الأسبوع الماضى تم الكشف عن لغز مسودة رواية «فراعنة أكتوبر» التى نُشرت لاحقًا باسم «عمالقة أكتوبر» كيف استقبلت هذا الكشف؟ وما رأيك فى ظهور هذه المسودة الآن بعد مرور كل هذه السنوات؟
سعدت جدًا باهتمامكم بأعمالى.. خاصة أن هذه المسودة تعود لبداياتى الأدبية حيث كتبتها سنة 1977.. لذلك فوجئت أن هناك مَن يهتم بها بعد كل هذه السنوات، ورأيت فى الأمر تقديرًا كبيرًا لمجهودى المبكر، وأعادت لى ذكريات الشباب والبدايات.
لماذا قررت تسليم المسودة إلى الأستاذة سكينة السادات تحديدًا؟ ولماذا لم تسلمها إلى الرئيس السادات نفسه؟ هل رد عليك الرئيس أنور السادات؟
صراحة لا أذكر تفاصيل دقيقة عن تلك القصة، لكن ما أستطيع تأكيده أننى كنت على صداقة بالأستاذة سكينة السادات وأعطيتها المسودة.. ولم أسألها يومًا عن مصيرها، وبعد نحو عامين طُبع العمل دون أن يكون لها أو للرئيس السادات دور مباشر فى ذلك. كنت وقتها فى الثلاثين من عمرى، والآن بعد أن بلغت 82 عامًا لم تعد التفاصيل حاضرة فى ذهنى كما كانت.
إذن كيف طُبعت رواية «عمالقة أكتوبر» وقد ذكرت فى المسودة أن عقبات النشر تحول دون إصدار الرواية؟
طُبعت الرواية فى سلسلة كتاب المواهب الصادرة عن الهيئة العامة للفنون والآداب سنة 1979، وكان رئيس تحرير السلسلة الدكتور عبدالعزيز الدسوقى، وكان من أوائل من تبنوا موهبتى، وبدأ سلسلة المواهب بروايتى، حيث اختارنى لأكون نقطة الانطلاق لها، حيث كنت أنشر قصصى القصيرة من خلاله، وكان ينشر لى باستمرار من دون أن أتعرف عليه، وفى مرة ذهبت إلى مكتبه فقط لأشكره، وهناك استقبلنى بترحاب شديد، ومن يومها توثقت العلاقة بيننا، وكان دائم الدعم لى حتى طبعت رواية عمالقة أكتوبر.
لماذا تغير عنوان الرواية من «فراعنة مصر» إلى «عمالقة أكتوبر»؟
كتبت المسودة عام 1977 بعنوان فراعنة مصر، لكن عند صدورها عام 1979 قام الدكتور عبدالعزيز الدسوقى رحمه الله بتغيير العنوان إلى عمالقة أكتوبر دون أن يرجع إليّ، وقال إن كلمة الفراعنة تحصر المعنى فى مصر فقط، بينما كلمة العمالقة تعطى دلالة أوسع على البطولة العربية، خصوصًا أن الرواية كانت ستُوزع فى الدول العربية كافة.
ذكرت فى حوار صحفى عام 2014 أن اسم الرواية الأول كان المجنون.. لماذا هذا التغيير؟
نعم كان الاسم الأول مجنون أكتوبر.. وبالتالى كان للرواية ثلاثة أسماء: الأول مجنون أكتوبر، ثم أصبح فراعنة أكتوبر، حتى صدرت باسم عمالقة أكتوبر.. خُذ ما يعجبك منها، لكننى أرى أن أفضل وأدق اسم هو فراعنة أكتوبر. صحيح أننى سميتها فى البداية مجنون أكتوبر، ثم اخترت لها لاحقًا اسم فراعنة أكتوبر، لكن الدكتور عبدالعزيز الدسوقى غيّر العنوان إلى عمالقة أكتوبر عند النشر، كما أوضحت من قبل.
لماذا قررت تغيير الإهداء من الرئيس السادات إلى مصر؟ وهل قام الدكتور عبدالعزيز الدسوقى بتغيره مثل اسم الرواية؟
فى المسودة الأولى كان الإهداء إلى الرئيس أنورالسادات بطل الحرب والسلام.. لكن عندما أعدت النظر شعرت أن مصر أكبر وأعمق وأبقى من أى شخص، حتى ولو كان بطلاً وقائدًا عظيمًا.. وهذا لا يقلل إطلاقًا من تقديرى للسادات؛ فقد كنت معجبًا به جدًا كسياسى محنك وقائد ذكى، وحزنت بشدة لاغتياله. لكن الدكتور عبدالعزيز لم يغير إلا العنوان فقط، أما الإهداء فكان قرارى أنا.
فى مسودة فراعنة أكتوبر كتبتَ مقدمة تشرح أن الرواية تدور فى ثلاثة خطوط متوازية، مع أن المعروف أن الروايات لا تبدأ بمقدمة حتى لا تكشف أحداثها للقارئ.. لماذا كتبتَ هذه المقدمة؟ وهل كان الهدف أن تُسهّل على الرئيس السادات الذى أرسلتَ له المسودة بإهداء خاص؟
الحقيقة أننى كنت وقتها حديث السن ولم تكن لدى خبرة كبيرة فى الكتابة الروائية. لم أقصد إطلاقًا أن أُسهّل على الرئيس السادات، لكن الحماس الزائد وقلة التجربة دفعانى لكتابة مقدمة لم يكن لها داعٍ من الأساس.
ورد فى سيرتك الذاتية أنك كنت فى الرابعة والثلاثين، مهندسًا بمصنع الورق، تعيش فى الإسكندرية، وقضيت خمس سنوات فى الجيش قبل وأثناء حرب أكتوبر، وهى نفس تفاصيل شخصية عثمان عبدرب النبى بطل فراعنة أكتوبر. هل يمكن اعتبار الرواية سيرة ذاتية؟
لا، ليست سيرة ذاتية على الإطلاق. صحيح أن فيها بعض التفاصيل والملامح التى عشتها فى حياتى، لكنها أبعد ما تكون عن السيرة الذاتية. يمكن أن نقول إن رواية «الحب والزمن» هى الأقرب إلى سيرتى الذاتية.
وكل كاتب يضع جزءًا من نفسه فى أعماله، سواء بقصد أو دون قصد. نعم أنا حاضر فى كل ما كتبت بشكل أو بآخر، لكن هذا لا يجعل الرواية سيرتى الذاتية.
لم أجد نسخة من الرواية.. هل طُبعت مرة واحدة سنة 1979؟ وهل تفكر اليوم فى إعادة طباعة الرواية بعد هذا الاهتمام المتجدد؟
نعم، رواية عمالقة أكتوبر طُبعت مرة واحدة فقط عام 1979 ولم يُعاد طبعها بعدها، ولهذا من الصعب أن تجد نسخة منها. لكن تم تحويلها إلى مسلسل إذاعى بعنوان «العائد». ولا أرغب فى طباعتها من جديد.. فأنا كنت مبتدئًا عندما كتبتها، ولذا لست متحمسًا لإعادة نشرها الآن لاختلاف المستوى بشكل كبير عما وصلت إليه فيما بعد.
فى السيرة الذاتية المرفقة بالمسودة ورد ذكر مجموعة قصصية بعنوان «حارة اليهود» معدّة للطبع، لكننا لم نجد هذا العنوان بين أعمالك الأربعين.. هل صدرت لك مجموعة بهذا الاسم؟
لا، لم تصدر لى مجموعة بهذا الاسم، لكن لدى قصة قصيرة بعنوان «حارة اليهود» ضمن إحدى مجموعاتى. فأنا صدر لى 13 مجموعة قصصية، والقصة موجودة ضمنها وليست كتابًا مستقلاً.
كتبتَ عدة روايات عن حرب أكتوبر مثل عمالقة أكتوبر والكيلو 101 وغيرهما.. هل تراها كافيةً لتصوير هذه الحرب العظيمة، أم أن أكتوبر ما زالت بحاجة إلى المزيد من التوثيق للأجيال الجديدة؟
الباب مفتوح أمام كل الكتّاب ليكتبوا عن حرب أكتوبر، وكل واحد واجتهاده ومستواه الفنى. هناك بالفعل روايات كثيرة جدًا كُتبت عن أكتوبر. أما أنا، فقد تعبت الآن ولم يعد عندى طولة بال لأجلس وأكتب كما كنت فى الماضى. أنجزت 40 كتابًا، ومسلسلات إذاعية كثيرة، والحمد لله على ما قدّمته طوال حياتى.
هل أثّرت فيك هزيمة 1967 وهذا التأثير ظهر على بطل رواية عمالقة أكتوبر.. فهل كرهت يوماً جمال عبدالناصر، أم ظلّ حبك له قائمًا رغم النكسة؟
أحداث وآثار النكسة سنة 67 قتلتنى نفسيًا، كنت تعبان جدًا جدًا. لكن حرب أكتوبر أنقذتنى وأعادتنى للحياة من جديد. ومع ذلك لم أكره عبدالناصر أبدًا، بل ظللت أحبه حتى بعد النكسة. صحيح أننى كنت وقتها صغيرًا والعاطفة تغلب عقلى، ولم يكن عندى وعى كامل لتقدير الموقف كما يجب، عبدالناصر كان رجل ثورة، والسادات رجل سياسة، وهناك فرق كبير بين الاثنين، وكلاهما فى غاية الاحترام.
فى عمالقة أكتوبر يظهر تأثرك الواضح بالتاريخ الفرعونى، من اختيار العنوان إلى الإهداء الذى أشرت فيه إلى «منقرع».. هل كان هذا نابعًا من حبك الشخصى للتاريخ أم أنه جزء من توجه أوسع فى زمنك؟
نعم، أنا مغرم بتاريخ الفراعنة منذ صغرى، وهذا انعكس بشكل طبيعى فى أعمالى.
وهل كان هذا التأثر بالتاريخ الفرعونى حالة فردية لك أم أنه شمل جيلًا كاملًا من الكتاب، مثل نجيب محفوظ الذى تأثر أيضًا بالتاريخ المصرى القديم فى بعض أعماله؟
أظن أنها كانت فى جانب منها حالات فردية، لكنها تعبر كذلك عن وعى جماعى. أتذكر أننى التقيت نجيب محفوظ فى كازينو النيل، وقلت له إننى كتبت رواية بعنوان فراعنة أكتوبر، فابتسم وقال إن الصدفة غريبة لأنه هو الآخر كتب رواية متأثرًا فيها بالتاريخ المصرى القديم، كنت على علاقة قوية به.
كيف كانت طبيعة علاقتك به؟
كانت علاقتى بنجيب محفوظ رحمه الله علاقة طيبة، ولدى تسع رسائل بخط يده أحتفظ بها حتى الآن، وقد نشرتها من قبل، صحيح أننى لم أكن من رواد ندواته فى القاهرة، لأننى بطبيعتى لم أكن أذهب إلى العاصمة كثيرًا، لكننى كنت ألتقى به فى الإسكندرية، فى فندق سان ستيفانو وكنا نهدى الكتب بعضنا البعض.
فى بعض أعمالك تناولت فكرة الإسلام السياسى والتحولات التى أصابت المجتمع.. كيف ترى تأثير جماعة الإخوان؟
الانفتاح وانتشار الإسلام السياسى فى فترتى السادات ومبارك رجّع البلد مائة سنة للخلف. هذه الجماعات تفكر بعقلية الجاهلية والبدائية. ومن الطبيعى أن أكون ضد جماعة الإخوان الإرهابية، خاصة خلال فترة حكمهم.
ما آخر أعمالك الأدبية؟ وأيها الأقرب إلى قلبك؟
أحدث أعمالى مجموعة قصصية بعنوان «حكايات العمر»، وهى فى الأساس تجميع لنصوص نشرت فى مجلات مختلفة، وصدرت فى العام الماضى، وهى تمثل بالنسبة لى خلاصة لتجارب وتأملات طويلة، أما عن الأقرب إلى قلبى فمن بين ما يقارب أربعين عملاً أدبيًا رواية «كف مريم» الصادرة عام 2001، لها مكانة خاصة جدا عندى، ربما لأنها ارتبطت بمرحلة إبداعية مختلفة وبها قدر كبير من مشاعرى واهتماماتى الفكرية.
حدثنا عن حياتك الآن.. كيف تقضى وقتك اليوم؟
أعيش الآن فى بيتى بالإسكندرية، وأقضى وقتى فى القراءة أكثر من الكتابة، فلم أكتب أى عمل جديد خلال الفترة الأخيرة، حياتى اليوم بسيطة جدًا، أعيش مع زوجتى، والأحفاد يأتون ويذهبون.
هل يطلع أحفادك على كتبك ويناقشونك فيها؟ وهل ما زلت تحرص على لقاء الكتاب والمبدعين فى الإسكندرية؟
بصراحة الجيل الجديد مشغول بالهواتف والتكنولوجيا أكثر من القراءة، حتى إن كتبى الكثيرة لم تجذب اهتمامهم بالقدر الذى كنت أتمنى. ومنذ سنوات طويلة توقفت عن إرسال كتبى إلى أحد، سواء للنقاد أو حتى للأصدقاء، آخر إصداراتى «حكايات العمر» مثلا لم أوزع منه سوى نسختين لصديقين مقربين، بينما بقيت بقية النسخ عندى فى البيت، لم أعد حريصًا على المراسلات أو على إيصال أعمالى للآخرين كما كنت من قبل، وأعيش نوعًا من الاعتكاف الاختيارى بعيدًا عن الوسط الأدبى.
هل ما زلت تحافظ على عادتك فى القراءة والاطلاع؟ ومَن هم الكُتاب الذين تقرأ لهم حاليًا؟
القراءة ما زالت عادتى الأساسية، فهى أهم ما بقى لى وأحرص عليه فى حياتى اليومية، حتى وإن لم أعد أكتب، أقرأ من مكتبتى القديمة وأختار كتبًا لم تسنح لى الفرصة لقراءتها من قبل.. والآن أقرأ رواية «كلاب الراعى» للمستشار أشرف العشماوى، وقد أعجبتنى كثيرًا، وللكاتب أسلوب ممتع.. صحيح أننى لم أعد أقرأ بالكمية التى اعتدت عليها فى شبابى، لكننى أحرص دائمًا على أن تكون القراءة جزءًا ثابتًا من يومى، صفحة أو اثنتين.
بعد هذه المسيرة الإبداعية الطويلة، هل تفكر فى كتابة مذكراتك أو سيرتك الذاتية؟
أرى أن الكثير من ذكرياتى وتجربتى الحياتية موجودة بالفعل بين سطور رواياتى وقصصى السابقة بشكل غير مباشر، ولهذا لم أشعر بحاجة إلى كتابة سيرة ذاتية صريحة.

