فى ذكرى تحرير سيناء المجيدة، التى تُحييها مصر كل عام فى الخامس والعشرين من أبريل، تعيد علينا ذاكرة الوطن تفاصيل ملحمة وطنية سطرها أبناء سيناء بروح التضحية والفداء. فبعد سنوات من الكفاح المرير تحقق النصر باسترداد الأرض والعرض، لتبقى سيناء رمزاً للصمود والإرادة التى لا تنكسر.
اليوم، وبينما نحتفى بذكرى هذه المناسبة العظيمة، نلتقى برئيس جمعية مجاهدى سيناء الشيخ عبد الله جهامة، الذى تحتفظ ذاكرته بحكايات البطولة، وشهادات حية عن مسيرة النضال التى شارك فيها أبناء سيناء لتحرير ترابهم المقدس.
فى هذا الحوار، نستعيد معه ذكريات المعارك التى خاضها المجاهدون ضد الاحتلال، ودور الجمعية فى توثيق هذه الملحمة التاريخية، ورعاية أسر الشهداء والأبطال. كما نستطلع رؤيته حول مستقبل سيناء فى ظل المشروعات التنموية العملاقة التى تشهدها، والتحديات التى لا تزال تواجهها لضمان استقرارها وأمنها. حديثٌ يجمع بين إشراقة الماضى المجيد وهموم الحاضر، وتطلعات المستقبل، فى حوارٍ مع رجلٍ عاش الزمنين، وشاهدٌ على تحوُّل سيناء من ساحة حرب إلى رمز للسلام والبناء.
فى ذكرى تحرير سيناء، كيف ترون أهمية هذه المناسبة فى وجدان الأجيال الجديدة التى لم تعاصر أحداث التحرير؟
يحتفل الشعب المصرى كله بأعياد تحرير سيناء، ولا شك أن الاحتفالات هذا العام تتزامن مع العديد من التحديات والأحداث المحيطة الهامة بالمنطقة، خاصة التصعيد الذى يقوم به الجيش الإسرائيلى ضد الأشقاء فى قطاع غزة، الأمر الذى يجعل الأجيال الحالية تفتخر بما حققته الأجيال السابقة من جهود حثيثة من أجل استعادة الأرض وطرد المحتل، كما يحتفل المصريون بعيد تحرير سيناء هذا العام بعد تطهيرها والقضاء على التنظيمات الإرهابية التى كانت تروّع الآمنين من أهالى سيناء، وتستهدف رجال القوات المسلحة المصرية البواسل الذين كان لهم الفضل بعد الله عز وجل، فى أن تنعم سيناء بالأمان والاستقرار بعد أن ضحوا بأرواحهم وروت دماؤهم الذكية تراب سيناء.
وتتزامن الاحتفالات فى الفترة الأخيرة منذ تولى الرئيس السيسى الحكم مع الإعلان عن مشروعات تنموية جديدة بسيناء أو افتتاح بعض منها، تلك المشروعات التى تعود بالنفع على كافة أهالى سيناء، وتؤكد أنها جزء أصيل غير منسى من الدولة المصرية شعبا وحكومة.
كيف تقيّم المشروعات التنموية الأخيرة التى شهدتها سيناء؟
لم تشهد سيناء طوال تاريخها حركة تنمية مثل التى تشهدها حاليا، فقد نظرت الدولة المصرية فى عهد الرئيس السيسى إلى سيناء باعتبارها فرصا واعدة يجب استغلالها، وقد لمس جميع أبناء سيناء الفوائد من تلك المشروعات بشكل مباشر بداية من مشروعات الأنفاق التى ربطتنا بأهالينا من المصريين من مختلف محافظات الجمهورية، وسهلت وقللت الوقت اللازم للانتقال من وإلى سيناء، ليس هذا فحسب فبعدما توقفت حركة القطارات بسيناء لعقود طويلة مضت عادت القطارات إلى سيناء لتقل المواطنين من العريش وحتى أسوان جنوبا ومطروح غربا فى أمان تام، بل وتعمل الدولة حاليا لربط شمال سيناء بجنوبها عبر خط سكة حديد يصل بين ميناء العريش شمالا وإحدى مدن جنوب سيناء جنوبا فى خطوة جديدة لدعم تنمية واستقرار سيناء والاستفادة من موقعها الاقتصادى الرابط بين البحرين الأحمر والأبيض.

ما أبرز الذكريات الشخصية التى تَحملها عن فترة الكفاح لتحرير سيناء؟
أذكر أنه عقب حرب 1967 واحتلال الجيش الإسرائيلى لكامل سيناء لم يتبقَ فى سيناء سوى أهل سيناء فقط من المصريين الذين قدموا الدعم لعناصر المخابرات الحربية خلال حرب الاستنزاف، خاصة بعدما أنشأ الرئيس الراحل جمال عبدالناصر منظمة سيناء العربية لينخرط شباب سيناء فى ذلك الوقت، ولى الشرف أننى كنت مشاركًا فى العمل الفدائى تحت قيادة المخابرات الحربية المصرية من خلال رصد تحركات العدو الإسرائيلى؛ ليصبحوا بمثابة الرادارات البشرية على أرض سيناء، وعقب استرداد سيناء تحولت المنظمة إلى جمعية مجاهدى سيناء التى أشرف برئاستها حاليا، فسيناء قطفت على أرضها زهرة شباب مصر عبر العصور، فلا تخلو محافظة من محافظات مصر إلا ولديها شهيد سقط على أرضها مدافعا عنها أو مصابا سالت دماؤه، ودائما ما كان الأجداد يروون لنا تاريخ كفاحهم خلال معارك الصراع «المصرى _ الإسرائيلى» منذ عام 1956 والعدوان الثلاثى على مصر ووقوف أهل سيناء ومدن القناة جنبا إلى جنب مع القوات المسلحة للتصدى لجيوش فرنسا وإسرائيل وبريطانيا مرورا بنكسة 1967.
وكيف كان المجاهدون يقدمون كافة أوجه الدعم للقوات المصرية من أفراد الصاعقة خلال حرب الاستنزاف وصولا إلى نصر أكتوبر 1973 والذى كان نصرا عظيما ومفتاحا لطرد العدو الإسرائيلى المحتل من فوق أرض سيناء، وحتى الآن نروى لأطفالنا وفتياننا عن بطولات الجيش المصرى الذى وقف جنبا إلى جنب مع أهل سيناء لبتر نبتة الشر التى خرجت فى سيناء فى السنوات الأخيرة؛ ليظل السيناوية فخورين بما قدموه عبر الأجيال لقواتهم المسلحة وبلادهم، ولا أنسى أيضا صيحات النصر يوم السادس من أكتوبر 1973 التى كانت تهز أرجاء سيناء من علو صوت المقاتلين أثناء عبورهم لمانع قناة السويس واقتحامهم خط بارليف الذى أوهم به الجيش الإسرائيلى العالم بأسره بأنه خط لا يُقهر لجيش لا يُقهر.
كيف تُقيم جمعيتكم دور مجاهدى سيناء فى الحفاظ على الهوية الوطنية وتوثيق تاريخ التضحيات؟
كرمت الدولة المصرية مجاهدى سيناء بجميع أنواع التكريمات سواء ماديا أو معنويا، والذين شاركوا فى كل معارك مصر فى سيناء، وكان آخرها الحرب ضد الإرهاب التى وقف فيها أبناء سيناء جنبا إلى جنب مع القوات المسلحة المصرية والشرطة، وقد سقط من أبناء سيناء خلال تلك الحرب من يقارب من 750 شهيدا من أبنائنا ولكن تم تطهير ودحر الإرهاب حتى انتهى تماما.
ما التحديات التى لا تزال تواجهها سيناء اليوم، وهل ترونها مرتبطة بإرث الماضى أم بتطورات جديدة؟
«بطء عجلة التنمية» أزمة كانت تعانى منها سيناء لعقود طويلة، ولكنها اختفت منذ أن تولى الرئيس السيسى إدارة البلاد، فقد شهدت سيناء طفرة تنموية عبر مختلف القطاعات السكنية والتعليمية والصحية والاجتماعية والزراعية وغيرها غير مسبوقة من قبل، وهنا يجب أن نسلط الضوء على أن القوات المسلحة أثناء حربها الضروس ضد التنظيمات الإرهابية كانت أعمال التجهيز للبنية التحتية للمشاريع القومية المخططة فى سيناء تتم جنبا إلى جنب فى توقيت واحد، وذلك لأن سيناء لم يكن لديها رفاهية الوقت فيكفى ما عانته من إهمال لسنوات، وهو الأمر الذى جعل السيناوية يشعرون بالتقدير والاهتمام من قبل الدولة المصرية بشكل غير مسبوق، حاليا فأصبحنا نحتفل كل عيد بافتتاح إنجازات جديدة والإعلان عن مشروعات وخطط جديدة.
كيف تتفاعل الجمعية مع شباب سيناء لتعزيز انتمائهم وتوعيتهم بتاريخ أرضهم؟
تنظم الجمعية العديد من الفعاليات المختلفة لأبناء سيناء من الشباب من أجل توعيتهم بما يدور حولهم، وما يُحاك لسيناء طيلة عقود من قوى الشر التى تصدى لها العديد من شهداء مصر من الجيش والشرطة والمدنيين من أهل سيناء، ودائما ما نقوم بتكريم أسر وذوى الشهداء تقديرا لتضحياتهم ودورهم الكبير فى استعادة سيناء.
