في عالَم يعج بالصراعات والأزمات، وتتشابك التهديدات، يبقى عنصري الأمن والأمان حجر الزاوية، فهو الضَّامن لبقاء واستقرار الدَّولة الوطنية وقدرتها على بناء اقتصاد مستدام قادر على مواجهة وامتصاص الصدمات العالمية.
وقد استطاعت سلطنة عُمان أن تحول الأمن والأمان من وظيفة أمنيَّة ضيِّقة إلى منظومة تنمويَّة شاملة، تجعل الاقتصاد أكثر قدرة على جذب الاستثمار والسِّياحة، وتمنح المُجتمع طمأنينة تفتح الباب أمام الإبداع والابتكار، وتزيد من مكانة الدَّولة على السَّاحة الدوليَّة.
فقد حلّت سلطنة عُمان بين الدول العشر الأكثر أمانًا عالميًّا لعام 2024م بحسب التقرير العالمي للسلامة الصادر عن مؤسسة "جالوب" الدولية، إذ حققت المركز الرابع عالميًّا في مؤشر الدول التي يشعر سكانها بأعلى مستويات الأمان، لا سيما خلال فترات الليل.
كما حصلت على معدل مرتفع في مؤشر "القانون والنظام" بواقع 91 نقطة، مما يؤكد التزام سلطنة عُمان الراسخ بتحقيق أعلى معايير الأمن والسلامة، حيث أكد التقرير أن التركيز المشترك على الأمن وتطبيق القانون يسهم بشكل فعال في تعزيز الشعور الواسع بالأمان بين الأفراد. واعتمدت مؤسسة "غالوب" الدولية المتخصصة في التحليلات والاستشارات - ومقرها واشنطن- في تقريرها على عدد من المعايير، منها: انخفاض معدلات الجريمة، والحوكمة المركزية، والنظام العام المستقر، والاستثمار المستمر في سلامة المدن والبنية الأساسية.
والمؤكد أنَّ حلول سلطنة عُمان في المركز الرَّابع عالميًّا ضِمن مؤشِّر الدوَل الأكثر أمانًا، يُمثِّل شهادة دوليَّة على نجاح نهجها في جعل الأمن قِيمة وطنيَّة متجذِّرة، فهذا التَّصنيف الَّذي أصدرته مؤسَّسة (جالوب) الدوليَّة يؤكِّد أنَّ ما تحقَّق نتيجة عمل مؤسَّسي متواصل، وهو وضع الأمن والأمان في صدارة أولويَّاتها الوطنيَّة، فقَدِ استطاعتِ عُمان أنْ تبنيَ منظومة قانون راسخة تطبِّق العدالة بشفافيَّة، وأنْ تطوِّرَ بنية أساسيَّة للمُدن تراعي سلامة الأفراد وتُقلِّل المخاطر اليوميَّة، وتوازَى ذلك مع استثمار في تدريب الكوادر الأمنيَّة الوطنية، ووضع خطط واستراتيجيات لإدارة الأزمات، وتنفيذ برامج توعويَّة مُجتمعيَّة تُعزِّز ثقافة احترام النِّظام وتكرس السلم والأمن الإجتماعي.
ومن حاصل القول أن ما يُميِّز التَّجربة العُمانيَّة في سعييها لجعل الأمن والأمان واحة للاستقرار ومنهجاً للتخطيط، أنَّ جهودها في إرساء الأمن والأمان شملتْ كُلَّ المحافظات بشكلٍ متوازن، ما ضَمن أنْ يكُونَ الأمان شعورًا عامًّا في جميع الولايات العُمانية، وأصبح التَّصنيف العالمي انعكاسًا حقيقيًّا يُعبِّر عن التزام الدَّولة بتحويل الاستراتيجيَّات الوطنيَّة إلى واقع ملموس.
ناهيك عن أن تحقيق عُمان هذه المكانة في مؤشر الأمان العالمي، يتجاوز كونه إنجازًا معنويًّا، لِيصبحَ فرصة استراتيجيَّة تُعزِّز تنافسيَّة الاقتصاد وصورة السَّلطنة الدوليَّة، فالشُّعور بالأمان يخفِّض تكلفة الاستثمار ويمنح الثِّقة لرؤوس الأموال المحليَّة والأجنبيَّة، ويجعل بيئة الأعمال أكثر استقرارًا وقدرة على التَّخطيط طويل الأجل.
ولا شك أن قِطاع السِّياحة في عُمان من أكثر القطاعات التي تتأثر إيجاباً بهذه السُّمعة العالميَّة، وهو ما يُعزِّز مكانة عُمان كخيار مفضَّل للسِّياحة العائليَّة، وهو ما تم ترجمته في الواقع خلال موسم خريف ظفار 2025 إذ استقبلت المحافظة أكثر من مليون ومئتي ألف زائر حتى نهاية أغسطس، محققة زيادة ملحوظة عن العام الماضي.
كما يشجِّع الأمن والأمان على توسيع الأنشطة اللوجستيَّة والتجاريَّة، الَّتي تعتمد على التَّشغيل اللَّيلي وسلاسل الإمداد المستمرَّة، فيدعم نُمو قِطاعات النَّقل والتَّخزين والتِّجارة الإلكترونيَّة، وتمنح تلك الانعكاسات الحكومة والقِطاع الخاصَّ مادَّة قويَّة للتَّرويج لعُمان كواحة آمِنة للاستثمار والإقامة، ومن هنا يمكن القول التَّقرير الدّولي بشأن مكانة عُمان في الأمن والأمان تحول إلى أداة تسويق وطني قادرة على اجتذاب شركاء جُدُد واستثمارات نوعيَّة تتماشى مع مستهدفات رؤية «عُمان 2040».
ولاستدامة الحفاظ على هذا المستوى العالَمي من الأمن والأمان في عُمان، ثمة جهود متواصلة للاستثمار في عناصر القوَّة الناعمة، والتَّوسُّع في مجالات جديدة تُواكب التَّحوُّلات العالميَّة، فالأمن السيبراني أصبح اليوم جزءًا لا يتجزأ من منظومة الأمان الشَّامل، ما يستدعي تعزيز قدرات الحماية الرقميَّة، وتحصين البنية الأساسيَّة للمعلومات.
كما أنَّ السَّلامة المروريَّة وتطوير منظومة النَّقل يُشكِّلان عوامل مهمَّة لترسيخِ الشُّعور بالأمان في الحياة، ويُمكِن استثمار هذة المكانة العُمانية في الأمان عبر تحويلها إلى حملة وطنيَّة للتَّرويج لعُمان كوجهةٍ آمِنة للاستثمار والسِّياحة والتَّعليم، عَبْرَ شراكات بَيْنَ القِطاعَيْنِ العامِّ والخاصِّ، وتوفير منصَّات بيانات مفتوحة تعكس استدامة النَّتائج، وهو ما يجعل عُمان نموذجًا عالميًّا لدولة تنجح في تحويل الاستراتيجيَّات الوطنيَّة إلى واقع، من خلال تعزيز جودة الحياة وضمان تنمية متوازنة تحافظ على الإنسان في قلبِ المعادلة.
واقع القول أن تحقيق عُمان هذه المكانة في مؤشر الأمان العالمي لم تأت من فراغ، وإنما جاءت تتويجاً لعدة انجازات تحققت في عدد من المجالات والقطاعات ووفقاً لمجموعة من التصنيفات والتقييمات الدولية ولعل من أهمها:
أولاً: في مؤشر القوة الناعمة لعام 2025م حلت سلطنة عُمان في المرتبة 49، لتحافظ على المرتبة ذاتها في العام الماضي 2024م، وبعد أن كانت في المرتبة 46 في عام 2023 و49 في 2022م. وعلى الرغم من ثبات المرتبة، إلا أن نقاطها ارتفعت 0.2 لتصل إلى 40.8 نقطة بعد أن كانت 40.6 في عام 2024م.
ثانياً: حققت سلطنة عُمان تقدّمًا في مؤشر الإعلام 2024 للعام الثاني على التوالي لتحلّ في المرتبة الـ 40 عالميًّا، وأظهر التقرير تقدّم سلطنة عُمان في مؤشرات فرعية أخرى مثل تقدّمها 10 مراتب في مؤشر المستقبل المستدام و5 مراتب في التأثير الإيجابي. تركز المؤسّسة في تقييمها لـ 193 دولة للعام الحالي على عدد من المؤشرات من بينها مستقبل الاقتصاد العالمي ودور القوة الناعمة في جذب الاستثمارات والتجارة والإعلام والتراث والثقافة والسياحة.
ثالثاً: في عام 2025، احتلت سلطنة عُمان المرتبة الـ 53 عالميًا في مؤشر السعادة العالمي، والرابعة عربيًا. واعتمد التقرير على بيانات من مؤسسة جالوب للفترة من عام 2022 إلى 2024، ويقيس التقرير مستوى السعادة بناءً على عدة معايير منها الناتج المحلي الإجمالي للفرد، متوسط العمر الصحي، حرية اتخاذ القرارات، والدعم الاجتماعي، بالإضافة إلى مؤشر الكرم والشفافية.
رابعاً: رفعت وكالة "موديز" تصنيف سلطنة عُمان من "Ba1" إلى "Baa3" مع تعديل النظرة المستقبلية إلى مستقرة؛ ويُعزى ذلك إلى تحسّن مؤشرات الدَّيْن العام وقوة المركز المالي للدولة، إلى جانب كفاءة الإدارة المالية التي عزّزت قدرتها على مواجهة الصدمات لا سيما في ظل انخفاض متوسط أسعار وإنتاج النفط.
أشارت وكالة "موديز" إلى أن الجهود الحكومية حققت نتائج إيجابية، بما في ذلك إجراءات رفع كفاءة الإنفاق العام؛ إذ انخفض حجم الإنفاق الحكومي إلى 29 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بمتوسط تجاوز 41 بالمائة خلال الفترة من 2016- 2020م.
كما تراجع حجم الدَّين من 37.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية عام 2023م إلى 35.5 بالمائة في نهاية عام 2024. كما حققت الميزانية العامة للدولة فائضًا ماليًّا بنسبة 2.8 بالمائة.
وبحسب وكالة "موديز" ، فإن الإجراءات التي تتخذها سلطنة عُمان لتنويع مصادر الدخل ستُعزّز استقرارها المالي، مثل تعزيز إسهام الإيرادات غير النفطية في الميزانية العامة، ودعم خطط تطوير قطاع الهيدروجين الأخضر والصناعات المرتبطة به، بالإضافة إلى توسيع إنتاج الغاز الطبيعي المسال بحلول عام 2030م.
خامساً: سلّط تقدم عُمان 39 مرتبة في مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2024 الضوء على تحسن الأداء الاقتصادي للسلطنة، باعتباره مؤشراً يعبر عن أحد أهم أجزاء الاقتصاد المؤسسي الجديد، ويقيس المؤشر، الصادر عن مؤسسة "هيرتج فاونديشن"، حرية القوانين واللوائح والضرائب والسياسات الاقتصادية للبلدان المختلفة، ويشير إلى أن البلدان الأكثر حرية اقتصادياً تميل إلى تحقيق معدلات أعلى من النمو الاقتصادي ودخل الفرد، مما يعزز الرفاه الاقتصادي والمجتمعي للأفراد عبر زيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.
وتحتل السلطنة حالياً المركز الـ 56 عالمياً في مؤشر الحرية الاقتصادية مقارنة بالـ95 في عام 2023، وبالمقارنة مع إحصاء عام 2022 تكون السلطنة قد حققت تقدماً بأكثر من 50 مركزاً على هذا المؤشر، متجاوزة المتوسط الإقليمي والعالمي. وشمل التقدم الإجمالي بالمؤشر عديداً من المؤشرات الفرعية، ومنها: الإنفاق الحكومي، والصحة المالية، وحرية الأعمال، وحرية العمالة، وسيادة القانون، والكفاءة التنظيمية، والأسواق المفتوحة.
سادساً: نجحت سلطنة عُمان في تحقيق /14/ هدفًا أمميًّا من بين الأهداف الـ /17/ التي تتضمّنها الأجندة الأممية للتنمية المستدامة في 2024 بمعدل تنفيذ نحو 82,2 بالمائة من الأهداف المنشود تحقيقها بحلول عام 2030 فيما يتواصل العمل على تحقيق بقية الأهداف، وقد وصل تنفيذ بعضها إلى مراحل متقدمة.
ومن بين الأهداف التي حققتها عُمان، تمكين المرأة والشباب والحماية الاجتماعية وحصدت عمان المرتبة الـ 35 في مؤشر أمن الغذاء العالمي، وارتفع ترتيبها للمركز الـ 50 عالميًّا في مؤشر الأداء البيئي العالمي، ونفذت الخطة المالية متوسطة المدى 2020 ـ 2024 وحققت نتائج مهمة في استقرار الوضع المالي وخفض حجم الدين العام من نحو 70 بالمائة في عام 2020 إلى 38 بالمائة بنهاية عام 2023، ورفع تصنيفها الائتماني وطرحت مبادرات عديدة للاستدامة المالية، تؤكد كل هذه النجاحات أن عُمان ماضية بقوة في تحقيق مستهدفات رؤيتها المستقبلية الطموحة.