رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الإعمــــار.. جاهزون لتضميد جراح القطاع


16-10-2025 | 16:04

.

طباعة
تقرير: محمد رجب

«إعمار غزة» خطة جديدة تقودها مصر من بين مئات الملايين من أمتار الركام التى خلفتها الحرب فى غزة، التى لا تقتصر على إزالة الأنقاض وبناء البيوت، بل تمتد لتأسيس حياة جديدة، تحفظ كرامة الإنسان الفلسطينى وتضمن له مستقبلًا يليق بتضحياته، فمنذ اللحظة الأولى لكل عدوان تتعرض له غزة، كانت مصر حاضرة فى الصفوف الأولى، حاملة شريان الحياة لأهلها، ورافعة راية الدعم الإنسانى والسياسى بلا تردد، ولم تكن جهود القاهرة وليدة اللحظة، بل مسيرة طويلة ومتراكمة من التدخلات الفاعلة مع كل تصعيد، واستمرت بعد كل تهدئة، لتتحول إلى سياسة ثابتة واستراتيجية إنسانية تجاه الشعب الفلسطينى فى القطاع.

 

لم يتوقف الدور المصرى عند المساعدات الإغاثية، أو فتح معبر رفح فى الأزمات، بل تحولت إلى قائد إقليمى لمسار الإعمار والتنمية فى غزة، تعمل على تأمين التمويل الدولى، ورفض التهجير، وضمان بقاء الشعب الفلسطينى على أرضه، فى مواجهة محاولات طمس الهوية الفلسطينية، ومن هنا تحظى الخطة المصرية، التى أعلنتها فى وقت سابق، بعد توقف الحرب، بدعم عربى ودولى متزايد، لأنها تؤكد دائمًا أن دعم غزة ليس التزامًا سياسيًا فقط ولكن واجب إنسانى وأخلاقى، وتصل التكلفة التقديرية إلى نحو 53 مليار دولار، بدعم عربى وتنسيق مع المؤسسات الدولية المعنية.

وتتضمن الخطة فى أولوياتها رفض التهجير القسرى للسكان وحماية المدنيين، وإعادة البناء بعيدا عن أى محاولات للتهجير أو التغيير السكانى، انطلاقا من المرحلة الأولى للإعمار وهى «التعافى المبكر»، وتمتد إلى 6 أشهر، وتشمل إزالة ما يقرب من 50 مليون طن من الركام، وإنشاء مساكن مؤقتة، وترميم 60 ألف وحدة سكنية تضررت من الحرب. أما المرحلة الثانية، فهى إعادة الإعمار الشامل، وتستمر لمدة 5 سنوات، تتضمن بناء 200 ألف وحدة سكنية تستوعب 1.6 مليون شخص، بالإضافة إلى إنشاء مطار وميناء تجارى ومنطقة صناعية ولوجستية، ومشروعات سياحية وخدمية، كما تشمل خطة مصر لإعمار غزة، ضمان التمويل المستدام لها، حيث سيتم إنشاء صندوق ائتمانى دولى، يتولى جمع التعهدات المالية من الدول والمؤسسات المانحة.

آليات تنفيذ الخطة المصرية تبنته نقابة المهندسين من خلال تكوين لجنة استشارية لإعمار قطاع غزة وتضمنت مهام عمل اللجنة، وضع الاستراتيجية العامة لإعادة الإعمار طبقًا للمعايير الفنية العالمية، من حيث التخطيطية الهندسية، والتنفيذية والمعنية بتحقيق أعلى كفاءة وفاعلية لعملية إعادة الإعمار، والتى سوف تشكل الإطار الاستراتيجى المتكامل القطاعات ومراحل العمل التفصيلية التالية، وذلك فى إطار تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية المستدامة.

وتختص اللجنة بتقديم الدعم الفنى لأجهزة الدولة المصرية، المختلفة فى تحقيق الاستجابة السريعة للاحتياجات الملحة لإعادة إعمار قطاع غزة، وذلك عبر مراحل عمل متتالية، وفى إطار الأولويات المختلفة والمرتبطة بتخطيط وتطوير البنية العمرانية التى تم تدميرها بالكامل ما يشكل أهمية حيوية للاعتبارات الجيواستراتيجية ومتطلبات الأمن القومى المصرى، بالإضافة إلى دراسة فرص توسعة وامتداد الدور المصرى فى إعادة الإعمار فى إطار احتمالية وتوقع رغبة العديد من الأطراف الدولية والإقليمية المشاركة فى عملية الإعمار.

