التقدم نحو صفقة وافقت حركة حماس على أهم بنودها بالإفراج عن جميع الرهائن «أحياء وجثامين» وصفها مصدر إسرائيلى مقرب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنها «إنجاز عظيم» يمكنه أن يضمن له الجلوس مجددًا على عرش إسرائيل منفردًا صاعدًا على أكتاف عائلات الأسرى الذين هاجموه بالشوارع لمدة عامين كاملين، إلا أنها ورقة قد تضع رأسه على المذبح الشعبى وتؤول به إلى السجن أو انتهاء مشواره السياسى وجلوسه على رأس الحكومة الإسرائيلية لعدد سنوات تخطى بها مؤسس دولة الاحتلال ديفيد بن جوريون نفسه.
تكمن العديد من الشياطين فى بنود خطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لإنهاء الحرب فى قطاع غزة، ففى الوقت الذى يستعد نتنياهو للدخول بالمرحلة الأولى من الصفقة واستلام ورقة الانتخابات القادمة فى يديه عن طريق استعادة جميع الرهائن من قبضة «حماس»، أعربت الحركة عن أن المدة المتفق عليها لتسليم الرهائن والظروف الميدانية تجعل من الأمر مستحيلًا، كما أن هناك عقبة أخرى وهى الانسحاب الإسرائيلى من القطاع، وهو ما ستتم مناقشته خلال المفاوضات التى تستضيفها القاهرة إلى جانب بنود أخرى. وهنا، يبقى مستقبل نتنياهو على المحك حتى يتم التوصل لصيغة نهائية لتنفيذ المرحلة الأولى من الخطة والتى سوف يستغلها نتنياهو للتخلص من عبء اليمين المتطرف وشركاء ائتلافه المتطرفين وزير الأمن القومى المتطرف إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش والاستناد إلى شبكة أمان المعارضة.
وفقًا لمراقبين، قد تكون موافقة نتنياهو –على مرور تلك الخطة وإنهاء الحرب– والخضوع لشبكة أمان المعارضة هو ثمن يدفعه نتنياهو للتخلى عن الحياة السياسية والتنحى بسلام، وحذرت عائلات الأسرى الإسرائيليين من محاولات وزراء فى اليمين المتطرف للضغط على نتنياهو لعرقلة الصفقة المطروحة، وقالت عائلات الأسرى الإسرائيليين إن بن غفير وسموتريتش سيحاولان عرقلة المحادثات وإن العائلات ستشكل مع ترامب جدار حماية. وأضافت أن هذه أيام مهمة، وأن معرقلى المحادثات يخططون للضغط على نتنياهو وعلى العائلات الوقوف فى وجه ذلك، ودعت عائلات الأسرى كل الإسرائيليين الذين يؤيدون الصفقة وإنهاء الحرب إلى الخروج إلى الشوارع والتظاهر.
وأوضح الدكتور أشرف الشرقاوى، أستاذ اللغة العبرية والمختص بالشأن الإسرائيلى، أن هناك عوامل عديدة قد تؤثر فى فرص نتنياهو للفوز بولاية جديدة فى رئاسة الحكومة الإسرائيلية. وفى مقدمة هذه العوامل عجز الجيش الإسرائيلى حتى الآن عن تحقيق الأهداف التى أعلنها نتنياهو لإنهاء الحرب فى غزة، وهى أهداف رأى كثير من المحللين أنها صعبة إن لم تكن مستحيلة التحقيق.
وأضاف «الشرقاوى»: «من وجهة نظرى، هذه الأهداف تفتقر إلى معايير واضحة يمكن قياسها؛ إذ يستطيع نتنياهو، فى أى لحظة، أن يقرر أن تلك الأهداف قد تحققت فيعلن وقف الحرب، ولن يملك أحد أن يجادله فى ذلك. وبالمثل، يمكنه الادعاء، بأن الحرب لم تنتهِ بعد ليستمر فيها، دون أن يقدر أحد على مناقشته أو الاعتراض عليه»، مشيرًا إلى أنه من العوامل الأخرى المؤثرة، قضايا الفساد التى يخضع بسببها نتنياهو حاليًا للمحاكمة، إلى جانب المظاهرات المتواصلة ضده من قِبل أُسر الأسرى الإسرائيليين، وأسر قتلى وجرحى الحرب.
