وصل التعنت الأمريكي تجاه فنزويلا.. إلى أقصى حد من الفجاجة والاستعلاء -بحجة أن الدولة اللاتينية الصغيرة - تمثل الخطر الأكبر على أمريكا بإغراقها بالمخدرات.. ومثل هذا الزعم لا يقبل به إلا (المساطيل).. فالأزمة لا تكمن في المخدرات.. ولكن في احتياطات البترول الكبيرة.. التي تتمتع بها فنزويلا.. وترغب الولايات المتحدة الأمريكية في السطو عليها.. فلو كان الأمر محصورا في قضية المخدرات، فمن السهل على الإدارة الأمريكية.. أن ترسل مندوبيها إلى العاصمة الفنزويلية كاراكاس لمناقشة كيفية وضع المخططات.. لوقف هذا الخطر.. ومن حق أمريكا أن تتخذ كل الإجراءات لحماية حدودها من الاختراق.. ومن حقها أيضا أن تتخذ كل المحاذير لمعاقبة كل منْ يتورط في تهريب المخدرات إلى أراضيها بأقسى وأقصى العقوبات.
لكن الواضح لكل المراقبين والمهتمين.. أن أمريكا قد فجرت كل هذه التمثيلية ليس بهدف عزل الرئيس الفنزويلى مادورو - وليس بهدف وقف مخاطر المخدرات - ولكن الهدف الأول والأخير هو السطو على احتياطات البترول الضخمة، لدى فنزويلا.. ولذلك عمدت أمريكا إلى التصعيد بداية من نشر قطع أسطولها البحرى بالقرب من شواطئ فنزويلا - والقيام بالعديد من المناورات العسكرية.. وصولا إلى مصادرة ناقلة ضخمة محملة بالبترول الفنزويلي.. ورغم تماسك الرئيس الفنزويلى مادورو.. وردود أفعاله التى تؤكد أنه يحتمى بشعبه.. وأنه لن يستسلم وسيقاوم مهما كانت هذه الضغوطات.. ولذلك فإن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.. سيجد نفسه أمام ثلاثة سيناريوهات صعبة.. يكمن السيناريو الأول فى تكرار ما حدث فى بنما عام 1989.. عندما اجتاحت القوات الأمريكية الأراضى البنمية.. لتلقى القبض على رئيس بنما (نورييجا).. رغم أن الرجل كان عميلا للمخابرات المركزية الأمريكية.. وتم انتهاك أراضى دولة مستقلة.. وإلقاء القبض على رئيسها.. بذات الحجج تهريب المخدرات وغسيل الأموال.. وبعد هذه العملية غير الشرعية.. والتى تتصادم مع القانون الدولى لم تستطع أمريكا تخويف كل دول أمريكا اللاتينية.. وتوالت الاعتراضات ومحاولات الانعتاق من النفوذ الأمريكى.
أما السيناريو الثانى فيكمن فى ما حدث بسوريا فى الثامن من ديسمبر 2024.. حيث اكتملت أركان (الصفقة الملعونة) بين أمريكا وروسيا وتركيا والكيان الصهيوني؛ لتتم الإطاحة بالرئيس السورى بشار الأسد.. الذى اعتمد على حماية روسيا وإيران وحزب الله.. ولم يسع إلى الحصول على رضا وحماية شعبه.. فانتهى به الأمر منفيا فى روسيا.. والإتيان بمن كان يتصدر قائمة الإرهابيين المعروف باسم أبو محمد الجولانى.. ليصبح رئيسا لسوريا باسم جديد هو أحمد الشرع.. ولتتمزق سوريا.. بين أطراف الصفقة الملعونة.. وقد أعد الأمريكان بديلا للرئيس الفنزولى مادورو - متمثلا فى المعارِضة أمريكية الهوى ماريا كورينا ماتشادو.. التى تم منحها جائزة نوبل للسلام.. وتلك السيدة على أتم الاستعداد للقيام بكل ما يقوم به أحمد الشرع فى سوريا.
أما السيناريو الثالث.. فيكمن فى مواصلة الرئيس الفنزويلى مادورو صموده - محتميا بشعبه.. وإن كان هذا غير كافٍ أمام الثيران الهائجة فى واشنطن، وقد استطاع مادورو أن يوثق من علاقاته مع كل من روسيا والصين.. وهذا أيضا غير كافٍ.. فقد رأينا روسيا تتخلى عن بشار الأسد.. عندما وجدت أن حصتها فى الصفقة الملعونة مرضية جدا.. حيث احتفظت بقاعدتيها العسكريتين داخل سوريا فى طرطوس وحميميم.. وتلقت تأكيدات أمريكية بأنها ستحتفظ أيضا بالمقاطعات الأربع التى سيطرت عليها فى أوكرانيا.. ويتبقى للرئيس الفنزويلى مادورو مواقف دول أمريكا اللاتينية.. ويمكن للرجل أن يراهن على مواقف كل من البرازيل وكولومبيا.
