على طريقة «سرى للغاية»، حاولت الحصول على القرار الوزارى المنظم لشهادة البكالوريا أسوة بأن وصلنى على جروب الإعلام، القرار الوزارى المنظم لمرحلة الثانوى العام، فلم أتمكن جروبيا، فلعب الشك برأسى -وأكاد أشك فيك وأنت منى كما تغردها الست فدارت الظنون- لأن الشهادتين مضمونهما واحد وهو شهادة إتمام المرحلة الثانوية. فدخل الفارّ فى عقلى بأسئلته: أين إذن البكالوريا وقرارها؟، حتى عثرت على القرار وحيدًا على قارعة النشر بـ«الوقائع المصرية».
ظل السؤال يحيرنى: لماذا قراران وزاريان لمرحلة الثانوى العام والمسمى واحد شهادة إتمام الدراسة بالثانوى العام؟ رغم أن مضمون المناهج واحد تقريبا ولكن بروحين، يالا بلا خوتة كلها قوانين وزيادة الخير قوانين.
وبعد الاطلاع على القرار من ثلاثة مواقع صحفية، أحدها يبدو رسميا، لأن به اسم الوزارة وشعارها، نقلت منه صورة القرار بعد نشره بجريدة الوقائع المصرية -مرفق صورة منه بالمقال- اعتزازًا منّى بالجريدة التى أسسها المعلم والمثقف التنويرى، رفاعة رافع الطهطاوى، مؤسس التعليم المصرى الحديث، خريج العلوم الأدبية والفكرية، التى لا يحبها، وتفضلها الآن الوزارة.
وقررت إحالة أوراق القانونين إلى معالى الإفتاء الصحفى ولجانه المتخصصة بالكتابة فى الشأن التعليمى، «فقررت ما هو آتٍ» على رأى مطربى المفضل عبدالحليم حافظ فى فيلم «أبى فوق الشجرة»، فرأت محكمة الإفتاء الصحفى التعليمى، وبعد عرض الحصول على القرار الوزارى ونشره فى الجريدة الرسمية مع الاعتذار لرائد التنوير رفاعة الطهطاوى لأنى أتداخل معه فى الشأن الصحفى والتعليمى بأن الشكاوى والتظلم مستحبة والعياذ بالله من أحوال القسم الأدبى وسنينه.
فالقسم الأدبى سابقا يا معالى رفاعة باشا رائد التعليم والتنوير والمعروفين والمنقسمين حاليا من بويضة واحدة ليست توأمتين فى كل الأحوال إلى قسمين منفصلين، وهما شعبتا الأعمال، وهذه غير طائفة -رجال الأعمال- يعنى أعمال مشترك بنين وبنات. والقسم الآخر هو الفنون والآداب مع أن ليس به درجات مجموع لمواد دراسية لا للفنون أو الآداب، لكن يمشى برضه الولادة القيصرية.
فيا سيدى رفاعة، ألتمس منك النظر والتأمل فى أوضاعهم بالقرار، حيث يعانى طلابه من فقر دم بالمعرفة والتسطيح لخلايا العلم نور، ونقص حاد فى مسمى مواد المستوى المتقدم -الرفيع سابقا وليس التخين- ووصلت إلى منسوب مادة واحدة فى الصف الثالث الثانوى أو المرحلة الثانية من البكالوريا مقابل مادتين للقسم العلمى بشقيه العلوم والرياضيات -سابقا- أو المسمى الجديد بقرار البكالوريا وهما شعبة علوم الحياة وعلوم الهندسة، ولا أعلم لماذا هذه التفرقة بين التخصصات فى عدد مواد المستوى المتقدم اثنين العلمى مقابل واحد للآداب، ناهيك عن إلغاء تدريس الفلسفة والمنطق وعلم الاجتماع والاكتفاء بالرياضيات والإحصاء الأدبى؟! والمثير أكثر يا رفاعة باشا أن القرار يقول إنه نظام اختيارى وكل طالب حر فى نظامه، إلا أن مفارقة التطبيق بالمواد والكليات تقول لنا إن الأغلبية من المدارس تعتبره إجباريا لالتحاق الطلاب بها، وعلى المتضرر اللجوء إلى رفاعة باشا فى قبره لتسأله عما يقال إنها التعليمات، ومن البداية هكذا وعملا بنظرية نور على نور، وليس بنظرية الأفخاخ التعليمية.
ولذلك قررت أن أجرى دراسة سريعة عن نتائج الثانوية العامة والتنسيق لهذا العام، والذى انتهت أعماله هذا الأسبوع لأضعها أمام الطالب، وولى الأمر وهو يختار أحد النظامين ثانوى عادى مبرمج مسبقا وبكالوريا مستحدثة، ومعها بالمرة يختار التنظيم العلمى.
فمثلما ترتفع أسعار السلع على المستهلك وأحيانا بدون أسباب، ارتفعت أيضا نتيجة تنسيق الثانوية العامة هذا العام لا سيما للقسم الأدبى، فقد كشفت نتيجة التنسيق مؤخرا عن مفاجآت بارتفاع الحد الأدنى، وبزيادة تقترب من 5 فى المائة مقارنة بالعام الماضى، ويحدث ذلك الارتفاع الصارخ -وربما لأول مرة- منذ إنشاء مكتب التنسيق قبل أكثر من نصف قرن.
يعود هذا الارتفاع إلى التغيير الذى حدث فى بداية العام الدراسى الحالى وبهيكلة شهادة الثانوية العامة وخفض المجموع إلى 320 درجة بدلا من 410 درجات وهو رياضيا أى طبقا لعلم الرياضيات، فهذا التخفيض لا يسمح بتطبيق المعايير العلمية بين الطلاب فى توزيع الدرجات وإنما يحشرها ويكدسها فى شرائح محددة، بمعنى أنه كلما زاد الرقم للمجموع وليكن 1000 درجة، أصبح أكثر كفاءة علمية ورياضية لتحديد الفروق الفردية فى مجاميع وتوزيع الطلاب، وهى النظرية القائم عليها مكتب التنسيق نفسه، وجاء هذا التحدى والذى طبق فجأة، بحجة تخفيض عدد المواد الدراسية لتصبح 5 مواد دراسية فقط بالمجموع، وأدى هذا الانكماش إلى الضغط على الطلب بالكليات، وهى نفس النظرية الاقتصادية القائلة بأن زيادة المعروض من الدرجات أدى إلى التكالب على سلعة كليات الاقتصاد والألسن والإعلام والآثار، وارتفاع الحد الأدنى بشكل تضخمى كبير، ولم يحدث من قبل، بجانب إعطاء وزن نسبى أكبر لدرجات مواد اللغة العربية والأجنبية الأولى بـ45 فى المائة من المجموع، وهو ما أعطى ميزة نسبية لطلاب اللغات، والذين يدرسون مناهجهم باللغات الأجنبية فى أغلب المواد الدراسية ومنذ رياض الأطفال، وأصبحت نسبتهم غير قليلة مؤخرا، فى مقابل طلاب المدارس الرسمية، وهم الأغلبية ويدرسون فقط اللغة الأجنبية كمادة، وبقية المواد باللغة العربية أو كما يقول طلابها «تعليم حكومى»، مما ساهم بالضغط والتركيز بشريحة المجاميع العُليا، يُضاف إلى ذلك أنه ترك للجغرافيا والإحصاء والتاريخ بقية النسبة من مجموع الدرجات (55 فى المائة) وقد يرد البعض، أنه نفس المعيار المطبق على طلاب العلمى، فلماذا لم يرتفع الحد الأدنى به بهذا الشكل الصارخ، الإجابة أن طبيعة المواد الدراسية نفسها من رياضيات وفيزياء وأحياء تختلف عن مواد التاريخ والجغرافيا وسهولة الامتحانات بها، مما أدى إلى الارتفاع بالشريحة الأعلى للمجموع وتركيزها مقابل الشرائح الأدنى، وكذلك عامل هام آخر وهو العدد المحدود للكليات مثل الاقتصاد والعلوم السياسية، والألسن والإعلام والآثار فعددها لا يتعدى أصابع اليد، على العكس تماما من توافر كليات للطب وطب الأسنان والصيدلة والهندسة والحاسبات فى أغلب الجامعات الحكومية والتى تجاوزت 28 جامعة حكومية، مما يؤدى إلى سهولة توزيع الأعداد والحد الأدنى، ناهيك عن ظواهر ارتفاع عدد الراسبين والدور الثانى فى مواد مثل اللغة الفرنسية؟ وما يتردد عن أزمات التصحيح والبابل شيت، بل إن الوزارة أصبحت ترسل تصحيحا مستمرا لدرجات الطلاب بعد إعلان النتيجة!، كل ذلك يستدعى القول إن التطبيق المفاجئ للتغييرات التى تمت، وعدم التشخيص الصحيح لأزمة الثانوية العامة أظهر كل هذه الأعراض الجانبية، والتى ربما آثارها ستكون مقلقة على المدى المتوسط وليس البعيد فقط، ويطرح أسئلة منها ماذا إذا هرب الطلاب -وهذا متوقع– من الدراسة بالقسم الأدبى إلى العلمى لوجود فرصة أكبر للالتحاق بالكليات كلها فهل لدينا الأماكن الكافية لكل هؤلاء؟، والأهم ما الآثار التى ستعود على المجتمع من ضعف نظم الدراسة بالأدبى بالثانوية وقلة المواد به وإلغاء مواد هامة، ليس لتكوين العقل والفكر فقط ولكن للتأهيل للجامعة منها؟، مما سيرفع من صعوبة الأداء عند الالتحاق بالجامعة، وربما يؤدى إلى نسبة رسوب أعلى بالسنوات الأولى حتى لو كانت بالاقتصاد والعلوم السياسية، فدراسة بعض المواد دون غيرها تحديدا وإجباريا، ربما غير موجود فى عدد من النظم الأجنبية التى تعطى مبادئ للطلاب فى عدد كبير من المواد، ثم تترك مادة أو اثنتين للتخصص.
إن ما حدث وتداعيات الهيكلة للثانوى العام الدراسى الماضى يحتاج التأنى فى التطبيق، وإعادة نظر فى ضوء المجاميع ونتائج الأرقام، وقبل تطبيق البكالوريا ومساراتها لا سيما للقسم الأدبى أو ما يسمى مسار الأعمال والفنون والآداب. وأرفع الأمر إليك رفاعة باشا يا قاضى الأفكار فرع التعليم ومستلزماته للبت فى أمور جيل ما بعد «زد».