الدكتور محمود الهباش مستشار الرئيس الفلسطينى، تحدث فى حوار لـ «المصور» عن رؤية السلطة الفلسطينية لخطط إعادة الإعمار وتفاصيل اليوم التالى لوقف إطلاق النار وهل يمكن قبول فصيل عسكرى مثل «حماس» مرة أخرى، وملفات شائكة عديدة، يتحدث عنها فى هذا الحوار، وإلى نصه.بعد الموافقة المبدئية لحماس على الخطة، كيف تتخيلون إدارة قطاع غزة فى «مرحلة اليوم التالى»؟
من حيث المبدأ، هناك حالة تقترب من الإجماع فى المشهد الفلسطينى - سواء على صعيد القيادة الرسمية أو القوى والأحزاب وكذلك الشارع الفلسطينى، على أن الجهة المؤهلة لإدارة قطاع غزة هى جهة وطنية تمثل دولة فلسطين ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية.. ومستقبل قطاع غزة لا يمكن فصله بأى حال من الأحوال عن مستقبل بقية الأرض التى احتلت عام 1967 والتى تمثل إقليم الدولة الفلسطينية وفق القرارات الشرعية والدولية، وبالتالى فإن إدارة القطاع يجب أن تكون إدارة فلسطينية بقرار فلسطينى ومرجعية سياسية وطنية فلسطينية، مع إمكانية أن يكون هناك دعم عربى ودولى كمرحلة انتقالية بشكل أو بآخر، ولكن حتى فى تلك المرحلة يجب أن يكون الحضور الفلسطينى فعلى وأساسى وليس تمثيلا مشرفا فقط.. ولا يمكن أن يكتب النجاح لأى فكرة أخرى دون الحكم الذاتى الفلسطينى باعتبار أن ذلك سيكون خروجًا صريحًا عن المنطق والمألوف، وسيكون أيضًا بمثابة مغامرة لن ترى النجاح.
إذن، ما الدور المحدد الذى تتوقع أن تلعبه السلطة الفلسطينية خلال الفترة المقبلة، خاصة فى إطار ملفات مثل إعادة الإعمار والإدارة؟
السلطة الفلسطينية هى صاحبة الولاية القانونية والسياسية والاقتصادية على كل إقليمها الجغرافى بما فى ذلك قطاع غزة، وهى المسؤولة عن كل ما له علاقة بحياة الفلسطينيين من الإعمار والإدارة والأمن والاقتصاد والسياسة وغيره من نواحى الحياة الأخرى.. وكما ذكرت من الممكن أن نقبل وجود دعم ومساندة عربية ودولية سواء على صعيد إعادة الإعمار أو تأهيل ودعم قوات الأمن المحلية، أو المساعدة فى تمكين الدولة وسلطاتها الوطنية من القيام بمسؤولياتها على الوجه الأكمل لضمان التعافى وإخراج الوضع الفلسطينى من الأزمة التى أدخلت فيها على مدى 18 عامًا منذ تواجد حماس فى المشهد فى عام 2007 وصولاً إلى العدوان الإسرائيلى الأخير الممتد على مدار سنتين، والذى أرهق الشعب الفلسطينى ودمر كل مقومات الحياة فى غزة، وهذا يعنى أننا سنكون أمام تحدٍ صعب لإعمار ما دمره العدوان الإسرائيلى وإعادة بناء الحياة الفلسطينية من جديد على أسس قوية وعصرية من شأنها أن تضمن أن يكون هناك حل سياسى أساسه الشرعية الدولية وإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وما طبيعة الآلية الدولية التى تراها ضرورية للإشراف على المرحلة المقبلة داخل فلسطين وقطاع غزة؟ وهل ترى أن الأفضل أن تكون تلك الآلية تتبع دولة محددة أم تكون هيئة دولية متعددة الأطراف؟
نحن نرحب بأى تعاون دولى أو عربى أو إسلامى يدعم الدولة والإدارة الفلسطينية فى قطاع غزة والضفة الغربية على حد سواء، ولكن بكل تأكيد التحدى سيكون صعبًا، بعد عامين من العدوان وتدمير ما يزيد عن 80 فى المائة من مقومات الحياة فى القطاع، ومن الطبيعى أن نواجه تحديات ثقيلة على الدولة الفلسطينية وشعبها، وعليه - فلا غنى عن الدعم العربى والإسلامى والمشاركة الدولية فى إعادة تأهيل الحياة الفلسطينية ومساندة الحكومة الوطنية للقيام بمسؤولياتها على الأصعدة والميادين المختلفة.
على ذكر التحديات، الملف الأمنى هو الأبرز حاليًا.. كيف يمكن معالجة قضية أسلحة فصائل المقاومة فى قطاع غزة ضمن أى تسوية سياسية شاملة ؟ وما رؤيتك لتشكيل قوة أمنية فلسطينية موحدة تكون مسؤولة عن أمن واستقرار المناطق الداخلية والمعابر؟
استعرض هنا المبدأ الذى أعلنه الرئيس محمود عباس فى أكثر من مناسبة، وكان آخرها فى خطابيه الأخيرين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 22,25 من سبتمبر الماضى، عندما تحدث بشكل واضح بأن رؤيتنا للدولة الفلسطينية بأنها دولة لها نظام سياسى واحد وقانون واحد وسلاح شرعى واحد وكذا مرجعية سياسية وطنية واحدة، فى ظل وجود تعددية سياسية بكل تأكيد ولكنها ليست تعددية حكم ولا تعددية سلطة أو سلاح.. فالسلاح يجب أن يكون حقًا حصريًا للدولة ولأجهزة الأمن الرسمية، فنحن نرفض أن يكون هناك سلاح فى يد أى فصيل غير الحكومة الرسمية، فاحتكار السلطة والسلاح هو أحد مقومات الدولة العصرية، فلا يوجد فى العالم دولة بمعنى حقيقى فى ظل وجود مجموعات مسلحة داخل هذه الدولة، لا يمكن أن يقبل ذلك، كونه يؤدى إلى عدم الاستقرار.. لذلك رؤيتنا للسلاح منطلقة ومحصورة فى إطار أن السلاح يجب أن يكون فى يد الدولة وأجهزتها الأمنية فقط، مع العلم أن الفصائل والقوى من الممكن أن تشارك فى الحياة السياسية مع إمكانية تداول السلطة والمشاركة فى الانتخابات بالطرق والوسائل الديموقراطية، ولكن لا يجوز أن يكون هناك أى سلاح لديهم.
إعادة الإعمار مصطلح فى داخله خطة تتكلف عشرات المليارات.. كيف نضمن أن تتم تلك العملية بشفافية كاملة تحت إشراف فلسطينى موحد، وألا تتحول كوسيلة للضغط السياسى أو التطبيع مع الاحتلال؟
لا نمانع أن يكون إعادة الاعمار بإشراف ورقابة وآلية دولية وفق أدق المعايير العالمية المتعارف عليها فى هذا الشأن، رغبة منا فى تحقيق الهدف الأكبر، وهو ضمان الإعمار وإعادة تأهيل الحياة فى غزة.. ونحن لا نبحث فقط عن الحصول على الأموال وإنفاقها كيف نشاء، نحن نرحب بكل المنظمات الدولية سواء البنك الدولى أو جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامى والاتحاد الأوروبى أو أى جهة دولية أخرى ترغب فى المراقبة أو المشاركة أو المساهمة، فنحن نؤيد بقوة التوجه المصرى لعقد مؤتمر خاص بإعادة الإعمار فى القاهرة، وهو قرار تم اتخاذه فى القمة العربية الإسلامية الأخيرة والتى انعقدت فى العاصمة المصرية، مع الأخذ فى الاعتبار الآليات المناسبة التى يرتضيها العالم والتى تتوافق مع أرقى وأدق معايير الشفافية والنزاهة والامتثال المالى، بشكل يضمن أن تتم عملية إعادة الإعمار بالطريقة الصحيحة، بعيدًا عن أى توظيف لا يخدم الهدف الأنبل والأهم ممثلًا فى إعادة الإعمار والبناء.
فسر لنا كيف يمكن تحويل حالة الهدوء النسبى الراهنة، الناتجة عن اتفاق ترامب، إلى رافعة استراتيجية لمشروع وطنى فلسطينى؟ وهل ترى أن اليوم التالى لوقف إطلاق النار فى غزة يجب أن يرتبط بجدول زمنى واضح لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967م؟
حتى اللحظة الحالية، لا زلت الآلية العسكرية الإسرائيلية تبطش بالمدنيين فى قطاع غزة، ولكن أى حل لا يرتبط بالهدف النهائى المتمثل فى تطبيق قرارات الشرعية الدولية بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، سيكون مجرد مسكن وليس علاجًا للوضع، فلا يمكن ضمان وجود أمن وسلام أو استقرار مع بقاء الاحتلال ولا بدون دولة فلسطينية تضمن الحقوق المشروعة للشعب، مثل الحق فى تقرير المصير وحقه فى أن يحكم نفسه بنفسه، لذلك أى حلول لا يكون هدفها النهائى الوصول لتلك الرؤية لن تجدى نفعًا، بل يمكن أن تعيدنا لا قدر الله مرة أخرى إلى نفس دوامة العنف والمواجهات المدمرة التى بالتأكيد تنعكس سلبًا على كل المنطقة وعلى الاستقرار الإقليمى ومسار الدول المحيطة بفلسطين، وتنعكس كذلك على مستوى العلاقات الدولية، لأن فلسطين ليست مجرد قضية عادية بل قضية محورية فى السياسة الدولية ومركزية فى الوعى العربى والإسلامى بسبب ارتباطها بمدينة القدس والمقدسات الدينية التى تمثل جزءًا من العقيدة لمئات الملايين من المسلمين حول العالم، وبالتالى فهى ليست قضية عادية ولكنها تمس جوهر الدين والعقيدة، والتعامل معها يجب أن يكون عميقًا ومميزًا بالكثير من الحكمة والدقة والمعالجة الجوهرية لجذور القضية المتمثل فى إنهاء الاحتلال الإسرائيلى.
وما الضمانات التى يمكن أن توضع لعدم عودة اسرائيل لسياسة الاغتيالات والحصار الشامل والتوسع؟
أنا شخصيًا لا أقتنع بأى ضمانات فى هذا الصدد، فلا يوجد ضمانات بنسبة 100فى المائة، ولكن يجب أن نكون أكثر قربًا من الضمان النسبى، ولا بد أن يصدر قرار ملزم من مجلس الأمن بحل الدولتين بإجماع الآراء، حتى يلزم جميع الأطراف باحترام الشرعية الدولية والأمن والاستقرار والحقوق المشروعة للجميع، وحق الشعب الفلسطينى أن يعيش ضمن حدود آمنة ومعترف بها بسيادة وكرامة إنسانية.
وكيف يمكن لقرار مجلس الأمن أن يمنع إسرائيل من المضى قدمًا فى خططها؟
من الطبيعى أن يحمل قرار مجلس الأمن كافة مقومات المسألة للطرف الذى يخل ببنود القرار، وقد شهدنا خلال التاريخ المعاصر حالات مشابهة لدول أخرى، ارتأى مجلس الأمن أنها لم تحترم قراراته فاستخدم البند السابع الذى ينص على الإلزام بالقوة للطرف المخل بالقانون الدولى، من أجل الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين باعتباره الواجب الأول للمجلس الأممى.
وما المصير المتوقع للأسرى الفلسطينيين فى سجون الاحتلال ضمن الترتيبات خلال الفترة المقبلة؟ وهل هناك آليات لضمان إطلاق سراحهم جميعا كجزء من تسوية نهائية؟
موضوع الأسرى مرتبط بقوة بمدى الوعى الفلسطينى الفردى والجماعي، ولا يمكن أن يتحقق أى سلام أو استقرار دون الإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين، وهى نقطة جوهرية استراتيجية بالنسبة لنا كفلسطينيين، فلا يمكن أن يتحقق السلام مادام هناك أسير واحد فى سجون الاحتلال، وأى حلول مستقبلية يجب أن تضمن الإفراج عنهم جميعًا، سواء فلسطينيين أو من جنسيات عربية.
