رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

مفتي الجمهورية: الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تقنية بل نعمة يمكن للبشرية الاستفادة منها

12-8-2025 | 12:23

فضيلة الدكتور نظير عياد مفتي الجمهورية

طباعة

أكد فضيلة الدكتور نظير عياد مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم أن دعم السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي المستمر يعكس حرصه على تهيئة بيئة علمية قوية قادرة على إعداد مفتين يتسمون بالكفاءة والقدرة على مواكبة مستجدات العصر، خاصة في ظل الثورة الرقمية والتقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، مقدما الشكر والتقدير للرئيس على رعايته الكريمة لمؤتمر "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي" .

وقال عياد - في كلمته بالمؤتمر العالمي العاشر للإفتاء، الذي تنظمه دار الإفتاء والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء بالعالم، برعاية الرئيس السيسي بعنوان "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي"- إن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تقنية، بل هو نعمة عظيمة يمكن للبشرية الاستفادة منها بما يخدم تقدمها وحضارتها، شريطة أن يُحسن الإنسان توظيف هذه التقنيات، ومع ذلك، لابد من معالجة التساؤلات العميقة التي تثيرها هذه التحولات حول جوهر الإنسان وطبيعته، وهو ما يتطلب من العلماء دراسة هذه القضايا بعمق لإيجاد حلول تضمن التوازن بين التقدم التكنولوجي وحفاظ الإنسان على قيمه وأصالته، مرحبا بالضيوف الكرام الذين وصلوا إلى مصر من مختلف دول العالم، وعبر عن سعادته بهذا اللقاء الذي يجسد التعاون العلمي الدولي في خدمة الإنسانية.

وأوضح مفتي الجمهورية أن المسيرة الإنسانية شهدت تحولات كبيرة عبر العصور نتيجة الثورات التكنولوجية التي غيّرت مجريات الحياة البشرية، ومن أبرز هذه التحولات الثورة التكنولوجية في مجال الذكاء الاصطناعي، التي تمثل واحدة من أعظم التحولات التي عرفها العصر الحديث، لما لها من تأثيرات كبيرة في مجالات الطب والتعليم والصناعة والتجارة وأدوات البحث العلمي، فضلاً عن دورها البارز في تطوير العمل المؤسسي.

وأشار إلى أن الفقهاء على مر التاريخ قد تحملوا مسؤولية الإفتاء استنادًا إلى النصوص الشرعية، مع مراعاة المصلحة العامة والتغيرات الحياتية، ولكن، هذه المهمة الجليلة قد تتعرض لتحديات كبيرة إذا تم العمل على برمجة الإفتاء باستخدام التقنيات الحديثة دون وضع ضوابط دقيقة وأسس راسخة.

ولفت إلى أن مثل هذا التحول التكنولوجي، إذا لم يكن محكومًا بالضوابط الشرعية، قد يؤدي إلى الانحراف بالخطاب الشرعي وتحويله من رسالة إنسانية وهداية إلى خطاب تقني مادي يغلب عليه الطابع الآلي، مما قد يهدد جوهر الدين وروحيته، ومن هنا، تبرز الحاجة الملحة لتأسيس فلسفة متكاملة للذكاء الاصطناعي في المجال الشرعي.

وتساءل فضيلته حول العديد من القضايا الجوهرية التي تطرحها التقنيات الحديثة، مثل: "هل يمكن للذكاء الاصطناعي إدراك النصوص الشرعية وتفسير دلالاتها وفقًا لمبدأ رفع الحرج والتيسير على المكلفين؟"، و"كيف تتعامل الخوارزميات مع الأحكام المرتبطة بنيات المكلفين، وهي أمور لا تدرك إلا من خلال مقاصدهم وخصوصياتهم الإنسانية؟".

كما طرح تساؤلات أخرى حول كيفية تعامل الذكاء الاصطناعي مع السياقات الاجتماعية والنفسية والثقافية والاقتصادية التي تؤثر في تطبيق الأحكام الشرعية في الواقع، وهل يمكن للتقنيات الحديثة أن توازن بين عموم النصوص والعرف والضرورة في ظل الرؤية المتغيرة؟.

وأكد مفتي الجمهورية أن هذه الأسئلة تكشف عن محدودية النماذج الاصطناعية في المقارنة مع الشريعة الإسلامية، مما يستدعي ضرورة وضع أطر فلسفية وأخلاقية واضحة قبل الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في هذا المجال الحيوي، منوها بأن الهدف من توظيف الذكاء الاصطناعي في مجال الإفتاء لا يتمثل في استبدال الإنسان الآلي بالمفتي، بل في تسخير هذه التقنية لخدمة الفقيه وتعزيز قدراته، وتمكينه من أدوات العصر الحديث دون التفريط في سر أمانته الشرعية. 

وأوضح أن دور المفتي لا يمكن أن يغني عنه الخوارزميات، بل هو مرتبط بالخوف من الله، والبصيرة الناشئة من القلب، والحكمة المستندة إلى المقاصد، مشيرا إلى أن الدور الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي في مساعدة المفتي يتمثل في مرحلة تصوير المسألة وتحقيقها، وهي المرحلة التي تسبق إصدار الحكم الشرعي، والتي تعتبر من الركائز الأساسية لصحة الاجتهاد الفقهي، كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في بناء تصور شامل للواقع الذي يتم الإفتاء فيه، من خلال تحليل أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والقانونية، بالإضافة إلى فرز النصوص وتنظيمها وتقديرها بطريقة عملية وسهلة، عبر عمليات المقارنة والمقاربة والتركيب.

ولفت عياد إلى أنه من المهم التأكيد على أن هذه التقنية لا تهدف إلى إلغاء الاجتهاد الفقهي، بل هي أداة لتنظيم وترتيب المعلومات وتسهيل الوصول إليها، بينما يبقى الحكم النهائي في يد المفتي المجتهد، الذي يعتمد على رؤيته الخاصة في ضوء ما يقدمه له الذكاء الاصطناعي من بيانات وتحليلات.

وتطرق مفتي الجمهورية، إلى أهم التحديات التي تواجه الإفتاء في عصر الذكاء الاصطناعي، موضحًا أن من أخطر هذه التحديات هو خطر اختطاف مرجعية الفتوى من يد أهل العلم إلى أنظمة جامدة، قد تُروج لآراء شاذة وتُعيد تشكيل الوعي الديني بناءً على معدلات النقل والمشاهدة دون مراعاة للمعايير الشرعية الدقيقة، وقال إن هذه الأنظمة قد تساهم في تقويض الثقة بالفتوى الشرعية، مما يهدد سلامة الفهم الصحيح للدين.

وأشار مفتي الجمهورية إلى خطر آخر يرتبط بانزلاق الأنظمة الذكية نحو "الهلوسة الفقهية"، حيث تصدر فتاوى أو أحكام مختلفة بصيغة مقنعة، تُوهم المتلقي بصحتها، مما يفرض على المؤسسات الدينية أن تكون الحارس الشرعي للوعي الديني، وأن تقود تطوير العلاقة بين النصوص الشرعية وآليات تطبيقها في العصر الحديث. 

وأكد على ضرورة أن يكون دور المؤسسات الدينية هو التأكد من صحة تلك الأنظمة وكشف خفاياها ومواكبتها للشرع، بما يضمن عدم التلاعب في تفسير النصوص، موضحا أن الفقه والفتوى قد أصبحا واقعًا لا يمكن الاستغناء عنهما في العصر الرقمي، ولذلك فإنه من الضروري العمل على تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي لتدريبها على استيعاب القواعد الأصولية الحاكمة للاستنباط الفقهي، مثل قواعد العام والخاص، وأسس الاجتهاد الشرعي.

وذكر مفتي الجمهورية أن الغاية من توصيف الذكاء الاصطناعي في مجال الإفتاء ليست في استبدال الفقيه أو إلغاء دوره، بل في تسخير هذه التقنية لخدمة الفقيه، وتحقيق التوازن بين التقدم العلمي والحفاظ على الأمانة الشرعية، مشيرا إلى أنه من الضروري أن يتحلى المفتي بوعي عميق وفهم دقيق للبيئة الرقمية المعقدة، وذلك لتمييز من يلتمس الفتوى ابتغاء الحق ممن يسعى لتسويق آراء شاذة ومضللة، وأوضح أن الفتوى في العصر الرقمي تواجه تحديات كبيرة، حيث قد يكون من الصعب على الفرد العادي التمييز بين الرأي الشرعي الصحيح وبين ما يروج له البعض من أفكار قد تضلل الناس أو تخرج عن السياق الشرعي.

وأشار إلى أن هذه التحديات تبرز الحاجة الماسة إلى فقهٍ قادر على تمييز المقاصد الشرعية، وهو ما يتطلب من المؤسسات الدينية والافتائية أن تتحمل مسؤولية عظيمة في وضع الأطر العامة لتطوير وتقييم أنظمة الذكاء الاصطناعي المولدة للفتوى، فالمؤسسات الدينية لا يمكنها أن تقتصر فقط على تقديم الفتاوى، بل يجب عليها أيضًا الإشراف على كيفية استخدام التكنولوجيا في هذا المجال، وضمان أن تكون تلك الأنظمة موافقة للشريعة الإسلامية.

وأكد مفتي الجمهورية أن مسؤولية المؤسسات الدينية أصبحت تتعدى تقديم الفتاوى إلى قيادة الجهود الرامية إلى تشكيل وتوجيه الأنظمة الذكية التي تولد الفتوى، بما يتماشى مع المبادئ الإسلامية ويضمن سلامة الفهم الشرعي، مشددا على ضرورة إنشاء منصات رقمية موثوقة للفتوى، تزود المسلمين بمواد علمية تساهم في تأهيل المفتي وتمكينه من التمييز بين الفتوى الرشيدة وغير الرشيدة. 

وأوضح أن المفتي الرشيد هو من يجمع بين أصول الشريعة العميقة وفهم الواقع المعاصر، ويتسلح بعلوم العصر بما يساعده على إصدار الفتاوى التي تتماشى مع مقتضيات الزمن والتحديات المستجدة.

وأشار مفتي الجمهورية إلى أن الأحداث الجارية في غزة اليوم تمثل اختبارًا حقيقيًا لنبض الفقه الشرعي، الذي يجب أن يعيد ضبط البوصلة الأخلاقية للفتوى، مشدداً على أن الفتوى ليست محصورة في العبادات فحسب، بل هي أداة لبناء الوعي وحفظ العزة والكرامة والدفاع عن الوطن. 

وأضاف أن غزة اليوم تمثل جزءًا من صميم رسالة الفتوى، كصوت للحق وضمير الأمة الحي، مناشدا القلوب الرحيمة في جميع أنحاء العالم بأن تقف وقفة حقيقية لوقف شلالات الدماء التي تسيل على أرض غزة، ووجه تحية صادقة للمرابطين في غزة، الذين يثبتون على الحق رغم ما يواجهونه من تحديات، مؤكدًا أن وعد الله بالنصر حق لا ريب فيه، وأن النصر آتٍ لا محالة.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة