رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

فلسفة الثورة


24-7-2025 | 00:33

.

طباعة
بقلـم: د. أحمد عبد الحليم عطية

قد لا يخطر هذا السؤال على الأذهان، وقد يثير الدهشة والاستنكار، وقد يفتح الباب للحوار والاختلاف والاتفاق حول وجود علاقة بين ثورة يوليو والفلسفة، ذلك أن ثورة يوليو جاءت للتغيير وإلغاء ما قبلها وكان لها توجهها الاجتماعى والسياسى الذى يقطع مع ما هو سائد، والسؤال الذى علينا أن نناقشه هو هل يمكن الحديث عن الفلسفة والثورة؟ وما هى الفلسفة التى نتحدث عنها وهل كان فى مصر فلسفة قبل الثورة وما علاقة الفلسفة قبل 23 يوليو فى مصر وثورة يوليو؟ وهل كان للفلسفة دور مع وبعد يوليو؟

تلك هى الأسئلة الأولى التى يمكن أن تواجهنا والتى تحتوى بدورها على أسئلة أخرى قد يكون أهمها يتعلق بطبيعة الفلسفة نفسها التى لا تهم سوى النخبة والثورة موجهة للجماهير، فهل الجماهير فى حاجة للفلسفة؟ هل يمكن أن يكون السؤال: الفلسفة والمجتمع فى مصر قبل يوليو 1952 أى هل هناك مقدمات للثورة؟ وما هى طبيعة الفلسفة التى تلبى متطلبات الأهداف التى سعت إليها ثورة يوليو؟ وهل ثورة يوليو مستمرة والفلسفة التى يمكن أن تكون توقفت معها ما زال لها حضور أم أن الفلسفة توقفت أو تغيرت بعد مرور كل هذه السنوات على ثورة يوليو؟.

تقتضى منا كل التساؤلات السابقة استدعاء وضعية الفلسفة فى مصر فى العصر الحديث منذ بداية القرن العشرين وربما قبله بسنوات، أو ما يمكن أن نسميه مصر الحديثة فى سعيها نحو المجتمع المدنى، وهل أسهمت الفلسفة فى هذه الفترة فى تشكيل ثقافة وفكر ووعى العقل المصرى؟ إذا جاز لنا الحديث عن العقل المصرى الحديث، وهل مهدت 1970 حتى أكتوبر 1981 وهى فترة تتداخل فيها الأصولية مع الانفتاح ولها سمات تختلف عما سبقها ولا زالت بعض خصائصها مستمرة حتى اليوم؟.

مثلت الجامعة المصرية الأهلية (1908 – 1920) بداية حقيقية للحضور الأكاديمى للفلسفة، مما جعل القائمين على أمر الجامعة يطلقون عليها اسم «كلية الآداب والفلسفة» وكان لهذه الجامعة سمة سياسية واضحة حيث غلب على القائمين بالتدريس فيها تنوع الجنسيات المختلفة من فرنسيين وإيطاليين وألمان وأسبان باستثناء الإنجليز قوى الاحتلال، ومظهر ثانٍ مهم هو تعطل الدراسة بالجامعة مع ثورة 1919 وفى هذا العام أقيمت ندوة تكريمية نظمها طلاب الفلسفة لأستاذهم الأسبانى الكونت دى جالارتا تحدثت فيها عروس الأدب العربى وأول منْ درست الفلسفة بالجامعة المصرية من السيدات وألقت بها خطبة الطلاب فى تكريم الأستاذ، وما يهمنا فى هذا الاحتفال حضور زعيم الأمة سعد زغلول مع أكابر رجال مصر هذا الاحتفال الذى ما زلنا نحتفظ بصورة الزعيم السياسى مع المستشرق الفيلسوف.

وحتى نوضح دور الفلسفة فى ثورة يوليو، نعم دور الفلسفة فيما قام به الضباط الأحرار، سوف نتحدث عن التوجهات السياسية لكبريات الأحزاب المصرية، الذى تحدد كل منها ببرنامج سياسى عبرت عنه كتابات المفكرين من زعماء وأعضاء هذه الأحزاب.

ويستطيع الباحث المدقق الذى ينشغل بقضية الفلسفة والثورة فى مصر أن يقارن البرامج السياسية للأحزاب المصرية مع النصوص الفلسفية لفلاسفة هذه الأحزاب، يأتى فى مقدمة هؤلاء توجهات حزب الأحرار الدستوريين خاصة آل عبدالرازق، مصطفى عبدالرازق وعلى عبدالرازق وأحمد لطفى السيد ومعهم طه حسين؛ حيث سيطرت فكرة مصر للمصريين ونفس الشىء نجده لدى دعاة الفكرة أو الجامعة الإسلامية من رجال الحزب الوطنى الذى أسسه مصطفى كامل خاصة لدى كل من الشيخ طنطاوى جوهرى والمستشار محمد لطفى جمعة، وإن كان الأمر أكثر وضوحاً فى الأحزاب الأيديولوجية مثل الحزب الاشتراكى المصرى لدى كل من محمد عبدالله عنان وسلامة موسى وأستاذ الفلسفة على العنانى، الموفد إلى ألمانيا والذى أدخل الهيجلية والماركسية فى كتاباته، وكذلك حزب مصر الفتاة الذى أسسه أحمد حسين وكان عبدالرحمن بدوى مسئول الشئون الخارجية فيه، والذى قدم لنا العديد من الدراسات فى النظم السياسية والنازية والفاشستية، وكان أول كتاباته عن نيتشه 1938 وهو عمل أثر تأثيراً كبيراً على كثير من المثقفين والساسة فى مصر فى هذه الفترة.

