رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

محمود سامي البارودي.. رائد النهضة الشعرية والأب الروحي لمدرسة الإحياء والبعث

6-10-2025 | 01:58

محمود سامي البارودي

طباعة

تحلّ اليوم ذكرى ميلاد محمود سامي البارودي، رائد الشعر العربي في العصر الحديث، وأحد القلائل الذين جمعوا بين الأدب والسياسة والعسكرية في شخصية واحدة متفرّدة. يُعد البارودي باعث الروح في جسد الشعر العربي بعد أن كاد يفقد نبضه؛ فقد أعاد له الحيوية بعدما ظلّ حبيسًا لزخارف البديع وضيق الأغراض، وقد نهض بالشعر العربي نهضة كبرى لم يتوقّعها معاصروه، فحرّره من الجمود، ووصل بينه وبين تراثه الأصيل، معيدًا له صياغته المحكمة، ومُرتبطًا في الوقت ذاته بقضايا الإنسان والأمّة.

وُلد محمود سامي البارودي في 6 أكتوبر عام 1839م بالقاهرة، لأسرة ذات أصول شركسية، كانت تنتمي إلى طبقة ميسورة ذات سلطة ونفوذ، فقد كان أجداده من ملتزمي إقطاعية إيتاي البارود بمحافظة البحيرة، وكانوا يتولّون جمع الضرائب من سكانها، أما والده فكان ضابطًا في الجيش المصري، عُيّن مديرًا لمدينتي "بربر" و"دنقلا" في السودان، وتوفي هناك حين كان البارودي في السابعة من عمره.

ونظرًا لانتمائه إلى أسرة مرموقة، تلقّى البارودي تعليمه المبكر في المنزل على يد معلمين خاصين، ثم التحق في الثانية عشرة من عمره بالمدرسة الحربية، ثم بالمدرسة الحربية المفروزة، حيث درس فنون الحرب، إلى جانب علوم اللغة والدين والحساب والجبر، وأظهر في تلك الفترة شغفًا كبيرًا بالشعر العربي وشعرائه الكبار.

تخرّج البارودي في عام 1855م برتبة "باشجاويش"، لكنه لم يتمكّن من استكمال دراساته العليا، فالتحق بالجيش السلطاني، ثم سافر إلى إسطنبول، مقرّ الخلافة العثمانية، حيث التحق بوزارة الخارجية، وخلال إقامته هناك أتقن اللغتين التركية والفارسية، واطّلع على آدابهما، وحفظ كثيرًا من أشعارهما، مما أهّله للعمل بوزارة الخارجية التركية لنحو سبع سنوات.

عاد البارودي إلى مصر برفقة الخديوي إسماعيل أثناء زيارته الرسمية إلى إسطنبول بعد تولّيه الحكم، وعُيّن معاونًا لأحمد خيري باشا في إدارة المكاتبات بين مصر والأستانة.

شارك البارودي في حرب البلقان، وبعد عودته منها عُيّن مديرًا لمحافظة الشرقية في أبريل 1878م، ثم نُقل إلى منصب مدير القاهرة، وكانت مصر آنذاك تمرّ بأزمة سياسية واقتصادية خانقة، بسبب تراكم الديون وتدخّل إنجلترا وفرنسا في الشؤون الداخلية، بل وصل الأمر إلى وجود وزراء إنجليز وفرنسيين في الحكومة المصرية.

وفي هذا المناخ المحتقن، بدأت الصحافة تتحرّك، وبرزت دعوات إصلاحية قادها جمال الدين الأفغاني لمواجهة الهيمنة الأجنبية، فشارك البارودي في هذا الحراك من خلال شعره، وألقى قصائد أثارت حماسة الشعب، وأسهمت في إشعال الوعي الوطني.

في عام 1879م، تولّى البارودي وزارة المعارف والأوقاف في حكومة شريف باشا، ثم تولّى وزارة الأوقاف في حكومة رياض باشا، وتمكّن من تحقيق إنجازات كبيرة، من أبرزها: تشكيل لجنة من العلماء والمهندسين والمؤرخين لحصر الأوقاف المجهولة، جمع الكتب والمخطوطات الموقوفة في المساجد، وحفظها في مكان واحد.

ثم تولّى وزارة الحربية خلفًا لرفقي باشا، بعد مطالبات من الحركة الوطنية بقيادة أحمد عرابي، وباشر إصلاح القوانين العسكرية، ورفع رواتب الضباط والجنود، لكنه استقال لاحقًا من منصبه.

وفي 24 فبراير 1882، شكّل البارودي وزارة جديدة عُرفت باسم "وزارة الثورة"، لأنها ضمّت ثلاثة من زعماء الثورة العرابية: عرابي وزيرًا للحربية، ومحمود فهمي وزيرًا للأشغال، لكن لم يكتب لهذه الوزارة البقاء طويلًا، بسبب دخول الإنجليز مصر، واعتقال زعماء الثورة، ومنهم البارودي، الذي صدر ضده حكم بالإعدام، خُفف لاحقًا إلى النفي المؤبد إلى جزيرة سريلانكا (سرنديب)، حيث قضى هناك سبعة عشر عامًا.

لم يستسلم البارودي للمنفى، فثابر على تثقيف نفسه؛ فتعلّم اللغة الإنجليزية، وأتقنها، وبدأ تعليم سكان الجزيرة اللغة العربية، كما ارتقى المنابر في مساجدها لشرح تعاليم الإسلام.

بعد عودته إلى مصر، اعتزل العمل السياسي، لكنه فتح بيته للأدباء والشعراء، ومن بينهم أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وخليل مطران، وإسماعيل صبري، الذين تأثروا به وساروا على نهجه، حتى أطلق على هذه الكوكبة "مدرسة النهضة" أو "مدرسة الإحياء".

توفي محمود سامي البارودي في 12 ديسمبر عام 1904، تاركًا خلفه إرثًا شعريًا وفكريًا ما زال حاضرًا في تاريخ النهضة الأدبية الحديثة.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة