رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

بدأت مع الغزو الأمريكى للعراق.. سقوط نظرية الاحتماء بأمريكا والتودد إلى إسرائيل


18-9-2025 | 20:14

.

طباعة
بقلـم: حلمى النمنم

كشف الهجوم الإسرائيلى على العاصمة القطرية الدوحة زيف العديد من المقولات التى سادت فى عالمنا العربى لأكثر من عقدين.. فقد انتبه الجميع إلى أن هناك خطرًا حقيقيًا يهدد الدول العربية، هذا الخطر مصدره إسرائيل، ومن ثم الولايات المتحدة. فى عام 2003 تعرض العراق لغزو أمريكى، وقف خلفه الرئيس بوش الابن وإدارته، وبدا للوهلة الأولى أن الهدف هو إسقاط نظام الرئيس صدام حسين وإحلال نظام بديل يكون نظاما ديمقراطيا، يبشر بعراق جديد، عراق الحرية والديمقراطية، كما قالت كوندوليزا رايس وقتها، وبالفعل سقط نظام البعث فى العراق، وقُبض على الرئيس صدام، وجرت إهانته، ونُفذ فيه حكم الإعدام بطريقة همجية، لكن لم يكن ذلك هو الهدف فقط، كما تبين للجميع، إذ تم تفكيك الدولة العراقية، حل جهاز الشرطة وتسريح كل أفراده، حل الجيش العراقى وتسريح كل أفراده، قتل العلماء العراقيين أو نفيهم، وبدلا من الجيش النظامى اعتمدت ميليشيات على أسس مذهبية وطائفية، وجرى تقسيم المجتمع على قاعدة المذهبية، وبُنى نظام سياسى وفق هذه القواعد.. فضلا عن العنف الأمريكى تجاه المواطنين، كما جرى فى سجن أبوغريب، وفى منطقة الفلوجة ببغداد.

 

بإزاء هذا كله، رأت بعض الدول العربية أن الخطر الداهم يأتى من ناحية الولايات المتحدة، والقوة العسكرية والسياسية لديها؛ فراهنوا على استرضائها والتحالف معها، ثم وجد البعض أن استمالة أمريكا تكون بالتودد إلى إسرائيل، وهكذا فُتحت خطوط التواصل والاتصال مع تل أبيب.

فى مقابل هذا التواصل والتودد مع إسرائيل، جرت عمليات مقاطعة، وأحيانا «جر شكل» مع الأشقاء العرب، تأكيدا على مدى الانخراط فى العالم الأمريكى- الإسرائيلى.

ويبدو أن هناك مَن صدّق ذلك بشدة وآمن به، خاصة بعد سنوات الربيع العربى، تجربة الربيع الكاذب أكدت أن النظام والحاكم الذى لن يكون مرضيا عنه لدى أمريكا وطوع إشارتها سوف يتم تحريك ميليشيات السوشيال ميديا وجماعات حقوق الإنسان، ومن ثم الشارع ضده، وفى النهاية يرحل ويخرج من التاريخ ومن المشهد السياسى، كما جرى مع صدام حسين، ثم معمر القذافى.

وصل الأمر بالبعض إلى حد الاستهانة بالنظام العربى، والدعوة إلى حل الجامعة العربية أو التعامل معها، باعتبارها مجرد ديكور تاريخى فقط.

وإحقاقا للحق وللتاريخ، كانت هناك أصوات تحذر من كل ذلك، فى مقدمتها مصر.. ولعلنا نذكر مقولة الرئيس الراحل حسنى مبارك سنة 2004 «عموما اللى متغطى بالأمريكان عريان» قالها لوزير الخارجية أحمد أبو الغيط ونقلها عنه فى مذكراته، وكانت عبارة دقيقة للغاية، تعبر عن استراتيجية عميقة لدى الدولة المصرية، قالها أيضا بصياغة أكثر تفصيلا هنرى كيسنجر «صداقة أمريكا مشكلة والعداء معها أيضا مشكلة».

ولما وقعت الواقعة يوم السابع من أكتوبر سنة 2023، بادرت مصر على لسان الرئيس السيسى إلى طلب عقد قمة عربية عاجلة فى القاهرة، أدركت مصر أن الأزمة تحتاج إلى موقف عربى، وأن البيت العربى فى النهاية هو المعنى بالأزمات فى المنطقة، وأن إمكانية الحل هنا فى البيت العربى، وسارت مصر مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية والمملكة الأردنية وقطر وعمان وغيرها من الدول العربية، خاصة أن إسرائيل راحت تضرب بجهالة فى عدة جبهات، حتى حدث هجوم يوم الثلاثاء قبل الماضى على العاصمة القطرية الدوحة.

الهجوم نفذته الطائرات الإسرائيلية وصواريخها، وتكشفت فى لحظتها بعض الأمور، مثل أن حماية جوية أمريكية وبريطانية كانت موجودة لمنع تعرض الطيران الإسرائيلى إلى هجوم مضاد من أى نوع، ذلك الخبر اختفى بعد ذلك تماما.

الهجوم على قطر وانتهاك سيادتها على هذا النحو مثير للدهشة، ذلك أن قطر بها قاعدة العديد، وهى قاعدة عسكرية أمريكية فى قطر، هى الأضخم فى المنطقة، ومن المفترض أن هذه القاعدة ترصد وتتصدى لأى محاولة اختراق للمجال الجوى القطرى، وإذا كان الاختراق ليس من دولة معادية فلا بد أن يكون هناك تنسيق وترتيب مسبق وتُحاط الدولة علما بذلك.. أى تُحاط قطر بعلم مسبق، وهذا ما لم يتم.

أما إسرائيل، فإن تعاملاتها مع قطر منذ سنوات بعيدة، وفيها قدر كبير من التنسيق، حتى إن قطر ظلت لسنوات ترسل مبلغا شهريا من ملايين الدولارات إلى حماس، يسلم المبلغ إلى الحكومة الإسرائيلية، هى التى تتولى إدخاله إلى حماس، وفى وقت ما طلب نتنياهو من قطر زيادة المبلغ واستجابت بالفعل.

ومنذ السابع من أكتوبر، انخرطت قطر مع مصر والولايات المتحدة فى وساطة بين حماس وإسرائيل، الوفود الإسرائيلية تتردد على الدوحة بانتظام وبتكليف مباشر من رئيس الوزراء، آخرها كان قبل الهجوم بأقل من أسبوع، وفى المقابل يذهب بعض المسئولين القطريين إلى إسرائيل.. منذ التسعينيات كان هناك فى الدوحة مكتب تمثيل تجارى إسرائيلى.

تاريخيا، لم يكن هناك عداء بين الدولتين، وهذا ما فتح باب التعاون بينهما ليمضى بوتيرة متسارعة.

وسط هذا كله، تنفذ إسرائيل هجمة على العاصمة بهدف اغتيال قيادات حماس الذين تتفاوض معهم إسرائيل عبر قطر، وللعلم فإن إقامة هؤلاء القادة فى الدوحة تمت بموافقة أمريكية وإسرائيلية، لنقُل تنسيق، أى أن قطر لم يصدر عنها ما يمس أمن إسرائيل.

ورغم أن العالم شعر بغضب من تلك العملية، وراح الرئيس الأمريكى يحاول التخفيف منها، بأن بادر بالاتصال بأمير قطر واستقبل رئيس وزراء قطر، لكن إسرائيل تسير فى طريق آخر تماما.

فى جلسة مجلس الأمن لإدانة الهجوم على قطر، قدم مندوب إسرائيل فى المجلس تهديدا صريحا ومباشرا لدولة قطر، إذ طلب من قطر ترحيل قادة حماس أو أن تتولى إسرائيل بنفسها تلك العملية، وهذا يعنى إمكان تكرار الهجوم.. ويوم السبت الماضى، قالها بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل صراحة إن الهجوم على الدوحة يمكن أن يتكرر، هذا ليس تهديدا، بل توعد وإعلان على الهواء نية الاعتداء مجددا على سيادة دولة مستقلة وشن عدوان عليها، وذهب وزير خارجية أمريكا إلى نفس المنحى، حين صرح بأن الهجوم الإسرائيلى على قطر لن يؤثر على الدعم والتعاون الأمريكى الإسرائيلى.

بعض الإسرائيليين تحدثوا عن أن قطر ليست المعنية بالهجوم، بل قادة حماس، وخاصة الذين ترى إسرائيل أنهم كانوا على علاقة بهجوم السابع من أكتوبر، والواضح أن إسرائيل تصر على استهدافهم فى الدوحة دون غيرها؛ لأن هؤلاء القادة نشرت لهم صورا يوم السابع من أكتوبر، وهم يصلون صلاة شكر لله على نجاح هجوم كتائب القسام على مستوطنات غزة، الرغبة فى الثأر عميقة لدى حكومة إسرائيل، بأن يتم القضاء عليهم فى نفس المكان الذى احتفلوا فيه بالنصر.

الرغبة فى الثأر تنمو لديهم طوال عامين، رغم تردد الوفود الإسرائيلية على الدوحة بانتظام.

شهية الثأر والعدوان تتسع لدى قطاع من الإسرائيليين، أحدهم راح يتحدث عن أن الهجوم القادم سوف يكون على تركيا، وهكذا.. تبطش إسرائيل فى كل ناحية، دون تمييز، بإزاء هذا كله جاءت قمة الدوحة العربية والإسلامية..

