من حق الجميع أن يحلم، وحلم ترامب الأكبر هو الحصول على جائزة نوبل للسلام. لكن يبدو أن هذا الحلم بات بعيد المنال، مع إصرار جميع الأطراف فى المناطق المختلفة على الاستمرار فى القتال، مما يصعب الوصول إلى اتفاقيات تحقن الدماء، سواء فى غزة أو أوكرانيا. وهذا ما يعوق أيضًا أجندته الخارجية التى لطالما وعد بها فى حملته الانتخابية، ويكسر الحماس الذى رافقه فى الأيام الأولى من رئاسته، والذى ظن أنه سيصلح به ما أفسده بايدن -على حد تعبيره.
شد وجذب ومحاولات، هكذا يسير المشهد داخل البيت الأبيض، لكن مكالمات ترامب الأخيرة مع القادة المتورطين فى الحروب لم تكن مشجعة. فعن محادثته الأخيرة مع الرئيس الروسي، الذى تتصاعد حربه فى أوكرانيا، قال ترامب: «أشعر بخيبة أمل كبيرة”.ولم يختلف الأمر كثيرًا عن مكالمته مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، الذى تستمر حربه فى غزة وسط أزمة إنسانية مروعة، حيث قال ترامب: «لقد كان الأمر مخيبًا للآمال إلى حد ما”.
ويبدو أن استمرار هذين الصراعين يجعل حلم ترامب بجائزة نوبل للسلام يتبخر تدريجيًا. ومن الواضح أنه يشعر بالإحباط، لأنه لم يتمكن من حل الأزمات بشكل أفضل من بايدن، الذى طالما اعتبره فاشلًا فى السياسة الخارجية.
أما نتنياهو، فقد اختبر صبر ترامب فى الغارات الجوية على سوريا وغزة، حيث أدت صور الأطفال الجائعين إلى احتجاجات دولية وانقسامات داخل حزب ترامب نفسه حول مدى دعم إسرائيل. كما أن علاقته بنتنياهو مرت بمراحل من السخونة والفتور، لكن حسب المصرح، يحاول ترامب حاليًا إنهاء الحرب.
ولا تتوقف تحديات ترامب الخارجية على الدول المتورطة فى النزاعات فحسب، بل تمتد إلى صورة الولايات المتحدة نفسها، التى بدأت فى التراجع كدولة كبرى قادرة على حل الأزمات. كما أن رئيس وزراء الهند، ناريندا مودي، بات هو الآخر مفاوضًا تجاريًا صعبًا، رغم أنه كان ضيف شرف فى تجمع جماهيرى كبير نظمه ترامب فى غوجارات، بحضور 125 ألف شخص.
أما صديقه بالمراسلة، الزعيم الكورى كيم جونغ أون، فلم يعد يستجيب لأى مبادرات من ترامب، رغم أن شقيقته صرحت هذا الأسبوع أن العلاقة بينهما «ليست سيئة»، لكنها أكدت فى الوقت نفسه أن «بيونج يانج» لن تتخلى عن طموحاتها النووية .ويتهم البعض ترامب بأن هذه التعقيدات نابعة من أسلوبه الشخصى فى إدارة الملفات الخارجية، حيث كان يعطى رقم هاتفه المحمول للزعماء ويشجعهم على التواصل عبر الرسائل النصية، بعيدًا عن القنوات الدبلوماسية المعتادة. ولا أحد ينكر أن هذا الأسلوب حسن بعض العلاقات فى السابق، لكنه واجه حدوده أيضًا.
ترامب قد أعلن هذا الأسبوع صراحةً عن خلافه مع نتنياهو، الذى ادعى عدم وجود مجاعة فى غزة، رغم انتشار صور الأزمة. وأخبر ترامب مساعديه بعد رؤيته الصور أنه يريد مناقشة الأمر مع نتنياهو لمعرفة كيف يمكن للولايات المتحدة أن تساعد، بحسب «سى إن إن”.
أما بوتين، فاستياء ترامب منه يزداد، بسبب عجزه عن تحويل العلاقة «الإيجابية» -حسب ظنه - إلى اتفاق سلام فعلي. وقال مسئول فى البيت الأبيض إن ترامب قرر شخصيًا تكثيف الضغط على بوتين، بعد فشل مهلة الخمسين يومًا الأولى فى دفع الرئيس الروسى إلى طاولة المفاوضات. وأضاف أن ترامب رأى أن تقصير المهلة الزمنية من ستين إلى خمسين يومًا تكتيك تفاوضى جيد.
ويقول السفير رخا حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن القضية الروسية لن تُحل بهذه السرعة التى يتصورها ترامب، وعلى الأغلب لن تُحل خلال فترة رئاسته، بل إن أقصى ما يمكن تحقيقه هو وقف إطلاق النار، مع استمرار المفاوضات لسنوات، وربما لن تُحسم طالما بقى بوتين فى السلطة.
ويرى «رخا» أن جوهر العرقلة فى الملف الروسى الأوكرانى هو تمسك موسكو بالأقاليم التى سيطرت عليها، معتبرةً إياها جزءًا من أراضى الاتحاد السوفيتي، بينما تصر أوكرانيا على أنها أراضٍ أوكرانية. حتى عندما حاول ترامب إحراج زيلينسكى أو اللعب على وتر المعارضة، اكتشف أن المعارضة نفسها لن تتنازل عن هذه الأراضي. أما الملفات الأخرى، كعدم انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبى أو حيازة أسلحة دفاعية، فهى قابلة للتفاوض نسبيًا.
وفيما يتعلق بالشق الفلسطيني، يرى «رخا» أن هناك تناغمًا بين الولايات المتحدة وإسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية. فترامب صرح خلال حملته الانتخابية أن إسرائيل دولة صغيرة «وسنسعى لتكبيرها»، فى إشارة إلى ضم أراضٍ جديدة. ومع ذلك، حاول أن يظهر كمن يسعى لحل الأزمة، فمارس ضغطًا فى ديسمبر الماضى على إدارة بايدن للتدخل، ونجح فى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار على ثلاث مراحل، دون نية حقيقية لإنهاء الحرب. ومن وجهة نظره -كمقاول، كما يقول رخا - يريد تحويل غزة إلى «ريفييرا الشرق الأوسط». كما أن زيارة ويتكوف للشرق الأوسط لم تكن بنية حسنة، بل كانت للبحث عن حيلة جديدة بدلًا من المراكز الأربعة التى أنشأها ترامب فى غزة، والتى كان هدفها -حسب رخا - اصطياد المدنيين، سواء بالتدافع أو القتل المباشر، لإرهاب من يتبقى منهم ودفعهم إلى الهجرة.
ويضيف «رخا» أن ترامب لم يعد يذكر «حل الدولتين» الذى كان يطرحه فى فترته الأولى، بل بات يهدد منْ يتحدث به بفرض عقوبات اقتصادية. ووصف تصريحات ماكرون، مثلًا، بأنها «بلا فائدة». لذا، فإن الحديث عن نوبل للسلام فى هذه الظروف لا محل له، والترشيح «الهزلي» الذى قدمه نتنياهو لا معنى له. ويختم رخا: «الحالة الوحيدة التى يمكن أن يحصل فيها ترامب على نوبل للسلام هى أن يعترف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.. حينها سترشحه الدول العربية نفسها فى اليوم التالي».
