رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الصـنـم


6-9-2025 | 13:37

.

طباعة
بقلـم: إيمان رسلان

أوائل الأسبوع الماضى عُقدت بنقابة الصحفيين ندوة ومناظرة فكرية تكنولوجية غاية فى الأهمية حول الذكاء الاصطناعى ومستقبله، وكلمة مناظرة تعنى وجود وجهات نظر واختلافات وآراء، وبنهاية الأسبوع نفسه وفى خطوة جديدة ومحمودة أعلن د. مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء عن دخول مادة الذكاء الاصطناعى إلى الصف الأول الثانوى كمادة نجاح ورسوب من العام الدراسى الجديد.. مما يطرح بالضرورة الأسئلة الحقيقية حتى لا يصبح الذكاء الاصطناعى صنماً مستحدثا أو موضة للتمليك!.

بداية العام الماضى التحقت بدورة للذكاء الاصطناعى فى مجال الصحافة والإعلام. لكى أتعرف أكثر على هذا المجال وتطبيقاته والاستفادة به فى مهنتنا أو ما يحمله لنا المستقبل، حيث أصبحت كلمة الذكاء الاصطناعى كأنها دين جديد وتحول مبهر سيغير حياتى، وتذكرت مشاعرى أثناء حضورى رسميا أيضا فى أوائل التسعينات لدورة مكثفة فى الولايات المتحدة للكتابة والصحافة وللعمل بالتكنولوجيا، وكان وقتها هو الكمبيوتر، فكل شىء هناك بالصحافة الأمريكية مربوط تكنولوجيا، الحمد لله تعلمت وقتها وأديت عملى به، وعندما انتهيت منها وعدت كتبت بالورقة والقلم!.

والآن أصبح الموبايل هو الحياة للجميع صغيرا وكبيرا، وبه أيضا تطبيقات الذكاء الاصطناعى (يا للهول)، وأننا بالفعل أصبحنا نستخدمه ونستخدمها وكأننا (تكنلجنا) من الأصل -تكنولوجيا- رغم أنها هى التى تستخدمنا؟! وهذا تقريبا ما بدأ به وألمح إليه الزميل المجتهد للغاية والمتخصص بأعمال سحر التكنولوجيا منذ عقود خالد البرماوى، ممثل طرف اليسار فى الندوة والمناظرة كما وصف نفسه، وقد تعرفت عليه من تقديمة لفقرة التكنولوجيا بأحد البرامج وتوثقت معرفتى ومتابعتى له، ففى المناظرة التى عقدتها النقابة عبر لجنة التدريب وأدارتها الزميلة إيمان، والتى أتمنى عقد الكثير منها ونشره إعلاميا وتكنولوجيا وهذا هو المهم؟

قال خالد البرماوى إن انتشار الموبايل أو موبايل لكل مواطن أحدث انفجارا كبيرا لحجم الداتا والبيانات، وأشار إلى أن الدراسات الدولية والجامعية رصدت حجم هذا التغيير، ومنها دراسة لجامعة ستانفورد الأمريكية أشارت إلى أن الزيادة وصلت إلى نحو 300 ألف مرة خلال عقد واحد من 2012 إلى 2024 ومعها ارتفعت للغاية استخدامات الطاقة ومصادرها، فليس هناك تكنولوجيا لا سيما المتقدم منها بدون استخدام كثيف للطاقة ومصادرها.

ولكن خالد كما يفسر ويشرح ولكنه أيضا يضع وينبه للمسارات والتحديات والتحفظات أيضا حول والاستخدامات للمستقبل تحديدا من الذكاء الاصطناعى، وأعلن أن لديه رعبا مما هو قادم لهذا التطبيق - الذكاء الاصطناعى - وشرح أن هناك ثلاث مراحل للتطور والاستخدام له، والمرحلة الأولى وهى AI فهذه سهلة ويمكن للجميع استخدامها جيدا لأنها بدون مخاطر تذكر بالمقارنة بالمراحل الأخرى، لأن بها توفيرا أكثر لمصادر المعلومات، وهذه كانت الخطوة الأولى عند ظهوره وما يعرف الآن بالمرحلة الضعيفة من الذكاء الاصطناعى، وليست هناك مخاطر كبيرة من استخدامه وهو ما عرف بأسماء كثيرة مثل -شات جى بى تى وغيره - ثم المستوى الثانى من AI أو الذكاء الاصطناعى وتعرف باسم الجنرال وهو الذى سيصل إلى التعلم الذاتى ومن تجارب الآخرين، والمعروف أن ما يميز الإنسان هو القدرة على التعلم، ثم المرحلة الثالثة والتى وصفها بمرحلة الرعب الحقيقى وهى أن يسير ويخلق الذكاء الاصطناعى المسارات لنفسه مثل الإنسان، وهو ما يحذر منه وكذلك تحذر منه دراسات منشورة، وبأن هذه المرحلة يمكن أن تؤدى أو تسرع بفناء البشر بل إنها ستفعل من نموذج الاصطناعى الذى لديه القدرة على المزج والتمييز بين الخير والشر. وأشار الطرف الثانى بالمناظرة أو طرف اليمين، وهو د. عمرو العراقى وهو صحفى أيضا والخبير المؤسس لصحافة البيانات ومدرس بالجامعة الأمريكية والآن بكندا، فيقول إنه مهما تطورت الأنظمة أو الآلة، فهى لا يمكن أن تصل للتفكير النقدى الذى يميز الإنسان.

