رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الحج «أشهر معلومات»


5-6-2025 | 20:03

.

طباعة
تقرير: أميرة صلاح

يشهد العالم الإسلامى أعظم الأيام وأسمى العبادات وأعظم الشعائر فى الإسلام، شعيرة «الحج»، وهى ليست عبارة عن شعائر ومناسك مجردة عن أى بعد روحى ونفسى وخلقى، فالمتأمل فى شعائر هذه العبادة ومناسكها يستشعر المعانى والمقاصد الإيمانية الرفيعة والدلالات التربوية العظيمة التى يشعر بها الحجاج أثناء تأديتهم لهذه الفريضة.

فـ «الحج» ينمى فى قلوب «ضيوف الرحمن» الشعور بوحدانية الله تعالى، فيستشعرون معانى التوحيد من خلال وحدة المناسك والمشاعر والعبادات، ووحدة الأقوال والأدعية، فجميع من فى الحرم يعبدون ربّا واحدا ويتبعون الرسول ، فلا يعظمون إلا الله تعالى وحده، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِى شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِى لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾.

أما فى قوله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِى الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِى الْأَلْبَابِ﴾، أثار هذا التعبير «أشهر»تساؤلات حول الدلالات لهذا الاختيار اللغوي، وما الذى يقصده الله سبحانه وتعالى من هذه الفترة الزمنية الممدودة، ولماذا لم تقتصر الآية على «أيام» فقط؟ فى هذا التقرير، نستعرض معانى ودلالات هذه الآية، وكيف يساهم تحديد «أشهر» فى تعزيز فهمنا للعبادة الكبرى التى تبدأ بالاستعداد الروحى وتنتهى بالمناسك الفعلية.

الدكتور عطية لاشين، أستاذ الشريعة وعضو لجنة الفتوى بالأزهر أوضح أن «العلماء اختلفوا فيما بينهم حول مقصود الله سبحانه وتعالى من قوله تعالى، حيث انقسموا إلى رأيين، الأول جمهور أهل العلم رأوا أن أشهر الحج المعلومات هى شوال ،وذو القعدة ،وعشر من ذى الحجة ، أما الرأى الثانى قال به المالكية هو أن أشهر الحج المعلومات شوال ،وذو القعدة ،وذو الحجة كاملًا».

وأضاف: إنما قال الله (أشهر معلومات ) ولم يقل أياما معلومات، رغم أن أعمال الحج تتم فى أيام وليس فى أشهر، والأيام التى تستغرقها أعمال الحج تبدأ من يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذى الحجة ثم يوم عرفة الذى هو التاسع من ذى الحجة ثم يوم النحر وهو العاشر من ذى الحجة ثم أيام التشريق الثلاثة المسماة أيام منى حيث يتم فيها المبيت فى منى إما ثلاثة أيام وهى الحادي، والثاني،والثالث عشر من ذى الحجة لمن أتم أما من كان متعجلا فيبقى فى منى يوم الحادى عشر والثانى عشر يرمى فى كل منهما الجمرات الثلاث، قال الله تعالى: (واذكروا الله فى أيام معدودات فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى).

وأوضح: إذا حسبنا الأيام التى تؤدى فيها أعمال الحج نجدها كما ذكرنا تبدأ من يوم الثامن من ذى الحجة، وتنتهى باليوم الثانى عشر منه للمتعجل، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا قال الله: (الحج أشهر معلومات )ولم يقل :أياما معلومات لأن الأيام السابقة على يوم الثامن بمثابة الإحرام لهذا الوقت لأن الحجيج يأتون لبلد المناسك من بلدان شتى وكان السفر وقتها يستغرق أشهرا حتى يتمكنوا من المجىء إلى مكة قبل يوم التروية المشار إليه ،وهذا يستوجب عليهم أن يكونوا محرمين من ميقات بلدهم، ويأتون إلى مكة محرمين.

الشيخ محمد حشاد، نقيب القراء وشيخ عموم المقارئ المصرية قال إن قول الله تعالى: «الحج أشهر معلومات» جاء بصيغة «أشهر» بدلًا من «أيام» لعدة دلالات ومقاصد عميقة فى معانى الآية. ومن أهم هذه المقاصد أن مناسك الحج لا تقتصر على أيام قليلة بل تمتد على عدة أشهر، إذا قال «أيام» لكانت الدلالة على أن الحج هو فقط فى عدد معين من الأيام (مثل أيام التشريق أو يوم عرفة). لكن الحج فى الحقيقة يمتد على عدة أشهر وتبدأ فى شهر شوال وتستمر حتى أيام من ذى الحجة، فالآية تشير إلى فترة زمنية ممتدة نسبياً حيث يتهيأ المسلمون ويتجهزون للحج فى الأشهر السابقة، ثم يكون موسم الحج نفسه فى أيام ذى الحجة.

وأكد «حشاد» أن الحج ليس مجرد مناسك فردية أو عبادة قصيرة، بل هو موسم عبادات يشمل التوبة والتطهير الروحى والتفرغ للعبادة، وهو يحتاج إلى تأهب وتهيؤ. لذا أتى التعبير بـ «أشهر» ليعكس أهمية الاستعدادات التى قد تبدأ قبل أشهر من أداء المناسك الفعلية.

«أشهر الحج» تشير إلى مرحلة مبكرة فى حياة المسلم، حيث يبدأ فى التأهب، الإعداد، والمراجعة، حتى يصل إلى مكة ويؤدى المناسك وفق الشريعة، فهو ليس فقط مناسك جسدية من طواف وسعى، بل هو أيضًا مناسك روحية. الفترة الممتدة التى يشير إليها «أشهر» يمكن أن تكون فرصة للمؤمنين للتفكير فى تقوى الله، والتوبة، والتحضير النفسى والروحى، هى رحلة شاملة ومتكاملة تبدأ قبل أشهر من السفر.

من ناحية أخرى، كلمة «أيام» لكانت الدلالة على الوقت الضيق الذى يتم فيه أداء المناسك، وهو أمر يتناقض مع حجم الاستعداد المطلوب للحج. فالحج يبدأ فى شوال وتستمر الشعائر بشكل متدرج حتى يوم العيد، وهو ما يتطلب فترة أكثر من مجرد أيام معدودة.، فهو يتضمن عدة مناسك تُؤدى على عدة أيام متفرقةبداية من الإحرام .، الطواف القدوم، السعى بين الصفا والمروة، المبيت فى منى، الوقوف بعرفات، المبيت فى مزدلفة، رمى الجمرات، الهدى والتحلل وطواف الإفاضة، الإحرام وطواف الوداع، إتمام الحج، وهذا لا يمكن أن يكون محصورًا فى أيام فقط، بل يحتاج إلى أشهر من الترتيبات، التحضيرات، والعبادات، بحسب ما ذكره نقيب القراء.

وأوضح أن اختيار «أشهر» فى الآية يساهم فى إظهار أن الحج ليس مجرد يوم أو أيام معينة، بل هو موسم روحانى ومناسك ممتدة عبر فترة زمنية تحتاج إلى استعداد طويل، ويؤكد على أن الحج ليس عملًا فجائيًا بل هو عبادة تتطلب تركيزًا روحيًا وزمانيًا طوال هذه الأشهر المحددة.

من جهتها، قالت الدكتورة حياة العيسوى، الباحثة فى الجامع الأزهر الشريف، قائلة:»إن الله سبحانه وتعالى فى فرائضه قيد اختيار الإنسان إما مكاناً وإما زماناً، وهناك من العبادات ما لم يقيدها الله زماناً ولا مكاناً. فشهادة أن لا إله إلا الله وأن سيدنا محمداً رسول الله لم تقيد بزمان أو مكان، تقولها فى بيتك.. فى عملك.. فى الشارع، تقولها فى أى مكان.

وأوضحت «د. حياة»: «أما الصلاة عبادة قيدها الله عز وجل زماناً، ولم يقيدها مكاناً، فكل صلاة لها وقتها، ولا تصح الصلاة إلا بدخوله، وتستطيع أن تصلى فى أى مسجد، أو البيت، أو فى العمل، قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ـ «وَجُعِلَتْ لِى الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا ؛ فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِى أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ».

فيما فرض الصوم قيده الله زماناً فى شهر رمضان من كل عام، قال تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»، بحسب ما ذكرته الباحثة بجامع الأزهر الشريف.

«العيسوى»، أشارت إلى أن الله قيد فريضة الزكاة زماناً ومقداراً ولم يقيدها مكاناً، فمثلاً زكاة الفطر تنتهى بآخر رمضان، وزكاة الزروع والثمار وقتها عند الحصاد، قال تعالى: «وَهُوَ الَّذِى أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ.»

وعن «الحج»، قالت «العيسوى»، إن الله قيده زماناً ومكاناً، فلا تستطيع أن تحج وأنت فى بيتك، بل لا بد من ذهابك إلى بيت الله الحرام فى مكة، ويوم عرفة محدد بزمان وهو يوم التاسع من ذى الحجة بالوقوف بعرفة دون سواه؛ فلا يصح أن يأتى يوم عرفة وأنت تقف فى مكان غيره وتقول أنك حججت، قال صلى الله عليه وسلم:»الْحَجُّ عَرَفَةُ»، فالحج هو الركن الوحيد الذى قيده الله -عز وجل- بمكان وزمان؛ لذلك كان جزاؤه غفران الذنوب، قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» والحج للمستطيع فقط، قال تعالى: «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا».

أخبار الساعة

الاكثر قراءة