رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

مظاهرات «تل أبيب».. «الأسرى» كلمة السر


14-9-2025 | 10:19

.

طباعة
تقرير: دعاء رفعت

بينما أثار غضب العالم بعصا التهجير مجددًا، واجه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، غضب الإسرائيليين بلافتات كُتب عليها «حكومة ظل الموت تقتل أبناءنا فى غزة»، وسط اتهامات له بالتمسك بالسلطة إلى حد التضحية بجميع الرهائن وتفعيل بروتوكول «هانيبال» العسكرى فى واحدة من أكبر التظاهرات حيث تجمع آلاف الإسرائيليين قرب منزله بالقرب من مدخل القدس المحتلة، مطالبين بوقف العمليات العسكرية فى القطاع وإنهاء الحرب، خاصة فى أعقاب إعلان حركة حماس عن تسليم موافقتها على مقترح صفقة تنهى الحرب وتتضمن إطلاق سراح جميع الرهائن دفعة واحدة.

انتظرت حشود المتظاهرين فى ساحة باريس، على بُعد أقل من كيلومتر واحد من منزل نتنياهو، للمشاركة فى الاحتجاج الذى يتزامن مع احتجاجات تل أبيب المستمرة منذ أسابيع والتى تطالب بإنهاء الحرب فى غزة وإبرام صفقة، متهمة حكومة نتنياهو بأنها تدمر إسرائيل وتشعل الغضب العالمى ضدها، وهو ما جاء جليًا فى تصريحات زعيم المعارضة يائير لابيد، الذى أوضح بأن هناك صفقة على الطاولة الآن، إلا أن حكومة نتنياهو لا تحاول إعادة المحتجزين وتُفضل تدمير أبراج غزة بدلًا من ذلك، وذلك بالرغم من إبلاغ حماس – للوسطاء - باستعدادها لإبرام صفقة جزئية أو كاملة فى حين يراوغ نتنياهو، فقط للبقاء فى السلطة حتى وإن كان الثمن هو إعدام كل العلاقات الدولية لإسرائيل. وفى تصريح لصحيفة تايمز أوف إسرائيل، كشف عضو الكنيست جلعاد كاريف، أن نتنياهو ما كان ليتخلى عن صفقة الرهائن السابقة بعد انتهاء مرحلتها الأولى فى مارس الماضى، والتى شهدت خروج مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوارع مطالبين بانتقال الاتفاقية إلى مرحلتها الثانية، والتى تضمنت إطلاق سراح الرهائن المتبقين وإنهاء الحرب نهائيًا. وقال: «بدون احتجاج مئات الآلاف من الإسرائيليين، ستستمر هذه الحرب - مثل حرب لبنان الأولى - 18 عامًا»، مضيفًا أن المظاهرات يجب أن تكون سلمية، ولكن يجب أن «تشل» البلاد. وفى الوقت الذى يجادل فيه نتنياهو، بأن الموافقة على إنهاء الحرب مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين، كما اقترحت حماس، سيسمح للجماعة بإعادة تشكيل نفسها، وهو أمر لن يقبله رئيس الوزراء. ومع ذلك، فإن غالبية الإسرائيليين يؤيدون هذه الصفقة، وفقًا لاستطلاعات الرأى العام المتكررة.

وفى تعليقه على الغضب الإسرائيلى أمام جشع نتنياهو، ومحاولاته للحفاظ على السلطة فى مقابل تعريض القوات الإسرائيلية لأهوال الحرب البرية فى القطاع، صرح الدكتور أشرف الشرقاوى، أستاذ اللغة العبرية والمتخصص بالشؤون الإسرائيلية للمصور، بأنه بالرغم من أن الأخبار الواردة من إسرائيل قد توحى بأن الشارع الإسرائيلى يعارض التهجير أو يعارض تصعيد العنف ضد الفلسطينيين، ولكن الواقع يختلف عن ذلك تمامًا. فالشارع الإسرائيلى، بكافة اتجاهاته، يؤيد طرد الفلسطينيين من أراضيهم سواء فى غزة أو فى الضفة والاستيطان مكانهم. غير أن التحفّظ الوحيد لدى نسبة كبيرة من الجمهور الإسرائيلى – ومعظمها من أسر الأسرى – يتركز على تأثير ذلك على الأسرى؛ حيث يرى البعض ضرورة العمل على تحرير الأسرى أولًا، بالقوة إن أمكن، فإن لم يكن فباتفاق، على أن يتم نقض الاتفاق بعد تحرير الأسرى ومواصلة حرب الإبادة.

وأضاف «الشرقاوى»، أن البعض فقط – فى إسرائيل - يعتقد أن مماطلة نتنياهو فى التوصل إلى صفقة أو اتفاق ترجع لأسباب سياسية تتعلق برغبته فى الحفاظ على ائتلافه من الانهيار. بينما تنظر أغلبية كبيرة من الجمهور الإسرائيلى إلى أسر الأسرى التى تتظاهر مطالبة بوقف الحرب وتوقيع صفقة على أنها تعوق تنفيذ مهمة قومية تتمثل فى الاستيلاء على غزة والاستيطان فيها. بل وبدأ البعض فى وصف أسر الأسرى بأنهم «خونة»، مما فتح الباب لتعرضهم لاعتداءات بدنية سواء من جانب أجهزة الأمن أو من جانب الجمهور اليمينى. والواقع أن القادة الذين يحركون الجمهور الساعى للاستيطان فى غزة يفعلون ذلك تحقيقًا لمصالح شخصية، حيث يرون فى غزة فرصة للإثراء على حساب الفلسطينيين؛ إذ سيتم تقاسم أراضى الاستيطان إذا سقطت غزة بناءً على توازنات القوى، وسيحقق العديد من القادة الذين ستُخصَّص لهم الأرض ثراءً، سواء من خلال بيعها كقطع صغيرة للمستوطنين، أو من خلال إقامة مشروعات استيطانية بها كما يحقق أى مطوّر عقارى الثراء من تطوير وبيع وحدات سكنية. وأضاف «الشرقاوى»، أن اللافت للنظر هو ارتفاع أصوات بعض الإعلاميين مؤخرًا تنتقد الإبادة فى غزة، لكن دون استخدام لفظ «الإبادة الجماعية»، ويبدو أن ذلك يحدث فى إطار توزيع أدوار ضمن الرغبة فى مواجهة محاكمات دولية محتملة أو الرد على الحملات الإعلامية بعد انتهاء الحرب، وتحسين صورة إسرائيل، بينما الواقع أن هؤلاء «المعارضين» سكتوا طوال عامين تقريبًا، ولم يتحركوا إلا بعد أن تلقوا تعليمات من حكومتهم، بعدما اتسع الانتقاد الدولى لسياسة نتنياهو وحكومته.

وفى تعليقه على تجاوزات نتنياهو، وتلويحه بعصا التهجير، كشف الدكتور يحيى عبدالله، أستاذ الدراسات الإسرائيلية بآداب المنصورة، أن الدعم الأمريكى هو كلمة السر فى بدء العمليات العسكرية فى غزة وتصفية حماس – وفقًا لتصور نتنياهو وترامب – فى إمكانية إنهاء المقاومة الفلسطينية وهو أمر سينقلب عليهم بتكبد خسائر فادحة بصفوف الجيش الإسرائيلى الذى سيغرق فى وحل القطاع. والقضية داخل إسرائيل ليست بغضب الشارع الإسرائيلى المنقسم بالفعل، أو فى حكومة نتنياهو، المتطرفة ولكنها تكمن فى المعارضة الإسرائيلية التى لا تعارض الفكر الاستطيانى ومنها أحزاب تتفق تمامًا مع رؤية نتنياهو، الذى لديه استراتيجية واضحة للهرب من خلال استمرار الحرب، وهو يهرب من التحقيقات فى أحداث السابع من أكتوبر ومحاكمات قضايا الفساد المتهم بها، وانهيار الائتلاف لكى يتمكن من الوصول إلى عام 2026 واللحاق بالسباق الانتخابى القادم. وبالطبع، ما يحدث فى غزة وصمة عار فى جبين المجتمع الدولى.

وأكد «عبدالله»، أنه بالرغم من معارضة ما يقرب من 65فى المائة من الإسرائيليين لاستمرار الحرب فى غزة، إلا أن شريحة كبيرة جدًا تعارض وقف الحرب. ولهذا، فإن تأثير تلك التظاهرات يكاد يكون معدومًا على قرارات الحكومة الإسرائيلية فيما يخص إبرام صفقة أو إعادة الرهائن لأن نتنياهو، هو شخص رافض للصفقات مع حماس منذ البداية، وكان دخوله سابقًا فى صفقة تبادل للأسرى نتيجة مباشرة لضغط الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وليس من قبيل الانصياع للشارع الإسرائيلى، وربما كان هذا فى الأصل بهدف إخراج الأسرى مزدوجى الجنسية الذين كانوا فى قبضة حماس. ولهذا، فالإسرائيلى الراغب فى إنهاء الحرب لا حول له ولا قوة، أمام مطالب نتنياهو، الذى يتمسك بخمسة شروط لوقف الحرب، وهم: إطلاق سراح الأسرى، ونزع سلاح المقاومة، وإدارة مدنية للقطاع لا تشارك بها حماس أو السلطة الفلسطينية والسيطرة الأمنية الإسرائيلية على غزة – وهو ما يعنى احتلال غزة ولكن دون تحمل مسؤولية القطاع – ويلقى العبء على الدول التى ستواجه ضغطًا أمريكيًا للقيام بدور فى غزة وربما ستكون دول عربية. والأهم هنا، هى نغمة التهجير التى يتغنى بها نتنياهو، كنوع من التمسك بمبادرة ترامب المعروفة باسم «ريفييرا» ويقوم باستخدامها كسلاح للتخلص من كل ما هو فلسطينى فى غزة، وإذا أُتيحت له الفرصة وأُعيد انتخابه العام القادم سيطيل أمد هذه الحرب إلى ما لا نهاية.

الاكثر قراءة