وطرح د. عمرو العراقى فرضية هل الذكاء الاصطناعى هو أذكى فعليا من البشر كما يروج، وهل لديه قدرة على فهم البشر وكيف تتعلم الآلة التى هى من صنع البشر أساسا. وشبه ما يحدث الآن بأن الآلة مثل النحلة، فهو تلف وتدور تبحث وتجمع الرحيق أو الداتا، إذن علينا فى البداية أن نحدد أن الذكاء الاصطناعى هو تقنية، ولكنه ليس تطبيقات مثل التى نتعامل معها كثيرا، وهنا لابد أن يكون لدينا مبادرات تخص التقنية نفسها، وأشار أنه كان قسم أدبى، ورغم ذلك ونظرا لتخصصه تعلم وأخذ كورسات فى الرياضيات والفيزياء ليفهم العمل أو كيفية العمل نفسه، ولكن أيضا على المستوى الفكرى والفلسفى وله أهميته الكبيرة مثل أن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى أعطت مفاهيم جديدة مثل عدم اليقين المطلق الذى كانت تمتاز به القرون السابقة أى الشك، وهنا أشار البرماوى أن الدراسات تشير إلى ارتفاع عدد ومستوى (fake) أى الأخبار أو المعلومات غير الحقيقية وأنها تجاوزت الـ500 ألف محتوى مصور يوميا، ومن المنتظر أن ترتفع إلى 8 ملايين حتى سنوات قليلة قادمة أى 2030 ومعنى ذلك أن مفهوم الحقيقة ومن خلال وبازدياد fake سوف تضيع وذلك له مخاطر عديدة إنسانيا ومجتمعيا، ولذلك طالب بضرورة أن ينتبه الإعلام وخاصة الصحفيين بألا نكون تابعين وإنما يكون الذكاء الاصطناعى مساعدا، وليس شريكا والفارق بينهما كبير، وهنا أشار د. العراقى إلى أن الإنسان هو منْ يدير التكنولوجيا، وهذه حقيقة يجب أن تكون أساسية فى تفكيرنا، وأن يترسخ ذلك المفهوم وأننا منْ نخلق التكنولوجيا، وليس العكس لأن هذا هو أساس التعامل بندية وتطور معها، وأشار مثلا إلى أن عالميا المفاوضات تجرى حول تصنيع الشرائح أى أن الحرب الآن هى لتوفير المصادر لإنتاج هذه التكنولوجيا وتطويرها، فعلى سبيل المثال الرئيس ترامب يعقد المفاوضات والاتفاقيات حول المعادن، فهو يريدها لأنها عنصر هام فى إنتاج البطاريات، فلا شىء يتم اعتباطا فى المفاوضات العالمية والتجارية، ودار الحديث أيضا عن علاقة الذكاء الاصطناعى بالصحافة وغرف الأخبار بل وبالتعليم فى كليات الإعلام وعن المستقبل فى ذلك وعن الضوابط المطلوبة للتعلم، وبعمل الصحفيين إنسانيا بالمجال، وأنه مثلا يمكن للذكاء تقليص 70 فى المائة من الوظائف المكتبية والأخبار وإعادة نشرها، فهذا ليس عملا وإبداعا، ولكنه لن يقوم مثلا بالتحليل أو بتحقيق استقصائى على سبيل المثال.

