفل الذى قطعت الحديث من أجله وأرسلت لى صورته؟، وكانت إجابته: نعم، وأكمل أن شقيقه استُشهد فى القصف.
إنه الطفل الفلسطينى عبدالله كحيل الذى أثار تعاطفًا كبيرًا بعدما وجه رسالة قال فيها «كلموا المصريين يخلونى أمشي»، وذلك خلال تواجده فى مستشفى الشفاء بقطاع غزة، حيث يعانى من بتر فى قدمه نتيجة قصف إسرائيلى لمنزل عائلته، ووجه استغاثة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى مطالبا باستكمال علاجه فى القاهرة من الإصابات الخطيرة التى أُصيب بها جراء الحرب فى غزة.
بالفعل، تدخل الرئيس عبدالفتاح السيسى ووجه بتسهيل وصوله إلى مصر وعلاجه بمعهد ناصر بالقاهرة. عبدالله تلقى العلاج أكثر من عام تقريبا، وكتب أبطال معهد ناصر قصة نجاح بحماية قدمه من البتر، وفى نهاية رحلته العلاجية وجه الطفل الفلسطينى رسالة شكر وتقدير للرئيس عبدالفتاح السيسى بعد استجابته لطلبه بالعلاج فى مصر.
الطفل عبدالله كحيل ليس الوحيد، فهناك آلاف من الأشقاء الفلسطينيين تم استقبالهم وذويهم فى مصر، فقد جاءت استجابة الدولة المصرية الصحية حيال الحرب فى قطاع غزة لتؤكد على دور مصر الريادى فى دعم القضايا الإنسانية والصحية على مستوى المنطقة، فهناك جهود واضحة وملموسة تبذلها الدولة المصرية فى تقديم الرعاية الصحية للأشقاء الفلسطينيين من الجرحى والمصابين، منذ اللحظات الأولى لاندلاع الحرب فى غزة، بداية من استقبال الجرحى ومرافقيهم فى المستشفيات، وصولا إلى العمليات الجراحية الدقيقة التى تم إجراؤها للحالات الحرجة منهم، أيضا تسخير كافة الإمكانات الطبية لعلاجهم، من خلال تجهيز المستشفيات وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية، وكذلك إرسال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر معبر رفح البرى.
ووفق تصريحات الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس الوزراء للتنمية البشرية، وزير الصحة والسكان، خصصت وزارة الصحة 38 ألف طبيب و25 ألف ممرض بمختلف التخصصات للتعامل مع الحالات المرضية، إلى جانب توفير العلاج اللازم للحالات المزمنة من القادمين من قطاع غزة.
«عبدالغفار»، أشار إلى استقبال مصر نحو 107 آلاف فلسطينى، أُجريت لهم الفحوص الطبية اللازمة، كما تم تطعيم 27 ألف طفل فلسطينى، واستقبلت المستشفيات المصرية نحو 8 آلاف مصاب فلسطينى، برفقة 16 ألف مرافق، وفيما يتعلق بجهود الإسعاف المصرية، فقد تم تخصيص 150 سيارة إسعاف فى محافظة شمال سيناء لاستقبال الحالات القادمة عبر المعبر من الهلال الأحمر الفلسطينى، ثم توزيعهم على المستشفيات المصرية بمشاركة 750 مسعفًا وسائقًا، بحيث يتم نقل الجرحى من معبر رفح إلى مستشفيات شمال سيناء، ومنها إلى مستشفيات أخرى بمحافظات الجمهورية.
وأضاف وزير الصحة، أن «إجمالى تكلفة الخدمات الطبية التى قدمتها مصر بلغت نحو 578 مليون دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى مليار دولار، لا سيما مع تحمل الدولة نفقات الإعاشة والاستضافة والإقامة».
كذلك، فى منتصف الشهر الماضى، ترأس الدكتور خالد عبدالغفار، اجتماع لجنة الدعم الصحى والاجتماعى للجرحى والمرضى من قطاع غزة، بحضور الدكتور أشرف صبحى، وزير الشباب والرياضة، والدكتورة مايا مرسى، وزيرة التضامن الاجتماعى، والمهندس شريف الشربينى، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، الاجتماع ناقش سبل تعزيز الدعم الطبى واللوجستى للجرحى والمرضى الفلسطينيين، مع التركيز على رفع جاهزية المستشفيات المصرية وتوفير الرعاية الشاملة.
وجاءت توجيهات «د. عبدالغفار»، خلال الاجتماع، بإعداد خطط مستقبلية فى حال استقبال دفعات جديدة من الجرحى والمرضى، تشمل تعزيز المخزون الاستراتيجى من الأدوية والمستلزمات الطبية، ورفع كفاءة الفرق الطبية، والتنسيق بين الجهات الحكومية لضمان تقديم رعاية متكاملة.
وخلال الاجتماع ذاته، أوضح الدكتور أشرف صبحى، أن المنشآت الشبابية والرياضية المخصصة لدعم الجرحى ومرافقيهم تم تجهيزها لتقديم خدمات نفسية واجتماعية وترفيهية، لتوفير بيئة آمنة وداعمة خلال فترة إقامتهم.
كما استعرضت الدكتورة مايا مرسى، الخدمات التى قدمتها وزارة التضامن الاجتماعى من سبل معيشة لمرافقى الجرحى والمصابين الذين يتم علاجهم بالمستشفيات المصرية، والدور المحورى الدى يقوم به الهلال الأحمر المصرى باعتباره الآلية الوطنية لإنفاذ المساعدات إلى قطاع غزة، مؤكدة أن مصر لم تغلق معبر رفح أمام المساعدات الإنسانية، وأن تدفق المساعدات المصرية إلى الأشقاء فى قطاع غزة لم يتوقف يومًا واحدًا، فى إطار الدور الإنسانى والوطنى لمصر وحرصها المستمر على دعم الشعب الفلسطينى وتخفيف معاناته.
وأكد المهندس شريف الشربينى، أن وزارة الإسكان تعمل على توفير الدعم اللوجستى حول المستشفيات ومنافذ الاستقبال، مع تحسين الخدمات لضمان بيئة صحية وآمنة للمرضى طوال فترة علاجهم.
من جهته، أوضح الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث الرسمى لوزارة الصحة والسكان، أن مصر تواصل إيصال المساعدات دون انقطاع، حيث يتم دفع 150 إلى 200 شاحنة يوميًا عبر معبر رفح، رغم التحديات اللوجستية التى تحد من تفريغ سوى 70 إلى 90 شاحنة يوميًا داخل القطاع.
وأكدت لجنة الدعم الصحى والاجتماعى للجرحى والمرضى من قطاع غزة التزام مصر الثابت بدعم الشعب الفلسطينى، من خلال تقديم الرعاية الصحية والإنسانية الشاملة، والعمل المستمر لتخفيف معاناة الأشقاء الفلسطينيين فى ظل التحديات الراهنة.
الجهود الطبية للدولة المصرية فى دعم القضية الفلسطينية، أوضحها الدكتور حسام عبدالغفار، بقوله: خلال أزمة القضية الفلسطينية تم فتح معبر رفح مرتين لاستقبال مصابى قطاع غزة وذويهم وتقديم الدعم الطبى والمعنوى لهم، الفتح الأول للمعبر فى الأول من نوفمبر 2023 وحتى إغلاقه فى الأول من مايو 2024، والفتح الثانى فى الأول من فبراير 2025 وحتى إغلاقه فى 18 مارس 2025، وخلال هذه الفترات تم استقبال نحو 7277 مصابًا ونحو 15 ألفًا و751 مرافقًا معهم.
المتحدث الرسمى أضاف: استقبلت مصر مصابى قطاع غزة من خلال 300 مستشفى تقع فى 27 محافظة، تحت إشراف وزارة الصحة والسكان، تم خروج تحسن لعدد 3954 مصابًا بعد الشفاء، بينما تم التنسيق لـ1994 مصابًا للسفر للعلاج بالخارج، وتم إجراء تدخلات جراحية لـ5016 حالة، كما تم إحالة 2267 مصابًا بين المستشفيات، كما تم من خلال معبر رفح المصرى سفر بعض الحالات للخارج والتنسيق لبعض المصابين مع الجهات الخارجية لسفر للعلاج، وبلغ عدد حالات الوفاة 231 من إجمالى عدد حالات الدخول الـ7277 بنسبة 3 فى المائة، وهو ما يعد أقل من النسبة العالمية للوفيات بالمقارنة بحجم الإصابات الخطيرة والحالات المحولة والتى يعانى الأغلبية العظمى منها من أورام سرطانية وفشل فى وظائف الكلى وغيرها من الأمراض.
د. حسام عبدالغفار كشف أنه «أتاحت استجابة وزارة الصحة منذ البداية تجهيز أكثر من 13 ألف سرير، ونحو 1847 وحدة عناية مركزة، وما يقرب من 1500 عيادة حجر صحى، الاستجابة مدعومة بقوى عاملة قوامها 38 ألف طبيب من مختلف التخصصات الطبية بالتعاون مع وزارة التعليم العالى والجامعات المصرية، ونحو 25 ألف من هيئة التمريض، تشمل الفرق الطبية، تخصصات متعددة، على سبيل المثال (جراحة أعصاب، وجراحة أوعية دموية، وجراحة عامة، وجراحة تجميل، وجراحة عظام، وأطباء عيون، وأطباء نفسيين، وأخصائى أنف وأذن وحنجرة، وأطباء تخدير، وأخصائى وحدة العناية المركزة)، بالإضافة إلى نحو 150 سيارة إسعاف تم تخصيصها لنقل الجرحى والمصابين من المعبر إلى مختلف المستشفيات فى نطاق محافظة شمال سيناء، ثم الانتقال إلى مستشفيات مختلف المحافظات».
بيانات وأرقام وزارة الصحة أوضحت طبيعة الحالات الطبية التى تم استقبالها من خلال معبر رفح، والتى بلغت نحو 7277 حالة، منها 1923 حالة أورام، 1610 إصابات وكسور، 459 بترًا، 246 حروقًا، 476 حالة قلب وصدر، 404 عيوب خلقية، 608 حالات رمد، 314 حالة أمراض كلى وغسيل كلوى، 695 أمراضًا مزمنة، ونحو 542 حالة متنوعة.
أيضًا، الوضع الحالى، بحسب البيانات، يوضح تواجد إجمالى 1107 مصابين، بإجمالى 1725 مرافقًا مصاحبًا، فى 128 مستشفى تحت إشراف وزارة الصحة والسكان، ومن بينهم 500 حالة مرشحة للخروج، كما يوجد 6 آلاف فلسطينى موجود فى إسكان وزارة التضامن، بالإضافة إلى عدد 600 آخرين بإسكان وزارة الشباب والرياضة.
التحرك لم يكن على مستوى القيادة السياسية والجهات الرسمية فقط، بل امتد للنقابات المهنية والهيئات ومنظمات المجتمع المدنى، حيث أعلنت نقابة الأطباء تضامنها مع قطاع غزة منذ اليوم الأول للحرب، ولا تزال، ويوجد أكثر من 2000 طبيب سجلوا بالفعل فى النقابة، من مختلف التخصصات الطبية، وجاهزون للمشاركة فى إعمار القطاع الصحى فى غزة، بالإضافة لانتظار الآلاف لتسجيل أسمائهم.
أيضا الفرق الطبية بادرت بالتحرك، وعلى رأسها الفريق الطبى المصرى الذى قاده الدكتور أحمد عبدالعزيز أستاذ جراحة العظام بطب قصر العينى، الفريق ضم 13 عضوًا منهم 12 طبيبًا وممرضًا، وشمل عدة تخصصات، منها طبيبتان فى تخصص النساء والتوليد، وأطباء فى تخصصات مختلفة، تخدير، جراحة تجميل وتكميل، جراحة ميكروسكوبية، جراحة حوض وعمود فقرى، وجراحة المثبتات الخارجية، فبعد 12 ساعة وصل الفريق، وبدأ فورًا مهمتهم فى علاج أهالى القطاع، كانوا يعملون من الصباح إلى ما بعد منتصف الليل لإنجاز أكبر عدد ممكن من الحالات، وأتموا الرسالة وأدوا مهمتهم بتقديم الخدمة لأكثر من ألف حالة وإجراء نحو مائتى عملية جراحية خلال الزيارة التى بدأت فى الحادى عشر من فبراير الماضى واستغرقت نحو 10 أيام.