رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

يبدأ فى اليوم التالى لوقف الحرب.. «إعمار غزة».. إرادة مصرية


9-10-2025 | 15:24

.

طباعة
تقرير: محمد رجب

لا تتوقف التحركات المصرية من أجل إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني؛ فمنذ بداية حرب الإبادة الوحشية على القطاع فى 7 أكتوبر 2023، كثفت القاهرة جهودها لحشد القوى العالمية ضد استمرار الحرب. بدأت تلك الجهود من مؤتمر القاهرة للسلام بعد أيام من بداية العدوان على القطاع، حيث تصدت مصر لكل المساعى الإسرائيلية والغربية لتصفية القضية الفلسطينية، وأعلنت ثوابتها واضحة منذ اليوم الأول للحرب.

فى أول رد فعل لها على رد حركة «حماس» الإيجابى على خطة ترامب للسلام، أكدت مصر اعتزامها القيام بأقصى جهد بالتنسيق مع كافة الأشقاء فى الدول العربية والإسلامية، والولايات المتحدة، والجانب الأوروبى، والمجتمع الدولي؛ للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار، وإزالة المعاناة عن الشعب الفلسطينى، وإعادة إعمار قطاع غزة.

وأعربت مصر عن أملها أن يؤدى هذا التطور الإيجابى إلى أن تعمل كافة الأطراف على الالتزام بتنفيذ خطة «ترامب» على الأرض، وإنهاء الحرب، وضمان نفاذ المساعدات الإنسانية عبر الآليات الأممية دون قيود، وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين، بما يؤسس لمرحلة جديدة نحو السلام. تبدأ هذه المرحلة بالتفاوض على التفاصيل والآليات اللازمة لوضع رؤية الرئيس «ترامب» موضع التنفيذ على الأرض، فى إطار أفق سياسى يقود إلى حل الدولتين الذى توافق المجتمع الدولى على مرجعيته، بما يحقق السلام فى المنطقة، وإقرار الخطة العربية لإعادة إعمار غزة التى طرحتها مصر خلال القمة العربية التى استضافتها القاهرة فى مارس الماضى، والتى حازت دعمًا وتأييدًا عربيًا واسعًا اعتبره الكثيرون حجر الأساس لمستقبل غزة.

كما تسعى مصر لاتخاذ خطوة إنسانية جديدة ضمن جهودها المتواصلة لدعم الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، إذ أرسلت معدات وآليات هندسية إلى محيط مخيم البريج بهدف إزالة الركام والنفايات المتراكمة، تمهيدًا لبدء أعمال إعادة الإعمار فى المنطقة المنكوبة. وتأتى هذه الخطوة فى سياق مبادرة مصرية شاملة لإعادة إعمار قطاع غزة، تتضمن تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، وإعادة تأهيل البنى التحتية الأساسية، بالتعاون مع مؤسسات دولية وإقليمية تعمل فى مجال الإغاثة والتنمية.

وتشمل الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة إطلاق مشروعات تنموية طويلة الأمد فى مجالات «الإسكان»، و«الطاقة»، و«التعليم»، و«الصحة»، بما يضمن تحسين مستوى المعيشة للسكان، وتعزيز مقومات الاستقرار الاجتماعى والاقتصادى فى القطاع. كما تعمل مصر على تنسيق الجهود مع الأمم المتحدة، والبنك الدولى، وعدد من الدول المانحة لضمان توفير التمويل اللازم لتلك المشاريع.

وفى هذا السياق، قال الدكتور أحمد العنانى، خبير العلاقات الدولية، إن «مصر تتحرك بخطى ثابتة نحو إطلاق خطة شاملة لإعادة إعمار قطاع غزة، فى أعقاب الدمار الواسع الذى خلّفته الحرب، وتركّز الخطة على إعادة بناء البنية التحتية، والمساكن، والمؤسسات الحيوية، بمشاركة دول عربية وداعمين دوليين»، مشددًا على أن القاهرة تؤكد أن نجاح الإعمار مرهون بوقف العدوان، وانسحاب قوات الاحتلال من القطاع.