وكشف «الشرقاوى»، أنه ربما يكون العامل الوحيد القادر فعليًا على تهديد موقع نتنياهو هو عودة رئيس الوزراء الأسبق نفتالى بينيت إلى المشهد السياسى على رأس حزب جديد. فـ«بينيت» لا يزال يحتفظ بصورة إيجابية لدى شريحة معتبرة من الجمهور الإسرائيلى، خصوصًا أنه يُنظر إلى فترة تولّيه رئاسة الحكومة -رغم قصرها لعام واحد- على أنها مرحلة اتسمت بالهدوء والاستقرار.
الدكتور يحيى عبدالله، أستاذ اللغة العبرية والمتخصص بالشأن الإسرائيلى، أكد مدى التزام إسرائيل بالصفقة يتوقف على شخص واحد وهو «ترامب»، فإذا أراد الرئيس الأمريكى لهذه الصفقة المرور فستمرر بالتأكيد، وسيقوم بالضغط على نتنياهو الذى يمتلك غطاء سياسيا قويا من المعارضة الإسرائيلية فى حال رفض شركائه فى الائتلاف دخول المرحلة الأولى من الصفقة، ففى هذا الوقت الذى يمسك نتنياهو بورقة الأسرى بين يديه سيتخلى بالتأكيد عن سموتريتش وبن غفير، فهو فى النهاية سيذهب للانتخابات العامة القادمة بورقة رابحة لا مجال وهى استعادة جميع الرهائن من قبضة حماس. ولهذا، نقول إن مرور الصفقة يعتمد على الرئيس الأمريكى الذى أمر إسرائيل بشكل واضح بوقف الاستيلاء على مدينة غزة ووقف إطلاق النار، ولكى نفهم عقلية هذا الرجل علينا معرفة أنه يمتلك قناعة بأربعة أمور ستتحقق من خلال قراءة بيان حماس، وهى استعادة جميع الأسرى وإطلاق أسرى فلسطينيين فى المقابل، بالإضافة إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع ووقف إطلاق النار.
وأضاف «عبدالله»، أن بقية البنود فى خطة ترامب، لا يأبه بها الرئيس الأمريكى ويمكنه منح تفويض للوفود المفاوضة بحلها وعلى رأسها نزع سلاح حماس وهى مسألة ترفضها الحركة، ومسألة إدارة غزة التى ترفضها حماس أيضًا إذ ترغب فى سلطة فلسطينية دون تسليم القطاع لسلطة دولية وهى أمور لن تُحل بين ليلة وضحاها وهناك العديد من الأمور القابلة للتفاوض، والأهم هنا أن ترامب أمسك بطرف الخيط وتلقى رد الحركة بإيجابية، وهو أمر يُغضب الجانب الإسرائيلى الذى من المرجح أن يختلق الذرائع لنسف الصفقة، فكما يُقال: الشيطان يكمُن فى التفاصيل، ولكن لطالما يرغب ترامب بشكل جدى فى مرور تلك الخطة وإنهاء الحرب سيقوم بذلك، خاصة أن هذه هى المرة الأولى والتى يكشف عن جدية غير معهودة فى سلوك الرئيس الأمريكى الذى ربما يضع عينيه على جائزة نوبل للسلام المتلهف لها بشكل كبير. واختتم عبد الله قوله، بأن هناك دورًا كبيرًا على الوسطاء بالفعل، إلا أن حماس التى نزعت فتيل الغضب لدى ترامب ووجهت ضربة قاتلة لنتنياهو، وتصرفت بحكمة بالغة لا يزال لديها العديد من النقاط التى تحتاج إلى مناقشتها والتفاوض عليها، وهو ما يضع الموقف برمته تحت كافة الاحتمالات.