وتطرق النقاش أيضا أن الذكاء الاصطناعى وأهميته فى إدارة الصراعات الحالية حتى إعلاميا مثل استخدام التصوير بالدرون، مما يعطى مساحات أكبر للحقيقة والتحليل. وأشار كلاهما لما قاله جيفرى هينتون الفائز بنوبل العام الماضى فى الفيزياء وهو أحد آباء المؤسسين للذكاء الاصطناعى وعن استقالته من وظيفته بأكبر شركات المنتجة للذكاء والتكنولوجيا به ومخاطر المستقبل، وكان كل من الفائزين بنوبل لهما إسهامات فى تطوير الشبكات العصبية الاصطناعية، وهى التقنية التى أصبحت جزءا من الذكاء الاصطناعى، وأن الآلات ربما أصبحت قادرة على محاكاة وظائف مثل الذاكرة والتعلم، وهو ما دعا ما يقرب من 350 عالما من مبتكرى تكنولوجيا AI أو الذكاء الاصطناعى إلى المناداة بأنه يجب أن يكون هناك ما يشبه مدونة السلوك أو الضوابط للتطور والعمل به فى هذا القطاع، وأن يكون لذلك الأمر الأولوية فى المرحلة القادمة مثلما حدث مع أولوية الحرب النووية، ووضع الضوابط لها بعد القتل والتدمير الذى حدث من استخدام النووى فى الحرب العالمية الثانية وفى هيروشيما كمثال، بل إن سام التمان قال إن مخاطر المراحل المتطورة من الذكاء الاصطناعى هى الأخطر، وهى مخاطر محتملة على الإنسانية والعلم.

ونعود بعد هذه المناظرة القيّمة للغاية، وعما طرح بتصريحات وقرارات د. مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء نهاية الأسبوع الماضى وبأن الذكاء الاصطناعى سيدخل كمادة نجاح ورسوب فى الصف الأول الثانوى، ولم أعرف هل سيكون لسنة واحدة فقط أم لكل سنوات المرحلة الثانوية؟

ولكن ومما لا شك فيه وبترحيب أيضا شديد وبأن مجرد إدخال لفكرة وكلمة الذكاء الاصطناعى كعنصر فى العملية التعليمية هو نقطة هامة ومتطورة، حتى وإن كان ذلك متأخرا لبعض الوقت، فالأفضل أن تأتى متأخرا بدلا من ألا تأتى، ولكن يثير ذلك عدة أسئلة منها لماذا لا يكون ذلك فى المرحلة الإعدادية لاسيما أنه ليس مادة للمجموع فلماذا لا يدخل مبكرا للمراحل الدراسية؟ خاصة أن بعض الدول حولنا ومنهم دول عربية ستدخله فى مراحل تعليمية مختلفة، وبعيدا عن أسئلة يرددها البعض مثل هل سيكون هناك منهج ومدرسون، وأين هم فى ظل حالة العجز المزمن لهم.

ولكن مما فهمته أن التعليم له سيكون بالفيديوهات التعليمية، وهذا جيد للغاية وكمرحلة أولى تعنى أنه سيكون مجرد تعلم استخدام التطبيق والتقنية، وهذا أعتقده سهلا، ولذلك ما المانع من دخوله بالإعدادى، طالما تعليم غير مباشر خاصة وكما كتب د. محمد سالم وزير الاتصالات الأسبق أن سوق العمل والشركات تحتاج إلى خريج يستطيع أن يفكر ويتعلم منفردا ويحلل ويحل المشكلات، ولذلك يجب أن يكون ملما بالمهارات التقنية والاستعداد للتعلم مدى الحياة بشكل مستقل لأن ذلك هو لغة وروح العصر بل ومستقبله.

ومن هنا أطرح أيضا على رئيس الوزراء ضرورة الاهتمام بتدريس الرياضيات وبمستوى متقدم؛ لأنها لغة العصر والمستقبل وبدونها لا يمكن إنتاج العلم، وليس مجرد استخدام تقنية الذكاء الاصطناعى؛ لأنها صلب العصر من التطبيق التجارى إلى إنتاج الأسلحة، وكله يتم بإنتاج الخوارزميات الرياضية أى علم الرياضيات والفيزياء، فهما صلب الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا، وحتى لا نصبح مجرد مستعملين لتطبيقات أنتجها الآخرون لمصالحهم ومكاسبهم المالية والفكرية والسياسية أيضا، وهو ما يجب نلتفت إلى أهميته خاصة ونحن نمتلك قاعدة وذخيرة، وهى أن أكثر من نصف المستقبل هم فى تعداد الشباب أقل من 30 سنة، فالنقش فى الصغر مثل النقش على الحجر.

 

الاكثر قراءة