وأضاف «العنانى» أن «خطة إعادة إعمار غزة تمثل مشروعًا طموحًا واسع النطاق تقوده مصر»، مشيرًا إلى أن أى عملية إعمار حقيقية لن تبدأ إلا بعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلى بالكامل من القطاع، وإدخال المساعدات الإنسانية اللازمة للبدء فى إزالة آثار العدوان. وأوضح أن «القاهرة تتحرك حاليًا على مسارين متوازيين: الأول هو وقف الحرب والضغط من أجل تهدئة شاملة، والثانى هو إدخال المساعدات والتمهيد لبدء خطة إعادة الإعمار».

وأوضح أن «مصر تنظر إلى إعادة إعمار غزة باعتبارها «إعادة للحياة والروح» إلى قطاع تعرض للتدمير الممنهج، سواء فى بناه التحتية أو فى مؤسساته الصحية والتعليمية والخدمية»، مشيرًا إلى أن «الخطة المصرية تعتمد على تحالف واسع يشمل دول الخليج العربى وبعض الدول الأوروبية المانحة، إلى جانب مصر التى تملك الإمكانيات البشرية والفنية والخبرات الميدانية، ما يجعلها فى موقع محورى لقيادة هذا المشروع».

كما لفت إلى أن «مصر تمتلك شركات كبرى، ومعدات حديثة، وخبرات تراكمية فى إدارة مشروعات كبرى، ما يتيح لها التحرك السريع لإعادة بناء المنازل، والمستشفيات، والمدارس، وإعادة المهجّرين إلى مناطقهم»، كاشفًا أن «المرحلة الأولى من خطة الإعمار ستستغرق من عام إلى عامين فقط، لإزالة الركام، وتمهيد الطرق، وإعادة البنية التحتية القادرة على استيعاب معدات الإعمار».

وشدد خبير العلاقات الدولية على أنه «لن يتم أى شيء فى ظل استمرار وجود قوات الاحتلال داخل غزة؛ فالإعمار يتطلب بيئة آمنة ومستقرة على الأرض»، مؤكدًا أن «الخطة المصرية لا تتضمن أى دور للمستثمرين الأجانب أو أطراف تسعى لتحويل غزة إلى مشروع اقتصادى مشبوه»، فى إشارة إلى ما تم تداوله إعلاميًا عن «ريفييرا الشرق»، ومؤكدًا حرص مصر على أن يكون الإعمار عملية وطنية – إقليمية، تحفظ كرامة الفلسطينيين، وتقطع الطريق على محاولات تدويل القطاع اقتصاديًا لخدمة أجندات سياسية غير معلنة.

وأوضح «العنانى» أن «الولايات المتحدة لن يكون لها دور قيادى فى عملية الإعمار كما كانت تأمل، وواشنطن ستتجه إلى نقل إدارة المرحلة المقبلة إلى مجلس تكنوقراطى فلسطينى ومجلس سلام دولى للإشراف على التنفيذ».

وأكد خبير العلاقات الدولية أن مصر لن تترك غزة وحدها، وستظل تضطلع بدورها الإقليمى والتاريخى فى دعم الشعب الفلسطينى، كما أن الإعمار يجب أن يكون أداة لتعزيز الاستقرار لا بوابة لإعادة إنتاج الاحتلال أو تكريس الانقسام.

وحول موعد البدء فى تنفيذ الخطة المصرية للإعمار، قال السفير حازم خيرت، سفير مصر السابق بتل أبيب، إن «الخطة جاهزة، وتمت دراستها، ونُظم لها مؤتمر دولى، وحصلت على الدعم العربى والإسلامى والإفريقى والأوروبى، وخطة إعمار غزة وبدايتها تكون بتوفير سكن مؤقت»، موضحًا أن «عملية إعادة الإعمار سوف تستوعب 1.5 مليون إنسان داخل الأرض، وتقوم مصر بتدريب قوات الشرطة الفلسطينية فى الفترة الحالية، كما تشمل الخطة إنشاء صندوق اقتصادى لدعم فلسطين تحت إشراف دولى».

