رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«إذا عرف السبب بطل العجب» القصة الكاملة لقرار زيادة أسعار الوقود


17-4-2025 | 19:20

.

طباعة
بقلـم: د.وفاء على

لا شك أن هناك مجموعة من العوامل تزامنت مع بعضها عالمياً وألقت بظلالها على أسواق الطاقة واعتقد المحللون أن الفترة الزمنية قصيرة وأن الأسواق العالمية تلبى النداء سريعاً ولكن نيران تداعيات الأحداث والرسوم الجمركية وسعر الصرف والالتزامات الدولية جعلت أسعار المحروقات فى مصر تتجه إلى الصعود فى معادلة اقتصادية غاضبة جعلت الأرقام تتأرجح بشكل غير مفهوم فالعالم على حافة الهاوية ويكاد يعد الأصابع فى اللقطة الأخيرة.

لاشك أن الأمور عالمياً تسير فى الاتجاه المعاكس للنمو الاقتصادى بحروب المحاور مما يجعل الدول تلجأ إلى ما يسمى باقتصاد الكلفة الاقتصادية، وهو نوع مختلف من الاقتصادات اضطرارياً وليس اختيارياً قد تلجأ إليه كل دول المنطقة فى مجمل أوجاع الشرق الأوسط على خلفية أحداث تصاعد التوترات الجيوسياسية وتأثيرها على الأسواق العالمية مما يجبر الدولة على اتخاذ تدابير إجرائية لتعبئة اقتصادها تحسبا لهذه الظروف الاستثنائية والاتجاه بآليات التحفيز لتوجيه فروق أسعار الطاقة إلى الدعم الذاتى للموازنة إذا تطلب الأمر، وكل بلد له ظروفه فى إدارة اقتصاد الكلفة الاقتصادية طبقا لظروف وموارد كل دولة وقد فعلتها الدولة من قبل لتساند اقتصاد الحرب وفى حالة الحروب الشاملة تقوم الدول بتركيب ميزانية توفر المتطلبات الأساسية للمواطنين بجانب الحشد العسكرى، وفعلتها مصر من قبل أيضا باتخاذ تدابير لاحتياجات المواطنين أثناء حروبها وهو ما يسمى أيضا باقتصاد الطوارئ وهو يركز على نظام إنتاج مختلف واتخاذ بعض التدابير لزيادة معدلات الضرائب وتخصيص جزء أكبر للمجهود الحربى.

وهنا نعلم جميعا أن سياسات التجارة العالمية المشوهة التى فرضها ترامب وجعلت أسعار النفط تتهاوى يوما وترتفع يوما فنحن فى ظروف استثنائية فهناك حرب البيانات التى أصبحت أكبر من الحرب الاقتصادية والكل يعلم أن الدعم ما زال موجودا للمنتجات البترولية، فالدولة تتحمل يوميا 366 مليون جنيه أى ما يعادل 11 مليار جنيه شهرياً لتوفير المنتجات الأساسية.

ورغم انخفاض أسعار خام برنت عالمياً ليقع فى المنطقة الرمادية بين الـ 60 دولاراً وما فوقها حتى سعر الـ 70 دولاراً إلا أن الفجوة السعرية مستمرة بين تكلفة الإنتاج وسعر البيع نتيجة زيادة التكاليف والتى لم تغطها تلك الزيادات، لذلك وجدت لجنة التسعير التلقائى صعوبة فى تثبيت السعر فى الوقت الحالى بالرغم من تناقص سعر برميل خام برنت وتحرص الدولة على مراعاة البعد الاجتماعى بقدر الإمكان لتخفيف الأعباء المالية على المواطنين وتوجيه فرق السعر إلى منتجات السولار والبوتاجاز وبنزين 80 و 92 وذلك لتقليل الضغط على محدودى ومتوسطى الدخل.

