فُجع الوسط الفني اللبناني والعربي اليوم بوفاة الموسيقار الكبير زياد الرحباني عن عمر ناهز 69 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض، وفق ما أكدته وسائل إعلام لبنانية.
ينتمي زياد الرحباني إلى واحدة من أعظم العائلات الفنية في الوطن العربي، فهو نجل السيدة فيروز والأستاذ عاصي الرحباني، وقد ورث عنهما الموهبة والرؤية الفنية التي جعلته من أبرز المبدعين في مجالي الموسيقى والمسرح على مدار عقود.
منذ بداياته، لفت زياد الأنظار بقدرته على كسر القوالب التقليدية في التلحين والتأليف، وطرح رؤى سياسية واجتماعية جريئة من خلال أعماله، حتى صار رمزًا للتمرد والإبداع.
"سألوني الناس".. عندما اختبر زياد الرحباني أول وجع وأول نجاح
في عام 1973، كان زياد في السابعة عشرة من عمره، عندما مرت عائلته بظرف إنساني عصيب، إذ دخل والده عاصي الرحباني المستشفى إثر إصابته بنزيف حاد في الدماغ أثناء التحضير لمسرحية "المحطة".
وفي واحدة من أكثر اللحظات تأثيرًا، صعدت فيروز إلى المسرح أثناء البروفات ووجدت مقعد عاصي فارغًا، فغمرها الحزن وأثّر غيابه عليها بشدة. لاحظ ذلك شقيق عاصي، الشاعر منصور الرحباني، فكتب كلمات تعبر عن ألم الغياب، وأسند التلحين إلى زياد، الذي خاض تجربته الأولى في التلحين لوالدته.
الأغنية كانت "سألوني الناس"، التي أصبحت لاحقًا من أشهر أعمال فيروز، لكن المفارقة أن عاصي الرحباني عندما تعافى وسمع الأغنية غضب بشدة، واتهمهم بالمتاجرة بمرضه، ورفض إدراج الأغنية في المسرحية. إلا أن محاولات إقناعه نجحت في النهاية، وبعد عرضها نالت نجاحًا كبيرًا وانتشرت بسرعة، لتُخلَّد كإحدى علامات الرحبانية.
"كيفك إنت".. فيروز تغني لابنها المغترب
في واحدة من أكثر القصص الفنية خصوصية، جاء تعاون زياد الرحباني مع والدته في أغنية "كيفك إنت" من واقع تجربة شخصية.
قرر زياد السفر إلى خارج لبنان في فترة السبعينيات للزواج من حبيبته دلال كرم، وسط تحفظات عائلية.
وبعد غياب طويل، عاد زياد إلى لبنان دون إبلاغ والدته، والتقيا صدفة، لتسأله فيروز: "كيفك إنت؟ عم بيقولوا صار عندك ولاد؟"، وتابعت: "أنا والله كنت مفكرتك برات البلاد".
تأثر زياد بهذه اللحظة، وقرر تحويلها إلى عمل غنائي، فكتب الأغنية ولحنها، وسجلها بصوته وأخذها إلى فيروز في منزلها، لكنه فوجئ برفضها الاستماع، وقالت له مازحة: "بس ييجي الكهربا".
لكنه أصر، وأقنعها بالاستماع، وحين انتهت الأغنية، نظرت إليه وقالت: "هيدي شو بدنا نعمل فيها؟".
وأثارت بعض كلمات الأغنية تعجب ودهشة فيروز، خصوصًا جملة "ملا إنت"، لكنها أعادت التفكير، وبعد سنوات وافقت على غنائها، لتصبح من أنجح الأغاني التي قدمتها في مسيرتها.
زياد الرحباني.. الموهبة التي سبقت عمرها
لم يكن زياد الرحباني مجرد ملحن أو مؤلف موسيقي، بل كان حالة فنية متكاملة، امتزجت فيها العبقرية بالفكاهة، والحزن بالسخرية، والتمرد بالحب.
أعماله المسرحية مثل "بالنسبة لبكرا شو"، و"فيلم أميركي طويل"، وألحانه لفيروز، شكلت جزءًا لا يُنسى من ذاكرة الفن العربي.
برحيله، فقدت الساحة الفنية صوتًا حرًا لم يجامل السلطة ولا الجمهور، فكان فنه مرآة لواقع مضطرب، وحلم بوطن أجمل.