وأضاف: «الخطة مدروسة بكافة تفاصيلها، والتكلفة التقديرية لها 53 مليار دولار على مرحلتين؛ المرحلة الأولى تستغرق عامين بتكلفة 20 مليار دولار، والمرحلة الثانية بتكلفة 30 مليار دولار»، موضحًا أن «الخطة المصرية جاهزة وتُعد حائط صد لمنع التهجير، فى ظل تراجع ترامب عما قاله سابقًا بشأن تهجير الفلسطينيين»، متوقعًا مشاركة دول أوروبية، مع ترجيح أن دول الخليج ستكون المساهم الأكبر فى إعادة الإعمار.

وحول مطالبة إسرائيل بالمشاركة فى إعادة الإعمار، أشار «خيرت» إلى أنه «يجب المطالبة بذلك، لكن بدعوة من المجتمع الدولى، لأن إسرائيل هى من دمرت قطاع غزة»، مؤكدًا أن «إسرائيل لن تنفق دولارًا واحدًا على إعادة الإعمار، خاصةً فى ظل حكم اليمين المتطرف، والمجتمع الدولى سيكون عاجزًا أمام إسرائيل».

وتحدث «خيرت» أيضًا عن صمود اتفاق السلام الأمريكى برعاية ترامب، مشيرًا إلى أن «هناك رأيًا عامًا فى إسرائيل ومعارضة دعمت نتنياهو من أجل السلام، رغم المعارضة من اليمين المتطرف الممثل فى بن غفير وسموتريتش، والإدارة الأمريكية سيكون لها دور ضاغط على إسرائيل لصمود الهدنة». وأوضح أن خطة ترامب للسلام بها الكثير من الثغرات، ولا تتضمن جداول زمنية واضحة لتنفيذ بنودها، ما قد يؤدى إلى بعض العثرات.

وقال السفير عاطف سيد الأهل، سفير مصر السابق فى إسرائيل، إن «خطة الإعمار التى اعتمدتها القمة العربية الإسلامية فى القاهرة فى مارس 2025، هى خطة مصرية متكاملة، تم إعدادها بأسلوب محترف، بالتنسيق والتشاور مع الدول العربية والإسلامية المعنية على المستوى السياسى، ومع الاتحاد الأوروبى على المستويين التقنى والسياسى، ومع الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة العاملة ميدانيًا فى غزة، وعلى رأسها وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ومنظمة الصحة العالمية، وكذلك منظمات غير حكومية مستقلة تعمل فى المجال الإنسانى على المستويين التقنى والاقتصادي. ثم تم اعتمادها من القمة، وأعلن الاتحادان الأوروبى والإفريقى ترحيبهما الشديد بها، وحتى الولايات المتحدة رحبت بها من حيث المبدأ.

وأضاف: وفقًا لهذه الخطة، فإنه لا يمكن لمصر قيادة الإعمار بمفردها، بل يجب إشراك دول الإقليم، وتركيا، والاتحاد الأوروبى، والأمم المتحدة فى ذلك الجهد، لإضفاء الوزن السياسى، وتوفير الغطاء المالى الاستثمارى المطلوب، والضمانات اللازمة لعدم تكرار إسرائيل الكرة وتدمير ما يتم بناؤه. فضلًا عن أن لا مصر ولا أى دولة أخرى تملك وحدها الموارد والمعرفة التقنية اللازمة لتنفيذ هذه المهمة.

وتابع أن الولايات المتحدة، فى عهد الرئيس الحالى، تتعامل بمنطق تجارى مصلحى قائم على الربح الشخصي. وقد ظهر ذلك فى خطة ترامب الأخيرة، التى لم تأتِ بأفكار جديدة، بل اقتبست الأفكار العربية الثلاث: لجنة الإدارة التقنية، وخطة إعادة الإعمار العربية الإسلامية الدولية، وقوات حفظ السلام الأممية، ثم وضعت إطارًا بيروقراطيًا معقدًا يتمثل فى مجلس السلام، والمجموعة الاستشارية الاقتصادية المكلفة بإعداد خطة ترامب لتنمية غزة، وقوات الاستقرار الدولية؛ وهى كلها بُنى مؤسسية معقدة سيتم تمويلها بالأموال العربية، بهدف تحقيق أرباح خيالية لترامب، وأسرته، وفئة محدودة من مساعديه. بل إن إحدى نسخ الخطة التى كان يعمل عليها الخبراء الإسرائيليون، نصت صراحةً على أن الهيئة الاقتصادية المرتبطة بالخطة تعمل على تطوير مشروعات تهدف إلى الربح.

كما أوضح أن مصر قدمت، بالتعاون مع الشركاء العرب والمسلمين، والأوروبيين والمنظمات الدولية، فكرة التعاون والتنسيق المشترك، كلٌّ فى تخصصه، بالاعتماد على البيانات الدقيقة والمجانية المتوفرة لدى المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية غير الربحية، لتطوير الخطة المبدئية. وعليها أن تتمسك بمشاركة الأطراف الإقليمية والدولية المستعدة للمشاركة وفقًا لفكرة أن الخطة هى خطة تنمية اقتصادية، لها أهداف إنسانية تتمثل فى رفع المعاناة عن الشعب الفلسطينى، وتوفير حياة كريمة على أرضه دون تهجير؛ وأهداف سياسية تتمثل فى تثبيت فرص السلام والتعايش بكرامة، وتعزيز إمكانيات الشعب الفلسطينى، سواءً كان ذلك فى دولة مستقلة، أو ضمن صيغة تضمن حصول جميع الفلسطينيين على حقوق المواطنة الكاملة دون تمييز، فى دولة علمانية، وليس على أساس أن عملية الإعمار فرصة استثمارية لنهب الأموال وبناء الثروة، كما وصفها وزير المالية الإسرائيلى بتسلئيل سموتريتش.

وأكد أن ذلك جهد دولى سياسى إنسانى منسق، يجب أن يستند إلى المصلحة العامة للشعب الفلسطينى وللإقليم، لا أن يسعى للربح المادى من خلال مناقصات دولية، ودراسات جدوى تُعدّها مكاتب استشارية تُضخِّمُ التكاليف من بضعة مليارات – على النحو الوارد فى الخطة – إلى حفنة تريليونات، كما يسعى ترامب للاستفادة المادية من معاناة الشعب الفلسطيني.

من جهته، قال الدكتور أشرف سنجر، خبير السياسات الدولية، إن «خطة إعادة إعمار غزة تم قبولها لوضوحها، وقدرتها على التحدث عن نفسها، لأن هناك جهدًا كبيرًا بُذل من قبل مصر لإعدادها وتقديمها للمجتمعين الدولى والعربى، وقد تم قبولها من قبل الاتحاد الأوروبي»، مشيرًا إلى أن دور مصر فى الوساطة هو دور سياسى، ودبلوماسى، واقتصادى، يهدف إلى أمن الإقليم وتحقيق السلام، وتقييم وجهات النظر بين الأطراف، للوصول إلى حل سلمى عادل للقضية الفلسطينية، وعودة الاستقرار إلى إقليم الشرق الأوسط.

وأوضح «سنجر» أن مصر تسعى دائمًا إلى إحداث تغيير فى الأفكار السائدة فى الإقليم، والتى تتصاعد من خلالها التوترات الحالية، وتهدف إلى إعادة استقرار المنطقة بالكامل، ووقف إطلاق النار، وإعادة الإعمار فى قطاع غزة. مشيرًا إلى أن مصر لها دور كبير فى المؤتمرات، والمفاوضات، وجهود الوساطة لإعادة الاستقرار إلى قطاع غزة.

وأضاف أن دور مصر تاريخى، منذ أول هجرة تمت للإسرائيليين عام 1882، مرورًا بست هجرات، وحربها من أجل الفلسطينيين فى أعوام 1948، و1967، و1973، مؤكدًا أن مصر تركز الآن على الاتفاقيات التى تهدف إلى الوصول إلى وقف إطلاق النار، وإعادة إعمار غزة، فى إطار رؤية شاملة تحقق أمن واستقرار المنطقة، وتحفظ حقوق الشعب الفلسطينى.

الاكثر قراءة