رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

د. هيثم شعبان: الطب فى المستقبل سيكون «جينوميا» بامتياز


17-10-2025 | 16:54

د. هيثم شعبان

طباعة
حوار: إيمان النجار

لمع اسمه فى عالم الجينوم، ليصبح علمًا فى منظومة البحث الدولى، شغفه بالخلية وتفاصيلها لازمه طوال مسيرته العلمية على مدى يتخطى العشرين عاما، «أن يترك أثرا علميا وعمليا يخدم البشرية» هدف سعى لتحقيقه. إنه عالم الجينوم المصرى الدكتور هيثم شعبان، قائد مجموعة بحثية ومدير أبحاث بكلية الطب بجامعة جنيف ومركز أجورا للأبحاث السرطانية الانتقالية.

«المصوّر»، التقت «د. هيثم»، الذى تحدث عن مسيرته العلمية من كلية العلوم بجامعة الأزهر إلى كلية الطب بجامعة جنيف ومحركها الشغف والفضول والتركيز على التفاصيل وتقديسه للعلم.

عالم الجينوم المصرى له إسهامات وإنجازات كثيرة، فى مقدمتها تطوير الميكروسكوبات، واستطاع لأول مرة عمل تقنية تستطيع رؤية الجينوم أثناء عمله بالخلية الحية للبشر، أيضا قدم للمجتمع العلمى خريطة تحتوى على الأسس التى تعود بالخلايا الشائخة للشباب مرة أخرى من خلال إعادة برمجة للجينوم أو إعادة تنظيمه وإصلاح الخلل الذى حدث فى التنظيم الجينومى وتحولها لخلايا سليمة. وخلال حديثه ذكر «د. هيثم» أن أبحاثه الحالية تركز على السرطان وكيفية التشخيص وكيفية رؤية الأورام والخلايا المناعية، وكيفية تحسين الخلايا المناعية لكى تهاجم السرطان وتحاربه، بحيث تكون عبارة عن علاج ذاتى عن طريق الخلايا المناعية.. مستقبل علم الجينوم الذى وصفه «د. هيثم» بـ«الواعد» قال عنه «سيكون الطب فى المستقبل جينوميا بامتياز، أكثر دقة، أكثر إنسانية وأكثر وعيًا بتفرد كل فرد».

 

النشأة.. من هنا بدأ «د. هيثم»، حديثه مع «المصوّر»، وقال: نشأت فى أسرة تقدس التعليم، كان والدى ووالدتى دائمى التشجيع لنا على التعليم والدراسة وكيفية التفوق فى الدراسة، ليس فقط للتوظيف، لكن باعتبار أن هذا يشكل نوعًا من الثقافة وفهم الأمور وتعلم القيم ومدى تقدير الناس لصاحب العلم وصاحب المعرفة، كانا طوال الوقت يزرعان فينا أن أحسن سبيل لارتقاء أى شخص هو التعليم والعلم، وأتذكر أن والدى (رحمه الله) كان لديه مكتبة صغيرة فى بيتنا، وكان محبًا للقراءة، وكان هذا يجعلنا فى صغرنا طول الوقت نقدر أهمية القراءة، منذ صغرى ولدىّ شغف بمعرفة التفاصيل الصغيرة وأحب المذاكرة، وكان شقيقى يكبرنى بعام، وكنا نتنافس فى القراءة والمذاكرة وكيفية التفوق، فدور الأسرة مهم جدا بالنظر لما غرسته فينا، كان هناك إصرار على التفوق وهذا خلق دائما لدىّ الفضول المستمر، أيضا احترام العلم واحترام العمل وكان ذلك داعما طوال الوقت وأثره بالغا فى المسيرة العلمية والأكاديمية والبحثية، أيضا ما أثر فى منذ صغرى، أننى كنت أركز على التفاصيل مهما صغرت، والاستمرارية، ودائما لدىّ فضول.

«القراءة» لم تكن الهواية الوحيدة التى انحصر فيها شغف «د. هيثم»، حيث كان يلعب كرة القدم ويلعب الموسيقى، قائلا: كانت والدتى تشجعنى على ممارسة أنشطة أخرى، تعلمت بيانو، كنت وما زلت أحب الموسيقى وكذلك الرسم، بجانب القراءة، محبتى للرسم أرى أنها انعكست فيما بعد، عندما طورت ميكروسكوبات ومجاهر ضوئية وهى تحدد تفاصيل أكثر، فشعرت أن لها علاقة بالرسم، وبدلا من أن الشخص يرسم بيده، فعن طريق الأجهزة ممكن تصوير كل التفاصيل.

شخصيات كثيرة أثرت فى «د. هيثم»، لكن بحكم اسمه فكان الكثيرون يرددون اسم الحسن بن الهيثم، وهو ما خلق لديه الفضول للقراءة عنه، «قرأت عن الحسن بن الهيثم، فكنت دائما أراه نموذجًا عربيًا مسلما وقدوة كبيرة، أيضا شخصية مهمة جدا مثل ليوناردو دافنشى لم يكن مجرد مخترع وهو مَن أسس عصر النهضة فى أوروبا، كانت له إنجازات كثيرة».

مكتب التنسيق، كان «صاحب القرار» فى التحاق «د. هيثم» بكلية العلوم: كان تفكيرى اختيار تخصص يجمع بين مختلف العلوم، كان عندى شغف وقتها لمعرفة تفاصيل عن الخلية وكيفية عملها وهذا يتطلب دراسة فيزياء ورياضيات، وقتها كانت الكلية تؤسس قسم الفيزياء الحيوية وحضرت مناقشتين للماجستير فى أول أسبوع لى بالكلية لباحثين فى الفيزياء الحيوية، وسمعت كيف يصفون كهرباء المخ والقلب وتأثير الأدوية على الإشارات الكهربية للمخ والقلب، وشدنى جدا دراسة الكائنات الحية، أسرارها وتفاصيلها عن طريق الفيزياء وكان لدىّ شغف أكثر لمعرفة تفاصيل عن الخلية، وقتها لم يكن لدىّ مَن يرشدنى، ولكن شعرت وقتها أن هذا التخصص هو الأنسب لي».

هذه البداية يراها «د. هيثم» حجر الأساس، وأهم شيء فيها كان الشغف والفضول المستمر مع القراءة، وهى فترة تحدث عنها، قائلا: أدركت أهمية كل ذلك فى الوقت الحالى، لأنها تكون عبارة عن تراكمات وتدريب طوال الحياة وتكمل مع الشخص وتجعل التفكير أسهل فيما بعد وتساعد فى اتخاذ القرار، مثلا تغيير التخصص وهذا ما فعلته فيما بعد، «الفيزياء الحيوية».. التخصص الذى تخرج به «د. هيثم» من كلية العلوم، جامعة الأزهر، ليحصل بعد ذلك على درجة الماجستير، وذلك قبل أن يقرر السفر لاستكمال دراسته بالخارج، «أردت تعلم علم جديد، وكان فى ذلك الوقت هناك تخصص دقيق اسمه الجزيء الواحد، راسلت كليات بالخارج وكان شغفى دراسة هذا التخصص، وكنت حابب الدراسة فى أوروبا، لكن جاءتنى منحة فى جامعة إيمورى بأمريكا وبدأت الدكتوراه، وبعد عام تقريبا كنت فى مؤتمر وقابلت أستاذة من فرنسا وكانت رئيس برنامج هذا التخصص فى الاتحاد الأوروبى وأصبحت أستاذتى فى الدكتوراه فيما بعد صوفى بروسيلن، وقلت لها إننى متحمس للدراسة فى أوروبا بالأخص فرنسا، وأخبرتنى أنه يوجد برنامج بالاتحاد الأوروبى لإجراء الدكتوراه فى هذا التخصص ما بين جامعتين، بعد أسبوع أرسلت لى عرضا بإجراء الدكتوراه بين فرنسا وإيطاليا، كان لدىّ اثنان مشرفان، كنت عائدا من أمريكا ولدىّ طاقة كبيرة، ودرست جوانب كثيرة، توجهت لإيطاليا وخلال ستة أشهر أنهيت المطلوب منى فى الدكتوراه، ثم رجعت فرنسا وظللت ثلاث سنوات».

حصل «د. هيثم» على دكتوراه مزدوجة، واحدة من فرنسا وواحدة من إيطاليا فى هذا التخصص، وهى فترة تحدث قال عنها: بنيت ميكروسكوبات يمكنها رؤية الجزيء الواحد، المادة الوراثية، البروتينات، منها بروتين الأماليوت المسئول عن ألزهايمر واشتغلت على DNA والبروتينات المتفاعلة بواسطة هذا الميكروسكوب، من حسن حظى وأنا أنهى الدكتوراه كان أستاذ أستاذتى حصل على جائزة نوبل فى هذا الميكروسكوب، هو مَن أسسه، وعملت امتدادا لهذا الميكروسكوب، وأضفت بعدا جديدا له من خلاله نستطيع رؤية التوجه الجزيئى للجزيئات وكانت إضافة كبيرة.

وتابع: بعد ذلك انتقلت لدراسة الجينوم وكيفية عمله، وكان لدىّ فكرة عن كيفية رؤية الجينوم كله عن طريق هذا الميكروسكوب الجديد، وقتها كانت فكرة غريبة لم يصدقها البعض وخاطبت متخصصين كثيرين على مستوى العالم، تعجبوا من قدرتى على فعل ذلك، إلى أن وافقت أستاذتى ورئيستى فى مركز الأبحاث الوطنى الفرنسى، ومنحتنى فرصة عامين اشتغلت واستطعت عمل تكنيك جديد وميكروسكوبات جديدة، واستطعت لأول مرة عمل تقنية تستطيع رؤية الجينوم أثناء عمله بالخلية الحية، من قبل كنا نراه فى الخلية الميتة، واستطعت بهذه التقنية التغلب على كل الصعوبات والحاجة إلى العمل على خلية ميتة، اشتغلت على الخلية السرطانية ومعرفة كيفية عمل الجينات المسببة لها وكيفية تفاعلها مع بعضها ومع أجزاء من الجينوم، وهذه كانت أول رؤية للجينوم فى الخلايا الحية للبشر.

«أستاذ زائر فى جامعة أكسفورد، ثم باحث فى هارفارد»، محطة تالية وصل إليها قطار إنجازات «د. هيثم» الذى قال: كان لدىّ فكرة ميكروسكوب آخر، ليس فقط لمجرد رؤية الجينوم أثناء عمله، لكن أيضا رؤية تراكيب الجينوم نفسه وهى تعمل بالخلايا السرطانية الحية، هذه الإمكانات لم تكن متوافرة وقتها فى فرنسا، سافرت أمريكا بجامعة هارفارد وأكملت فكرة الميكروسكوب الجديدة، وكنت أعمل وقتها بالتوازى فى أكثر من خطوة، فالميكروسكوب الأول لم نكن نشرناه بعد، استغرق وقتا طويلا جدا، وفى نفس الوقت أعمل على الميكروسكوب الثانى فى هارفارد لرؤية تراكيب الجينوم فى الخلايا الحية السرطانية ورؤية البروتينات التى تسبب النسخ، المسئولة عن البروتينات وحدوث أى خلل فيها يسبب أمراضًا.

عام 2020 كان من أمتع الأعوام بالنسبة لـ«د. هيثم»، والسبب أوضحه بقوله: كل هذه النتائج والميكروسكوبات نُشرت فى مجلات كبرى مثل جينوم بيولوجى وساينس, كلها نُشرت فى عام 2020، وكانت من أمتع السنوات فى الإنتاج العلمى؛ لأننى استطعت إثبات نتائج جديدة وميكروسكوبات جديدة، أضفت أبعادًا جديدة للعلم، بعد ذلك استطعت إقناع الاتحاد الأوروبى للحصول على تمويل لرؤية الخلايا واختلافها، وكانت الميكروسكوبات التى طورتها كفيلة للإجابة عن كيفية تشكل الجينوم ويتحول من خلية لخلية فى الخلايا الجذعية، قدمت المشروع للاتحاد الأوروبى ووافق عليه وتم تمويله واخترت المعهد الفيدرالى السويسرى للتكنولوجيا فى لوزان لإجراء الأبحاث، وكنت باحثا مستقلا، واستطعت العمل والوصول لميكانيزم كيفية التحكم فى مصير الخلايا وهوية الخلايا فيما بعد.

