خطوة لافتة تعكس تحسنا تدريجيا في أداء الاقتصاد تتمثل في تراجع سجل العجز التجاري غير النفطي بنسبة 18% خلال النصف الأول من عام 2025 ليبلغ نحو 14.3 مليار دولار مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي وهذا التراجع لا يعد مجرد رقم اقتصادي بل هو مؤشر يعكس نجاح سياسات دعم الصادرات وترشيد الواردات التي تنتهجها الدولة في إطار سعيها لتقليص فجوة العجز وتحقيق توازن أكبر في الميزان التجاري وحققت الصادرات غير النفطية قفزة نوعية بنسبة 34% خلال الربع الأول من العام لتبلغ نحو 13 مليار دولار مدفوعة بنمو في صادرات المنتجات الزراعية والصناعات التحويلية مثل الأسلاك والكابلات والمنتجات الغذائية المجففة وهنا لا بد أن نذكر أن الواردات شهدت نموا أكثر اعتدالا بنسبة 15.5% لتصل إلى 18.6 مليار دولار وهو ما أسهم في تقليص الفجوة التجارية بين الصادرات والواردات.
هذا الاتجاه الإيجابي لم يأت من فراغ بل امتداد لتحسن بدأ منذ عام 2024 حيث كان العجز التجاري غير النفطي حينها يبلغ 15.9 مليار دولار ما يجعل الانخفاض الحالي ثمرة لمسار اقتصادي تصحيحي مستمر ويكتسب هذا الإنجاز بعدا إضافيا في ظل سياق إقليمي ودولي معقد يتسم باضطراب سلاسل الإمداد وتقلبات الأسواق وتتجلى تداعيات هذا التحسن في عدة جوانب أبرزها تخفيف الضغط على الاحتياطي النقدي ودعم استقرار العملة المحلية وذلك سيعزز بلاشك من قدرة الدولة على مواجهة التحديات المالية لا سيما في ظل تدفقات نقدية إيجابية من مصادر أخرى مثل تحويلات العاملين بالخارج والتي قفزت بنسبة 86% لتبلغ 26.4 مليار دولار وارتفاع إيرادات السياحة بنسبة 23% لتصل إلى 12.5 مليار دولار.
هذا الأداء أسهم أيضا في تقليص العجز في الحساب الجاري إلى 13.2 مليار دولار مقارنة بـ17.1 مليار في العام السابق وهو ما من شأنه تحسين موقع مصر في مفاوضاتها مع المؤسسات المالية الدولية خاصة مع التزاماتها في إطار برامج صندوق النقد الدولي والتي أفضت إلى تسهيلات مالية إضافية بقيمة 1.3 مليار دولار وعلى الرغم من هذه المؤشرات الإيجابية سيبقى التحدي قائما في ملف تجارة النفط والطاقة حيث تصاعد العجز نتيجة ارتفاع فاتورة واردات الطاقة إلى 14.5 مليار دولار في وقت تراجعت فيه الصادرات النفطية إلى 4.2 مليار دولار كما يمثل التراجع الكبير في إيرادات قناة السويس بنسبة وصلت إلى 60٪ مصدر قلق إضافي على صعيد تدفقات العملة الصعبة.
وبين هذا وذاك يشير ارتفاع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر إلى نحو 9.8 مليار دولار إلى ثقة نسبية في السوق لكن المستوى لا يزال دون الطموح ويستلزم المزيد من الإجراءات لتحفيز بيئة الأعمال وجذب رؤوس الأموال ويبقى تراجع العجز التجاري غير النفطي نقطة مضيئة في مسار الإصلاح الاقتصادي والحفاظ على هذا الزخم يتطلب تعميق الإصلاحات الهيكلية ودعم الإنتاج المحلي وتوسيع القاعدة التصديرية لضمان تحقيق تحول نوعي ومستدام في بنية الاقتصاد الوطني فرغم التحديات والظروف فإن تقليص العجز التجاري غير النفطي ليس مجرد إنجاز اقتصادي بل هو ترجمة لإرادة جماعية تقاوم العجز بمعناه الواسع عجز الموارد وعجز الثقة وعجز الحلم ومصر رغم الصعاب تكتب فصلا جديدا من فصول صمودها ففي كل خطوة تخطوها الدولة نحو تصحيح المسار يبقى الأمل هو العنوان الأصدق بأن الغد سيكون أوسع وأعدل وأكثر إشراقا.