غباء ننتظر للقصة بقية رغم أنها قصة كل زمان.. تساؤل يتبدد ويعاود الظهور مع توالى إرغامنا على المضى فى الحياة.. ربما أتى المجهول بغير ما يبدو!.. نرجوه حتى ولو كان جحيما!.. كم عذبنا أنفسنا بجدلية الاستحقاق والجدارة؟!.. مع واقع لا تنفع معه حسابات أو حذر فالتقييم غالبا فى نهاية الرحلة.. يأتى الحكم علينا بالنجاح أو الفشل.. فاشلون غالبا يفطنون للغباء والبلاهة فيما أصابهم من نتيجة الخواء من كل مكسب.. عمر نقضيه هباء.. يمر سريعا ويتسرب من بين أيدينا.. منينا بأصعب الأحكام فى نهايته وعلينا ألا نبالى دون شفقة أو لعنة.. لا يهم!.. أنت من تفكر فى أمرك.. وأنت بالنسبة للآخرين مجرد مرور ثقيل.. يودون أن ينتهوا منه دون مستقر ينازعهم.. تظن أنك بقدر تضحيتك بكل مغرى ومنازع للأخلاق تكبدت الثمن محققا للأسطورة!.. قد تكون مجرد مبررات لخيبتك رغم نصاعة تجربتك مما يشين أو يخزى!.. تتصور تذكر التاريخ لك بالخير!.. ربما قد يكون وأنت غير شاهد!.
بصعب الحال المنصوب دائما.. نُسارع الخطوات خلف الحياة بالخسران غالبا نحظى!.. ولا نعلم العيب فينا أم فى الحياة؟!.. فى فخ الأضداد تسقطنا.. ترغمنا على تقبل حالات سرقة كل أشيائنا مهما كانت تافهة.. نكمل الطريق ونغالط رغم علمنا بكذب غيرنا وكذبنا على أنفسنا؟!.. نقترب ونلاحق ونخطئ ونعرف ولا نفهم؟!.. ويستمر الخطأ وتستمر الحياة؟!.
مناورات ومهاترات وبلاهة وعجب وخبل.. فى اختلاط وشقاء.. فى أطوار من الكوميديا السوداء.. تحفل بالألم فى تصدر فريق من التافهين ومن يحمل أدوارا تحمل جينات حيوانية.. يتفاعل ويتناقل ويتقمص فى تداخل يفضى للأسى والحزن.. وعلى عكس ما يدور فى حكايات وقصص المغالبة النمطية.. ما تركز على الأسد ملك الغابة والفيل وزيره الطيب الذى لا يحمل مطامع فى الملك والسيطرة رغم ضخامة حجمه.. و ننسى القرد والحمار بطلىْ كل حكايات الواقع المريرة فهما المسيطران على المشهد فى الغالب.. القرد بما يملك من حركات استعراضية ومهارات الانتقال بين الأشجار والتقاط الثمار، ورغم تلك المهارات لا يتعدى دوره عن التنطيط والتقليد الأعمى؟!.. أما الحمار فهو الموصوف بالغباء والتحمل والصبر والأكثر قبولا من الجمل الذى يخيف حجمه إسناد أى عمل له.. مما جعل الحمار يتولى ولا يغدر ولا يملك أمره.. يحمل أسفارا.. لا يعلم سوى طريق عمله ذهابا وإيابا دون خطأ فى الوصول للعنوان.. ولا تفوتنا الدهشة مما يحمل من كنوز جعلت منه نجما بفضل غبائه وشهوته التى لا تسمح له بفتح الكنوز أو التهامها أو حتى سرقتها!.. عجب نردد كيف تسند له الأعمال الجسام؟!.. لأننا نقيس على الوصفة النمطية المثالية بأن تسند هذه المهام للأكثر نباهة.. نردد تلك الأفكار من خلفية ما تعلمناه من قيم ومبادئ بعيدة كل البُعد عن الواقع.. ومع كل مناسبة ومناقصة لتوريد منصب أو وظيفة.. تنطلق الشائعات فنخلع مواصفات الجدارة على كل بشرى يصلح للمهمة.. ويفاجئنا الواقع بالعودة لنقطة الصفر وتولى الحمار وتراقص القرد واحتشاد المشهد بالتافهين.. ويظل الكل فى تعجب لأننا لا نتعلم ولا نصدق ولا نبنى أحكاما على ماضٍ.. يفشل الحمار ويمرض القرد ولا يخلو المشهد من التافهين ونعاود رسم سيناريوهات تولى المشهد للمستحق دون جدوى! .
رغم أن هذه الحكاية ليست بالغريبة فهى جزء من تراثنا الذى تلقناه فى قصص الطفولة بل كانت أشهرها؟!.. علمونا إياها لكنهم لم يعلمونا أنها القصة الوحيدة للواقع.. بل ألقوها على مسامعنا لنفطن للحيلة من وصفة السم لإهلاك الأسد الذى قدمها له القرد حكيم الغابة.. لكنهم استمروا فى تلقيننا مبادئ وقيماً عن الاجتهاد ونصيب المجتهد من الحياة الرغيدة دون أن يعلمونا أننا نحيا فى غابة من الدمى مرتبطة بخيوط وهمية للصراع أبعد ما تكون عن المنطق والقبول العقلى؟!.
واذا كانت رمزية العروض الحيوانية كافية لشرح خلل الواقع.. فاحتشاد الأجواء بالتافهين المميزين الذين يشبهون رموز الحيوانات لا تقل قوة وقسوة مع فارق بسيط فى غياب ملامح الوحوش النمطية.. فهى من الاستئناس ما تجعل العرض هزليا مزيفا يصيب المتابعين باليأس وقلة الحيلة فى صنع الجديد أو حتى المشاركة، ورغم هزلية العروض تجد الأطماع صوب محاولات المشاركة والفوز بالمكاسب السهلة.
فى تضاد بين غباء المسيطرين وخسارة النابهين.. وتحطم طموحاتهم فى المشاركة فى عروض جديرة بالاحترام.. تخترقهم العروض وأصحابها التافهين.. تجتازهم فى فوضى وعبثية تصر على المرور فوق أجسادهم مهما حاولوا الحياد.. فلا حياد بوجود من يعكر صفو هزلية العرض ويزعج العارضين ولا يجعل الأحداث تمر بسلاسة.
فى عروض غير هادئة رغم التفاهة فى النص والدور.. تفور بالفجاجة والتوحش بموت ضمائر أصحابها فى تصدير صور هشة لواقع صار لا يحمل قيما أو حتى إفساح المجال لخيالات من أمل أو بصيص من نور لتغير واقع حارت معه كل العقول والأفكار فى لماذا وكيف؟!.. وفى الإحباط العارم الطاغى وإطلاق أسئلة قاتلة لفريق غير مشارك.. ما زال يتصور نهايات غير متوقعة رغم شحّ الفرص المتاحة.. فمعاناته تخلق منه اضطرارا لصد الواقع حتى ولو دفع الواقع به للتقهقر.. معكرا عليه صفو حياته التى تنازل فيها عن كل أسبابها.. لوحدة لم يستطع أن ينعم فيها بعزلة تحفظ وجوده؟!.. تقذف به فى مكامن الخلل وتدفعه لأمراض نفسية رغم امتلاكه رشده.. لكنه صار المترنح وسط فوضى.. ربما لو كانت هناك ثمار لنتاجات أعماله كانت حالته على غير ماهى عليه!.. فهو لم يفقد حقه فى الطموح والترقى فحسب بل فقد آماله فى واقع سليم يتطور ويرتقى على أسس ومبادئ استقرت فى أذهان المنطق السليم عبر قناعات وعقائد تلقاها.. فصار يرى كل انهيار لقيم ومبادئ دون أن ينتبه أحد!.. ولا يجد سوى معاودة التعلق بذاته التى تعد أقوى الأشياء.. فى واقع هش تهاجمه سيول الحثالة والتدنى.. يدفعه الصراع وحيدا.. فالناس تجتمع حول المصالح والمنافع، ورغم الألم يعلم أنه لم يخسر سوى معطيات لأشياء رفض دفع ثمنها من ذات آمنت بقيمتها.
يمضى التافهون بسلاسة ويسر فى طريق مفتوح ينهمون كل ما يمكن حمله.. فى طريق المكاسب والمغانم إلى أبعد الحدود وأصعبها على غيرهم.. أتت إليهم دون جهد أو تعب يصنعون ملامح جديرة بالتوقف والتأمل.. ربما كان جهدا من نوع خاص احتفظوا بملامحه وخصوصيته!.. أو ربما كان واضحا ومن شدة غرابته نراه خفيا رغم حملهم الخفى والمبهم والغامض من صعودات غير مبررة فى سلم الحياة!.. دفع بهم لقمم جعلت الكل فى دهشة وأسى!.. تركت علامات الحيرة على وجوه من ارتاد طريق الكفاح والجهاد وحمل موهبة وإخلاصا.. جعلته فى القاع يعانى السقوط دون توقف فى تهاوٍ وإحباط.
نواصل الغباء بالحيرة لمحددات الصراع.. رغم أنه معادلة صعبة لكنها فكت شفرتها واستقرت نتائجها.. ومن يريد الخوض والفوز عليه تنحية قناعاته وامتلاك قناعات أصحاب المشهد المسيطرين فى تنافس وتناحر فى صراعهم الدامى الذى لا يسمح بمرور أى ضعيف.. فما بالك بمبتدئ لا يُجيد الألعاب البهلوانية.. يحمل من النزاهة والحمق ما يجعله أول المنهزمين؟!.. على أية حال كشفت أركان اللعبة ولا مكان للحيرة والتيه.. إما تخوض وتفوز بشروط اللعبة.. أو تمكث فى صفوف المشاهدين المهللين خوفا من التقاط الكاميرات صورا لك غير مصفق.. أو تعتزل الحياة تماما متلقيا كافة الضربات فى انتظار حتف ونهاية ترتاح معها ويرتاح غيرك من صراعك الذى يفقدهم الكثير من الوقت والجهد.. فالمجال لا يتسع للتعامل مع نقائص الآخرين.. ولا شىء مجانى.. كل يقايض ويقبض الثمن.