وأمام كل هذه السيناريوهات الصعبة والمرتبكة.. فإن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.. لن يتورع عن تكرار ما فعله أحد أسلافه الرئيس جورج بوش الابن.. عندما سال لعابه على بترول العراق.. فدبر تمثيلية الأسلحة النووية - حتى يجتاح الأراضى العراقية، ويلقى القبض على الرئيس العراقى صدام حسين.. وتقديمه إلى محاكمة صورية.. ليتم إعدامه فى مثل هذه الأيام (30 ديسمبر عام 2006).
وأمام كل هذه المخاطر ليس أمام الرئيس الفنزويلى مادورو.. إلى جانب الاحتماء بشعبه.. أن يعمل على تجييش أكبر عدد من دول أمريكا اللاتينية ليقفوا إلى جواره أمام تلك الهجمة الهمجية الأمريكية وعليه أن يخاطب الأمم المتحدة.. وكل المنظمات الدولية والإقليمية ليس فقط من أجل أن يساندوه ضد هذا التغول الأمريكي.. ولكن لكى يؤكد لكل تلك الدول والمؤسسات.. أنه شخصيا.. ومعه كل مؤسسات الدولة الفنزويلية ضد تجارة المخدرات.. وضد إضرار الولايات المتحدة الأمريكية بتلك المخدرات.. وأنهم على أتم الاستعداد لتقديم كل المساعدة.. لأى مخططات تهدف إلى القضاء على خطر المخدرات.. سواء التى يتم تهريبها إلى الولايات المتحدة..أو التى يتم تهريبها إلى أى مكان فى الكرة الأرضية.
وعلى دول أمريكا اللاتينية.. ومعها كل الدول العالم أن تقف بكل القوة أمام المخططات الأمريكية.. التى تهدف إلى عزل رئيس دولة مستقلة.. جاء إلى الحكم بإرادة شعبه.. ويسير على درب الرئيس الفنزويلى الراحل هوجو شافيز.. الذى كان فى طليعة المعارضين للسياسات الأمريكية.. واستطاع السير على ذات الدرب الذى سارت عليه كوبا بقيادة زعيمها التاريخى فيدل كاسترو.. ومعه شريك نضاله الراحل تشى جيفارا.. ورغم مرور أكثر من ستين عاماً على الثورة الكوبية التى اختارت منذ البداية أن تكون ضد السياسات الأمريكية رغم أنها الدولة الأكثر قرباً من الحدود الأمريكية، ورغم أنها بكل المقاييس دولة شديدة الصغر مقارنة بحجم وقدرات الولايات المتحدة الأمريكية؛ إلا أن زعيمها التاريخى فيدل كاسترو استطاع أن يقف بكل القوة والصلابة ضد المخططات والسياسات الأمريكية، والغريب أن كلا من فيدل كاسترو الكوبى وهوجو شافيز الفنزويلى كانا يجاهران بأنهما يسيران على درب الزعيم المصرى جمال عبدالناصر.. عندما تصدى للمخططات والمطامع الأمريكية خلال حقبة الخمسينيات والستينيات.
وقد استثمر كل من عبدالناصر وكاسترو الصراع الذى كان موجودا بين القطبين الأكبر فى العالم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، أما فى الوقت الراهن وبرغم عودة روسيا لتكون قوة فاعلة ومؤثرة إلا أنها لم تصل بعد إلى مكانة الاتحاد السوفيتى السابق، كما أن الصين لا تريد حتى الآن الإعلان عن كونها قد أصبحت بالفعل قوة عظمى.
ورغم ذلك فإن كلاً من روسيا والصين تستطيعان – لو أرادتا- الحد كثيراً من هذا الهياج الأمريكي.
أما الأغرب فى قضية الصراع الأمريكى الفنزويلى فهو مفاخرة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بأنه قد استطاع إنهاء ثمانية حروب، وإنه فى سبيله إلى وقف الحرب التاسعة (الحرب الأوكرانية الروسية).. ورغم سعى ترامب لتقديم نفسه على أنه رجل سلام.. يرغب فى الحصول على جائزة نوبل للسلام.. رغم كل هذا يسعى الرجل إلى تفجير حرب ضد فنزويلا للإطاحة برئيسها رغم أنف شعبه.. ولذلك فعلى معاونى ترامب أن يهمسوا فى أذن رئيسهم إن كان يريد جائزة نوبل فعليه أن يهدأ وأن يراجع نفسه.. ليضع مخططاته لوقف مخاطر المخدرات وعلى العالم كله أن يقف إلى جوار الشعب الفنزويلى ليعرف ترامب أن هذا الشعب لم ولن يكون وحده.