كيف ترى الدور المصرى والأردنى والسعودى فى مرحلة ما بعد الاتفاق، خاصة فيما يتعلق بقضايا كمعبر رفح ودعم مؤسسات السلطة الفلسطينية؟
نحن نقدر تقديرًا كبيرًا المواقف العربية الداعمة لفلسطين سواء تاريخيًا أو حاليًا.. فيما يتعلق بالدور المصرى والأردنى، فلولا الصرامة والموقف القوى للدولة المصرية والرئيس السيسى والمملكة الأردنية وجلالة الملك عبدالله الثانى فى مواجهة مخطط التهجير، الذى كان يحلم به ويريده ويسعى إليه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، ربما لكانت إسرائيل نجحت لا قدر الله فى فرض التهجير القسرى على الشعب الفلسطيني.. وأيضًا هذا الموقف المنسجم مع الموقف الفلسطينى الشعبى لقى دعمًا عربيًا وإسلاميًا كبيرًا بل ودوليًا أيضًا فى التصدى لمخطط التهجير.. كما لعبت المملكة العربية السعودية دورًا كبيرًا فى حشد الدعم الدولى اللازم للاعتراف بالدولة الفلسطينية ولدفع الأمور قدمًا نحو وقف العدوان كأولوية أولى فى اللحظة الراهنة، فضلًا عن المساعدات الإنسانية المتواصلة التى تقدمها الدولة العربية بشكل كبير ومتسق مع تحقيق المصالح العليا للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطينى.
وماذا عن تعقيبك على المزاعم التى تدعى قيام مصر بإغلاق معبر رفح ومنع دخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة؟
هذا لم يحدث إطلاقًا، فالكل يعرف أن معبر رفح من الجانب المصرى مفتوح ولم يُغلق نهائيًا ولكنه مغلق من الجانب الفلسطينى بسبب الاحتلال الإسرائيلى، ولكن بالرغم من إغلاق المعبر لم تتوقف القاهرة عن إرسال القوافل الإغاثية على مدى العامين الماضيين، كما أقامت مصر مخيمات فى القطاع لكى تضمن بقاء المواطنين الفلسطينيين داخل غزة، وبالتالى تفشل مخططات التهجير.. كما قدمت مصر مئات القوافل التى ضمت مئات الشحنات الإنسانية من المواد الغذائية والدوائية لأهل غزة، وأنا أستغرب أن هناك بعض الأصوات النشاذ التى تزايد على دور مصر فى دعم القضية الفلسطينية، الذى هو محط تقدير واحترام واعتزاز من كل الشعب والقيادة السياسية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس شخصيًا، وعلى وجه الخصوص أهل قطاع غزة الذين يشهدون على المواقف التاريخية المصرية المساندة للقضية الفلسطينية.
ما رسالتك للفلسطينيين فى قطاع غزة والضفة الغربية حول المستقبل فى ظل معاناة الانقسام والحرب؟
الفلسطينيون شعب عظيم مرابط فى أرضه المقدسة، أرض الإسراء والمعراج، أرض أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وثانى المسجدين، وهذا الشعب العظيم نموذج مشرف فى كيف يكون الرباط والصمود، ونحن بحاجة إلى أن نتعلم دائمًا من عظمة وصمود وكبرياء وفضل هذا الشعب الفلسطينى، فهذا الشعب أعظم من كل القيادات وأعظم من كل فصائله وأحزابه وقواه السياسية، ولكن علينا نحن أن نكون بقدر عظمة هذا الشعب وأن يطوى الجميع صفحة الانقسامات والاختلافات من أجل هذا الوطن الغالى، لأن فلسطين أكبر منا جميعًا.