رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

د. محمود محيى الدين.. رائد الاقتصاد والمناخ والتنمية المستدامة


17-10-2025 | 16:50

الدكتور محمود محيى الدين

طباعة
سناء الطاهر

من أقصى شمال محافظة القليوبية، وتحديدًا مدينة كفر شكر، خرج إلينا أحد علماء الاقتصاد وخبراء المال والاستثمار، محمود صفوت محيى الدين، الذى نشأ فى أسرة علمية مثقفة، كانت بمثابة الأرض الخصبة لطموحه منذ نعومة أظافره، فحرص والده على غرس قيم الاجتهاد وحب المعرفة فى نجله النابغة، أوجد بيئة من التشجيع والدعم، مما منح «محمود» أساسًا قويًّا لبناء مسيرة استثنائية، فأصبح لديه تأثير كبير على مختلف مناحى الحياة الاستثمارية والمالية، وأحد المحركات الرئيسية لصناعة القرار العالمى، وأولئك الذين قاموا بتطوير الفكر الاقتصادى وربطه بمناحى الأمور الحياتية للشعوب، ما جعل أفكاره مؤثرة فى سياسات بعض الدول، تاركًا بصمة لا تُمحى، وبات مصدر إلهام لبعض أبرز القرارات المصيرية على الصعيد الدولى.

كان واضحًا أن محمود محيى الدين شخص يملك شغفًا بالعلم، وفضولًا لا يهدأ، لمعرفة أسرار الاقتصاد وكيفية تأثيره على حياة الناس والمجتمعات، وهو ما جعله مختلفًا بين أقرانه، فتخرج فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة عام 1986 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وكان الأول على دفعته، وهو إنجاز يؤكد حدة ذكائه والتزامه منذ البداية.

بعد أن وضع بصمته فى مصر، قرر توسيع آفاق معرفته بالخروج إلى المملكة المتحدة، حيث واصل دراساته العليا، وهناك حصل على دبلوم فى اقتصاديات التنمية والتحليل الكمى من جامعة ووريك عام 1989، وماجستير فى تحليل السياسات الاقتصادية من جامعة يورك عام 1990، ثم حصل على دكتوراه فى اقتصاديات التمويل من ذات الجامعة عن أطروحته بعنوان «سياسات التحرير المالى فى الدول النامية»، كل هذا منح «د. محمود» قدرة استثنائية جعلته مرجعًا للباحثين وصُناع القرار، على حد سواء.

خلال مسيرته البحثية، نشر أكثر من 100 ورقة علمية ودراسة، تناولت مجموعة واسعة من الموضوعات، تخص اقتصاديات التمويل والاستثمار والإصلاح المالى والرقابة المصرفية وإدارة الأصول المملوكة للدولة وقواعد الحوكمة، وغيرها من الآليات ذات التأثير على الأسواق المالية والنشاط الاقتصادى، وهناك العديد من مؤلفاته البارزة التى شكلت مرجعًا أساسيًا للباحثين وصُناع القرار، كما ساهمت فى تطوير أدوات وسياسات اقتصادية فعالة على المستويين المحلى والدولى.

لم تقتصر إنجازاته على الجانب الأكاديمى، بل امتدت لتشمل مسيرة مهنية متميزة على المستويين الوطنى والدولى، حيث شغل منصب وزير الاستثمار فى مصر منذ عام 2004 حتى 2010، وأصبح أول مصرى وعربى يشغل منصب مدير البنك الدولى، وتولى لاحقًا منصب نائب أول لرئيس البنك الدولى.

فى عام 2020، كلفته الأمم المتحدة كمبعوث خاص لتمويل أجندة 2030 للتنمية المستدامة، وقاد مجموعة خبراء لتقديم حلول لأزمة الدين العالمية، وهو دور يتطلب رؤية اقتصادية عميقة، وخبرة دولية، وقدرة على التنسيق بين حكومات وشركات ومؤسسات دولية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

عُرف الدكتور محمود محيى الدين أيضًا بلقب «رائد المناخ»، الذى منحته له الرئاسة المصرية خلال مؤتمر الأطراف السابع والعشرين لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP27)، وجاء هذا اللقب تقديرًا لدوره الفاعل فى دفع أجندة التمويل الأخضر والمبادرات المناخية على المستوى الدولى، فكان جسرًا يربط بين الحكومات والمؤسسات الدولية والشركات والمجتمع المدنى، لضمان تمويل مشاريع الطاقة النظيفة والبنية التحتية المستدامة والمبادرات البيئية التى تهدف إلى تحقيق صافى الانبعاثات الصفرية، مما عزز مكانته كواحد من أبرز صانعى السياسات الاقتصادية والبيئية عالميًا، وأكد قدرة الخبرة المصرية على التأثير فى أجندة المناخ الدولية.

خلال مسيرته الدولية، قاد د. محيى الدين مبادرات مهمة لدعم الدول النامية فى إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وكما كان له دور محورى فى إطلاق تحالف جلاسكو المالى لتحقيق صافى الانبعاثات الصفرية فى إفريقيا، إضافة إلى مشاركته فى شبكة الأمم المتحدة لحلول التنمية المستدامة.

إلى جانب نشاطه الدولى، ظل د. محمود ملتزمًا بجذوره الأكاديمية، فهو أستاذ الاقتصاد بجامعات القاهرة وكولومبيا الأمريكية، كذلك فى مؤسسة بروكنجز والأكاديمية العالمية للفنون والعلوم، كما يشارك فى مجالس استشارية دولية مرموقة، ليكون جزءًا من منظومة صنع القرار الدولية.

ومن كفر شكر إلى أعلى منصات الأمم المتحدة، استطاع د. محمود محيى الدين أن يضع اسم مصر فى قلب التنمية الاقتصادية العالمية، تاركًا إرثًا علميًا، اقتصاديًا وإنسانيًا يستحق أن يُروى، وملهمًا الأجيال القادمة بأن الطموح والعمل الجاد يمكن أن يصنعا قامة وطنية عالية على الساحة الدولية، ويجعل من العلم والالتزام أداة لتغيير العالم للأفضل.

 
 
 

الاكثر قراءة