ومن جانبه، قال نقيب المهندسين، طارق النبراوى، إن النقابة عكفت على تشكيل لجنة لإعادة إعمار غزة، تتكون من أفضل المهندسين فى مصر، مع الاستعانة بكل الجهات التى تمتلك معلومات عن غزة، مشيرا إلى أن اللجنة تشكَّلت منذ فترة برئاسة الوزير السابق أحمد زكى عابدين، لكنها توقفت عن العمل عندما تجدد العدوان الإسرائيلى على غزة، مشيرا إلى أن اللجنة ستبدأ عملها خلال هذا الأسبوع.

وأوضح أن هناك عددا كبيرا من الدراسات المستفيضة التى أُعدت من أجل إعمار غزة وتقديمها إلى الجهات المعنية لمراجعتها، لافتًا إلى أن الإعمار سيتم على مرحلتين: الأولى مرحلة عاجلة لإتمام الإعمار دون أى نوع من أنواع التهجير للفلسطينيين، وخلال عام ونصف العام يتم إنجاز إعمار مبدئى، وخلال عامين سيكون هناك تطور كبير فى حالة الإعمار، مؤكدا أن هناك دراسات علمية لحل مشكلة الركام، وأن نقابة المهندسين المصرية جاهزة لتبدأ فورًا عملية الإعمار.

فى حين أوضح الخبير الاقتصادى، الدكتور إسلام جمال الدين، أن اللحظة الحالية تمثل نافذة تاريخية نادرة، إذ يتقاطع الدور المصرى الفعّال مع دعم عربى ودولى غير مسبوق، ما يخلق بيئة مواتية لإطلاق أضخم مشروع تنموى فى تاريخ فلسطين، مشيرا إلى أن الشركات المصرية جاهزة بكامل طاقتها للمشاركة فى إعادة إعمار غزة، مشددا على أن المشاركة يجب أن تتم وفق دراسات فنية دقيقة وضمانات تضمن استمرارية العمل وعدم التعرض لمخاطر أمنية أو سياسية.

وأضاف أن مصر قدمت عام 2021 نصف مليار دولار دعمًا مباشرًا لغزة، لكن حجم الدمار الحالى فاق كل التقديرات، مشيرا إلى أن مشاركة الشركات المصرية فى هذه المرحلة تتطلب تعاونًا إقليميا ودوليا واسعا، كما أن مصر تمتلك شركات عملاقة مثل طلعت مصطفى، أوراسكوم، المقاولون العرب، حسن علام، وبتروجت، وكلها قادرة على تنفيذ مشاريع عملاقة خلال فترات قياسية، كما أن لديها كوادر فنية وهندسية من الطراز الأول.

وأشار إلى أن مشاركة الشركات المصرية فى الإعمار يمكن أن تتم من خلال تدفق العقود والمشروعات والاستثمارات الأجنبية، إلى جانب تنشيط مصانع الأسمنت والحديد والدهانات والسيراميك ومواد العزل.

وقال المستشار أسامة سعد الدين، المدير التنفيذى لغرفة التطوير العقارى، إن مشاركة الشركات المصرية فى خطة إعمار غزة تمثل واجبا وطنيا وأخلاقيا، مشيرا إلى أن الغرفة وضعت تصورا عمليا متكاملًا للمشاركة فى جهود إعادة الإعمار، عبر حشد قدرات المطورين والمستثمرين المصريين ضمن خطة تنموية شاملة.

وأوضح أن الغرفة تعمل بالتعاون مع الجهات الحكومية لتشكيل مجلس خاص لإعادة إعمار غزة، يضم نخبة من رجال الأعمال والمطورين المصريين، إلى جانب إنشاء صندوق تمويلى لدعم عمليات الإعمار بمساهمات من الشركات الوطنية والمؤسسات العربية والدولية، مشيرا إلى أن خطة الإعمار المصرية تعتمد على أسلوب جديد فى التعامل مع الركام الناتج عن الدمار، من خلال تدويره واستخدامه كمادة أساسية فى مشروعات البناء الجديدة، ما يساهم فى تقليل التكلفة وتسريع وتيرة التنفيذ.

وأشار إلى أن التكلفة التقديرية الشاملة قد تتجاوز 50 مليار دولار على مدى عدة سنوات، وتشمل بناء مناطق سكنية وصناعية وشبكات مرافق وخدمات عامة، ضمن خطة تمتد من 3 إلى 5 سنوات بإشراف مصرى ودولى، مؤكدا أن الغرفة تقترح فتح حساب دولى مشترك تحت إشراف الأمم المتحدة ومصر والدول المانحة لتلقى المساهمات المالية الخاصة بتمويل عملية الإعمار، على أن يتم توزيع الموارد وفق أولويات واضحة، لافتا إلى أن الغرفة تدرس تنفيذ مسح شامل عبر الطائرات المسيّرة لتقدير نسب الدمار وتحديد الاحتياجات بدقة، مما يتيح توزيع الموارد والتمويل بشكل عادل وفعّال، وضمان شفافية العملية فى جميع مراحلها.

من جهته، قال الدكتور محمد راشد، عضو مجلس إدارة غرفة التطوير العقارى، إن إعادة إعمار قطاع غزة بعد التوصل إلى اتفاق التهدئة التاريخى برعاية مصرية – أمريكية – قطرية، تمثل فرصة استراتيجية كبرى للشركات المصرية العاملة فى مجالات المقاولات والتطوير والبنية التحتية، مؤكدا أن المشاركة المصرية فى هذا المشروع القومى ستكون نقطة تحول للاقتصاد المصرى، إذا تمت وفق رؤية واضحة وضمانات دولية جادة.

وأوضح «راشد»، أن التقديرات الأولية تشير إلى أن تكلفة إعادة الإعمار تتراوح بين 40 و80 مليار دولار، وهى أرقام تعكس حجم الدمار الهائل الذى أصاب البنية التحتية والمبانى السكنية والمستشفيات فى غزة، مضيفًا أن هذه المهمة الضخمة لا يمكن أن تتم دون تنسيق واسع بين الحكومات والمؤسسات التمويلية الإقليمية والدولية.

وأشار إلى أن مصر تمتلك رصيدًا ضخمًا من الخبرات فى إدارة مشروعات إعادة الإعمار فى مناطق الصراع، سواء فى ليبيا أو العراق أو فى المشروعات القومية العملاقة داخل البلاد، مثل العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة، ما يجعلها فى وضع متقدم لتولى دور قيادى فى إعمار غزة.

وأضاف أن الشركات المصرية مستعدة تمامًا للمشاركة، لكنها تحتاج إلى ضمانات واضحة بشأن الاستقرار الأمنى والسياسى داخل القطاع لضمان استمرارية العمل وعدم تعطله، مشددًا على ضرورة وضع خطة تنفيذية دقيقة تشمل تحديد أولويات المشروعات وتوزيع الأدوار بين الشركات المحلية والعربية والدولية، مؤكدًا أن خطة إعادة الإعمار يجب أن تبدأ بإزالة الركام وتأهيل المرافق الحيوية، ثم الانتقال إلى مشروعات الإسكان والبنية التحتية، مرورًا بإنشاء المدارس والمستشفيات والمناطق الصناعية، بما يضمن بناء مجتمع فلسطينى متكامل اقتصاديًا واجتماعيًا.

كما دعا «راشد» إلى تأسيس صندوق تمويلى مشترك تحت إشراف الأمم المتحدة والبنك الدولى يخصص لتمويل مشاريع الإعمار بشفافية، مشيرًا إلى أن الشركات المصرية يمكنها أن تنفذ ما بين 40 إلى 50 فى المائة من المشروعات، إذا تمت إدارة العملية بآلية تشاركية.

بدوره، أشار المهندس أحمد عبدالحميد، رئيس غرفة صناعات مواد البناء، إلى أن مصر تمتلك فائضًا ضخمًا من مواد البناء والخامات الأساسية يؤهلها لتكون فى مقدمة الدول القادرة على دعم وتنفيذ مشروعات إعادة إعمار قطاع غزة بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار برعاية مصرية – أمريكية – قطرية، مشددا على أن القطاع الصناعى المصرى مستعد لتلبية احتياجات الإعمار، ليس فى غزة فقط، بل فى ليبيا أيضا.

ولفت «عبدالحميد» إلى أن الحكومة المصرية لديها بنية تحتية قوية فى الموانئ والنقل البرى والمعابر الحدودية يمكن من خلالها تيسير حركة المواد إلى غزة بمجرد بدء التنفيذ الفعلى للمشروعات، مؤكدا أن مشاركة الشركات المصرية ستكون ذات طابع استراتيجى لأنها تجمع بين الخبرة الفنية، والقدرة على الإنتاج السريع، والالتزام بالمواصفات الدولية.

    كلمات البحث
  • اعمار
  • غزة
  • مصر
  • الشعب
  • الفلسطينى

أخبار الساعة

الاكثر قراءة