طوق النجاة.. مخرج من نفق مظلم.. إنقاذ مصر.. جميعها أوصاف استخدمت لتصف أهمية الأيام الفاصلة فى تاريخ مصر، من 30 يونيو وحتى الثالث من يوليو 2013، بالنسبة لمصر والمصريين، ولمَ لا؟، كونها أعادت دفة سفينة الوطن لمسارها الصحيح مجددًا، بعد أن عانت على مدار عام كامل تولت فيه جماعة الإخوان الإرهابية حكم البلاد.. ولكن الجيش المصرى- كعادته، أطل بوجهه الوطني، ليواصل بطولاته فى أوقات الأزمات، نجده كلما احتاجته الدولة المصرية.. هنا، ظهر القائد عبدالفتاح السيسى، ببيان تاريخى، أقر فيه: عزل رأس النظام، ورسم خارطة المستقبل، ومن هنا انطلقت المحروسة - مع قائدها، ببناء الجمهورية الجديدة التى نعيش من أجلها خلال يومنا هذا.. لذا ومن خلال هذا التحقيق يدلى الخبراء بآرائهم حول مدى أهمية تلك الثورة لمصر، وماذا كان يحدث خلف الكواليس أخطر فترات الأمة المصرية..
فى البداية، أكد اللواء أركان حرب دكتور سمير فرج، الخبير الاستراتيجى ومدير إدارة الشؤون المعنوية الأسبق، أنه لولا إقدام الشعب المصرى على القيام بثورة 30 يونيو، وما تبعها من استجابة الجيش المصرى وقائده فى ذلك الوقت الفريق أول عبدالفتاح السيسى للشعب ومطالبه، لظلت مصر تحت حكم الجماعة الإرهابية لمدة 500 عام قادمة، مؤكدًا أن أسلوب حكم الجماعة المحظورة يعد الأسوأ على جميع الأصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فكنا سنرى التطرف والتشدد فى القرارات المختلفة المتعلقة، خاصة فيما يتعلق بحق المرأة فى التعليم أو العمل وغيرها من الأساليب المتطرفة المضطهدة للفن والثقافة، وكذا التراث التى كانت «الإرهابية» تعامله بشكل لا يليق به، كإرث تاريخى وحضاري، وكان سيكون حاله كحال مدينة قندهار الأفغانية، التى تعانى من ويلات التطرف والتشدد.
وأشار «فرج» إلى أن الرئيس السيسى كان على درجة عالية من الإحساس بمعاناة الوطن والمواطن، خلال العام الذى تولت فيه جماعة الإخوان الإرهابية الحكم.. فقد كان يعى مدى الظلام الذى شرع فى التغلغل داخل كل مؤسسات الدولة المصرية، مشيرا إلى أنه كان يتحلى بقدر كبير جدا من الشجاعة والمسؤولية منذ بدايته فى صفوف القوات المسلحة وحتى وصل وزيرا للدفاع، الأمر الذى منعه من أن يغض النظر عن تلك التجاوزات فى حق الدولة وشعبها، والتى ستؤدى بنا إلى مصير خطير ومظلم، لذلك تغلبت مصلحة الوطن على حياة الرئيس السيسى، واختار الأخير أن ينحاز رفقة الجيش المصرى، إلى المصريين، ومطالبه المشروعة التى نادى بها خلال ثورة 30 يونيو المجيدة.
«فرج»، سلط الضوء على أكبر التحديات الأمنية التى كانت تواجه الدولة المصرية خلال ثورة 30 يونيو وما تلاها والمتمثل فى الميليشيات المسلحة التابعة لجماعة الإخوان، والتى كانت متواجدة داخل اعتصام رابعة العدوية، وكذا فى ميدان النهضة، فضلا عن تواجد قوى لتلك الميليشيات فى كل محافظات مصر فى ذلك الوقت، وقد أثرت هذه الميليشيات على المواطنين تأثيرا خطيرا خلال الانتخابات التى شهدتها الفترة الانتقالية، حيث منعوا ملايين المواطنين من الإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات، فضلا عن العناصر الإجرامية الخطيرة التى هربت من السجون فى أعقاب ثورة يناير 2011، والتى اتخذت من سيناء مستقرًا لهم وقاعدة لانطلاق الأعمال الإرهابية ضد رجال القوات المسلحة والشرطة، تمهيدا لإعلان إقامة إمارة إسلامية فى شبه الجزيرة المصرية، أو ما عرف فيما بعد باسم «ولاية سيناء».
وأوضح «فرج» أن بيان 3 يوليو كان إعلانًا واضحًا لانحياز وتأييد الجيش المصرى لمطالب الشعب فى حضور وتمثيل لكل طوائف المصريين، بداية من الأزهر والكنيسة ومختلف القوى السياسية، فكلُّ أيد البيان التاريخى وانحاز الجيش المصرى إلى شعبه الغالي.
وعن ردود الأفعال العالمية.. استشهد اللواء سمير فرج بموقف مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق، التى كانت تشغل، فى ذلك التوقيت، منصب رئيس المجموعة الاستشارية، Think Tank، للرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما، الذى كان يعتمد على مثل تلك المجموعات الاستشارية، لمعاونته فى اتخاذ القرارات المهمة، وقد وجه إليها الرئيس أوباما سؤالا مباشرًا، لتوصيف ما شهدته الدولة المصرية، وتحديدًا إن كان انقلابا عسكريًا للإطاحة بنظام الإخوان من السلطة؟ أم كانت ثورة شعبية، أيدها وساندها الجيش؟ وذلك لأنه إذا كان ما شهدته مصر انقلابا، فسيكون له عواقب خطيرة، طبقا للدستور الأمريكى.
وأضاف سمير فرج أنها بدأت بحثها فى الشأن المصرى، بالاطلاع على الورقة البحثية، التى قدمها الرئيس السيسى، فى أثناء دراسته بكلية الدفاع الوطنى، (NDC)، بالولايات المتحدة، لتُفاجأ بأنها دراسة عن الديمقراطية فى دول العالم الثالث، وهو ما يعنى أنه مؤمن، خلال حياته العسكرية، بأهمية الديمقراطية لدول العالم الثالث، كما أنها تابعت أول قرارات الرئيس السيسى بعد توليه الحكم برفع الدعم عن المحروقات، وهو القرار الذى اعتبرته أولبرايت تأخر لأكثر من 40 عاما، فى مصر، خشية المعارضة الجماهيرية، مما أكد لها أنه «Reformer» حسب وصفها، أى إصلاحى، فلو كان تحركه بدافع الانقلاب، لكنا شهدناه يفعل ما يفعله الانقلابيون، بمحاولة استمالة الشعب، بقرارات شعبوية لإرضائهم، والأهم من ذلك، أن الشعب وافقه على قراراته، رغم صعوبتها، ولم يواجهها بالرفض الشعبى، أو بالمظاهرات، وما أكد لها، وللمجموعة الدولية، أن ما حدث فى مصر ثورة شعبية، انحاز لها الجيش، وهو ما رفعته لاحقا فى تقريرها النهائى للرئيس أوباما.
واختتم اللواء أركان حرب دكتور سمير فرج - حديثه، مؤكدا أن الرسالة الأساسية التى استهدفها بيان 3 يوليو هى استقرار الدولة المصرية بعد عزل محمد مرسى وجماعته، والبدء فى الإصلاحات الضرورية التى كانت تحتاجها الدولة المصرية منذ عقود مضت.
واتفق معه فى الرأى، اللواء أركان حرب دكتور نصر سالم الخبير الاستراتيجى ورئيس جهاز الاستطلاع الأسبق، مؤكدًا أن الدولة المصرية مرت بسنة «كبيسة» تحت إدارة الإخوان الإرهابية، شهدت فيها البلاد لحظات صعبة عانى فيها المصريون بمختلف فئاتهم وانتماءاتهم، فقد شاهد الشعب، كيف كانت مصر تباع أمام أعينهم فى تلك الفترة من قبل الجماعة الإرهابية، بداية من اتفاق جيورا آيلاند الذى أبرم بين الأمريكان والإسرائيليين والإخوان وحماس، والذى كانت ستمنح الجماعة الإرهابية بموجبه أجزاء من الأراضى المصرية فى سيناء للفلسطينيين لإقامة دولة عليها على حساب السيادة المصرية والقضية الفلسطينية نفسها، التى كانت ستصفى للأبد بهذا الشكل، مؤكدا أن من كشف هذا الاتفاق هو الرئيس الفلسطينى محمود عباس فى أحد لقاءاته التليفزيونية، عندما قال إن مرسى وحماس وافقوا على هذا الاتفاق بأن يتم ضم رفح ونصف العريش إلى قطاع غزة لتوسعة مساحته وإقامة دولة فلسطينية عليه.
وأشار «سالم»، إلى أن المصرى الشريف لا يقبل أبدا بأن يتنازل عن شبر واحد من أرضه لأى سبب كان، لا سيما سيناء التى اختلطت كل حبة رمل من رمالها بدماء الجنود والضباط وضباط الصف والمدنيين من أهل سيناء الشرفاء، خلال حروب مصر دفاعا عنها على مر العصور، مشيرا إلى أن الدولة المصرية فى هذا التوقيت كانت تحت حكم الجماعة الإرهابية ممثلة فى مرسى المعزول، والذى كان يردد فى خطاباته كلمة «أهلى وعشيرتى» وهو أمر لا يليق بمؤسسة الرئاسة المصرية التى هى كيان مصرى وطنى مخلص لكل المصريين وليس لطائفة بعينها دون بقية الشعب.
وأوضح اللواء سالم، أن النظام الحاكم - حينها، كان سيجر مصر إلى حروب لا ناقة لنا بها أو جمل، وذلك عندما وقف رأس النظام مرسى آنذاك مرددا «لبيك سوريا»، مضيفا أنه حتى على مستوى أزمة سد النهضة الإثيوبى، الذى شهد تطورا متسارعا فى معدلات الإنجاز خلال تولى الجماعة الإرهابية الحكم، والتى بدورها عقدت اجتماعا بالرئاسة، وكان مفترضا أنه كان سريًا لبحث أزمة سد النهضة إلا أنه كان مذاعًا للعالم أجمع، الأمر الذى جعل الدولة المصرية فى موقف محرج جدا آنذاك.
وأكد «د. نصر»، أن الدولة المصرية قبل ثورة 30 يونيو كانت تدار من مكتب الإرشاد، ومن قبل أشخاص ليس لديهم الحد الأدنى من الخبرة المطلوبة لممارسة العمل السياسى، لذلك لولا قيام ثورة يونيو، لكانت مصر دخلت نفقا مظلما لا رجعة منه، خاصة أن نهج «الإرهابية» كان يعتمد على السمع والطاعة، لذا قامت جماعة الإخوان بارتكاب العديد من المجازر ضد العديد من المصريين لمجرد اختلافهم معهم فى الرأى.
وأتم اللواء أركان حرب دكتور نصر سالم - حديثه، موضحا أن الشعب المصرى فى ثورة 30 يونيو، هو الذى استدعى جيشه، من أجل حمايته من «بطش» الإخوان، وبدورها لم تتأخر قواتنا المسلحة عن النداء، ووقفت لحماية الشعب من أى تهديد أو عدوان، سواء كان من الداخل أو الخارج.
أما اللواء أركان حرب دكتور محمد الشهاوى، رئيس أركان إدارة الحرب الكيميائية الأسبق، عضو المجلس المصرى للشؤون الخارجية، فأشار إلى أن ثورة مصر فى 30 يونيو تجسدت فى منصة بيان 3 يوليو، تلك المنصة التى رسمت صورة مصر الحديثة والجمهورية الجديدة، ولولا 30 يونيو لما كانت منصة 3 يوليو التى التقاها قادة القوات المسلحة ورجال القضاء والأزهر والكنيسة والوجوه المدنية والحزبية، ونص البيان التاريخى لتحرير الأرض والعرض من قبضة الإخوان، وألقى السيسي بجانبه كبار رموز الدولة، خطاب تعديل مسار الوطن، والتفت القوى الوطنية حول أهداف واحدة لخارطة المستقبل.. هنا احتفل الشعب بالبيان فى الشوارع والميادين، وهلل المواطنون فرحًا فى ميدانى التحرير والاتحادية، إلى جانب مختلف محافظات مصر، التى عمت فيها الأفراح، بعد أن سقط حكم الإخوان وبدأت مرحلة جديدة أنهت مساعى الجماعة الإرهابية للسيطرة على جميع مفاصل الدولة وأخونتها.
وأشار «الشهاوى» إلى أن ثورة 30 يونيو أعادت لمصر سيادتها وريادتها، فقد واجهت القيادة السياسية 3 تحديات رئيسية هى غياب الأمن والاستقرار السياسى وتحدى الإرهاب والتطرف، وإنقاذنا من الانهيار الاقتصادي.. لذا قامت دولة 30 يونيو على تدشين مشروعات التنمية المستدامة والإصلاح الاقتصادى والإدارى، لافتًا إلى أن تنفيذ مشروعات التنمية المستدامة تم طبقًا لنظرية الدفعة القوية للعالم روزنشتاين رودان، وهى تشير إلى توزيع المشروعات القومية الكبرى فى مختلف القطاعات الخدمية والصناعية والزراعية على الأقاليم والمحافظات المصرية كافة، مع توفير برامج لحماية الضمان الاجتماعي، مثل «تكافل وكرامة» و«كتف بكتف».
وأكد «د.الشهاوى»، أن أهم ما يميز ثورة يونيو أنها أعادت الوطن إلى مساره الطبيعى والصحيح وجنبته شرور الانقسام والاقتتال الداخلى، كما أنها تعد إعلانًا واضحا وصريحا على قدرة الشعب المصرى على الخروج من دوائر الإحباط وعدم الاستسلام لليأس ورفض الأمر الواقع وصنع التغيير، عندما يكون التغيير ضرورة حياة وبقاء، مؤكدا أن ثورة 30 يونيو حققت الكثير من الانتصارات للدولة المصرية داخليا وخارجيا، فى مقدمة تلك الانتصارات تمكنها من وقف ما يعرف بالمد الإخوانى داخل مصر والمنطقة العربية، كما دمرت مشروع فصل سيناء وتوطين الفلسطينيين بها وفقا لمشروع مستشار الأمن القومى الإسرائيلى «جيورا آيلاند» فى يناير 2010 تحت عنوان «البدائل الإقليمية لفكر الدولتين للشعبين» وعرفت فى الصحافة الغربية بصفقة القرن.. كما عبرت ثورة 30 يونيو 2013 بوصلة المشهد السياسى فى مصر والمنطقة العربية، طبقا لمخطط برنارد لويس صاحب مشروع الشرق الأوسط الجديد، وخرائط رالف بيترز، نائب رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية الأمريكية، تحت مسمى خرائط الدم ضمن كتاب: «لا تترك القتال أبدا» لإعادة هيكلة الشرق الأوسط وتحويله لدويلات ذات توجهات دينية ومذهبية وطائفية حتى يمكن السيطرة عليها.
وواصل اللواء محمد الشهاوى، قائلًا: إن ثورة 30 يونيو كانت استعادة وطن وإنقاذ أمة، حيث أدت إلى حماية الوطن والحدود والهوية والحضارة، وتمت إعادة تسليح الجيش المصرى، إلى جانب البناء والتنمية، كما أن الشعب المصرى عليه أن يفخر بثورته التى فجرت طاقات إبداعية وأخرجته من نفق مظلم إلى شواطئ الأمل والرجاء وتثبيت أركان الدولة وإعادة بناء مؤسساتها الوطنية ووقف انتشار الإرهاب والقضاء عليه، مشددًا على أن القوات المسلحة المصرية فى أعقاب ثورة 30 يونيو قامت بأكبر عملية تحديث وتطوير فى تاريخها، حيث نوعت مصادر التسليح وتطوير الأفرع الرئيسية للجيش المصرى وإنشاء قواعد عسكرية متكاملة على كل الاتجاهات الاستراتيجية وتسليح القوات المسلحة بالميسترال والفرقطات والطائرات الرافال والغواصات، وغيرها من المنظومات الدفاعية والهجومية المتطورة، مضيفا أن هذه الثورة العظيمة هى الدرس الذى سيتوقف أمامه التاريخ فى كل ما حدث، فهو شجاعة القرار من القائد والاستجابة السريعة من الشعب.
واستكمل «الشهاوى»، قائلًا: إن 30 يونيو ثورة عظيمة واجهت تحديات وتهديدات، والتى كانت تجابه الأمن القومى المصرى، ولكن استطاعت الدولة أن تنتصر، وتمت إعادة بناء قواتها المسلحة، مع بذل جهود اقتصادية وتنموية والانخراط فى تسوية الأزمات الإقليمية، والحفاظ على مفهوم الدولة الوطنية.. ونجحت الثورة فى دحر الإرهاب، ونشير هنا إلى أنه فى أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، شهدت الفترة من يونيو 2014 إلى يونيو 2017، نحو 1329 عملية إرهابية، ثم بدأت الأرقام فى الاندثار، حتى أعلنت مصر انتصارها فى حربها على الإرهاب، عبر جهود التنمية، وهو سلاح جديد استطاعت مصر أن تقضى خلاله على العمليات الإجرامية، ولا ننسى عملية «حق الشهيد» والعملية الشاملة «سيناء 2018»، حيث استطعنا القضاء على الكتلة الصلبة للإرهابيين.. مختتمًا حديثه، مؤكدا أنه بعد مرور 12 عاما على ثوره 30 يونيو 2013 نجد أن هناك تحديات أخرى، وأن الأطماع فى سيناء لا تنتهى، ولكن بتحدى قيادة سياسية وشعبية واعية، سنواصل الحفاظ على الأمن القومى المصرى.

