رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«العنــانى» فــى اليونسكـــو.. انتصار لرسالة «المحروسة» الثقافية والإنسانية


17-10-2025 | 16:45

الدكتور خالد العنانى

طباعة
كتبت: أمانى عبد الحميد

عاشت مصر أيامًا حافلة بالانتصارات والإنجازات بفضل أبنائها المخلصين المثابرين. فلم يكن انتخاب الدكتور خالد العنانى، وزير السياحة والآثار الأسبق مديرا عاما لمنظمة اليونسكو، مجرد فوز شخصى، بل هو انتصار لرسالة مصر الثقافية والإنسانية.. والتى كشف عن قناعة الدولة المصرية بأن الثقافة ليست مجرد ماضٍ نحفظه فقط، بل قوة تمكن الأمم من بناء مستقبلها.. وأن حماية التراث مسؤولية إنسانية عالمية، وجب القيام بها والالتزام تجاه جميع شعوب العالم.

 

حين تتلاقى الخبرة الأكاديمية مع الرؤية الإنسانية، ويتجسد الفكر العلمى فى عمل دبلوماسى راق، تكون النتيجة مشروعا عالميا يحمل اسم «اليونسكو من أجل الشعوب».. هى رؤية تمتد من القاهرة إلى باريس، ومن ضفاف النيل إلى ضمير الإنسانية.. التى صاغها الدكتور خالد العنانى، أول مصرى وعربى وإفريقى يتولى قيادة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» خلال الفترة من 2025 - 2029 تحت شعار إنسانى عميق يتسع للجميع. تنبض بالإنسان، وتضعه فى صميم الرسالة، دون تمييز أو استثناء. لتؤكد أن المنظمة العريقة قادرة على تحسين حياة البشر جميعا، عابرة للحدود والاختلافات، جامعة الشعوب على الأمل والسلام والكرامة.

تلك الرؤية الإنسانية هى ثمرة علاقة ممتدة بين الدولة المصرية ومنظمة اليونسكو.. وهى شراكة حضارية عميقة تمتد جذورها إلى منتصف القرن العشرين.. عندما كانت مصر على موعد مع أعظم مشروعات الإنقاذ الثقافى فى التاريخ.. حين قررت اليونسكو أن تتحد مع العالم لإنقاذ آثار النوبة ومعابد «أبو سمبل» و«فيلة» من الغرق بعد بناء السد العالي.. فى تلك اللحظة، أصبحت مصر رمزًا للتضامن الثقافى العالمى، وبرزت اليونسكو كقوة دولية قادرة على تحويل الثقافة إلى جسر إنسانى.. ومنذ ذلك الحين، توالت صفحات التعاون بين الجانبين بداية من برامج صون التراث فى القاهرة التاريخية والإسكندرية القديمة، إلى دعم مشروع المتحف المصرى الكبير، الذى اعتبرته المنظمة أحد أهم صروح الثقافة فى القرن الحادى والعشرين.

وهنا، يمثل فوز الدكتور «العنانى» نقطة تحول نوعية فى مسار علاقة الدولة المصرية بمنظمة اليونسكو، ليس فقط لكونه أول مصرى وعربى وإفريقى يتولى قيادتها، بل كتعزيز حضورها الثقافى والدبلوماسى على الساحة الدولية.. إذ ستتحول من دولة عضو فاعلة إلى دولة تقود وتوجه السياسات الأممية فى مجالات التعليم والثقافة والعلوم.. فبفضل خبرات الدكتور «العنانى» الأكاديمية والإدارية، سيكون لمصر دور فى إعادة بناء الثقة داخل المنظمة، وفى دعم الدول النامية، خاصة فى القارة الإفريقية والمنطقة العربية، لتستفيد من برامج اليونسكو بصورة أكثر عدالة وفاعلية.. كما أن هذا الفوز سيؤكد دور مصر التاريخى كقوة ناعمة تتقاطع فيها الحضارة بالمعرفة.. ويمنحها منصة جديدة لتصدير رؤيتها حول السلام، والهوية، والتنمية المستدامة إلى العالم.. إنها لحظة تستعيد فيها مصر مكانتها الطبيعية فى قيادة الحوار الإنسانى العالمى، من موقع الريادة لا المتابعة.

ومن المتوقع أن يترك فوز الدكتور «العنانى» أثرا مباشرا فى تجديد صورة اليونسكو عالميا.. من خلال سياسة اتصالية حديثة تركز على القصص الإنسانية والمشروعات الملموسة، التى تمس حياة الناس. فهو يؤمن بأن نجاح المنظمة يعتمد على مدى قربها من احتياجات الشعوب لا بعدد قراراتها أو مؤتمراتها. لذلك من المنتظر أن تشهد فترة رئاسته تحولا نحو مزيد من الفاعلية والشفافية والمشاركة، مع تمكين الشباب والمرأة فى هيكلها الداخلى، وإعادة بناء الثقة بين الدول الأعضاء.

إنها بداية عهد جديد لليونسكو، حيث يمكن إدارة الثقافة والعلم والتعليم كأدوات حقيقية للتنمية والسلام، لا كشعارات دبلوماسية فقط.. وفوز الدكتور «العنانى»، جاء ليكمل قصيدة البناء بعد حوار عالمى نسج تفاصيله على مدار عامين كاملين منذ 2023.. شمل برنامج زيارة إلى أكثر من ستين دولة.. التقى خلالها وزراء، وأساتذة، وفنانين، وباحثين من ثقافات متعددة. ليستمع ويتبادل الرأى حول التحديات التى تواجه العالم فى مجالات التعليم والبحث العلمى والثقافة والإدارة.. ومن تلك اللقاءات تشكّلت رؤية شاملة، متجذرة فى قيم العدالة والكرامة والسلام.. وغنية بخبرته الممتدة فى إدارة المؤسسات الكبرى وتعامله الطويل مع المنصات الدولية متعددة الأطراف والمجتمع المدني.. تحمل عنوان «اليونسكو من أجل الشعوب» ليؤكد أنها ليست رؤيته وحده، بل هى رؤيتنا جميعًا، لأنها نابعة من احتياجات الإنسان فى كل مكان. وهنا يضع «العنانى» السلام كحجر الأساس.

أما التعليم، فهو المفتاح الذى يفتح أبواب الازدهار. فالتعليم الجيد للجميع، لا سيما للفتيات وذوات الإعاقة والمهمشين. وهو الطريق نحو السلام والعدالة.. وتتعهد اليونسكو فى رؤيته بتعزيز التعلم مدى الحياة، من الطفولة إلى الجامعة، مرورًا بمحو الأمية والتعليم التقنى، مع تمكين المعلمين، وتطوير المناهج، وتوسيع الوصول إلى الإنترنت، وتحديث نظم التعليم بما يواكب الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا الحديثة. فالعلم فى فلسفة الدكتور «العنانى» ليس ترفا، بل ضرورة للبقاء والتقدم. ففى رؤيته، تواصل اليونسكو الدفاع عن الحق فى العلم، وحماية حرية العلماء وسلامتهم، ودعم الاستثمار فى البحث العلمى والابتكار الأخلاقى المسؤول، مع تعزيز التحول الرقمى وحوكمة البيانات والذكاء الاصطناعى المستدام.. وتعمل المنظمة، كما يقترح، على تطوير العلوم الاجتماعية والإنسانية وتشجيع حاضنات التكنولوجيا والتعاون الأكاديمى العالمي، لتكون المعرفة جسرًا يربط الشمال بالجنوب والشرق بالغرب فى عالمٍ أكثر توازنا وعدلا.

كما يؤمن «العنانى» أن مستقبل الشعوب مرتبط بكوكب الأرض، وأن اليونسكو مطالَبة بدور ريادى فى مواجهة تغير المناخ وحماية النظم البيئية والتنوع الحيوي. حيث تتضمن رؤيته برامج للتعليم البيئي، وبناء القدرات، وتطوير أنظمة الإنذار المبكر، وتشجيع التمويل المستدام، مع الاستفادة من معارف الشعوب الأصلية. فاليونسكو، من وجهة نظره، يجب أن تكون ضمير الكوكب فى مواجهة الأخطار التى تهدد الوجود الإنسانى ذاته.

وعندما يتحدث عن صون التراث وإحياء الذاكرة الإنسانية نجد أن شغفه يمتد ليحتل قلب رؤيته.. فهو الأثرى الذى قاد أكبر متاحف العالم. ويعرف أن التراث هو هوية الشعوب وجسرها إلى المستقبل. وفى مشروعه لليونسكو، يتعهد بتعزيز حماية التراث الطبيعى والثقافي، المادى أو غير المادى، تحت الماء أو على اليابسة.. مع دعم الدول ضعيفة التمثيل فى قوائم التراث، وتشجيع الترشيحات العابرة للحدود.. كما يدعو إلى استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى فى حماية التراث، وتدريب الشباب والمعلمين، وربطهم بتاريخهم من خلال التعليم الميدانى والرقمي. ويؤكد أن الثقافة قوة ناعمة للتنمية.. حيث يراها «العنانى» ليست ترفا حضاريا، بل قوة اقتصادية ومعنوية.

كما تحمل الرؤية روحًا إفريقية واضحة. فالأولوية العامة للقارة السمراء تمثل استجابة لاحتياجاتها الحقيقية، عبر التعاون مع الاتحاد الإفريقى لنشر ثقافة السلام، وتحويل التعليم، وتطوير العلوم والتكنولوجيا وفق أجندة 2063. وفى الوقت نفسه، يضع خطة متكاملة لتأمين التمويل المستدام من خلال الشراكات مع القطاع الخاص والمؤسسات الخيرية، ورعاية الفعاليات الثقافية، وإطلاق حملات تمويل جماعي، بل واستحداث آليات جديدة مثل السندات ذات الأثر الاجتماعي.. ويقترح نظامًا رقميًا يتيح للمانحين تتبع مساهماتهم لضمان الشفافية الكاملة.. وفى النهاية يتحدث الدكتور «العنانى» عن قوة العمل الجماعى، ويدعو العالم كى يشاركه فى بناء منظمة اليونسكو كى تكون شاملة وجامعة، قادرة على توحيد الشعوب من خلال الحوار والثقة والاحترام المتبادل.. مرددًا بقوله: «فلنتحد معًا لبناء يونسكو من أجل الشعوب”.

أخبار الساعة