فى وقت يخلق الصراع والتناحر قوالب من الأعراف ليست من الأخلاق والمبادئ والقيم.. يقفز التافهون ويتقاذفون ويؤلفون واقعا شديد الشذوذ بعيدا عن محددات الخلق القويم، فيقر أشكالا مهترئة من الخسة تقبل كل تجاوز وتتناسب معه. والمثير للدهشة أن هذا حال الكثير من المجتمعات الهشة.. فحينما تفتح الأحاديث وتكشف عن المسكوت عنه تجده حالة شائعة لدرجة الخطورة.. تشى بحالة الدمار وتحمل رعبا أكبر من أصحاب النزاهة الذين يحاربون طوال الوقت.. ورغم صلابة التافه فى المرور وسط صعوبات الحياة وقدرته على التملق للاستئناف من جديد إلا أن القضاء عليه يكون بإحلاله بنموذج أكثر حداثة ومواكب لمتغيرات الزمان.. فتتصدر قدوات جديرة بالمتابعة، استطاعت أن تتفوق على سابقيها الذين اكتفوا برحلة واحدة من الصعود.. فالتطور يشمل كل شىء كمخرجات الذكاء الاصطناعى؟!.. يجعل هناك نماذج مبهرة لا تستطيع قدراتك تصورها.. فتجدهم يستغلون وجودهم فى أماكن للصعود لأخرى.. وهم يعلمون ويدركون أنهم منْ دمروها قبل الرحيل لصالح المنافس المنتقل إليه.. أو لغلٍّ أو ثأر من الانقلاب عليه؟!.. لديهم من الاستعدادات والخطط التكتيكية ما تجعلهم نماذج مغرية أكثر جاذبية؟!.. يمرون ويمرون فى ظهور غامض!.. كما لو كانوا «مستر إكس» الذى لا يُقضى عليه أبدا.. موجود حتى آخر الزمان.. ولا يفوتنا أن نوجه لفريق النابهين اللوم على كسلهم وضعفهم وقلة الحيلة والطموح الذى تغيرت معه المعايير بتغير الأزمان؟!.
ونتساءل هل تدفع فوضى المشهد لتآكل ما فيه فيصير الكل عدما.. رغم أن كل أمر جائز لكنها نتيجة لا تعمم على كل أشكال الصراع.. لكن المؤكد أنه يفضى لحالات وأشكال جديدة للأسوأ.. فالعناصر المنحطة لا تفضى إلا لنماذج مشابهة.. ويستمر الانحطاط ويستمر الإحباط والهذى والرغبة فى التناسى.. وتتعجل قائلا إذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يشهد الاستقرار على إبقاء الأقوى والأعلى صوتا.. فلو كانت المعركة حُسمت وانهار كل شىء وعرف الفريقان المنهزم من المنتصر لزال فريق بما يحمل وبقى الآخر مسيطرا.. لكن الحقيقة أنه لم يستطع فريق إزالة الآخر ولم تخرْ عزيمة الأقل حظا فى استمرار لعبثية المرور فى الحياة.
وهكذا تدور الوقائع ما بين مسروق وطفيلى يسرق أشياء غيره لا يحمل غير ماضٍ قبيح.. لا أحد ينسى هذا الماضى حتى من أمثاله.. يكره هذه النظرة الخبيثة المصوّبة له أكثر من تلك الفاضحة من الآخرين.. هى الوصمة التى تلاحقه مهما اعتلى وتعالى.. هى العقاب الذى يظهر بعد السقوط من فوق قمم المنحنى.. رغم تكبده الثمن لإسكات غيره.. لكن لا أحد يسكت على تداول الأصل الوضيع.. حاضرا شاهدا.. رغم أنه ليس كل منْ يحمل هذه الشهادة حاقدا.. مهما رسمت من صور مزيفة وأقنعت نفسها بفوز.. لكن الاستحقاق سيظل نقطة الضعف التى تطارده فى نكران وانتقام، ومهما كان الزهو فلابد من نهاية.. نحيا أعمارنا فى انتظارها.. فى سيناريوهات نعقدها مع أنفسنا لنحظى بها قبل الأوان.. نهاية لموازين مقلوبة وأوضاع مغبونة.. مع زمن يتغير حتى ولو طال أمده، وصار للزيف قوة مغالبة لمنْ استضعف.. يحيا يكابد ويجافى واقعا ولسرمدية الظلم يعاند؟!.