ما أبرز المشروعات التنموية التى تحتاجها سيناء حاليًّا، وهل هناك تعاون مع الدولة لتحقيقها؟
يجب أن توسع الدولة من مشروعاتها التنموية فى منطقة وسط سيناء باعتبارها منطقة ذات مساحة كبيرة جدا ومترامية الأطراف، كما يجب أن تدعم الدولة نقل ما لا يقل عن 5 ملايين مواطن مصرى من محافظات الوادى والدلتا إلى سيناء، وذلك لتحقيق مبدأ التعمير بالبشر من خلال توفير حزمة مميزات لهم، كما أحلم أن تزرع سيناء بالبشر حتى يكونوا سدا ومانعا بشريا لمصر على الجبهة الشرقية لمصر.
كيف ترون مستقبل سيناء فى ظل الجهود الأمنية والتنموية الحالية، وما دور المجاهدين فى هذا المستقبل؟
لقد رأينا جميعا زيارة الرئيس السيسى ونظيره إيمانويل ماكرون إلى سيناء وتحديدا العريش، الأمر إلى يوحى برسالة مفادها أن مصر آمنة من شرقها إلى غربها وشمالها وجنوبها بفضل جهود جيشها وشرطتها وتعاون أبناء سيناء المثمر فى سبيل الحفاظ على الهوية المصرية لسيناء، أما عن دور أبناء سيناء فهو بكل وضوح يتركز فى الحفاظ على مكتسبات ما وصلنا إليه من أمان بعد الحرب على الإرهاب، تلك الحرب التى عانى منها الكثير من أهل سيناء بسبب استهداف العناصر التكفيرية لأبنائنا وأهلنا، وما عشناه من ترويع وإجراءات أمنية مشددة فرضت لتضييق الخناق على العناصر الإجرامية، لذا يجب أن نحافظ على تلك النعم التى منَّ الله بها علينا، ونقدم كافة أيادى العون للدولة التى تعمل بجد من أجل تنمية سيناء وشغل فراغها.
كما أن الولاء والانتماء لسيناء ومصر هو أمر يتم توارثه مع الأجيال ومستقبل سيناء مرهون بسواعد أبنائها كما فعل أجدادهم وآباؤهم، وبفضل الوتيرة السريعة التى تسير وفقها المشروعات التنموية فى سيناء، فمن المؤكد أن تختلف سيناء تماما وتشهد نهضه عمرانية زراعية اقتصادية حضارية خاصة عقب الانتهاء من مشروع ميناء العريش الذى سيصبح ميناء بمواصفات عالمية.
ما الرسالة التى توجهها للشباب المصرى عن معنى الوطن والتضحية، خاصة فى ضوء ما قدمه مجاهدو سيناء؟
يجب أن يظل الشباب المصرى مصطفا خلف قيادته السياسية خاصة فى ظل ما يدور حولنا من تحديات، ويجب دائما أن نستحضر سيرة شهدائنا فى كل مناسبة من أجل أن نستلهم معانى التضحية والفداء وتقديم الوطن ومصلحته على المصالح الشخصية، وعلى الشباب النظر إلى ماضى آبائهم وأجدادهم، ولا بد من التكاتف ونبذ الخلافات القبلية، مع ضرورة إعادة إحياء العادات والتقاليد التى تربينا عليها مع ضرورة الانصياع التام للعقلاء وشيوخ القبائل الذين يعلمون تماما أهمية التلاحم بين القبائل وبعضها والقوات المسلحة المصرية.
هل هناك مبادرات تُنظمها الجمعية لتخليد ذكرى الشهداء والمشاركة فى الاحتفالات الرسمية؟
بالفعل تقوم بعمل تكريم لشهداء أبناء سيناء من القبائل المختلفة، وذلك تقديرا لدورهم البطولى سواء خلال حرب أكتوبر أو خلال الحرب على الإرهاب.

فى ظل الدعوات الأمريكية الإسرائيلية التى تنادى بتهجير أهل فلسطين إلى سيناء.. ما هو تعقيبكم؟
فلسطين للفلسطينين أنفسهم، ونرددها قوية خلف قيادتنا السياسية «لا للتهجير وسيناء مصرية وستظل مصرية»، فكما ذكرت تحرير سيناء تكلف دماء غالية من الشباب المصرى على مر العصور، ولا يمكن ولن نقبل التفريط فيها تحت أى ظرف كان، وقد انتشرت بعض الشائعات التى تقول إن مدينة رفح الجديدة ستخصص للفلسطينيين، وهى أقاويل عارية تماما من الصحة، فالعقود تم توزيعها على أهالى سيناء من المصريين، أما تهجير الفلسطينيين لأى مكان خارج أراضيهم فيعنى انتهاء القضية الفلسطينية إلى الأبد، وهو أمر لن تقبل مصر بحدوثه.