وأكمل: فى 2020 عندما نُشر البحث اُختير بحث العام؛ لأن البحث قدم أدوات للباحثين، ليس فقط فى البيولوجى لكن فى الطب ومختلف التخصصات؛ لأنه يعمل على الجينوم فى الخلايا الحية، وأن هذا الميكروسكوب سيُحدث نقلة نوعية فى التخصص، لذا اُختير بحث العام 2020 باعتباره البحث الأهم فى العام بالنسبة لهم، هذا الاختيار بالنسبة لى كان تقديرا مهما من المجتمع العلمى أنه استطاع تقدير أهمية ما قدمته والذى لم يصدقه الكثيرون فى البداية واستغرق منى خمس سنوات حتى خرج للنور، وحصل على شهادات وإشادات المتخصصين فى أكثر من مجال، وهذا بالنسبة لى يبين أهمية البحث؛ لأننا استطعنا عمل خرائط للتفاعلات الجينية فى الخلايا الحية لأول مرة فى الخلايا السرطانية على مستوى الجينوم كله أثناء عملها، وهذا أوضح لنا أسرارا كثيرة عن الخلية لم نكن نعرفها، وكيفية اختلاف الخلايا السرطانية عن الخلايا السليمة وكيفية تغير نسخها، فكانت مثل مكبر لعمل الجينوم داخل الخلايا.

وتابع: بعدما حصلت على التمويل وتوجهت لسويسرا ظللت أكثر من عامين أعمل على الخلايا الجذعية، وهنا جاءت فكرة الشيخوخة، وفكرة كيفية عمل برمجة للجينوم لإخراجه من الشيخوخة، وببساطة الخلايا عندما تدخل طور الشيخوخة الجينوم تنظيمه يختل، وكان السؤال: هل نستطيع عمل تنظيم للجينوم عن طريق البروتينات التى عملت عليها، وهل إعادة للتنظيم هذه ستعود بالخلايا للشباب؟، وبدأت العمل عليها، وقتها قررت ترك المركز الفيدرالى السويسرى، وتوجهت إلى كلية الطب فى جامعة جنيف ومعهد أجورا للأبحاث السرطانية لأنها الأماكن الصحيحة لإجراء الأبحاث الانتقالية، ومن البحث استطعت معرفة المسارات التى لو أعدنا برمجة الجينوم يستطيع الخروج من طور الشيخوخة إلى الخلايا الشابة وحددنا المسارات التى من خلالها نستطيع تحقيق ذلك وكيفية أن التكنولوجيا الجديدة تساعدنا على فهم هذه التحولات وتساعدنا ليس فقط فى تجديد الخلايا ولكن أيضا فى العمليات الطبية؛ فكان المهم أن يكون لدينا أدوات تستطيع رؤية هذه التغيرات وعلاقتها بالخلايا حولها، وكانت دراسة مهمة أن نوضح للمجتمع العلمى أنه عن طريق دراستنا وأدواتنا المطورة نستطيع عمل إعادة برمجة للجينوم أو إعادة تنظيمه، بحيث نصلح الخلل الذى حدث فى التنظيم الجينومى وتحولها لخلايا سليمة، وهذه بالنسبة لى كانت بمثابة خريطة للمجتمع العلمى تحتوى على الأسس التى اتبعناها نرجع بالخلايا للشباب مرة أخرى.

وعن أبحاثه الحالية، قال العالم المصرى: حاليا أبحاثى تركز على السرطان وكيفية التشخيص وكيفية رؤية الأورام والخلايا المناعية، وكيفية تحسين الخلايا المناعية لكى تهاجم السرطان وتحسينها بحيث تكون أقوى وتستطيع محاربة السرطان، بحيث تكون عبارة عن علاج ذاتى عن طريق الخلايا المناعية، أيضا وجدنا أن الخلايا الشائخة «الزومبي» موجودة داخل الورم، وهى تؤثر على كفاءة العلاج وتُحدث مقاومة للعلاج، ووجدنا أن التخلص من هذه الخلايا الشائخة فى الورم يساعد على سرعة الاستجابة للعلاج المناعى وتساعد على أن تقوى الخلايا المناعية وتدخل للقضاء على الورم، أيضا نشتغل على جزء آخر طالما نستطيع التخلص من الخلايا الشائخة داخل الورم ممكن نعمل على التخلص منها فى بقية الأعضاء ومن ثم العودة بها شابة، وأبحاثى حاليا عن الارتباط بين السرطان والشيخوخة وكيفية التخلص من الخلايا الشائخة والسرطان والأمراض المرتبطة بها وأمراض الشيخوخة أيضا.

تحديات كثيرة قابلها «د. هيثم» فى مسيرته، لكنها لم تكن عائقا فى إكمال مسيرته العلمية، «التحديات كانت كثيرة، منها تحديات ثقافية، اجتماعية، علمية، أيضا تحدٍّ إنسانى البعد عن الأهل والأصدقاء، لكن الملاذ كان الشغف والسعى ووجود هدف داخلى كبير وليس مجرد الحصول على درجة علمية، بالنسبة لى كان هدفى تحقيق شيء يؤثر على البشرية؛ لذا واصلت مسيرتى، ودائما لدىّ شغف بإفادة الناس، وأن يكون لى أثر فى حياتى العلمية والعملية، كل هذا يحركه حب العلم، تحدٍّ آخر خاص بى شخصيًّا أننى غيّرت تخصصى أكثر من مرة بسبب شغفى، ولكن كل التخصصات هذه مرتبطة ببعضها، ورغم كون التغيير ضمن الصعوبات، لكنه له أثر إيجابى، فجعلنى أفكر بعمق أكبر، لدىّ أكثر من تخصص، لدىّ أكثر من وجهة نظر فى العلم، وهذا من شأنه سعة الخيال والأفكار وأساس لحل المشكلات بطرق مختلفة وغير معتادة».

مصطلح «الجينوم» سيطر على الساحة الطبية والعلمية خلال السنوات الماضية تحدث عنه «د. هيثم»، قائلا: علم الجينوم مهم جدا؛ لأننا بدأنا عصرا جديدا فى الطب هو عصر الطب الدقيق والطب الشخصى، أيضا علم الجينوم يمثل الكتاب الكامل لحياتنا، وجميع المعلومات الوراثية التى تحدد الصفات البيولوجية واستجابتنا للأمراض والعلاجات مرتبطة بالجينوم، أيضا فى العشرين سنة الأخيرة حدثت تطورات تقنية كثيرة جدا لتحليل الجينوم بشكل مذهل، هذا جعل إمكاناتنا فى قراءة الشفرة الجينية الوراثية لأى شخص فى أيام قليلة بتكلفة منخفضة، هذا التطور فتح باب ثورة جديدة وكبيرة فى الطب تُعرف بالطب الدقيق أو الطب الجينومى، من خلالها يتم تشخيص المرض وعلاجه بناء على التركيبة الجينية لكل فرد، وليس بناء على التعميم أو المتوسطات السريرية.

مضيفاً: «يتيح لنا اليوم تحليل الجينوم الكشف المبكر عن الاستعداد الوراثى للإصابة بالأمراض قبل ظهور أعراض المرض، أيضا يستخدم لتحديد الطفرات والتغيرات التى تسبب أمراضا معينة مثل السرطان وأمراض القلب والاضطرابات العصبية ففى مجال الأورام تحليل الجينوم أصبح أداة أساسية لتحديد نوع الطفرات التى تدفع لنمو الورم، وبالتالى اختيار العلاج الأنسب، أيضا ساعدنا فهم الجينوم فى تطوير أدوية جديدة أكثر دقة وفاعلية وكذلك تجنب العلاجات غير المفيدة فى مرض معين وهو ما نسميه العلاج الشخصى».

«د. هيثم»، انتقل بعد ذلك للحديث عن الجديد فى أبحاث الجينوم، وقال: الأبحاث حاليا تتجه لما هو أبعد من مجرد قراءة الجينوم، ليس فقط مجرد عمل تسلسل جينى، لفهم كيفية التفاعلات الجينية مع بيئتها وتنظيمها داخل الخلية، لكن ما هو أكثر من ذلك التحكم فوق الجينى والتصوير المكانى للجينوم، وهو ما أعمل عليها حاليا ومحاولة ربط البينة المكانية للجينوم داخل النواة بالنشاط الجينى فى سياق الأمراض خاصة السرطان والشيخوخة، هذا يسمح لنا بتحديد مصدر المقاومة للعلاج وتطوير استراتيجيات دقيقة للتغلب عليه.

وتابع: مستقبل علم الجينوم مستقبل واعد جدا؛ لأننا نتحرك نحو عصر سيصبح فيه تسلسل الجينوم الكامل جزءا روتينيا، بحيث يكون لدينا تسلسل كامل بملف طبى لكل شخص، وهذا يتيح لأطباء المستقبل تشخيص الأمراض بدرجة أفضل وتحديد علاجات مخصصة لكل مريض حسب الخريطة الجينية، والتبنؤ بالأمراض قبل حدوثها، والأهم فى وجود الذكاء الاصطناعى. فعلم الجينوم، مع تدخل الذكاء الاصطناعى وقدرته على تحليل البيانات الضخمة، سيحول الجينوم إلى محور أساسى فى الطب الوقائى والبحث العلمى والصناعات الدوائية وحتى فى مجالات مثل التغذية وعلم النفس والشيخوخة، وإذا أردنا التلخيص فسيكون الطب فى المستقبل جينوميًّا بامتياز، أكثر دقة، أكثر إنسانية وأكثر وعيًا بتفرد كل فرد.

اهتمام مصر بعلم «الجينوم»، أمر آخر تحدث عنه «د. هيثم» قائلا: فى السنوات الأخيرة الدولة أولت اهتماما بهذا الملف وخاصة بإطلاق المشروع القومى للجينوم المصرى، فهو خطوة مهمة جدا نحو دمج الطب الجينومى فى منظومتنا الصحية والبحثية، وهذا مشروع مهم جدا، ومخرجاته من الممكن أن تساعد ليس فقط على مستوى البحث العلمى ولكن على المستوى الطبى، لكن رغم أهمية هذه الخطوة لا تزال توجد تحديات على مستوى البينة العلمية والتحتية تحتاج لمعالجة لضمان استمرارية وتكامل الجهود.

ما ينقص مصر فى هذا الملف لخّصه «د. هيثم» فى عدة نقاط، قائلا: الاستمرارية والتمويل طويل الأمد، لذا التمويل يجب أن يوجه ليس فقط لتجميع البيانات، لكن أيضا لبناء الكوادر وتطوير التحليل المتقدم، لا بد من تأهيل للكفاءات البشرية ولدينا علماء وأطباء متميزون، لكن المجال يحتاج إلى تدريب متكامل، فالاستثمار فى العنصر البشرى هو المفتاح للنجاح المستقبلى، النقطة المهمة، وتنقصنا بشدة، وهى الربط بين البحث العلمى والتطبيق السريرى، يجب أن يكون هناك تكامل بين الجامعات والمراكز البحثية والمستشفيات فى منظومة واحدة، بحيث تنقل نتائج البحث من المختبر إلى المريض بصورة فعلية وهذا ما أطبقه فعليا، نقطة مهمة أيضا هى البنية التحتية الرقمية وحوكمة البيانات، فتحليلات الجينوم تعتمد على إدارة كمية كبيرة جدا من البيانات الحساسة تحتاج إلى منصات وطنية مؤمّنة، تحليل وتخزين البيانات الجينومية مع ضمان حماية الخصوصية واستخدامها فى تطوير السياسات الصحية وهذه متعلقة بخصوصية المرضى، أيضا لا بد من تشجيع الشراكات الدولية والصناعة، وأن يكون هناك تعاون مع مراكز بحثية عالمية والشراكات العلمية المتخصصة فى الجينوم والتقنيات الحيوية، فهذا من شأنه تسريع نقل والتكنولوجيا وتبادل المعلومات واستدامة التطوير.

أخبار الساعة