نعلم أن هناك عدم رضا من المستهلكين ولكن لنعرض صورة الاستيراد حوالى 40 فى المائة من استهلاك السولار، و50 فى المائة من البوتاجاز، وحوالى 25 فى المائة من استهلاك البنزين ورغم انخفاض أسعار خام برنت عالميا كما قلنا إلا أن الانخفاض لم ينعكس على تكلفة الإنتاج بشكل كبير وما زالت الفجوة قائمة خصوصاً فى ظل عدم استقرار العالم بسبب التوترات الجيوسياسية وارتفاع تكاليف النقل والاستيراد لذلك لم تستطع الدولة أن تثبت أو تخفض أسعار المحروقات.

ونعلم جميعاً أن الدولة المصرية تقدم دعما فى الموازنة العامة الحالية بنحو 155 مليار جنيه أى ما يساوى 3 مليارات دولار.

وهنا يجب على الدولة المصرية التى تجابه صعوبات كبيرة بسبب أنها منطقة اشتباكات فى مساندة مواطنيها كما تعودنا منها وهى فلسفة القيادة السياسية فى دعم المواطنين بالحماية الاجتماعية وكذلك اتخاذ التدابير اللازمة لحماية المستهلك من تجبر التجار وارتفاع الأسعار وحتى لايكون غلاء الأسعار بمثابة ضريبة غير مباشرة على المواطن.

لاشك أننا نعرف أن هناك فرقا بين كان وصار وأن التفكير بطريقة استراتيجية أصبح عنوان المرحلة القادمة فالعروض الافتتاحية كما يقولون تعبر عن نفسها فالمتنافسون كثر ولكل أدواته وأصبحت رؤية الدولة المصرية لما هو قادم اقتصاديا يقوم على أساس تشريح تضاريس الأزمة التى يعيشها العالم ونحن معه ولكن مصر تعافر بمسئولية فى معركة تحديات التنمية وجودة الحياة.

ووضعت معادلة الحياة من أجل البقاء والنماء لنتحدث جميعاً بلغة واحدة فأمامنا معركة التضخم وسعر الصرف والديون الخارجية وإتاحة الاحتياجات وتطوير الاقتصاد المصرى وتحطيم كل أحلام المتشككين فى القدرة المصرية ولكن لا أحد يعزف منفرداً ولذلك فنحن أيضا علينا دور بالعمل الجاد.

تستقبل الدولة المصرية مايحدث عالمياً بطموحات كبيرة وتحديات تفرض نفسها على المشهد الدولى بشكل عام والمشهد المصرى بشكل خاص وسط كل الضغوطات الاقتصادية التى يمر بها العالم أجمع وتأثرت بها مصر بصفة خاصة فهناك بعض الأزمات التى تحتاج إلى حلول فورية وبعض القضايا يمكن حلها على المستوى المتوسط وفى كل الأحوال فإن دفتر الأحوال الاقتصادية له مفاتيح للحلول فالحكومة المصرية رغم كل التحديات تتبنى حلولاً ورؤى ووضعت مستهدفات لخط السير وكما يقولون «الأرقام لابد أن تترك علامة على الباب» فمشروع الموازنة «2025/ 2026» مبشر بالاستمرار فى جهود الحفاظ على الاستقرار المالى المتوازن فى ظل تداعيات الأزمة الراهنة وجهود مساندة النشاط الاقتصادى وتحفيزه دون الإخلال باستدامة الموازنة والدين.

لا بد من الاستمرارية المتوازنة فى دعم جهود تحسين البنية التحتية مع التأكيد على استفادة أكبر شريحة من المجتمع وتحسين جودة الخدمات .

- لابد من الاستمرارية فى دعم القطاعات الإنتاجية والفئات المتأثرة بالأزمات الاقتصادية.

- العمل على تعظيم العائد من أصول الدولة من خلال زيادة الفوائض المالية الداخلة إلى الموازنة العامة للدولة.

- استمرار العمل بمشروع القرن «حياة كريمة» وتحسين كفاءة الخدمات وعلى الأخص الصحة والتعليم.

