رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

التنمية العمرانية.. مدخل جديد لتعزيز العلاقات العُمانية المصرية


7-10-2025 | 14:12

.

طباعة
بقلم/ أحمد تركي ... خبير الشؤون العربية

تعددت مداخل تعزيز العلاقات العُمانية المصرية على مدار التاريخ، فهي تمتد منذ أكثر من 3500 سنة ماً قبل الميلاد، حين كانت الملكة حتشبسوت ملكة مصر ترسل أساطيلها التجارية إلى ظفار العمانية لتحمل بلبانها الفاخر الذي استخدم في تعطير المعابد الفرعونية، وتجذرت عبر التاريخ علاقات وثيقة بين سلاطين عُمان وحكام مصر منذ عام 1744م على أيدى مؤسس عُمان الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي.

 وعبر فترات التاريخ تميزت العلاقات العُمانية المصرية برسوخها وشمولها ولم تتأثر يوماً بأحداث المنطقة والعالم، وإنما ظلت ثابة راسخة كرسوخ الجبال الشاهقة، وتنوعت مداخل تعزيزها بين الاقتصادي والتجاري والاجتماعي والإعلامي والسياسي.

ومع الاهتمام الذي أولته القيادة العُمانية الحكيمة السلطان هيثم بن طارق، لبناء النهضة العُمانية المتجددة، تم تدشين رؤية عُمان المستقبلية 2040 في مختلف القطاعات التنموية، وجاء في القلب منها التنمية العمرانية، والذي جسدته أول استراتيجية للتنمية بعيدة المدى، وذلك إدراكاً لأهمية البعد المكاني للتنمية الشاملة، وتمثّل في العديد من الأهداف مثل توزيع الاستثمارات جغرافيًا، ودعم المراكز السكانية والمحافظة عليها، واستكمال هياكل البنية الأساسية، والاهتمام الكبير بالبيئة والمحافظة عليها.

ومع ازدياد احتياج العالم إلى مدن مستدامة تساهم في الحفاظ على موارد البيئة من مياه وطاقة، وتحسين جودة الهواء وتصمد أمام التحديات المناخية، حجزت سلطنة عمان مقعدها في عالم المدن الذكية بتدشين "مدينة السلطان هيثم"، تلك المدينة الرائدة التي تعد نموذجًا للمدن المستقبلية ووجهة جاذبة ومعززة للاستثمار، ونقلة نوعية في التصميم الحضري والتخطيط العمراني، بما يتوافق مع رؤية "عمان 2040".

ففي قلب العاصمة مسقط، أرست سلطنة عمان أسسا لمستقبل ذكي بما يعد إرثا لأجيال الغد التي تتوق إلى الحداثة والتطوير، وذلك من خلال "مدينة السلطان هيثم" التي تعد أول مدينة ذكية في البلاد، بمساحة إجمالية تبلغ 14 مليون متر مربع.

ويعد المشروع، الذي يحظى باهتمام واسع من كافة القطاعات العُمانية، وسيلة لتحقيق متطلبات النمو الاقتصادي والاجتماعي والحفاظ على الموروث الثقافي للأجيال القادمة، كما يشكل نموذجًا فريدًا لمستقبل المدن العمانية، إذ تحتوي على عناصر جاذبة للعيش والإقامة والاستخدام.

تأتي "مدينة السلطان هيثم" تتويجًا لرحلة التحول الشامل التي تنتهجها وزارة الإسكان والتخطيط العمراني نحو تنمية عمرانية مستدامة لمجتمعات مزدهرة، من خلال تنفيذ المشروعات الاستراتيجية الوطنية بالتوافق مع "رؤية عمان 2040"، وتمثل المدينة أهمية خاصة باعتبارها اللبنة الأولى ونموذجًا جديدًا لبناء مدن مستدامة تحاكي الحياة العصرية وتطلعات الشباب في السلطنة.

فقد باتت التنمية العمرانية والحضرية مدخلاً واقعياً جديداً نحو تعزيز أواصر العلاقات والمشروعات المشتركة بين عُمان ومصر في تلك المجالات، خاصة أن مصرية تمتلك تجربة متميزة في العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين الجديدة وغيرها من المشروعات العمرانية التي تعتبر مجالاً خصباً للتعاون الوثيق بين البلدين.

وهنا يمكن الإشارة إلى أن زيارة وزير الإسكان والتخطيط العمرانى بسلطنة عمان الدكتور خلفان بن سعيد الشعيلي إلى مصر في مايو 2024 ولقائه وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الدكتور عاصم الجزار، فتحت آفاقاً واعدة لتعزيز التعاون المشترك بين البلدين فى مجال التنمية العمرانية، وتبادل الخبرات وتحقيق التوأمة بين المشروعات الرائدة فى البلدين، مثل مدينة العلمين الجديدة بمصر ومدينة السلطان هيثم بسلطنة عمان.

وأعرب خلفان عن تطلعه لتفعيل مذكرة التفاهم التى سبق توقيعها بين مصر وسلطنة عمان، مطالبا الدكتور عاصم الجزار بتقديم الدعم اللازم لتحقيق التعاون المشترك بين سلطنة عمان وشركات التطوير العقارى المقاولات المصرية، واتفق الوزيران على عقد اجتماعات فنية بين المختصين من الوزارتين لمناقشة التفاصيل الفنية، ونقل خبرات وتجربة وزارة الإسكان فى تنفيذ مختلف مشروعات التنمية العمرانية.

كما أسهمت زيارة وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، إلى سلطنة عُمان على رأس وفد مصري للمشاركة في افتتاح معرض ومؤتمر عُمان العقاري وأسبوع التصميم والبناء العشرين في مايو 2025، في دفع مسيرة التعاون في هذا المجال، خاصة أنه تم  توقيع اتفاقيتي الشراكة والتطوير الاستثماري مع مجموعة طلعت مصطفى- وذلك لتطوير مشروعين، أحدهما عقاري والآخر سياحي، غرب عاصمة سلطنة عمان مسقط، باستثمارات إجمالية 1.5 مليار ريال ( نحو 3.9 مليار دولار).

تمثّل هذه الاتفاقية علامة فارقة في مسيرة التنمية العمرانية والسياحية في سلطنة عُمان؛ لما تُحقِّقه من أثر اقتصادي ومجتمعي شامل، من خلال خلق فرص وظيفية مباشرة وغير مباشرة، وتعزيز حركة الاستثمار في قطاعي العقار والسياحة عبر مشاريع عالية الجودة.

 كما تُسهم الاتفاقية في تسريع وتيرة التطوير بمدينة السلطان هيثم، لترسيخ مكانتها كنموذج تنموي رائد على المستويين الإقليمي والعالمي، يعكس التكامل بين البنية التحتية الذكية والرؤية العمرانية المتقدمة. وتُجسّد هذه الشراكة قدرة سلطنة عُمان على استقطاب الاستثمارات النوعية ورؤوس الأموال ذات القيمة المضافة، عبر مشاريع تحقق مخرجات ملموسة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

 وتؤكد هذه الشراكة أن سلطنة عُمان آفاقها منفتحة للعالم من فرص استثمارية وتنمية عمرانية، مستندة إلى تخطيط عمراني ذكي، ورؤية اقتصادية بعيدة المدى، وبيئة تنظيمية تشجع على التحول الحقيقي نحو المستقبل، عبر شراكات تعكس الثقة والالتزام والنمو المشترك بين الدولة والمستثمرين العالميين.

واقع الأمر، ارتكزت سلطنة عُمان في تعزيز تعاونها مع مصر في مجال التنمية العمرانية، على أسس راسخة وهي الاستراتيجية العمرانية العُمانية والتي تمثل الإطار العام لتوجيه النمو العمراني خلال العشرين عامًا القادمة بما يحقق التوازن بين أبعاد التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، والتي تتجسد مكانيًا في التنمية العمرانية، لذلك تعد  تلك الإستراتيجية ممكنًا أساسيًا لتحقيق "رؤية عمان 2040"، كما أنها تضمن تنافسية المدن وقدرتها على الصمود أمام المتغيرات المختلفة، وتتسق كذلك في أهدافها مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030 حيث كانت سلطنة عمان ولا تزال من ضمن الدول التي وقعت على الالتزام بتطبيق مبادئها في كافة الخطط والاستراتيجيات الوطنية.

ويمكن القول أن الاستراتيجية العمرانية العُمانية تمثل على المستويين الوطني والإقليمي نتاجًا لمراحل عديدة من النهج التشاركي الذي اتسم بالتزامن لضمان التغذية الراجعة، وتحقيق التكامل فيما بينها، بالإضافة إلى التوافق مع "رؤية عمان 2040" والتنسيق مع مختلف القطاعات الحكومية والخاصة والمؤسسات الأكاديمية، وبمشاركة مجتمعية واسعة.

وفي ذات الوقت، تعد الاستراتيجية الإطار العام لتحقيق التنمية العمرانية المستدامة بما يحقق التكامل ما بين التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية مع الحفاظ على الموروث البيئي والثقافي وبالتوافق مع الأهداف والأولويات الوطنية المتمثلة في "رؤية عمان 2040". ومن أهدافها تنمية متوازنة وعادلة تعزز الميزة النسبية والتنافسية للحواضر والمحافظات، وإقامة مجتمعات ممكنة تسهم في صياغة أولوياتها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية وتعمل ضمن إطار اللامركزية الإدارية والاقتصادية، وتوفير نظام تسلسل هرمي للتجمعات السكانية بشكل فعّال يوجّه التنمية الحضرية المستدامة لاستيعاب النمو السكاني المتنامي ويوفر الخدمات والمرافق الأساسية، إلى جانب توفير وسائل نقل متنوعة وسهلة الوصول، متكاملة مع التنمية العمرانية، وبنية أساسية مستدامة عالمية المستوى، وإقامة مناطق حضرية وريفية وتراث طبيعي وثقافي يتميز بمرونة وقدرة عالية على التعامل مع المتغيرات المناخية.

ولا شك أن متابعة وتقييم تنفيذ الاستراتيجية العمرانية العُمانية سواء كل خمس سنوات بناء على قياس مؤشرات الأداء الرئيسية المرتبطة بالسياسات والغايات المستهدفة، أو تقييم شامل كل عشر سنوات بناء على البيانات السكانية والاقتصادية والإحصاءات المحدّثة، تفتح الآفاق الواعدة نمو مزيد من التخطيط الاستراتيجي، ليس فقط في مختلف الولايات والمحافظات العُمانية بما يعزز مفهوم التنمية المتوازنة والمستدامة، وإنما نحو مزيد من التعاون البناء مع مختلف دول العالم في مجال التنمية العمرانية وبما يحقق مستهدفات رؤية عُمان 2040 في هذا القطاع الحيوي.

 

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة