رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

خط الدفاع الأول


18-7-2025 | 09:27

.

طباعة
بقلـم: د. مجدى صليب

لا يجب أن ننتظر وقوع الكوارث لنتحرك، فكل حادث حريق أو انهيار أو تسريب غاز أو صعق كهربائى أو حتى تلف كبير فى المعدات، هو نتاج مباشر لغياب ثقافة أساسية اسمها الصيانة؛ إذ إن الصيانة بمثابة «الوقاية قبل العلاج».

للأسف، لا تزال هذه الثقافة ضعيفة فى بعض المؤسسات، سواء العامة أو الخاصة، رغم أن الصيانة ليست إجراءً روتينيًا، ولا شيئًا تكميليًا نقوم به على الهامش، بل هى من لوازم أماكن العمل الأساسية، شأنها شأن الإنتاج والتسويق والإدارة، والأخطر من ذلك أنها تمثل خط الدفاع الأول عن الأرواح والمعدات والاستثمار ذاته.

 

كثيرون يتعاملون مع الصيانة على أنها عبء مالي، أو «مصاريف زائدة»، مع أن الحقيقة عكس ذلك تمامًا، الصيانة الدورية تعود بعائد مباشر، ليس فقط بتقليل الأعطال، بل بزيادة عمر المعدات، ورفع كفاءة التشغيل، وتقليل الحوادث، وخفض نسب الفاقد من الطاقة والمواد الخام.. وأقولها بوضوح: ما يُنفق على الصيانة أقل بكثير مما يُهدر عند إهمالها، لأن الصيانة الوقائية تسبق المشكلة، أما الصيانة العلاجية فتأتى بعد أن يكون الضرر قد وقع بالفعل.

فى مصر، تُشرف الإدارة العامة للسلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل على تطبيق قواعد السلامة فى المنشآت، بالتعاون مع إدارة الحماية المدنية بوزارة الداخلية، وهناك تفتيش دوري، وهناك قياسات بيئية تُجرى بانتظام، كما أن هناك لجانا داخلية فى كل منشأة تجتمع شهريًا لرصد المخاطر ومتابعة تنفيذ خطط الوقاية.

البيئة المهنية تُقيم دائمًا من خلال «مثلث العمل»: العامل، ومواد الإنتاج، وبيئة التشغيل، وركن هذا المثلث هو العامل، الذى يجب الحفاظ عليه صحيًا، وبدنيًا، ونفسيًا، لأنه ببساطة هو المحرك الحقيقى لأى منشأة.. فالحفاظ على العامل ليس ترفًا بل هو واجب قانوني، تحكمه قوانين التأمينات الاجتماعية، فالعامل مؤمَّن عليه ضد الشيخوخة، ضد إصابة العمل، ضد المخاطر الصحية، وله حقوق اجتماعية مثل المصايف، والحج، والأنشطة الرياضية، وحتى الحضانات لأطفاله، وبيئة العمل ليست مجرد مكان لتأدية المهام، بل هى حياة متكاملة، يجب أن تكون آمنة وسليمة ومستقرة.

فى بعض الأماكن، نرى ممارسات صادمة: أسلاك كهربائية مكشوفة، أجهزة مستهلكة دون صيانة، مواتير تالفة، معدات بلا معايير، كل هذا يحدث لأن المسئول لم يضع بند الصيانة فى أولوياته.. وأقولها بصراحة: لا يصح أن نستخدم أجهزة «من تحت السلم»، يجب أن تكون الوصلات الكهربائية، وأجهزة الإنتاج، وحتى الأدوات البسيطة مطابقة للمعايير الدولية، ويجب أن نعرف مسبقًا متى تحتاج كل آلة إلى صيانة، وكم ساعة تشغيل تتحمل، ومتى ينتهى العمر الافتراضى لها.

كل جهاز له دفتر صيانة، وكل خطوة فى أعمال الصيانة يتم التوقيع عليها وتوثيقها، المسألة ليست عشوائية، بل إجراءات محكمة، ومنْ لا ينفذها، هو الذى يقصر فى حق العامل، وحق المنشأة، وحق الوطن.

منذ اللحظة الأولى لإنشاء أى منشأة، نطلب من صاحبها تدريب 10 فى المائة من العاملين على أعمال الدفاع المدني، هذا فى البداية، ثم تستمر الدورات والندوات بشكل دورى ومنظم، لأنه ببساطة الوقاية مسئولية الجميع.

أما القول إن «كل شيء إهمال وكهربا»، فهذا تسطيح مخل، نعم، هناك حوادث مؤسفة، لكن هذا لا يعنى أن المنظومة غائبة، هناك جهاز متكامل للسلامة المهنية، يضم مهندسين، وأطباء، وكيميائيين، يعملون بمنتهى الجدية لتقديم خدمة محترفة، والإجراءات كلها تُنفذ طالما هناك وعى وإرادة حقيقية.

الصيانة أيضا ليست فى أماكن العمل فقط، فالمنزل لا يقل أهمية عن مكان العمل، لكن البيت مسئوليته على أصحابه، أما مكان العمل فيخضع لمجموعة من القوانين والقرارات، وتنفذ بدقة لكى نضمن أن يعمل الموظفون فى بيئة عمل آمنة، وهناك الكثير من الأمور الأساسية التى يجب مراعاتها فى المنازل بإجراء صيانة دورية لكل الأجهزة الكهربائية «سواء تكييف أو ثلاجة أو غسالة أو بوتجاز»، لأن كل جهاز له اشتراطات صيانة خاصة، وإن لم تحدث فى مواعيدها المنتظمة سيكون هناك خلل كبير وربما تحدث كارثة بالمنزل ونحن فى غنى عنها.

كما أن المنشآت الحكومية ليست استثناءً، الصيانة فيها واجبة كما فى أى منشأة خاصة، كل منشأة أيا كانت تبعيتها يجب أن تُنفذ اشتراطات السلامة بدقة. وهناك تفتيش دوري، وهناك لجان متابعة، وهناك اشتراطات تبدأ من لحظة التأسيس، وتستمر طوال دورة التشغيل.. والمطلوب ليس فقط إجراءات جديدة، بل تحديث دائم لوسائل الإنتاج، ووسائل الحماية، وأنظمة الإنذار، وتجهيزات الإطفاء، وكل عناصر الوقاية، فالعبرة ليست بوجود الأجهزة فقط بل بتحديثها وصيانتها وتشغيلها وفق المعايير الحديثة.

كلمة أخيرة، حين نحمى العامل، ونصون بيئة العمل، ونُحدث وسائل الصيانة، فإننا لا نُجامل أحدًا، نحن نحمى أنفسنا، ونحمى اقتصادنا، ونحمى مستقبل الأجيال القادمة.. ثقافة الصيانة ليست رفاهية بل هى واجب وطنى.

الاكثر قراءة