- دعم مبادرات التنمية البشرية التى تخدم المشروعات القومية . مع إدماج سياسة التسعير السليم للسلع والخدمات لكفاءة تخصيص الموارد خاصة فى ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة لمواجهة الضغوط التضخمية على أسعار السلع الأساسية.

- الاستمرارية فى دعم وتحفيز الاقتصاد الأخضر وخفض الانبعاثات الكربونية بدعم التحول الطاقي.

والتوقع المتفائل يقول نحن قد نكون أمام دواء مر ولكن لابد من التعافى ولابد أن نضع فى اعتبارنا تحقيق معدلات النمو إلى جانب الاستدامة والذى يؤدى إلى فائض أولى عبر زيادة معدل نمو الإيرادات العامة للدولة.

وعليه فإن توقعات العام الجديد انعطافاً على ما سبق هو تحسن المؤشرات الاقتصادية كما يتم تعديل تصنيف مصر الائتمانى بالارتفاع وتحسن معدلات النمو واعتدال موجات التضخم، إضافة إلى زيادة المتحصلات الضريبية وضبط ملف الزيادة السكانية التى تعانى منها مصر مع مزيد من «دعم الشركات الناشئة وريادة الأعمال كما أن هناك كفاءة لإدارة الإنفاق الحكومى وتعظيم الإيرادات» .

وإلحاقاً بالتوقعات السابقة فإن الدولة المصرية قررت الخروج بأفكارها خارج الصندوق برؤية استراتيجية لا تعتمد على أحد، فهناك اهتمام خاص من القيادة السياسية (بالاستثمارات التنموية) لإعطاء مساحة أكبر لتوطين الصناعة المصرية وإعطاء دفعة أكبر لزيادة القدرة أو الطاقة الإنتاجية.

لقد وضعت الدولة المصرية خطة عمل للمرحلة القادمة تعكس دلالة إيجابية على قوة ومرونة هذا الاقتصاد خصوصاً أن الناتج المحلى بتحسن رغم كل الظروف مما يساهم فى تراجع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى الإجمالى فمصر لديها مهمة صعبة فى جبر معدلات التضخم وهو العدوى الاقتصادية التى أصابتها مع كل دول العالم جراء عملية الإكراه الاقتصادى التى مارسها الفيدرالى الأمريكى بسياسته التشديدية ولكن رأت الدولة المصرية مع صانعى السياسات فى المرحلة القادمة أن تمضى بعمل الإصلاحات الاقتصادية التى تعطى تحولاً فى السوق المصرية، فالعملة أصبحت أكثر مرونة بفترات طويلة للاستقرار وإنهاء حالة عدم اليقين.

وأصبح هناك مفتاح لممارسة استخدام الاحتياطيات الدولية والأصول الأجنبية فى البنوك لحماية الجنيه ونحن نجابه التضخم، لقد وضعت الدولة المصرية بعين الأساس توفير الاحتياجات الأساسية للسلع مع خفض الإنفاق الحكومى ودعم السلع التموينية ورغيف الخبز بـ 160 مليار جنيه بنمو سنوى يبلغ 20 فى المائة.

إن الملف الاقتصادى المصرى يتطلب دلالات قطعية والإجابة عن الأسئلة المطروحة دوما مع ضرورة التكامل بين السياسة المالية و النقدية وأن يشهد عام 2025 جهوداً أكبر من الدولة المصرية لتعزيز سياستها المالية والنقدية لتحقيق التكامل الأفقى والرأسى وتشير المؤشرات إلى وجود خارطة طريق واضحة لإفساح المجال أكثر وأكثر أمام القطاع الخاص لمزيد من عملية المشاركة فى التنمية، فبالإضافة إلى آليات سياسة ملكية الدولة وقرارات الاستثمار وزيادة برنامج الأطروحات الحكومية فهناك فرصة كبيرة فى الأسواق المصرية لدخول القطاع الخاص بقوة بدعم حكومى متواصل قائم على التحفيز الثلاثى للاقتصاد «التجارة والصناعة والاستثمار».