ما يعنينا هنا أن الغارة الإسرائيلية على الدوحة والمساس بسيادة دولة عربية مستقلة وذات سيادة؛ أسقط التصور الذى سيطر على البعض منذ سنة 2003، وهو أن الأمان فى التحالف مع الولايات المتحدة، ومنحها قاعدة عسكرية فى داخل الوطن، وأن السلام يكمن فى استرضاء إسرائيل وإقامة اتصالات وعلاقات دافئة معها.

هذه الحقبة سقطت يوم الثلاثاء فى الدوحة وأمام العالم كله.

حماية الأمن القومى للدول لا يتم هكذا، ولا يصح اختزاله فى وجود قاعدة أجنبية على أراضى البلاد، فى لحظة معينة يمكن أن تتحول الولاءات، بل قد تتدخل القاعدة فى الشئون الداخلية للبلد، القاعدة الروسية فى سوريا توغلت فى لحظة للإطاحة الناعمة بالرئيس بشار الأسد.

كثيرون يتساءلون حول العالم: ما جدوى التحالف مع الولايات المتحدة، وما أهمية وقيمة التعامل مع إسرائيل؟، نعرف أن إسرائيل تعانى هزيمة حقيقية، فشلت فى استعادة الرهائن، رغم كل ما قامت به من تخريب وقتل فى غزة، رئيس الأركان الإسرائيلى السابق، قال إن هناك مواطنا من بين كل عشرة مواطنين فى غزة، بين قتيل أو جريح، أى أن 10 فى المائة من السكان قُتلوا أو جُرحوا.. الرقم دقيق وصحيح.

وبإزاء ذلك، يزداد الاعتراف العالمى بدولة فلسطين، وصدر إعلان نيويورك بالأغلبية الكبيرة من أعضاء مجلس الأمن بالإصرار على حل الدولتين، وهذا ما لا تريده إسرائيل، وسوف تضرب بعشوائية.

هذا يضعنا جميعا أمام خطوات محددة يجب اتخاذها.

الأولى: ضرورة بناء القدرات الذاتية، والاعتماد على الذات فى الدفاع عن الأرض والوطن، أى ضرورة وجود الجيش الوطنى القوى، تسليحا وتدريبا واحترافًا، لا يصح أن نبخل على جيوشنا بشيء، لن يدافع عن الوطن سوى أبنائه..

منذ غزو العراق سنة 2003، مرورًا بسنوات «الربيع العربى»، تعرضت الجيوش الوطنية فى عالمنا العربى لحملات قاسية، البعض طالب بحلها، والبعض اعترض على تسليحها، وعلى أى دور تقوم به، حتى المناورات المشتركة التى قام بها الجيش المصرى، كانت موضع انتقادهم.. والزعم أن الدول الديمقراطية لا تحتاج إلى جيوش، الولايات المتحدة لديها أقوى جيش فى العالم، يتباهى به، وأكبر ميزانية عسكرية على الأرض.. بريطانيا لديها جيش قوى يمتلك ترسانة نووية، وهكذا.. القنبلة النووية اختُرعت وجُربت من داخل الدول الديمقراطية، لكنهم أرادوا أن تكون بلادنا تحت رحمة القواعد الأجنبية. البديل للجيش الوطنى هو الميليشيات، أى الإرهاب والطائفية والمذهبية، التى تفتت المجتمع، وتقسمه بحدة... وقد عانت بعض دول المنطقة من تلك الميليشيات، خاصة حين يعلو صوتها على صوت الدولة وتهدد المجتمع بأكمله.

الثانية: ضرورة الاصطفاف الوطنى مع الدولة الوطنية - المدنية، نختلف فى بعض الأمور، بعض رؤانا للقضايا الاجتماعية وغيرها، لكن فيما يتعلق بالأمن القومى والوطنى، يجب أن نكون جميعا، صفًا واحدًا متراصًا، لأن البديل مخيف.. نحن فى زمن الإبادة، ولا بد من التكتل لمواجهة تلك الموجة الهتلرية التى يُراد لها أن تجتاح المنطقة بأكملها. الثالثة: العودة إلى العمل العربى المشترك، والتعاون الإقليمى، الخطر يطال الجميع، ويحيط بالمنطقة.

الواضح أن هناك مَن يخطط لاستنزاف المنطقة وجرها إلى حروب استنزاف تبتلع كل شيء.. وهنا يصبح التعاون ضروريا، بل واجبا قوميا ووطنيا.

هذه المخاطر تستوجب الحد من الخلافات البينية بين بعض الدول العربية، والعمل كذلك على إنهاء الأزمات الداخلية والحروب الأهلية، كما هو الحادث فى السودان، وبدرجة أقل فى ليبيا.

إهدار الجهود والموارد فى صراعات داخلية، ليس فيها منتصر ومنهزم، بل الكل خاسر يجب أن تتوقف.

الهجوم على الدوحة أنهى الحقبة الأمريكية – الإسرائيلية، تحديدا الاحتماء والاعتماد على كل منهما، ويعيدنا مجددا إلى العمل العربى المشترك، والاعتماد على الذات.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة