كيف تُقيّم تصريحات وسائل الإعلام العبرية حول ما يُسمى «مشروع إسرائيل الكبرى»، وهل ترونها امتدادًا لسياسات الاستيطان والضمّ الممنهج الذى يهدد وجود الدولة الفلسطينية؟
التعبير الصحيح لما تروج له تل أبيب، هو «إسرائيل الكاملة» وليست «الكبرى»، كما يروج فى صحف الاحتلال، وذلك حسب النص الأقرب من واقع الترجمة العبرية، وتعتبر تلك هى المرة الأولى التى يصدر فيها تصريح علنى من مسئول إسرائيلى يعبر فيه عن تعاطفه مع رؤية دولته الكاملة.. ويعتبر هذا الأمر له جذور دينية لاسيما فى سفر التكوين وسفر صموئيل، وقد جاء هذا التصريح تزامنا مع تصريح سموتريتش ببناء بؤر استيطانية جديدة فى المنطقة الواقعة بين مستوطنة «معالى ادوميم» ومدينة القدس، بعدما كانت تلك المنطقة مجمدة لمده 20 عاما، ويعتبر بناء مستوطنة فى تلك المنطقة الهامة أمراً خطيراً، حيث سيؤدى ذلك إلى القضاء الكامل على أى تواجد فلسطينى فى الضفة الغربية، خاصة مع مشروع بناء 22 مستوطنة متفرقة بالضفة، ويجرى العمل عليها حالياً، فضلاً عن 50 مستوطنة أخرى تم بناؤها منذ قيام الائتلاف الحكومى لبينامين نتنياهو منذ عام 2022 وحتى الآن.
وتمزج فكرة إسرائيل الكبرى بين البعد التوراتى كواجب دينى والعمل السياسى، حيث تجسد رؤية لعدد من الإسقاطات الدينية لإضفاء الشرعية على الحرب فى الشرق الأوسط، بما يعبر عن عقلية التوسع الإسرائيلية فى المنطقة مع التصفية الكاملة للقضية الفلسطينية، وينعكس أيضاً على رفض تل أبيب التام لمبدأ حل الدولتين، وهو ما أقره الكنيست مرتين فى يناير 2024 ويوليو من نفس العام، فلا توجد حكومة إسرائيلية منذ عام 1948 قامت بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، وكلما نصل إلى مفاوضات جدية بين أى حكومة إسرائيلية ومفاوض فلسطينى تسقط هذه الحكومة وقد حدث ذلك 3 مرات فى تاريخ الصراع، وذلك بسبب انسحاب الأحزاب «الحريدية» والدينية، الأمر الذى يؤدى فى الأخير لإسقاط الحكومة، كما أن أرض إسرائيل الكاملة وفق «التناخ»، وهو الكتاب المقدس اليهودى، الذى يعتبر التوراة جزءا منها حسب الديانة اليهودية، يضم 3 تعاريف لجغرافية إسرائيل، سواء فى سفر التكوين أو سفر التسمية أو سفر عسقيال، حيث تقول النصوص الدينية اليهودية بأن هناك ميثاق من الرب مع سيدنا إبراهيم بمنحه الأرض التى تقع بين وادى العريش إلى النهر الكبير «نهر الفرات»، وغيرها من الأفكار غير المؤكده، حتى على مستوى اليهود التوراتين أنفسهم، ولكن خروج تلك الأفكار إلى العلن فى الوقت الحالى يعبر عن مؤشر لوجود تحرك لفرض حقائق وانتهاز الفرصة لتغيير الواقع، وهو تصريح يسرائيل كاتس وزير الدفاع الإسرائيلى بأن الفرصه مواتية حاليا لفرض السيادة على الضفة الغربية، خاصة فى ظل الدعم والمساندة من الإدارة الأمريكية الحالية وعلى رأسها دونالد ترامب.
وماذا عن مزاعم «إسرائيل الكبرى»؟
إسرائيل كانت ولازالت تستمد مكانتها من التحالف الاستراتيجى مع الولايات المتحدة الأمريكية، فهى دولة لاتستطيع مواجهة صدمات أو حروب بمفردها، كما أن علاقاتها الإقليمية والدولية تدهورت، إلى جانب الأزمات والمظاهرات الداخلية، مع تنامى شعور عدم ثقة المواطن الإسرائيلى فى حكومته والقيادة الحالية، بل بالعكس فإن أصل الفكرة التى قامت عليها إسرائيل، هو توفير الأمن للمواطن اليهودى، وهذه الفكرة أصبحت محل شك، خاصة بعد عملية طوفان الأقصى، كما أن جيش الاحتلال أصبح يعانى الإرهاق والاستنزاف، وتسعى إسرائيل للخروج من هذا المأزق باللجوء إلى التفاوض، مع تجهيز كافة الأسباب التى تقود هذه المفاوضات إلى الفشل، وتلقى تابعات هذا الفشل على الجانب الآخر كعادتها.
وماذا عن التحركات الدبلوماسية المصرية لمواجهة هذه المخططات؟
مصر تدرك تماماً هذه المخططات، وتتحرك بقوة على أرض الواقع، وتعى تماماً ما يدور خلف الكواليس، وقد كان بيان وزارة الخارجية المصرية واضحا ومباشرا بما حمله من إدانة لتلك التصريحات المتطرفة، مع مطالباتها بإيضاحات عن تلك التصريحات المستفزة، مع التأكيد على أنه إذا استمرت العمليات فى هذا المسار ستهدد السلام والاستقرار فى الشرق الأوسط وهذه الرؤية ليست للقاهرة وحدها ولكن أيضا رؤية الدول والجامعة العربية وعدد من البلدان الإسلامية التى هاجمت توجهات إسرائيل التوسعية، ووصل عددهم إلى 31 دولة ترفض هذه التصريحات غير المعقولة.
وفى ضوء التزام مصر الثابت بالسلام، كيف تؤثر هذه التصريحات على العلاقات الثنائية واستقرار المنطقة؟
تسعى إسرائيل لفرض أمر واقع جديد على الأرض يجسد فلسفه بنيامين نتنياهو، عبر ترسيخ وقائع وفرض حقائق يصعب تغييرها فى المستقبل من خلال الإبادة والتهجير وتوسيع الاستيطان والضم والاحتلال واجتزاء الصراع وإعادة ترتيب الأوراق وفقا لرؤية منحازة لإسرائيل ولسياسات الهيمنة الأمريكية، وكل المفاوضات التى تتم هى جزء من مشهد متكرر خادع بالأساس، أكثر من كونه عملية وصول لتسوية، ويرجع ذلك إلى اختلاف موازين القوى بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، فهناك اختلاف فى المرجعيات، فضلاً عن وجود رؤية تعيد صياغة الجغرافيا والتاريخ وفقا لنصوص توراتية، ولنا فى خطة الحسم لسومتريتش عام 2017 والتى تحدث فيها عن 3 خيارات أمام الفلسطينين كلها تشير على نص توراتى، إما الخضوع والعبودية أو الرحيل أو الإبادة، وارتبطت تلك التصريحات بأفعال على أرض الواقع من سياسات الاستيطان والضم الممنهج مع عملية تصفية للقضية الفلسطينية، فيما عمل الائتلاف اليمينى الصهيونى الحالى إلى تحويل العقيدة لسياسة، خاصة عندما نستعرض المجموعات المتطرفة الإسرائيلية مثل «جوش امونيم» و «النحالة» وغيرها من المجموعات التى يتجاوز عددها 72 مجموعة داخل إسرائيل، ويقومون بتدمير السكان العرب فى مستوطنات الضفة الغربية.
وهل تعكس هذه الخطابات رفضًا إسرائيليًّا ممنهجًا لحلّ الدولتين؟ وكيف يمكن للدول العربية والغربية مواجهة هذا التوجه؟
كل ما تمارسه إسرائيل فى الأراضى الفلسطينية هو تغيير ديموغرافى، أى تغيير فى التركيبة السكانية عبر التصعيد العسكرى والقضاء على الأطفال والشباب والنساء، بالإضافة إلى فرض عملية تهجير وتصفية للقضية الفلسطينية، فأصبحت إسرائيل أشبه بمنظمة اغتيال.. والصراع فى حد ذاته هو صراع معقد، لذلك نشهد عملية تأخر للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار.. كما أن الائتلاف الحالى هو الأسوء فى تاريخ إسرائيل، وهى تتنصل دائما من مسئوليتها كحكومة احتلال والموقف الأمريكى المرتبط بها، إلى جانب تحميل حماس دائما المسئولية.. كما أن الخطط المستقبلية لقطاع غزة غير واضحة المعالم، والسلام فى عقيدة دولة الاحتلال يعتمد على رؤية رجل واحد وهو نتنياهو، فهو حسب قانون مهام رئيس الوزراء الصادر عام 1981 يعطى له عددا كبيرا من الصلاحيات الواسعة، فضلا عن وجود أعضاء كثر فى الائتلاف الحاكم لا يريدون إنهاء الحرب، إلى جانب خلفية بنيامين نتنياهو، الذى أشار إلى أن والده والأجيال السابقة كانت تفكر فى إسرائيل الكبرى، فقد كان والده معارضا لهذه الفكرة، ولكن نتنياهو يستلهم أفكاره من المتطرفين السابقين له ممن كانوا يؤمنون بأن العرب لن يقبلوا بدولة يهودية، وبالتالى يجب أن نزرع فى قلوبهم اليأس وندمرهم ونقتل أطفالهم وندمر مبانيهم، وهو فكر عنصرى توسعى عنيف.
فى ظلّ التصعيد المتواصل بغزة، ما الرسالة التى توجّهها فلسطين للمجتمع الدولى حول تقاعسه فى محاسبة إسرائيل على انتهاكات القانون الدولى، بما فيها جرائم الحرب؟
الجانب الفلسطينى يتحرك فى العديد من الاتجاهات فيما يتعلق بالتصعيد الممنهج فى قطاع غزة، ولكن المجتمع الدولى لن يتحرك إلا بشكل محدود جداً.. ففى البداية كان العالم يقر بأحقية إسرائيل فى الدفاع عن نفسها، وعندما تزايدت عمليات الإبادة والقمع فى غزة والضفة الغربية بدأ المجتمع الدولى يتحرك بشكل أكثر إيجابية، ولكن لم يصل إلى المأمول بعد، فالاتحاد الأوروبى إلى الآن لم يلغِ اتفاقية الشراكة مع الاحتلال، ولكن هناك بعض الدول قد اتخذت مواقف فعلية على أرض الواقع مثل النرويج وإسبانيا وأيرلندا وبعض بلدان أمريكا اللاتينية، التى اتخذت مواقف شديدة جدا ضد تل أبيب، كذلك عدد من دول آسيا، ولكن ما زال الموقف الدولى لم يصل إلى الحد المناسب لصد إسرائيل.
كيف ترى الجهود المصرية لاحتواء الأزمة فى غزة؟ وهل يمكن أن تمهد هذه الوساطة لمصالحة فلسطينية تُعزّزالموقف تجاه الاحتلال؟
القاهرة استضافت أكثر من 22 اجتماعا رسميا للطوائف الفلسطينية المختلفة لحل قضية الأشقاء وتوحيد الصفوف والكلمة فى الداخل الفلسطينى، و ينبغى على كل طائفة أن تتحمل المسئولية وتقوم بدورها تجاه شعبها.. كما أن مصر أرسلت احتجاجا شديد اللهجة إلى إسرائيل بشأن خرائط إعادة الانتشار وإنشاء مدينة إنسانية، وأن المخطط يستهدف فى النهاية دفع الفلسطينين لاقتحام الحدود المصرية بالتنسيق مع مجموعة ياسر أبو شباب وغيرها من المجموعات المماثلة.. ومصر ترفض أى واقع أمنى جديد فى غزة أو فى المنطقة، ونحن بحكم التاريخ والجغرافيا لنا الدور الأساسى فى منع تصفية القضية الفلسطينية وإيقاف الحرب وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو لعام 1967م.
كيف تفسر استضافة إسرائيل لمظاهرات جماعة محظورة فى مصر أمام سفارتنا، وهل ترون فى ذلك محاولة لتقويض العلاقات المصرية-الفلسطينية؟
هناك جماعتين فى إسرائيل، الأولى: الحركة الإسلامية فى الشمال وأخرى فى الجنوب، وقد قامت الحركة الإسلامية التى يقودها رائد صلاح بتنظيم مظاهرة للمنتمين إلى الجماعة المحظورة أمام السفارة المصرية بتل أبيب، وهى فى الأصل جماعة محظورة فى إسرائيل أيضاً، ولكن سمح لها بالقيام بتلك المظاهرة كنوع من أنواع ممارسة الضغوط على القاهرة، لأن مصر هى الدولة الوحيدة التى تقف فى مصلحة القضية الفلسطينية وضد التهجير القسرى.. كما أن حماية سفارات الدول فى الخارج هو أمر محسوم طبقا للمادة 22 من اتفاقية فيينا، فإن الدولة المستضيفة للسفارات يقع عليها دور الحماية لمقرات البعثات الدبلوماسية، ولكن المظاهرات فى حد ذاتها لا تمثل خطرا على القضية الفلسطينية والموقف المصرى تجاهها، فهى لا تتجاوز كونها عملية ضغط تمارسها أجهزة دول معادية على مصر.
من وجهة نظرك، هل تُشكّل هذه المظاهرات -المُنظمة من جماعة معادية للدولة المصرية- خطرًا على القضية الفلسطينية عبر ربطها بأجندات متطرفة، وكيف نواجه محاولات الاحتلال توظيفها لتبرير سياساته؟
إسرائيل ليس لديها مقومات الدولة المهيمنة، وليس لديها استراتيجية متكاملة ومتماسكة نحو الشرق الأوسط، وليس لديها فكرة عن اليوم التالى للحرب، ولكن تظل الطموحات الإسرائيلية الأمريكية وفقا لمصالحها، وأعتقد أن جيش الاحتلال وصل لما يعرف بأسلوب المنفعة الحدية وهو ما يعنى أن المؤسسة الأمنية وصلت لمرحلة استنزاف، و إلى حد ما هناك حالة من التمرد تقودها قوات الاحتياط لعدم الاستمرار فى الخدمة العسكرية، وهناك أزمة فى تجنيد الحريديم مع خروج إسحاق يوسف كبير حاخامات الشرقيين فى إسرائيل لمعارضه الحكومة مع التهديد بترك بلاده والهجرة حال تجنيد الحريديم فى الجيش، وهى أزمة داخلية كبيرة.. فى المقابل نتنياهو يقول إنه الوحيد الذى سيستمر فى القتال حتى النصر، وهو الذى سيمنع قيام دولة فلسطينية ويتجاهل المرجعيات الدولية وحقوق الشعب الفلسطينى، ولكن الأمر سيستقر فى الأخير على إدارة مؤقتة لقطاع غزة تشرف عليها واشنطن.
وكيف تتعامل القاهرة مع المخاوف الإسرائيلية من تهديدات أمنية قادمة من غزة، مع الحفاظ على حقوق المدنيين الفلسطينيين وفقاً للقانون الدولى؟
القانون الدولى هو المرجع فى الحل، سواء فيما يحدث داخل قطاع غزة أو للقضية الفلسطينية ككل، فقد سبق وأن صدر عن محكمة العدل الدولية قرار يصنف إسرائيل دولة محتلة، وعليها أن تغادر الأراضى الفلسطينية المحتلة والمستوطنات فى الضفة الغربية وقطاع غزة، وبعدها تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا لتنفيذ ما استقر عليه الرأى فى محكمة العدل الدولية، وأعطت مهلة لمدة عام لتنفيذ ذلك القرار تنتهى تلك المهلة فى سبتمبر 2025 لانسحاب إسرائيل من الأراضى المحتلة وإقامة دولة فلسطينية، لذا تتجه معظم الدول للاعتراف بالدولة الفلسطينية الشهر المقبل، خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة القادم، وهناك عنصران أساسيان، هما عقوبات على إسرائيل من خلال منع تصدير الأسلحة إليها، وإلغاء الاتفاقيات التجارية والاقتصادية معها، خاصة الدول الأوروبية نظرا للتأثير الكبير الذى سيلحق بإسرائيل نظير تعليق تلك الاتفاقيات فى ظل تمتعها بامتيازات كبيرة من خلال اتفاقيات الشراكة مع القارة العجوز، هذا إلى جانب فرض ضغط حقيقى فى الداخل سواء من أهالى الرهائن أو أسر القتلى الذى سقطوا فى الحرب، أو من الشعب الإسرائيلى الراغب فى عدم استمرار الحرب، وهى نسبة غير قليلة، إلى جانب بعض القدامى الأمنيين الذين يطالبون بوقف هذه الإبادة..
كما قالت عائلات الأسرى الإسرائيليين بأن الخراب الأخلاقى الذى يحدث فى قطاع غزة سيؤدى إلى ثمن تدفعه الأجيال القادمة فى إسرائيل، لأن ما يحدث لن يمر بسهولة فى المستقبل.. أما المؤتمرات التى عقدت بشأن غزة واحتلالها والبدء فى مشروعات بشمال القطاع واعتبار غزة جزءا من إسرائيل كما صرح بن غفير وسموتريتش مع التخطيط لجلب مليون نسمة لتستوطن فى غزة والضفة لفرض السيادة على أرض الواقع مع نقل الصلاحيات من النظام العسكرى للنظام المدنى لتوسيع المستوطنات وإصدار القوانين..
وبشكل عام موقف الدولة المصرية مشرف، فنحن دولة تستند على مبادئ وتؤكد على قيام دولة فلسطينية وربما تتعرض لبعض الضغوطات نتيجة هذا الموقف، وهو ما يلمسه المصريون فى الكثير من المجالات والمنطقة كلها بدأت تدرك الخطط الإسرائيلية التوسعية وما يعرف باسم إسرائيل الكاملة أو الكبرى، وما وراء ذلك من أبعاد توراتية لم يتم تنفيذها على أرض الواقع بعد.