رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

3 حكايات سينمائية تراهــــــــــــــــــــــــــــــن على العاطفة والإنسانية


19-10-2025 | 14:12

.

طباعة
تقرير: سما الشافعى

بعد مواسم عديدة متلاحقة غلب عليها طابع الأكشن والكوميديا الخفيفة، تشهد السينما المصرية مؤخرًا حالة انتعاش فنية مختلفة أعادت للجمهور حنينه إلى الدراما الإنسانية والرومانسية التى تلامس القلب والعقل معًا، حيث يزخر موسم أفلام الخريف حاليًا بثلاثة أفلام تحديدًا قادت هذا التحول الواضح فى ذوق الجمهور المصرى، وهى: «ضي، هيبتا 2، وفيها إيه يعنى»، وتراهن هذه الأعمال على جذب المشاهدين من الواقع العاطفى والإنسانى.

 

 

«ضى» واقع أليم ولكنه طموح..

 

 

ففى وقت تتكاثر فيه الأفلام التى تكتفى بالإبهار السريع والمشاهد المكرّرة، يظهر «سيرة أهل الضى» كصوت مختلف تمامًا، ليُعيد الاعتبار لفكرة أن السينما ليست مجرد ترفيه، بل وسيلة للفهم، وللتعبير عن الإنسان كما هو، لا كما يريده الآخرون أن يكون، حيث تبدأ الحكاية فى الجنوب، فى قرية نوبية تغمرها الشمس والحياة، فهناك يلتقى بالطفل ضى، الفتى مختلف الملامح بسبب إصابته بحالة «الألبينو»، لكنه يملك حلمًا بسيطًا وعظيمًا فى آنٍ واحد، وهو أن يغنّى يومًا مع مثله الأعلى، الفنان محمد منير.

فى هذا الإطار، قال الكاتب والسيناريست هيثم دبور إن فكرة «ضي» وُلدت من إيمانه بأن الفن يجب أن يتحدث عن «الهامش»، عن أولئك الذين نراهم ولا نُصغى إليهم، وأن الفيلم ليس عن مرض أو لون أو اختلاف شكلى، بل عن الحلم ذاته، عن الرغبة فى أن يُرى الإنسان كما هو، والنوبة هنا ليست مكانًا فحسب، بل روح مصر التى تحب ولا تكره، ومشاركة الكينج محمد منير لم تكن مصادفة، بل لأنه رمز لحلم أجيال، وصوته يجمع بين الوجع والأمل، وهذا بالضبط ما أردنا أن نحكيه فى « ضي».

أما المخرج كريم الشناوى، فأكد أن المشروع استغرق سنوات من التحضير والبحث، مشيرًا إلى أن الفيلم صُوِّر بالكامل فى أماكن حقيقية، من النوبة إلى القاهرة، لتكون الطبيعة جزءًا من اللغة البصرية لا مجرد خلفية، لم أرد أن يكون عملًا فنيًا جميلًا فى الصورة فقط، بل صادقًا فى الإحساس، السينما بالنسبة لى مرآة لا تجمّل، بل تكشف، والفيلم واجه تحديات إنتاجية عديدة، حيث انسحبت بعض الجهات فى البداية لأن العمل ليس تجاريًا، لكنه واصل المشوار مع فريق مؤمن بأن «السينما التى تُصنع بشغف، تصل مهما طال الطريق».

بأداءٍ صادق ومؤثر، جسدت الفنانة السودانية إسلام مبارك شخصية الأم النوبية التى تتحدى نظرة المجتمع لطفلها المختلف، وصرحت لمجلة «المصور»، قائلة: «حين قرأت السيناريو شعرت أنى أمام قصة تحكى حكاية كل أم مصرية، تخاف على ابنها وتحلم له بحياةٍ كريمة، والأم فى «ضي» لا تملك سوى قلبها وصوتها، لكنها تصنع بهما معجزة، فأنا عشت الدور بكل تفاصيله، وكنت أشعر فى كل مشهد أنى أم فعلًا، وأن ضى ليس مجرد طفل، بل رمز لكل المختلفين الذين يستحقون فرصة للحياة والحلم».

تميّز الفيلم بحضور مجموعة مميزة من ضيوف الشرف، كان فى مقدمتهم الكينج محمد منير الذى قدّم دورًا رمزيًا يختصر روح الفيلم، مؤكدًا أن الفن قادر على جمع الناس مهما اختلفوا فى الشكل أو الثقافة، كما شارك النجوم أحمد حلمى، محمد ممدوح، صبرى فواز، وعارفة عبدالرسول فى مشاهد مؤثرة أضافت للدراما عمقًا ولمسة إنسانية.

 
 

الضحك الناضج عنوان «فيها إيه يعنى»..

 

 

ووسط موجة الدراما العاطفية الجادة، فى زمنٍ صاخب تتبدل فيه المشاعر بسرعة الضوء، يأتى فيلم «فيها إيه يعني» ليعيدنا إلى المنطقة الأكثر صدقًا فى الإنسان، إلى لحظة الالتقاء الأولى، بعد فراقٍ طويل، وإلى سؤالٍ يبدو بسيطًا فى ظاهره لكنه يحمل خلفه عوالم من الدهشة، ماذا لو عاد الحب الأول متأخرًا، لتأتى الإجابة فى فيلم «فيها إيه يعنى»، الذى أثار منذ لقطاته الأولى جدلًا مفيدًا بين الجمهور والنقاد، ليس لأنه يحمل قصة غير مسبوقة، بل لأنه يحكى الحكاية الأقدم فى العالم، ولكن بوجهٍ جديد ونغمةٍ إنسانية خافتة.

يدور فيلم «فيها إيه يعنى» عن رجل وامرأة تفرّق بينهما الحياة، ثم تجمعهما المصادفة بعد مرور عشرين عامًا، لا يعيدان الزمن إلى الوراء، بل يحاولان أن يتصالحا مع ما تبقّى من الحنين، وأن يكتشفا ما إذا كان القلب ما زال يعرف طريقه إلى الحب بعد كل هذا الغياب.

فى تصريحات خاصة لمجلة المصور، قال النجم ماجد الكدوانى: «ما شدّنى فى الفيلم هو صدقه، وببساطة، شعرت أننى أقرأ شيئًا يشبهنا جميعًا، نحن الذين نضحك أحيانًا كى لا نبكى، ونُخفى وجعنا خلف تفاصيل الحياة اليومية، القصة تذكّرنا بأن الحب لا يُقاس بالسنوات، ولا يتأثر بالتجاعيد، بل يعيش فى التفاصيل الصغيرة التى نظنها عابرة، بل إننى أحب الأعمال التى تقترب من الناس بلا ادّعاء، والتى تجعل المشاهد يرى نفسه فى البطل، لا البطل فى نفسه، وهذا الفيلم من تلك الأعمال التى تُعيد للسينما بساطتها الأولى، وتجعلنا نُحبّها من جديد».

وأعربت الفنانة غادة عادل عن سعادتها ببطولة الفيلم إلى جانب الكدوانى، مؤكدة أن العمل يختلف عن معظم الأفلام الرومانسية التى قدّمتها من قبل، قائلة: «أجمل ما فى الدور أنه إنسانى جدًا، امرأة تلتقى بعد سنين طويلة بحبها القديم، لكن الظروف تغيّرت، والنظرة للحياة أيضًا، هذا النوع من القصص يُغريك كممثلة لأنك تعيشين مشاعر لا تُعاد بسهولة فى الواقع، وفى بعض المشاهد كنت أبكى من دون تمثيل، لأننى شعرت بما تشعر به شخصيتى فعلًا، والسينما المصرية تحتاج إلى أعمال تلامس النضج، لا تكتفى بحكايات المراهقة الأولى، وهذا الفيلم يقول ببساطة إننا نستحق أن نُحب فى كل عمر، وإن المشاعر لا تُمحى بل تتغير ملامحها فقط».

وتقدّم الفنانة القديرة ميمى جمال شخصية الأم التى تقف على حافة الماضى، تُراقب ابنها وهو يخوض تجربة حب معقّدة، وتستعيد فى الوقت نفسه جزءًا من ذاكرتها الخاصة، وبخطوات ثابتة على «الريد كاربت» فى العرض الخاص للفيلم، قالت: «أحببت العمل لأنه يكرّم مشاعر الكبار، ويمنحهم مساحة فى السينما بعد أن انشغلنا طويلًا بالشباب فقط، صحيح أن دورى بسيط لكنه يحمل رسالة بداخلها أنه لا عيب أن نُحب، حتى لو كبرنا، والعيب هو أن نخاف من الحب ونغلق الباب فى وجهه، وحين قرأت السيناريو تذكّرت مواقف كثيرة فى حياتى، وشعرت أننى لا أمثّل، بل أعيش تجربة حقيقية، وهذا ما يجعل الفيلم قريبًا من القلب».

وفى هذا الصدد، قال الفنان الكوميدى مصطفى غريب: إن «فيها إيه يعنى» من الأعمال التى تجمع بين الضحك والدمعة، وهذا النوع أحبه جدًا، والكوميديا هنا ليست نوعًا من المزاح، بل طريقة ذكية للتعامل مع الوجع، والناس فى الحقيقة يضحكون أحيانًا كى يخفوا وجعهم، والفيلم يرصد هذا ببراعة، وأنا دورى قريب من الشخصية المصرية البسيطة التى تحب وتُخطئ وتسامح، والميزة فى المخرج عمر رشدى أنه يُعطى الممثل حرية التعبير، فكنت أشعر كأننا نرتجل الحياة لا نُمثّلها».

وهنا نختتم بالمخرج الشاب عمر رشدى حامد، الذى أعرب عن سعادته بردود الفعل الإيجابية التى تلقاها الفيلم منذ عرضه، وعلق قائلًا: «رهانى الأكبر كان على الصدق لا البريق، و أنا مؤمن أن السينما الحقيقية تُشعرك أنك جزء منها، وأنا حاولت أن أقدّم فيلمًا يذكّرنا بأننا بشر، وأن الحب ليس رفاهية بل حاجة إنسانية تسبق حتى الطعام والهواء، وكنت أقول لفريقى دائمًا: لا نريد أن نصنع فيلمًا كبيرًا، بل عمل واقعى، لأن الحقيقة وحدها قادرة أن تصنع التأثير، وفى مشهدها الأخير، لا يُغلق «فيها إيه يعنى» أبواب الحكاية تمامًا، بل يتركها مفتوحة قليلًا كأنها تقول للمشاهد، أكمل أنت ما تبقّى، وهذا ما جعل الجمهور يخرج من القاعة وفى عينيه مزيج من الحنين والسكينة، كأن الفيلم لم يُعرض أمامهم، بل بداخلهم».

 

 

«هيبتا ٢»

الحب فى زمن الذكاء الاصطناعى..

 

حين طُرح الجزء الثانى من «هيبتا»، انقسم الجمهور بين متحمّس ومتخوّف من المقارنة بالجزء الأول الذى ترك أثرًا لا يُنسى، إلا أن النسخة الجديدة تجاوزت التوقعات، ونجحت فى أن تقدم رؤية مغايرة دون أن تفقد الجوهر الفلسفى الذى ميّز النسخة الأولى

بعد قرابة تسع سنوات من انتهاء الجزء الأول، يعود «الثانى» إلى الشاشة فى صورة أقوى، أعمق، وأكثر قدرة على أن يُلامس القلب.. «هيبتا 2 - المناظرة الأخيرة» ليس مجرد استكمال لموضوعٍ تركناه دون إجابات، بل هو محاولة فنية لإعادة رسم العلاقات بمعناها الإنسانى فى عصر الذكاء الاصطناعى، لا بمظاهر العاطفة السطحية فقط.

بدوره، قال المخرج هادى الباجورى إن «هيبتا 2» عملٌ مستقل تمامًا، يمتلك لغته وسرده الخاص، وأنه مختلف كليًا عن الجزء الأول، وأنه استغرق وقتًا كبيرًا ليتخذ قرارًا أن يقدم جزءًا ثانيًا، بعد نجاح الأول، وأن المهمة كانت صعبة أن تعود بعد سنوات، وأن لا تُكرر، ولكن أن تُجدد، أن تطرح السؤال الجديد، كيف تستطيع الارتباط الآن، فى هذا العصر الحديث وكيف نتعامل مع التقنية الحديثة، مع الهواتف، مع العزلة التى تجتاح العلاقات، مؤكدًا: «ما زلت أؤمن أن الفيلم الجيد ليس الذى يقدّم أجوبة، بل الذى يجعل المشاهد يسأل نفسه».

بينما قالت الفنانة الشابة جيهان الشماشرجى، إن شخصيتها التى تجسدها ضمن أحداث الفيلم تتضمّن تحوّلات عاطفية قوية، أنها امرأة تعيش التردد بين التمسك بالحب القديم والشكّ فى قدرته على الصمود فى زمنٍ تتراجع فيه الثقة، معبرة عن حماسها للعمل، ومؤكدة أن ما شدّها إليه ليس فقط نجاح الجزء الأول، بل عمق الفكرة التى يتناولها الجزء الجديد، والتى تطرح الحب من منظور مختلف، أكثر نضجًا وإنسانية.

وأشارت «الشماشرجى»، الى أن السيناريو تمت كتابته بتوازن دقيق بين العاطفة والواقعية، منحها فرصة لتجسيد شخصية مليئة بالتناقضات والمشاعر المكبوتة، فدورها، كما تصفه، لامرأة تمرّ بفترة عصيبة من حياتها، تبحث فيها عن الضوء وسط الظلام، وعمن يذكّرها بمعنى الحياة بعد انكسارات متتالية قائلة: «أحببت الشخصية لأنها تشبه الكثير من النساء اللواتى يخفين وراء الابتسامة حكايات طويلة من الألم، لكنها رغم ذلك لا تفقد قدرتها على الحلم، وأنا سعيدة بالتعاون مع المخرج هادى الباجورى، لأنه يمنح الممثل مساحة للتعبير بحرية، ومعجبة بأسلوبه فى تناول القصص الرومانسية بشكل غير تقليدى».

أما الفنان كريم قاسم، الذى شارك فى «هيبتا 2»، فعلق قائلًا: «دورى يحتوى على سمات مؤذية، لكنه يريد أن يُظهر كيف يمكن لشخص أن يُحب رغم كل ذلك، أو كيف يُحطم الماضى لكنه يواصل السير، وتجد أن الفيلم لا يُقدّم عاطفة مروَّضة، بل عاطفة حقيقية، أحيانًا متعثّرة، لكنها تنمو، وأن المشروع بالنسبة لى ليس مجرد جزء ثانٍ لفيلمٍ ناجح، بل هو تجربة شعورية وفنية تتجاوز حدود الشاشة إلى أعماق الإنسان ذاته، وأعد الجمهور أن كريم قاسم الذى عرفه الجمهور بشخصيات متنوّعة ما بين الرومانسى والعفوى والمتمرّد، يعود هذه المرة بوجهٍ أكثر نضجًا، وأنه حين عُرض علىّ الفيلم، لم أفكر فيه كاستكمال لقصة ناجحة، بل كفرصة لاكتشاف ما تغيّر داخلنا نحن كأشخاص منذ الجزء الأول حتى يومنا هذا، حيث إننا فى هيبتا الأول كنا نحكى عن الحب من منظور التجربة الأولى، أما فى هيبتا 2 فالحكاية تنبع من أماكن أكثر عمقًا، بل من الألم، من الخسارة، ومن محاولات الترميم بعد الانكسار، والشيء الرائع فى السينما أنها لا تُعيدك إلى الوراء بقدر ما تعيد اكتشاف نفسك».

 

أخبار الساعة