كلما اشتد غضب الجماهير فى بعض بلدان العالم، خاصة فى أوروبا وأمريكا نفسها ضد ما يجرى من حرب إبادة لفلسطينى غزة بالقتل عمدًا بالرصاص وبالتجويع وتصاعد الضغوط على الحكومات، لاتخاذ موقف ضد إسرائيل. تبحث الولايات المتحدة الأمريكية عن سبيل لتهدئة الغضب تارة بفتح مسار للتفاوض بين إسرائيل وحركة حماس عبارة عن (جعجعة بلا طحين) -لأن الحقيقة واضحة وهى الدعم الأمريكى اللانهائى لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين “نتنياهو” الذى لا يريد إنهاء الحرب على غزة لمصلحته الشخصية، والتى تتوافق معه تمامًا فى خطته لتهجير الفلسطينيين.
وعلى جانب آخر تقوم الولايات المتحدة بصرف الاهتمام الى الجانب الإنساني، لتصبح القضية هى مجاعة الفلسطينيين، وإنقاذ الأطفال من الموت جوعًا، الذين تذكرهم ترامب مؤخرَا بتصريحات وبتحرك دبلوماسى فى إطار محاولة لطمس الصور التى تنشرها وسائل الإعلام عن بشاعة ووحشية حرب الإبادة لغزة مكانًا وسكانًا.
كيف دارت فصول هذه المسرحية؟ وكيف تم الإعداد لها؟ ومَن هو بطلها الفاشل «ستيف ويتكوف».
قبل رحلة ويتكوف بيومين، كانت للرئيس ترامب تصريحات عن أن زوجته السيدة الأولى ميلانيا ترامب تأثرت بشدة بصور المجاعة فى غزة والموت جوعًا، وأنها تعتقد أن الأمر مروع ، وقال «هى ترى نفس الصور التى نراها جميعًا وأعتقد أن الجميع، ما لم يكونوا قساة القلوب أو أسوأ من ذلك، مجانين، لا يوجد شيء يمكن قوله إلا أن الأمر مروع عندما ترى الأطفال»، وأتبع ترامب بأن “الأطفال يتضورون جوعًا”. هذا الكلام قاله ترامب ردًا على كلام نتنياهو بأنه لا يوجد مجاعة فى غزة.
الرئيس الأمريكى قال إنه أرسل ويتكوف والسفير الأمريكى فى إسرائيل “مايك هاكابي” لمعرفة الحقائق على الأرض ا
وصل ويتكوف إلى إسرائيل يوم الخميس الماضى والتقى نتنياهو، ويوم الجمعة قام بزيارة أحد مراكز توزيع الغذاء فى رفح الجنوبية التابع لمؤسسة غزة الإنسانية، وفى هذا اليوم وأثناء زيارته لغزة لم تتوقف عمليات قتل الجوعى الفلسطينيين الباحثين عن حفنة دقيق أو بعض من حبات العدس، حيث استشهد 32 فلسطينيًا من منتظرى المساعدات خلال يوم الجمعة.
الولايات المتحدة الأمريكية لا تقدر أو تحترم أو تصدق تقارير المنظمات الدولية حول ما يحدث فى غزة، بل تعتبر إسرائيل وحكومتها المتطرفة هى مصدر المعلومات التى تتبناها، تُنكر ما احتواه تقرير مجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان من أن 1337فلسطينيًا قتلوا أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء منذ أواخر مايو الماضي، وأن القوات الإسرائيلية تطلق النار عند مراكز المساعدات أثناء التوزيع.
ووصفت منظمة هيومان رايتس ووتش النظام الذى تتبعه “مؤسسة غزة الإنسانية” والتى تديرها شركتان أمريكيتان بالتعاون مع إسرائيل لتوزيع المعونات فى غزة بأنها مصيدة للموت، وأصبحت عملية التوزيع عبارة عن حمامات دم منتظمة وأن إسرائيل تستخدم التجويع كسلاح، وتلك جريمة حرب.
وأشارت المنظمة إلى أن المناطق التى اختارتها المؤسسة للمراكز الأربعة لتوزيع المعونات.. مناطق تتمركز فيها القوات الإسرائيلية وتُطلق منها النيران على الجائعين، ويضطر الفلسطينيون السير لمسافات طويلة فى طرق وعرة وخطرة حتى يصلوا إليها .
وطالبت المنظمة بالتدخل الدولى لوقف تلك الجريمة التى تعد وفق القانون الدولى جريمة ضد الإنسانية وحقوق الإنسان وتصنف جريمة حرب.
وقد سمحت إسرائيل مؤخرًا بعمليات إنزال مساعدات من طائرات، قادمة من بعض الدول العربية وفرنسا وألمانيا، ولكن طبقًا لوكالة غوث اللاجئين الأونروا، لا يمكن أن تستطيع الوفاء باحتياجات 2 مليون و400 ألف سكان غزة، ولا يوجد بديل لنظام الحافلات، هذا بخلاف وفاة شخصين سقطت عليهما صناديق المعونة.
وكانت مصر أرسلت أعدادًا كبيرة من الحافلات ولكن إسرائيل عطلت العديد منها بإجراءات التفتيش وبتجميع اعداد من المستوطنين لمنعها، وبقيام عصابات من المتعاونين معها مثل عصابة ياسر أبوالشباب، بالهجوم على الحافلات ونهب المعونات وسط حماية من القوات الإسرائيلية.
وتستمر مأساة تجويع الفلسطينيين تحت دعاوى أمريكية إسرائيلية، لم تقدما عليها دليلاً واحدًا أن حماس تستولى على المعونات، وهو ما دحضته كل المنظمات الدولية المعنية.
التقى ويتكوف يوم السبت فى تل أبيب بأهالى الأسرى الإسرائيليين المحتجين. وأكد لهم حرص أمريكا على إعادة الأسرى لذويهم، وقال ويتكوف إن حماس أبدت استعدادا لنزع سلاحها، وهو ما نفته حماس جملة وتفصيلاً، وقالت إن مقاومة الاحتلال حق أجازته القوانين والشرعية الدولية، وإنها لن تتنازل عن سلاحها إلا بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
زيارة ستيف ويتكوف لغزة هى مسرحية هزلية من أجل تخفيف الضغط الجماهيرى فى أوروبا وأمريكا المفزوع من عملية التجويع الإسرائيلية المنهجية لفلسطينى غزة، لدفعهم للموت أو التهجير وبمشاركة ودعم أمريكى، قال ويتكوف «هناك نقص فى الغذاء لكن لا يوجد تجويع”، يقول ذلك وكان أمامه وخلفه فى رفح آلاف الجوعى الذين أصبحوا «جلدًا على عظم”.
ويقول ترامب إنه فى انتظار تقرير ويتكوف والسفير الأمريكى عن الزيارة ليتأكد من حصول الناس على الطعام، ليغير للمرة الثالثة لهجته ويعو د لإنكار ما يحدث من جريمة التجويع والإبادة التى ترتكبها إسرائيل بدعم أمريكى.
الرئيس ترامب اختار ويتكوف ليكون مبعوثه للشرق الأوسط لأنه صديقه ويشبهه، رجل ثرى يمتلك المليارات، ابن لأبوين ينتميان للطائفة اليهودية أصوله بلغارية مولود فى نيويورك وهو فى نهاية الستينيات من عمره، ليس لديه أى خبرة فى العمل السياسى، يمتلك شركة تطوير عقارى حاصل على شهادة فى القانون، وأفكاره ربما تصل إلى حد التطابق مع أفكار ترامب، حيث استمرت علاقتهما لسنوات طويلة، لويتكوف ابن شاب تُوفى بجرعة زائدة من المخدرات ويشعر بالامتنان لترامب وأسرته لمساندته فى محنته، أنفق الكثير من الأموال على حملة ترامب الانتخابية. ينظر لغزة كنظرة ترامب تصلح مشروعًا عقاريًا استثماريِا، شرط ترحيل وتهجير الفلسطينيين وحماية إسرائيل أيًا كانت جرائمها.
ويتكوف قال أثناء زيارته لتل أبيب إن المفاوضات لصفقات مرحلية لم تعد تجدى.. صفقة واحدة.. هذا هو مطلب نتنياهو إما كل شيء أو لا شيء أسدل الستار وانتهت مسرحى ويتكوف فى غزة.