وضعت الدولة استهدافاً لزيادة صادرات المشروعات الصغيرة من خلال مبادرات دعم وتعميق الصناعة الوطنية المساهمة فى تقليل الفجوة بين الادخار والاستثمار والإنتاج والاستهلاك والصادرات والواردات حتى نستطيع اجتياز ماراثون التصنيع الوطنى الذى هو المرادف الحقيقى للتنمية الاقتصادية والاجتماعية .

لا شك أن المؤشرات الاقتصادية تعطى دلالات لمرحلة استثنائية فالدولة المصرية قد تحسبت للظروف الراهنة التى يمر بها العالم مع ارتفاع أسعار الفائدة وحروب المحاور واتساع مسارح النزاعات لوضع حزم للحد من زيادة الأسعار وتحسين الاستقرار الاقتصادى ومستويات الدين العام

كما أن توسيع دائرة الحماية الاجتماعية باستهداف معدلات بالزيادة فى النمو فالدولة المصرية حريصة على مواطنيها ولا تتركهم أبداً فى مهب الريح ومن المتوقع دعم ملف الغذاء طبقاً لقراءة موازنة العام الجارى «2024/ 2025» والممتد حتى «30/6/2025» والموازنة القادمة وذلك لتخفيف الضغط على المواطن المصرى فلن تتركه الدولة وحيداً فى هذا الوضع الصعب الذى يمر به العالم .

فالفرص تخرج من رحم التحديات والأزمات بالمحفزات التى تدعم بها الدولة كل القطاعات وعلى رأسها هذا القطاع الصناعى اللوجستى التجارى وتطوير القطاع الصناعى ببرنامج زمنى يستهدف تعميقاً أفضل للصناعة المحلية وذلك لزيادة التنافسية للمنتجات المحلية وزيادة القيمة المضافة .

ومتوقع أن يكون هناك مزيج تمويلى مناسب وميسر للمشروعات ووضع ضوابط للاقتصاد الإنتاجى فالإصلاحات النقدية من أهم توقعات العام القادم فهناك تطورات تحدث على مستوى هذا القطاع تشعرنا بالأمل القادم وهو تبنى حزمة جديدة من الإصلاحات المالية الاقتصادية بمؤشراتها المالية من شأنها إعادة التوازن الهيكلى للاقتصاد الكلى متبنياً سياسات منفتحة لجلب مزيد من النقد الأجنبى بطرق غير تقليدية خصوصاً ملف تحويلات المصريين بالخارج النقاط المهمة ولكن يجب عدم إغفال أن الدولة المصرية رغم كل التحديات لم تتخلف يوماً عن سداد ديونها فى أحلك الظروف وهى تستعد فى عام استثنائى وأنها قد رتبت كل أمورها ، فبالرغم من كل التحديات فإن صانع السياسة العامة كان على وعى بكافة جوانب الأزمة واتخاذ الحزم الإضافية والاستعداد واتخاذ الإجراءات اللازمة لتخفيف الأزمة .

لقد أدركت الدولة المصرية أن سلاح الفائدة وحده لا يكفى لكبح جماح التضخم وأن هناك إجراءات أخرى لابد من اتخاذها لمواجهة نسبة التضخم الذى فرضته الظروف الاستثنائية العالمية فالغد أفضل مع اتخاذ تدابير اقتصادية لاقتصاد الكلفة أو اقتصاد الحرب الذى فرض على الجميع بالمسار الإجبارى مما يستوجب الترشيد والتأهب والاستعداد فأحوال العالم ليست عظيمة والدولة المصرية تستجيب بالحزم الاجتماعية للفئات الأكثر احتياجا برغم الضغوط التى جعلت الدولة لا تستطيع تثبيت أسعار المحروقات فى الوقت الحالى لزيادة التكاليف وأسعار الصرف والسياسات الهيكلية وما أفرزته حالة التصعيد المستمرة والأهم أن نكون حائط الصد الأول فى مواجهة ما يحاك للوطن، وللحديث بقية.

 
 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة