رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

محمود ياسين.. بطل «سينما أكتوبر»


18-10-2025 | 22:34

.

طباعة
بقلـم: أشرف غريب

قبل أيام، كنت ضيفًا على الفنان سامح حسين فى برنامجه الذى يقدمه على قناة «مدرستنا»، والموجه فى المقام الأول لطلبة المرحلة الثانوية، والمعنىّ فى الأساس بتقديم القدوة والنماذج الطيبة لهذا النشء فى مرحلة تكوينه الأولى، وإذكاء روح الانتماء والولاء لمصرنا العزيزة، وقبل الهواء حملنى سامح أرق عبارات الامتنان لمجلة «المصوّر» ولرئيس تحريرها التى ساندت تجربته الإعلامية والإنسانية التى قدمها طوال شهر رمضان الماضى، وكانت «المصوّر» سباقة فى ذلك قبل الجميع.

 

كان موضوع اللقاء عن الفن وحرب أكتوبر، وكيف عاش جيل النصر هذه الأيام المجيدة فى عمر الوطن، وقبل الهواء سألنى سامح عن أكثر ممثلى السينما المصرية اهتمامًا بالصراع العربى الإسرائيلى، ونجح فى تجسيد هذا الاهتمام على الشاشة من خلال أفلام حرب أكتوبر؟ فأجبته دون تفكير: إنه محمود ياسين.

ورغم أن وقت اللقاء قد التهمه كله الحديث عن أغنيات النصر فى أكتوبر، فإن سؤال الفنان الكبير ظل يتردد فى داخلى، لا سيما أن المصادفة القدرية جعلت من شهر أكتوبر هو شهر وداع محمود ياسين الذى تُوفى فى الرابع عشر منه قبل خمس سنوات، فقد قدم ياسين وحده تسعة أفلام عن الصراع العربى الإسرائيلى ارتدى فى معظمها البزة العسكرية جنديا وضابطا وقائدا كبيرا.

بدأت هذه السلسلة بفيلم «أغنية على الممر» سنة 1972 الذى جسّد من خلاله دور أحد المجندين على خط القتال مع إسرائيل.. حينما يكون الموت على مرمى بصرك فلا مجال للكذب أو حتى التجمل، وحينما يكون العدو أقرب مسافة إليك من أهلك، وأنت بلا ظهير أو نصير، فلا عجب فى أن تصفو المشاعر حتى مع تلبد الأجواء، وأن تنهمر الذكريات فى النفوس حتى مع جفاف الحلق وسطوة العطش.. أربعة جنود شباب وخامسهم قائدهم انقطعت بهم السبل فى ممر ضيق فى مواجهة نيران العدو وحربه النفسية بعد أن تركهم جيش منسحب بعار الهزيمة فى 1967 يواجهون المجهول وسط الصحراء، ليس أمام هؤلاء إلا الصمود إن كانوا يريدون لضحكة مصر أن تعيش، إنهم لن يتركوا ممرهم، لن يخذلوا كبرياء أمة فرضت عليها الهزيمة.. شوقى أو محمود ياسين أكثرهم مثالية واتزانا، جاء إلى الجبهة تطارده لعنات الفشل فى العمل والدراسة والحب بسبب تمسكه بالقيم والمبادئ، فإذا به لا يشعر بالنجاح إلا وسط زملاء الممر فى مواجهة العدو، لم يهزمه ضعفه الإنسانى مثل غيره رغم شحّ الذخيرة والماء والغذاء والحرب النفسية الضاغطة التى يمارسها العدو، فكان آخر مَن بقى مع الشاويش محمد قائد المجموعة يدافعان عن الممر، ويغنيان: «أبكى.. أنزف.. أموت وتعيشى يا ضحكة مصر».

لقد كانت «أغنية على الممر» عملا مختلفا عن السينما السائدة, ومعبرا عن روح جماعة السينما الجديدة التى سعت إلى تغيير واقع السينما الذى كانت تعيشه مصر, ومن ثم جاء عملا صموديا فى واقع سينمائى محبط تماما، مثلما كان محتواه صموديا فى وجه واقع سياسى وعسكرى أكثر إحباطا فى عام 1972 الذى سُمى بعام الحسم وقبل عام تقريبا من حرب أكتوبر 1973.

وكأنه فى «الرصاصة لا تزال فى جيبى» سنة 1974 هو ذاته الجندى الذى ذاق مرارة الهزيمة فى «أغنية على الممر» هو ذاته فى غلّه وهو يقاتل العدو فى 1973 ويحقق النصر مع زملائه, وفى صموده وهو يقاوم ذلك العدو حينما وجد نفسه خلف خطوطهم, إنه إذن الجندى المصرى الذى لا يعرف الانكسار, قد يخسر جولة لكنه لا يخسر معركته فى النهاية.. لقد جاء إلى الجبهة وهو يحمل فى صدره همه الشخصى وعلى كتفه هموم وطن, وحينما عاد منها بعد تحقيق النصر أيقن أن عدوه ليس فقط على الحدود فى جبهة القتال، وإنما هناك أيضا مغتصب يعيش بيننا، هناك لصوص وفسدة ومستغلون يجب الانتباه إليهم ومقاومتهم، وكأنهم الوجه الآخر للهزيمة أو هم أسبابها الحقيقية، ولذلك فإن الرصاصة سوف تبقى فى جيبه كى يكون على استعداد دائم للدفاع عن حبيبته.. مصر.

وجاء فيلم «الرصاصة لا تزال فى جيبى» متزامنا مع عرض فيلم «الوفاء العظيم» فى السادس من أكتوبر 1974 فى الذكرى الأولى للانتصار العظيم، وقبل أسبوع من عرض فيلم «بدور» ثالث أفلام محمود ياسين عن حرب أكتوبر، فإذا ما أضفنا إلى هذه الأفلام الثلاثة تجربته المهمة فى فيلم «أغنية على الممر»، وكذلك فيلم «حائط البطولات»، الذى لم يُعرض تجاريا لأسباب مجهولة، والذى جسد من خلاله دور الفريق محمد على فهمى بطل حائط الصواريخ وقائد قوات الدفاع الجوى فيما بعد، أدركنا أنه أكثر نجم قدم شخصية المقاتل المصرى وخاصة فى زمن المواجهات العسكرية مع إسرائيل، وإذا ألحقنا بهذه المجموعة فيلم «رحلة النسيان» الذى أنتجه بنفسه عام 1978 ومن بين أبطاله ضابط مصرى كان مفقودا فى الحرب قام بتجسيده لاعب الكرة السابق طاهر الشيخ ومن قبله فيلم «الظلال فى الجانب الآخر» الذى تناول فى جانب منه القضية الفلسطينية، وأيضا فيلم «الصعود إلى الهاوية» ودوره الخالد كضابط مخابرات مصرى أوقع بذكاء واحدة من أخطر عملاء إسرائيل هى الجاسوسة هبة سليم أو عبلة كامل بحسب ما ظهرت فى الفيلم، ثم فيلم «فتاة من إسرائيل» الرافض تماما للتطبيع تأكد لنا أن محمود ياسين كان أكثر ممثلى جيله اقترابا من الهم الوطنى ومعبرا عنه فى أفلامه.

إنه رجل آخر يستحق أن نتذكره فى تلك الأيام المجيدة التى نستلهم فيها ذكرى انتصارنا العظيم فى أكتوبر 1973.