ويمكن أن نتوقف عند جهود كثير من الشخصيات الفلسفية التى كان لها دور كبير معلن أو خفى فى التمهيد لقيام الثورة المصرية ونخص كل عبدالرحمن بدوى من جهة وعلى سامى النشار من جهة ثانية.

لقد كان كتاب بدوى الشرارة الأولى خاصة فى مقدمة كتابه الذى طالب فيه بإنجاز ثورتنا الروحية بعد إنجاز ثورتنا السياسية الكبرى 1919 وقد آن الأوان للقيام بثورتنا الروحية التى يمكن أن يفجرها نيتشه، وكان أثر هذا الكتاب عظيماً على كل من: البطل أحمد عبدالعزيز والرئيس جمال عبدالناصر والزعيم السادات كما كتب بدوى نفسه فى كتابه «سيرة حياتي».

وكانت جهود آل عبدالرازق الذين تتلمذوا على الشيخ الإمام محمد عبده، وكان الشيخ مصطفى أول أستاذ مصرى يرأس قسم الفلسفة فى كلية الآداب على رأس مدرسة مهمة فى الفلسفة الإسلامية، شغل فيها بكل ما هو مصرى، فقد كتب هو شخصياً عن الفقيه المصرى الإمام الشافعى والشاعر المصرى البهاء زهير، ووجه تلاميذه لدراسة الشخصيات والموضوعات المصرية، فكتب عثمان أمين عن رائد الفكر المصرى الشيخ محمد عبده ودارت دراسة محمد مصطفى حلمى على الصوفى المصرى ابن الفارض، وكتب توفيق الطويل عن التصوف فى مصر فى العصر العثمانى، وكان من تلاميذه المقربين إليه الروائى الكبير نجيب محفوظ الذى كانت الروايات الأولى له عن تاريخ مصر القديم، لكن ما يهمنا الإشارة إليه دور تلميذه وخليفته فى الدراسات الإسلامية الدكتور على سامى النشار القريب من جمال عبدالناصر كثيراً.

فتحدث ثانية بعد تناولنا للمقدمات التى مهدت لثورة 1952 عن الاهتمام الكبير الذى أولاه أهل الفلسفة فى مصر للثورة بعد أن طرح زكى نجيب محمود سؤالا بأى فلسفة نسير؟، حيث تعددت الإجابات والكتابات التى قدمت لتحديد معالم وسمات الثورة المصرية، حيث كتب أستاذنا يحيى هويدى الذى تبنى الواقعية الجديدة عن كون «فلسفتنا واقعية» ومع صدور الميثاق الوطنى كتب عن «الفلسفة فى الميثاق» وبعد باندونج كتب عن الفلسفة والحياد الإيجابى، وهذا ما نجده قريبا منه لدى صاحب «الفلسفة الجوانية أصول عقيدة وفلسفة ثورة الدكتور عثمان أمين»، الذى تحدث عن أن فلسفتنا اشتراكية عربية، وكان من كبار المهتمين بالوجودية وسارتر فى هذه الفترة عبدالفتاح الريدى الذى رأى فى الوجودية خاصة بعد صدور كتاب سارتر فى الستينيات عن «نقد العقل الجدلي» أن فلسفتنا فلسفة وجودية»، ولا يمكننا أن ننهى هذا الجزء دون الإشارة المهمة إلى الدور الذى قام به مراد وهبة الذى عمل مستشاراً لجمال عبدالناصر ودافع عن الفلسفة حين أرادوا تحديد دورها، وهو ما نجده فى كتابيه «مقالات فلسفية وسياسية» وكتابه الأخير «مسار فكر».

ولا ننسى تعيين عبدالرحمن بدوى فى لجنة الدستور بعد الثورة.

بالطبع اجتهد كل فيلسوف فى أن يظهر أهمية ما يتبناه من مذهب فلسفى لبيان دوره فى حياتنا الجديدة، ومع هذا التوجه بدأ ظهور تيار فلسفى نقدى على صفحات مجلة الطليعة التى تصدرها الدولة ويشرف عليها لطفى الخولى دراسة فى غاية الأهمية عن «الفلسفة وصراعنا الاجتماعي» لأديب ديمترى التى مهدت لتيار نقدى متعدد التوجهات لم يظهر إلا بعد وفاة عبدالناصر وظهور ما يسمى بالناصرية، نشير فقط لأسماء اثنين من أصحابه ونترك الحديث عنهما لمناسبة أخرى هما: فؤاد زكريا صاحب كتاب عبدالناصر واليسار المصرى وعبدالرحمن بدوى الذى فجرت كتاباته العقول للثورة حتى أعلنت توجهاتها الاشتراكية فاتخذ منها موقفاً مغايراً.

 
 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة